22-ديسمبر-2021

يعرف الانتقال الديمقراطي في تونس تحديات متعددة (صورة البرلمان مغلقًا منذ 25 جويلية/ياسين محجوب/أ.ف.ب)

 

وفق مؤشر الديمقراطية الذي أصدرته وحدة الاستخبارات الاقتصادية التي تتبع مجموعة الإيكونوميست البريطانية، عام 2020، صُنفت تونس كـ"ديمقراطية معيبة" وليست "ديمقراطية كاملة". وتصدرت بذلك إلى جانب دولة الاحتلال قائمة دول الشرق الأوسط.

منذ 25 جويلية 2021، تغيرت العديد من المعطيات المتعلقة باستمرار مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وقدرتها على المحافظة على مؤشراتها الإيجابية أمام ما يهددها من شعبوية متزايدة

لكن منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد ما أسماه "إجراءات استثنائية" في 25 جويلية/يوليو 2021، تغيرت العديد من المعطيات المتعلقة باستمرار مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد، وقدرة تونس على المحافظة على مؤشراتها الإيجابية أمام ما يهددها من شعبوية متزايدة.

ويقوم مؤشر الديمقراطية الصادر عن مجموعة الإيكونوميست على خمس فئات: العملية الانتخابية والتعددية، أداء الحكومة، المشاركة السياسية، الثقافة السياسية والحريات المدنية. بناءً على درجاتها يتم تصنيف كل دولة على أنها واحدة من أربعة أنواع من الأنظمة: إما "الديمقراطية الكاملة"، أو "الديمقراطية المعيبة"، أو تُصنف كـ"نظام هجين" أو "نظام استبدادي".

وهو ما يدفعنا للتساؤل حول إمكانية محافظة البلاد على موقعها في مؤشر الديمقراطية وعدم تدحرجها إلى نظام هجين أو حتى استبدادي؟ خاصة أنّ أغلب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني عبرت عن تخوفها على الديمقراطية التونسية والحريات في البلاد، بعد تعرض سياسيين ونشطاء للسجن، علاوة على انفراد شبه كلي للرئيس بالحكم مع تواصل تعليق اختصاصات البرلمان ورفض الرئيس لفكرة حوار وطني مع أطراف يعتبر أنّها أجرمت في حق الشعب التونسي أو فشلت في اتخاذ قرار سياسي قادر على تجاوز الأزمة في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: ​​منظمة حقوقية تونسية: مدونون أمام القضاء العسكري والعدلي وبعضهم في إضراب جوع

ويتسم المشهد السياسي المحلي بالحكم الأحادي الذي يمثله رئيس الجمهورية قيس سعيّد، مع إصداره يوم 22 سبتمبر/أيلول الماضي، الأمر الرئاسي 117، مانحًا نفسه كل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية في البلاد، ثم تلاه تعيينه لرئيسة الحكومة نجلاء بودن المكلفة بتنفيذ خياراته.

وحيث أضحت التعددية السياسية في اتخاذ القرارات أمرًا شبه غائب في تونس ما بعد 25 جويلية ورهينة شخص واحد، فإن البلاد أوقعت أولى الشروط التي حصلت من خلالها على مؤشر إيجابي للديمقراطية، وهي العملية الانتخابية والتعددية. مع الإشارة إلى أنّ الرئيس أقر في آخر خطاب له بأنّ البرلمان سيبقى معلقًا حتى تاريخ إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر/كانون الأول 2022، مع رفض معارضيه لهذا التمشي.

أقر الرئيس، في آخر خطاب له، بأنّ البرلمان سيبقى معلقًا حتى تاريخ إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر 2022، مع رفض معارضيه لهذا التمشي

اقرأ/ي أيضًا: تونس: سعيّد يتجنب كشف أوراقه والمعارضة تتجهز لشهر من الضغط والاحتجاجات

أما على مستوى أداء الحكومة وهو الفئة الثانية من المؤشر، فهو متوقف على خيارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد عملًا بالمرسوم 117 سابق الذكر، وبالتالي فإنّ كل ما تقوم به رئيسة الحكومة الحالية نجلاء بودن راجع بالنظر إلى الرئيس. بودن تمتنع أيضًا عن إجراء أي حوار صحفي أو تقديم تصريحات للإعلاميين التونسيين، وهو أمر يسري على كل أعضاء الحكومة، علاوة على الرئيس ذاته.

ولا يظهر من نشاطاتها سوى المعلن عنه من اجتماعات مع شركاء محليين أو دوليين، دون تصريحات. كما لم تنشر رئاسة الحكومة أي مقطع فيديو لها تتحدث فيه حتى الآن.

ومؤخرًا أصدرت الحكومة المنشور 19، "حول قواعد الاتصال الحكومي للحكومة" الذي وُجه إلى الوزراء وكتاب الدولة وينص على ضرورة التنسيق مع مصالح الاتصال برئاسة الحكومة بخصوص الشكل والمضمون بمناسبة كل ظهور إعلامي وتحديد قائمة في المتحدثين الرسميين باسم كل وزارة.

