24-فبراير-2020

لا يمكن نفي التأثير القوي لرئيس الجمهورية في تركيبة حكومة الفخفاخ (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

مقال رأي

 

في هذه اللحظة، وبعد تشكيلها، وقبل يومين من التصويت عليها في البرلمان، توجد ثلاثة أسئلة رئيسية في علاقة بحكومة إلياس الفخفاخ: ماهي هويتها السياسية بناء على تركيبتها؟ ماهي التحديات الأساسية التي ستواجهها؟ وماهي آفاق نجاحها؟

لنبدأ بالتركيبة. يخطئ البعض عندما يركز على فهم الحكومة من منطلق معيارين: التمايز بين "مستقلين" ومتحزبين"، والعلاقة بين الأطراف الحزبية بشكل عام.

هناك رابط خاصة سياسي بين الفخفاخ ومحمد عبو أمين عام التيار والذي سيكون عمليًا وبروتوكوليًا بمثابة نائب رئيس الحكومة

أولًا، من المهم أن نفهم الحكومة من زاوية "من أثر في تعيين من". وهنا يجب أن نقول إن هناك وزراء قريبين تحديدًا من إلياس الفخفاخ يمكن أن نسميهم وزراءه المقربين. وليس من المصادفة أن يتعلق ذلك باختصاص الفخفاخ، أي بملفات أساسًا اقتصادية ومالية (نزار يعيش في وزارة المالية، صالح بن يوسف في وزارة الصناعة، لبنى الجريبي مكلفة بالمشاريع الكبرى)، يضاف إليهم أيضًا سليم العزابي أمين عام حزب تحيا تونس، والذي سيكون وزير الاستثمار والتعاون الدولي، والذي يمكن اعتباره قريبًا من رئيس الحكومة. يضاف إلى هؤلاء وزراء من خارج محور المالية والاقتصادية، من المقربين للفخفاخ أو لمحيطه ومن ذلك السيدة ثريا الجريبي وزيرة العدل وأيضًا وزيرة الثقافة التي أثارت جدلًا كبيرًا شيراز العتيري.

أيضًا من زاوية "من أثر في تعيين من"، من المهم أن نشير بشكل خاص إلى التأثير القوي لرئيس الجمهورية، ليس فقط في الوزارتين الأقرب أي الخارجية والدفاع، بل أيضًا في وزارات أخرى مثل الداخلية وحتى كتابة الدولة للموارد المائية التي اقترحها على الأرجح الرئيس قيس سعيّد. بل أيضًا وزير التعليم العالي القريب من حركة النهضة لكن أيضًا الذي اعتبره الرئيس على ما يبدو الأقرب إلى الموقع من المرشحين المقترحين. إذ ليس فقط الصورة السياسية هي التي تعكس أنها "حكومة الرئيس" بل أيضًا واقع العلاقة القوية بين الرئيس ورئيس الحكومة وعدد من الوزراء فيها.

اقرأ/ي أيضًا: حكومة إلياس الفخفاخ.. لا يمكن إلا أن تمر!

هناك حلقة أخرى لا تقل أهمية وهي الحزام السياسي الأقرب، ويتعلق ذلك تحديدًا بالعائلة الاجتماعية الديمقراطية. لا يجب أن ننسى أن العام الماضي في هذا التوقيت تقريبًا كان إلياس الفخفاخ باسم حزب التكتل يفاوض من أجل الاندماج في حزب سياسي واحد مع حزب التيار الديمقراطي. هناك رابط خاصة سياسي بين الفخفاخ ومحمد عبو، أمين عام التيار، والذي سيكون عمليًا وبروتوكوليًا بمثابة نائب رئيس الحكومة ليس فقط بوصفه أمين عام أحد أهم الأحزاب بل أيضًا بوصفه "وزير دولة"، وأيضًا يحوز على صلاحيات استثنائية في أهم ملف بالنسبة للحكومة والرئيس أي ملف مكافحة الفساد. يضاف إلى ذلك وزراء التيار الآخرين في أملاك الدولة والتربية وهي وزارات وازنة. ولكن أيضًا وزير الهيئات الدستورية وحقوق الإنسان، أي العياشي الهمامي الذي يمكن اعتباره أحد أبرز رموز العائلة الاجتماعية الديمقراطية.

هناك أيضًا الثقل الكمي الأبرز قياسًا بالتمثيل الحزبي لحركة النهضة. وزراؤها عمليًا سبعة بحساب أسامة الخريجي "المستقل" وعميد المهندسين، لكن أيضًا المعروف بقربه الكبير من مكتب إطارات حركة النهضة وأيضًا محيط رئيس الحركة. أغلب وزراء النهضة قريبون بشكل خاص من محيط رئيس الحركة باستثناء ربما وزير الصحة عبد اللطيف المكي، الذي يمكن أن يكون رابطًا مهمًا بين النهضة والعائلة الاجتماعية الديمقراطية، تحديدًا التيار لتسهيل العلاقة بينهما التي تضررت كثيرًا في الأشهر الأخيرة. يجب هنا أن نضيف منجي مرزوق القريب من النهضة ولكن أيضًا من التيار والذي سيمسك ملفًا يحيل على الاقتصادي لكن أيضًا على مكافحة الفساد وتقوية الشفافية أي الانتقال الطاقي.

