25-سبتمبر-2020

استياء الإطار الطبي وشبه الطبي من ضعف مقومات حمايته من الإصابة بالفيروس ومخلفات ذلك (صورة تقريبية/ getty)

 

"رغم كلّ الاحتياطات الوقائية التي اتخذتها إلاّ أني أصبت بالعدوى نتيجة عدّة أسباب أولها اكتظاظ المستشفى، والتعامل مع عدد كبير من المرضى عن قرب يوميًا، إضافة إلى غياب الإجراءات التي من الممكن أن تحمي الأطباء والممرضين أكثر"، هكذا تحدث أحد الممرضين الذين أصيبوا بفيروس كورونا لـ"الترا تونس"، مشيرًا إلى "أنّ المشفى التي يشتغل به سجل العديد من الإصابات في صفوف الإطار الطبي وشبه الطبي الأمر الذي دفع إلى تعطّل العمل في عدّة أقسام وتحويل المرضى الوافدين إلى بعض المستشفيات الأخرى القريبة".

في الحقيقة، خبر إصابة طبيب أو ممرض أو أي عامل في أحد المستشفيات ليس بالأمر المفاجئ في ظل انتشار فيروس كورونا، وارتفاع عدد الحاملين للفيروس خصوصًا ممن لا يحملون أي أعراض للمرض ليس غريبًا، إضافة إلى غياب العديد من الإجراءات الوقائية داخل العديد من المستشفيات مع توقف عمل مسالك كوفيد 19 التي تم تركيزها خلال الموجة الأولى في جميع المستشفيات.

أثار ارتفاع عدد الإصابات في صفوف الإطارات الطبية وشبه الطبية عديد المخاوف لدى أهل القطاع، خاصة من مدى تأثير ذلك على سير عمل المستشفيات العمومية وعلاج بقية الأمراض

وقد أشارت رئيسة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، نصاف بن علية خلال ندوة صحفية مؤخرًا إلى أنّه تم تسجيل 265 إصابة في صفوف الإطارات الطبية وشبه طبية في تونس، مضيفة أنّ العدد في تصاعد خلال المدّة الأخيرة.

وكانت أكدت بن علية أنّه يجب التعامل مع كلّ من يتّجه إلى المستشفيات والمراكز الصحية على اعتبار أنه شخص حامل للفيروس، ويجب  اتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية، خاصة وأنّ عددًا كبيرًا من الحاملين للفيروس لا تظهر عليهم أية أعراض، وفقها.

وقد أثار ارتفاع عدد الإصابات في صفوف الإطارات الطبية وشبه الطبية عديد المخاوف لدى أهل القطاع، خاصة من مدى تأثير ذلك على سير عمل المستشفيات العمومية وعلاج بقية الأمراض، لا سيما الأمراض الخطرة والحالات الاستعجالية.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. المنظومة الصحية تنهار والإصلاح الجذري مفقود

في هذا السياق، أشارت الجامعة العامة للصحة، في بيان لها مؤخرًا، إلى أنّ ارتفاع نسبة العدوى في صفوف مهنيي الصحة بكافة أسلاكهم مؤشر يدلّ على خطورة الوضع، الذي سيؤدي إلى استنزاف قدرات الأعوان على قلّتها مما يزيد الوضع تعقيدًا في مواجهة هذه الموجة التي يصعب التكهن بنتائجها ومخلفاتها.

الجامعة العامة للصحة تحمّل اللجنة العلمية مسؤولية غياب بروتوكول خاص بمهنيي الصحة وغياب خطة تواصلية ومن العواقب الوخيمة لقرار إيواء مرضى كورونا بنفس الأقسام التي تأوي مرضى آخرين

كما حمّلت الجامعة العامة للصحة، في ذات البيان، اللجنة العلمية مسؤولية غياب بروتوكول خاص بمهنيي الصحة وغياب خطة تواصلية دقيقة وناجعة مع كافة الأسلاك بالقطاع ومن العواقب الوخيمة لقرار إيواء مرضى كورونا بنفس الأقسام التي تأوي مرضى آخرين. كما عبرت عن رفضها تعريض المهنيين المباشرين لمرضى كورونا بأقسام الإيواء العادية والانعاش لمخاطر العدوى ونقلها للمحيطين بهم والتغاضي عن التكفل بهم.

على صعيد آخر، حمّلت الجامعة العامة للصحة وزارة الصحة "مسؤولية النقص الكبير في وسائل الحماية خاصة ونحن في مرحلة انتشار الوباء مجتمعياً وهذا ما تعاني منه كافة المؤسسات الصحية"، وفقها.

اقرأ/ي أيضًا: 287 إصابة بكورونا في المؤسسات الصحية: جامعة الصحة تتهم الوزارة باللامبالاة

لم يقتصر تسجيل إصابات في صفوف الإطارات الطبية على جهة ما أو مستشفى واحد، الأمر الذي أدى إلى غلق بعض الأقسام في عدّة مستشفيات للقيام بالتعقيم وإجراء التحاليل اللازمة لكامل أعوان القسم للتثبت من عدد الحالات، لكن الإطارات الطبية باتت أكثر خوفًا بعد أن أصبحت كل المستشفيات في تونس معنية بتوفير العلاج لمصابي فيروس كورونا بعد أن كان علاج كوفيد 19 يقتصر على مستشفى عبد الرحمان مامي.

