15-أبريل-2023
التبرع بالدم

عرفت تونس حملة استثنائية للتبرع بالدم خلال شهر رمضان شهدت إقبالًا واسعًا من التونسيين (getty)

 

تزامن اليوم الوطني للتبرع بالدم في تونس الموافق لـ 8 أفريل/نيسان مع شهر رمضان الذي يتحلى فيه المواطن التونسي بروح العطاء والتضامن والتآزر. فكانت مناسبة ملائمة لتعزيز هذه القيم وتفعيلها من خلال الحث على التبرع بالدم عبر حملات توعوية بأهميته وخلوه من أي تداعيات سلبية على صحة الإنسان، كما يروّج له البعض. 

وقد استهدفت هذه الحملات جميع شرائح المجتمع ولاقت تجاوبًا واسعًا من شأنه أن يحسّن مخزون الدم الذي تراجع في السنوات الأخيرة تبعًا لعزوف المواطنين على التبرع. وقد وضعت وزارة الشؤون الدينية ضمن أنشطتها التي تحددها وتشرف عليها سنويًا بمناسبة حلول شهر الصيام برنامجًا استثنائيًا يكتسي طابعًا اجتماعيًا، ويتمثل في تحفيز التونسيين على الإقبال بكثافة على التبرع بالدم وذلك بمساعدة الأئمة الموكول إليهم حث المصلين خلال الدروس والخطب على التبرع والوقوف على أهميته من الجانب الإنساني والديني. وقد تفاعل التونسيون مع هذه الدعوات التي آتت أكلها.

عرفت تونس حملة استثنائية للتبرع بالدم خلال شهر رمضان شهدت إقبالًا وامن التونسيين ما من شأنه أن ينعش بنوك الدم التي يشهد مخزونها الاستراتيجي نقصًا فادحًا

سيارات الإسعاف كانت حاضرة وبكثافة أمام العديد من المساجد إبان صلاة العشاء وإلى حدود الانتهاء من صلاة التراويح وقد تم تجهيزها بالإطار الطبي وشبه الطبي لاستقبال المتطوعين للتبرع بالدم من المصلين والإطارات الدينية، فلاقت هذه الحملات تفاعلًا إيجابيًا وإقبالًا هاما في العديد من الجهات منها بنزرت وسوسة وتونس وصفاقس وغيرهم. 

 

 

وتعد هذه الحملة استثنائية واستبقاية ففي كل شهر رمضان يتراجع عدد المتبرعين بالدم المنخفض بطبعه، فتواجه بنوك الدم نقصًا فادحًا في مخزونها الاستراتيجي إذ لا يتيح الصيام لساعات طويلة عملية سحب الدم وبالتالي يتعذر على المتطوعين التبرع طيلة شهر كامل.

وتعاضد الجمعيات المدنية مصالح وزارة الشؤون الدينية ووزراة الصحة القائمتين على تنظيم حملات تبرع ميدانية وذلك بالمبيتات الجامعية والكليات. فإلى جانب جمع التبرعات، تتم توعية الشريحة المستهدفة بمنافع التبرع لصحة المتبرع والمتلقي على حدٍّ سواء. كما يتم دحض كل المغالطات التي تروج حول استغلال دم المتبرعين لبيعه أو إصابة المتبرع بأمراض فقر الدم وغيرها نتيجة التبرع.

إلى جانب جمع التبرعات تتم خلال الحملات توعية الشريحة المستهدفة بمنافع التبرع لصحة المتبرع والمتلقي على حدٍّ سواء كما يتم دحض كل المغالطات التي تروج حول استغلال دم المتبرعين لبيعه

 

  • حملات التبرع بالمساجد تلاقي تجاوبًا           

يواجه احتياطي الدم في تونس نقصًا فادحًا تحول السلطات المعنية بتضافر المجهودات مع مختلف المؤسسات على تلافيه والتقليص من حدته وذلك عبر الزيادة في المخزون إلى 270 ألف وحدة سنويًا، علمًا وأنه تم تسجيل رقم تبرع قياسي السنة الماضية قدر بـ241 ألف وحدة وفق تصريحات مدير المركز الوطني لنقل الدم سلامة حميدة الذي أكد أن تونس في حاجة يومية إلى 750 متبرع لتغطية حاجياتها من الدم. 