تركيبة الحكومة معقدة وربما أول تحد تطرحه هو درجة الانسجام بين أعضائها

وزراء حركة الشعب سيكونون أيضًا طرفًا رئيسيًا بسبب انفتاحهم على معظم الأطراف وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل، إذ فعليًا سيكونون وزراء الاتحاد، مضاف إليهم وزير التربية محمد الحامدي عن التيار الديمقراطي.

هكذا أقرأ أهم ملامح تركيبة الحكومة. وهي بهذا المعنى تركيبة معقدة وربما أول تحد تطرحه هو درجة الانسجام بين أعضائها. سيتم على الأقل طرح مسارين لخلق حالة انسجام بين مكوناتها ومستوياتها المختلفة: أولًا سياج من المستشارين ممثلين للأحزاب في القصبة يسهّلون الترابط اليومي بينها. وثانيًا تنسيقية الأحزاب تجتمع دوريًا برئيس الحكومة لفض أي إشكاليات ومتابعة تنفيذ التعاقد الحكومي.

هناك طبعًا التحديات الأكبر، أي الملفات الكبرى أمام الحكومة وهنا توجد إحداثيتان: الأولى صندوق النقد الدولي الذي سيفرض على الحكومة الجديدة مناقشة عاجلة لعدد من الالتزامات ومنها عجز الميزانية وثقل كتلة الأجور، ومن الجهة الأخرى الاتحاد العام التونسي للشغل، والذي تميزت علاقة أمينه العام بالفخفاخ برباط قوي، مضاف إلى ذلك وزراء حركة الشعب خاصة ونسبيًا وزراء التيار، لكن ذلك ليس عقد تأمين كامل ضد أي إمكانية للاختلاف والصدام.

اقرأ/ي أيضًا: حكومة الفخفاخ.. أزمة الربع ساعة الأخير والسيناريوهات الممكنة

التحدي الآخر المهم هو طبيعة العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف من جهة ورئيس البرلمان من جهة أخرى

أخيرًا، التركيبة المعقدة تمنح حقيقة للحكومة أفقًا زمنيًا محترمًا يمكن أن يتجاوز العامين بعكس ما يقوله البعض في الكواليس حول سقوطها في الأشهر القليلة القادمة. أولًا، وجود قيادات نهضوية من الصف الأول وقريبة في أغلبها من رئيس الحركة يعني أن الحكومة مسماة جزئيًا على النهضة، وأن الأخيرة معنية بإنجاح وزرائها لتحسين رصيدها وليس بزعزعة استقرارها وإسقاطها. أيضًا الحكومة مسنودة بالرصيد الشعبي للرئيس الذي لم يتآكل جديًا حتى الآن. أخيرًا، وباختصار أي محاولة لزعزعتها يمكن أن تؤدي إلى حالة ارتباك وأزمة وتدخل الرئيس لحل البرلمان وانتخابات مبكرة لا تريدها معظم الأحزاب، حتى التي ستبقى في المعارضة وأهمها حزب قلب تونس. وعمومًا من الصعب جمع 109 نائب لإسقاطها خاصة إذا كان ذلك يعني في أحد استتباعاته انتخابات مبكرة.

التحدي الآخر المهم، هو طبيعة العلاقة بين رئيس الجمهورية وأيضًا رئيس الحكومة المكلف من جهة، ورئيس البرلمان من جهة أخرى. نحن إزاء علاقة متوترة في الحد الأدنى بين قيس سعيّد وراشد الغنوشي. إذ أصبح التراشق بتصريحات تتضمن نقدًا متبادلًا في العلن مرحلة جديدة على ذلك. والفخفاخ وأيضًا قيادات حزبية أخرى منها محمد عبو معنية بترميم العلاقة بينهما، إذ أن علاقة سلسة بين السلطة التنفيذية رئاسة وحكومة والبرلمان أمر أساسي خاصة إزاء جعبة مشاريع القوانين التي تنتظر للتمرير.

في الختام، فإن أفق نجاحها مبني على ملفين كبيرين: أولًا، تحسين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية خاصة مؤشرات الاستثمار وتخفيض عجز الميزانية وفتح الورشات الكبرى ومنها نزيف عدد من المؤسسات العمومية وفاعليتها، والشروع في تقدم جدي في المشاريع الكبرى خاصة في قطاعات الصحة والبنية التحتية. وثانيًا الضرب بيد من حديد الفساد الإداري والسياسي والتقليص من أثر اللوبيات الكبيرة. إذا تم تحقيق خطوات جدية في هذه المجالات فيمكن للحكومة أن تنطلق بتونس إلى وضع جديد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

5 ملاحظات حول توضيح رئاسي "غير عادي"

حكومة الفخفاخ.. مطبات على كل الواجهات تهدد بالفشل