أشار حبيب غديرة، عضو اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا، في تصريحات لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية) إلى أنّ الإدارة العامة للصحة بالوزارة وجهت مراسلة إلى كافة الهياكل الصحية تدعوها بموجبها إلى التكفل بالحالات الحاملة للإصابة بكورونا.

عبد الكريم، وهو مريض سكري، لـ"الترا تونس": "واجهت خلال المدة الأخيرة مشكل ضرورة الانتظار عند الذهاب للمستشفى بسبب التخوّف من أن يكون سبب الإغماء الإصابة بفيروس كورونا"

ويتطلب هذا القرار بالضرورة تفعيل تأهيل مسالك كوفيد 19 بالمستشفيات العمومية وتخصيص قاعة لإيواء الحالات المشكوك بإصابتها إلى حين إخضاعهم للتحاليل المخبرية، كما أشار غديرة إلى أنّه "سيتم إيواء المرضى بالفيروس بالمستشفيات في حال تعكرت حالتهم بصفة يكونون بموجبها معزولين عن غيرهم"، موضحًا أن هذا التوجه يعكس التخلي عن سياسة تخصيص مستشفى خاص لمرضى كوفيد مثلما تم إقراره سابقًا في علاقة بمستشفى عبد الرحمان مامي بأريانة الذي خُصص لإيواء مرضى كورونا فقط في وقت سابق.

وقد أشار عضو اللجنة إلى أنّ "الفرق الطبية ستوجه الحالات المشكوك بإصابتها بفيروس كورونا عبر مسارات كوفيد 19 ثم يقع إيواؤها بقاعة عزل صحي إلى حين إخضاعها للتحاليل المخبرية، على أن يسمح للأشخاص الذين كانت نتيجة تحاليلهم سالبة بالمغادرة ويوجه غيرهم إلى الإيواء بالمستشفيات".

على أرض الواقع، يواجه العديد من المرضى بعض المشاكل خلال التوجه إلى المستشفيات بسبب خوف الإطارات الطبية من الإصابة خاصة من الأشخاص غير الحاملين للأعراض، إذ يشير عبد الكريم، وهو مريض سكري، لـ"الترا تونس" إلى أنّه "تعرّض إلى وعكة صحية بسبب انخفاض السكري والشعور بالإغماء وعلى الرغم من كونه تعوّد التوجه إلى المستشفى لتلقي العلاج، إلا أنّه واجه المدة الأخيرة مشكل ضرورة الانتظار بسبب التخوّف من أن يكون سبب الإغماء الإصابة بفيروس كورونا"، مضيفًا أنّ "حالته كانت ستتعكر أكثر بسبب مخاوف الإطار الطبي من التعامل مع أي حالات مشكوك فيها".

من جهته، أشار طبيب في أحد المستشفيات (رفض الكشف عن اسمه) إلى أنّ "الإطار الطبي اليوم مهدد أكثر من غيره خاصة وأنه لم يتم تفعيل مسلك كوفيد 19 بعد في أغلب المستشفيات، كما أنّ العديد من المرضى لا يحملون أي أعراض وحتى من يحملون أعراضًا مشابهة لأعراض كورونا وجُب التثبت من حالاتهم قبل مباشرة علاجهم". 

طبيب في أحد المستشفيات التونسية لـ"الترا تونس": "الإطار الطبي اليوم مهدد أكثر من غيره خاصة وأنه لم يتم تفعيل مسلك كوفيد 19 بعد في أغلب المستشفيات"

ولم يخف الطبيب خلال حديثه لـ"الترا تونس" أنّ تفشي الإصابات في صفوف الإطارات الطبية أثر على سير العمل في بعض الأقسام وفي علاج بعض الأمراض الأخرى أو تأجيل علاج بعض المرضى ممن حالاتهم غير خطيرة لتخفيف الضغط على المستشفيات، لا سيما وأنّها تشهد نقصًا كبيرًا في عدد الأطباء. وقد يتعمق أكثر إذا سجلنا إصابات أكثر في صفوف أعوان الصحة بمختلف أصنافهم"، وفق تعبيره.

يُذكر أنّه إثر نجاح الإطار الطبي وشبه الطبي في الحد من انتشار فيروس كورونا خلال الموجة الأولى التي عرفتها تونس، شن أعوان الصحة بمختلف أصنافهم المهنية إضرابًا عن العمل يوم 18 جوان/يونيو الماضي للمطالبة بتنفيذ كل الاتفاقيات الممضاة خاصة في مجالات الترقية المهنية وإقرار منحة الأقسام الطبية الثقيلة، وإعادة توظيف الأعوان حسب شهاداتهم العلمية والتصنيف الآلي للمصابين بكورونا ضمن حوادث العمل". كما طالب أعوان الصحة بإقرار منحة الجوائح والأوبئة، وإنهاء الفوارق المادية بينهم وبين بعض القطاعات الأخرى على مستوى الأجور.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أطباء تونسيون في المهجر.. ضرورة لا اختيار؟

في مستشفى سليانة.. غياب طب الاختصاص يعمّق أوجاع المرضى