ولئن يقبل التونسي في أغلب الأحيان على التبرع لفائدة قريب من العائلة احتاج إلى الدم، فإن شريحة أخرى من المواطنين تؤمن بالعمل التطوعي خاصة منه التبرع بالدم الذي من شأنه أن ينقذ حياة العديد من التونسيين الذين يتعرضون لحوادث أو يحتاجون لعمليات استعجالية تتطلب توفير كمية من الدم. 

ليلى عبيدي (ثلاثينية) لـ"الترا تونس": هذه السنة الأولى التي أتبرع فيها بالدم في رمضان وذلك بفضل الحملات التي أقيمت قرب المساجد واختصرت على المواطن مشقة التنقل لنقاط التبرع المتمركزة عادة بالعاصمة

ليلى عبيدي، ثلاثينية أصيلة ولاية بن عروس، آمنت منذ حوالي عشر سنوات بأهمية العطاء وروح التطوع فتبادر كلما سنحت لها الفرصة بالتبرع بالدم وهي على أتم الاستعداد بالمواصلة في مشوار التبرع إيمانًا منها بأن كل قطرة دم تتبرع بها كفيلة بإنقاذ حياة شخص وحماية المرضى من أي تعكر صحي محتمل.

وتقول عبيدي، في حديثها لـ"الترا تونس"، إنها السنة الأولى التي تتبرع فيها بالدم خلال شهر رمضان وذلك بفضل حملات التبرع التي أقيمت في العديد من المعالم الدينية، واختصرت على المواطن مشقة التنقل إلى نقاط التبرع بالدم المتمركزة عادة في وسط العاصمة وهو السبب الرئيسي في الإقبال الكثيف على التبرع هذا الشهر، وفق تصوّرها.

 

صورة
تروج روايات عن أنه يتم استغلال دم المتبرعين ببيعه ما يدفع الكثيرين إلى العزوف (Getty)

 

وتؤكد المتحدثة ضرورة إضفاء تغيير وتجديد في استراتيجيات حث المواطن على التبرع، لأن الحملات التوعية الروتينية لم تعد تأتي أكلها، وعزوف الشباب عن التبرع مؤشر خطير خاصة في ظل تدني المخزون الاستراتيجي للدم في تونس.

أمين عام جمعية النهوض بالتبرع بالدم لـ"الترا تونس": ثقافة التبرع بالدم محتشمة في صفوف التونسيين ومن بين أسباب عزوف البعض عن التبرع الشائعات المتداولة المتعلقة ببيع الدم

 كما لفتت إلى أن تقريب خدمة التبرع من جميع المناطق كفيل بمضاعفة عدد المتبرعين والدليل على ذلك هو نجاح حملة التبرع بالدم التي تم القيام بها في هذا الشهر. 

 

  • "التبرع بالدم مفيد صحيًا"

لئن تعتبر نسبة الإقبال الطوعي على التبرع بالدم ضئيلة فإن الإشكال يكمن في فصائل الدم النادرة التي يجد محتاجوها صعوبة كبيرة في الحصول عليها فيتم إطلاق نداءات استغاثة على العديد من منصات التواصل الاجتماعي علها تجد صدى لدى القلوب الرحيمة كما تعمل الجمعيات التي تعنى بالتشجيع على التبرع بالدم جاهدة على تحصيل أكبر عدد ممكن من التبرعات لتلافي إشكال النقص في مخزون الدم.

وفي هذا الإطار، أفاد الأمين العام للجمعية التونسية للنهوض بالتبرع بالدم محمد حبيب بن عمارة بأن الجمعية تنشط في مجال التبرع بالدم منذ سنوات مع المركز الوطني لنقل الدم ويتمثل دورها في حث المواطنين على التبرع ومصاحبة الشباب في المؤسسات الجامعية للحوار معهم وإقناعهم بأهمية التبرع وببساطة العملية لدحض التخوفات الراسخة بأذهانهم، وكذلك تحميلهم مسؤولية العمل الإنساني لأن التونسي بصفة عامة تعوّد فقط على الأخذ وليس العطاء، حسب تقديره.  

أمين عام جمعية النهوض بالتبرع بالدم: مخزون الدم في تونس ينخفض في العديد من المناسبات مثل شهر رمضان وفصل الصيف لكن هذه السنة وزارة الشؤون الدينية حثت على التبرع فاستجاب لها المواطنون 

ولفت بن عمارة، في حديثه لـ"الترا تونس"، إلى أن ثقافة التبرع بالدم محتشمة في صفوف التونسيين مقارنة بالأجانب الذين يتوافدون على بلادنا ويقبلون بنسب أعلى من التونسيين بكثير على التبرع، لافتًا إلى أن الشباب المثقف في الجامعات بدأ يستجيب للحملات التوعوية لكن الأغلبية لا يشعرون بقيمة التبرع إلا عندما يحتاجون للدم. 