امتنعت بودن عن إجراء أي حوار صحفي أو تقديم تصريحات للإعلاميين التونسيين، وهو أمر يسري على كل أعضاء الحكومة، علاوة على الرئيس ذاته

هذا المنشور استنكرته لجنة الحريات في نقابة الصحفيين، ووصفته بـ"المشين والمهين"، الذي "يتعارض كليًّا مع الضمانات الدستورية والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية والناسف لكل المكاسب التي ناضل وضحى من أجلها التونسيين وفي مقدمتهم الصحفيين" وفق بيان نشرته النقابة.

اقرأ/ي أيضًا: دعت لسحبه فورًا..نقابة الصحفيين تدين منشور شروط الظهور الإعلامي لأعضاء الحكومة

أما المشاركة والثقافة السياسية باعتبارهما "مساهمة في صنع القرار السياسي والإداري والتحكم في الموارد على كافة المستويات" فهما رهينة وضع الاستثناء الذي فرضه رئيس الجمهورية، ورغم النسب العالية التي تكشفها شركات سبر الآراء في دعم سعيّد، فإنّ المعارضة في تونس تعتبر استئثاره بالسلطة السياسية في البلاد خطرًا على الديمقراطية وعودة إلى الوراء، بعد سنوات من التضحيات. 

كما دعا شركاء تونس الدوليين سعيّد في أكثر من مناسبة إلى عدم إقصاء الأطراف السياسية والاجتماعية والعودة إلى الديمقراطية البرلمانية وتسقيف الإجراءات الاستثنائية.

اقرأ/ي أيضًا: رؤساء بعثات دبلوماسية غربية: يجب تحديد سقف زمني يسمح بعودة سريعة لبرلمان منتخب

الحريات المدنية، هي خامس الفئات التي يعتمد عليها مؤشر الديمقراطية، ورغم أن دستور 2014 ضمن في باب الحقوق والحريات مكاسب هامة في هذا الاتجاه، فقد عبرت جمعيات ومنظمات تونسية عن تخوفها على منظومة حقوق الإنسان في تونس خاصة بعد تعليق الرئيس العمل بأبواب عديدة من الدستور.

ونشرت جمعيات ومنظمات تونسية بيانًا عبرت فيه عن خشيتها من تواصل انتهاك الحقوق والحريات العامة والفردية وتفاقم خطابات الكراهية والعنف والتمييز. وحملت فيه "السلطات الرسمية مسؤولية تبعات خطابات التحريض والكراهية والعنف دون المساس بحرية الرأي والتعبير". وأكدت على "انخراطها المتواصل في الدفاع عن الحقوق والحريات المكتسبة والمضمنة بدستور 2014 والعمل على دعمها وتعزيزها".

نشرت عديد الجمعيات والمنظمات التونسية بيانات خلال الأشهر الأخيرة عبرت فيها عن خشيتها من انتهاك الحقوق والحريات العامة والفردية وتفاقم خطابات الكراهية والعنف والتمييز وحملت المسؤولية للسلطات الحاكمة

من جانبها نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قالت فيه إن "المحاكم العسكرية في تونس تستهدف المدنيين بشكل متزايد، وفي بعض الحالات، بسبب انتقادهم العلني للرئيس قيس سعيّد منذ أن أعلن استحواذه على سلطات جديدة واسعة النطاق في 25 جويلية". 

خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وحدها، "حقق القضاء العسكري مع ما لا يقل عن عشرة مدنيين، أو حاكمهم، بشأن مجموعة من الجرائم. وفاق خلال المدة نفسها، عدد المدنيين الذين مثلوا أمام المحاكم العسكرية عددهم في السنوات العشر السابقة مجتمعة"، وفق المنظمة.

العفو الدولية: خلال 3 أشهر الأخيرة، حقق القضاء العسكري مع ما لا يقل عن 10 مدنيين أو حاكمهم بشأن مجموعة من الجرائم. وفاق خلال المدة نفسها، عدد المدنيين الذين مثلوا أمام المحاكم العسكرية عددهم في السنوات العشر السابقة مجتمعة

وبينت العفو الدولية أنّ هناك أربع حالات مثل فيها مدنيون أمام القضاء العسكري لمجرد انتقادهم الرئيس: وهي حالة المذيع التلفزيوني عامر عياد، وحالتا النائبين في البرلمان عبد اللطيف العلوي وياسين العياري، وحالة الناشط على موقع فيسبوك، سليم الجبالي.

رغم أنّ الحرية هي أبرز مكاسب ثورة 2011، وأهم ما ميز المسار الانتقالي في البلاد خلال العشرية الماضية، فإنّها اليوم أمام اختبار جدي من أجل إرساء الديمقراطية التي مازالت تونس تحتفظ بريادة مؤشرها على مستوى الشرق الأوسط، لكنّها تبقى مهددة مع استئثار رئيسها بكل السلطات، وهو الذي ما فتئ يعبر عن امتعاضه من التصنيفات الدولية. وتبقى هذه القراءة في انتظار صدور تقرير مؤشر الديمقراطية لعام 2021.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاتحاد الدولي للصحفيين: "قلقون جدًا لاعتقال صحفيين ينتقدون السلطة في تونس"

ما مصير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؟