واعتبر أن تعلة عزوف البعض على التبرع هي الشائعات المتعلقة ببيع الدم، مشددًا على أن الدم لا يباع ولا يشترى، وما يحدث أحيانًا مجرد انفلاتات لا يخلو منها أي مجال.

 

صورة
عدد المتطوعين للتبرع بالدم لا يمثل سوى 21% من العدد الجملي للمتبرعين (Getty)

 

وأشار إلى أن المركز الوطني لنقل الدم يسلم الدم بطريقتين للمتبرعين الذين يتمتعون بانخراط متبرع وهي بطاقة يتم تقديمها للمتبرعين وصلوحيتها لا تتجاوز السنة، أما الطريقة الثانية فهي طلب متبرعين مقابل الحصول على الدم. 

وبين المتحدث أن المركز يقوم بتحليل الدم للتأكد من خلوه من أي أمراض معدية وهي عملية تكلفتها حوالي 200 دينار، مؤكدًا أن قانون التبرع بالدم أفضل قانون في وزارة الصحة لأنه يحمي المتبرع والمتلقي، كما تستوجب عملية التبرع تأكد الإطار الطبي من سماح الحالة الصحية للمتبرع بسحب الدم وتجاوز عمره الـ 18 سنة علاوة على سحب كمية محددة متفق عليها عالميًا، وذلك بهدف حماية صحة المتبرع.

 

 

وقال محمد حبيب بن عمارة إن الإنسان بإمكانه التبرع 5 مرات في السنة وهي عملية مفيدة صحيًا لأنها تسمح بتجديد الخلايا الدموية واكتشاف أمراض إن وجدت، لافتًا إلى أن المواطنين في الدول الأوروبية يحددون يومًا في السنة يتبرعون فيه بالدم ويكون بذلك مخزونهم من الدم محترمًا يغطي 80 بالمائة من حاجياتهم. 

أمين عام جمعية النهوض بالتبرع بالدم: تونس تحتاج سنويًا 270 ألف وحدة دموية لتوفر الدم للجميع وفي سنة 2022 تم تجميع 240 وحدة دموية وهو عدد قريب من الاكتفاء والهدف المرسوم هو  بلوغ الاكتفاء التام

وتابع: "مخزون الدم في تونس ينخفض في العديد من المناسبات، مثلًا في شهر رمضان وفي فصل الصيف. البعض يخلط بين كمية الدم وضغط الدم فيقولون إن لديهم القليل من الدم، لكن في الحقيقة كمية الدم هي نفسها موجودة لدى الجميع، والاختلاف يكون فقط في الضغط"، معقبًا: "هذه السنة وزارة الشؤون الدينية حثت على التبرع بالدم واستجاب المواطنون لهذه الدعوة وهي مبادرة طيبة خاصة وأن السنوات الماضية أثرت فيها إجراءات التوقي من فيروس كورونا على عمليات التبرع".

وأوضح الأمين العام لجمعية النهوض بالتبرع بالدم أن مركز نقل الدم لا يستفيد من عمليات التبرع العائلي لأن نفس الكمية التي يتم التبرع بها تقدم للشخص المتبرع لكن الاستفادة تكون من المتطوعين الذين يقدمون دمًا دون مقابل وهو الذي يكوّن المخزون، مبينًا أن هدف الجمعية هو قلب الموازين ليكون عدد المتبرعين طوعيًا هو الأعلى ليتمكن مركز نقل الدم من توفير الدم لكل من يحتاجه. 

كما بيّن أن البلاد التونسية تحتاج سنويًا 270 ألف وحدة دموية لتوفر الدم للجميع وفي سنة 2022 تم تجميع 240 وحدة دموية وهو عدد قريب من الاكتفاء والهدف المرسوم هو  بلوغ الاكتفاء التام.

جدير بالذكر أن مدير المركز الوطني لنقل الدم كان قد صرح بأن عدد المتطوعين للتبرع بالدم لا يمثل سوى 21 بالمائة من العدد الجملي للمتبرعين فيما لا تتعدى نسبة الانتظام في التبرع عتبة الـ8 بالمائة وهي أرقام ضئيلة لا تعكس حجم المجهودات المبذولة في حملات التوعية وحملات سحب الدم الميدانية.