23-يوليو-2022
العطش الماء تونس

يقطع متساكنو عدد من القرى يوميًا أكثر من ثلاثة كيلومترات لجلب المياه على الدواب (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

تقطع عفاف يوميًا 8 كيلومترات ذهابًا وإيابًا لجب مياه الشرب مرتين في اليوم، أي تضطر إلى السير 16 كيلومترًا بين الصباح والمساء لتستطيع تأمين ما يكفيها وعائلتها من المياه. ليست وحدها من تُكابد قطع كل تلك المسافة.  فأغلب سكان منطقة "بن سعيد" بالروحية بولاية سليانة يضطرون إلى التنقل أكثر من مرّة في ذات اليوم لجلب المياه على ظهور الحمير والدواب. لا حلّ لهم سوى ملء خزانات صغيرة أحيانًا لتأمين بعض المياه كمخزون احتياطي يكفيهم لثلاثة أيّام عند الحاجة، خصوصًا عندما تسوء الأحوال الجوية في فصل الشتاء نظرًا للطرقات الجبلية الوعرة.

تلك صورة من المعاناة اليومية التي يعيشها العديد من سكان المناطق الداخلية سواء بالشمال التونسي الذي يوفر أكثر من 70% من حاجيات كامل البلاد من المياه، أو الجنوب الذي تشكو أغلب محافظاته الجفاف وشح المياه.

يعاني  العديد من سكان المناطق الداخلية سواء بالشمال التونسي الذي يوفر أكثر من 70% من حاجيات كامل البلاد من المياه، أو الجنوب الذي تشكو أغلب محافظاته الجفاف، من أزمة المياه الصالحة للشرب

وعلى مدى السنوات الأخيرة تصدّرت عناوين الخطابات الرسمية للمسؤولين عبارات "تونس تحت خط الفقر المائي" و"العطش يهدد تونس" و"نحن نواجه ندرة المياه بسبب نقص التساقطات".  عناوين تقابلها احتجاجات من قبل العديد من المواطنين في كلّ الجهات تقريبًا، ترتفع وتيرتها خلال الصيف ومع ارتفاع درجات الحرارة.

وفي هذا الصدد، ينشر المرصد التونسي للمياه من جهته بصفة شهرية إحصائيات حول التبليغات المتعلّقة بالمشاكل التي يواجهها المواطنون. ووفق آخر نشرية له صادرة في شهر جوان/يونيو 2022، فقد بلغ المرصد 300 تبليغ مواطنيّ عن مشكل متعلق بالحق في الماء من بينها 218 تبليغًا متعلّقًا بانقطاع الماء. وتتصدر ولاية صفاقس خارطة العطش بـ42 تبليغًا تليها ولاية قفصة بـ36 تبليغًا، ثم ولاية تطاوين بـ 24 تبليغًا. كما بلغ المرصد1341 تبليغًا يتعلّق بمشاكل مياه على كامل تراب الجمهورية في 2022.

صورة
يتنقل سكان عديد القرى عدة كيلومترات لملء الماء من إحدى العيون التي تمّ تجهيزها بحنفيات (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

المعادلة الغريبة والتي تحدّث عنها المواطنون بدرجة أولى وحتى الخبراء، هي أنّ أغلب المناطق المطلة على السدود يشكو معظم سكانها العطش وندرة المياه، إضافة إلى انعدام ربط بعض المناطق السكنية بشبكات التزود بالمياه، على غرار العديد من الجهات في باجة وجندوبة والكاف وسليانة وبنزرت. ويضطر العديد من سكانها إلى التنقل كيلومترات سيرًا على الأقدام أو على الدواب للبحث عن مياه العيون والأودية.

جمعية "نوماد 08": تونس باتت بالفعل تعاني فقرًا مائيًا بسبب عدم حوكمة التصرّف في الموارد المائية إضافة إلى غياب مخطط سنوي أو دراسة ناجعة لحل أزمة المياه والبحث عن حلول لتوفير سدود جديدة

يقول عبد المجيد الجبالي لـ"الترا تونس" إنّه يقطع يوميًا أكثر من ثلاثة كيلومترات لجلب المياه على الدواب، مشيرًا إلى أنه "على الرغم من عيشه في محافظة جندوبة بجهة كاف الضرابين، وعلى الرغم من وجود أكثر من سدّ بالجهة، فإن العديد من المجمعات السكنية سواء في بعض القرى والأرياف غير مزودة بشبكات التزود بالمياه، وهو ما يجعل سكانها يتنقلون كلّ يوم لملء الماء من إحدى العيون التي تمّ تجهيزها بحنفيات تسهل على السكان الحصول على الماء، ذلك يجعلنا نقطع يوميًا كيلومترات على ظهور الدواب"، وفقه.

وأضاف الجبالي: "على الرغم من الاحتجاج سنويًا خصوصًا خلال فترة الصيف إلّا أننا نتلقى فقط الوعود بإنجاز شبكة توزيع مياه بالجهة على مدى الخمس سنوات الأخيرة".         

وتشهد تونس في السنوات الأخيرة تحركات احتجاجية من المواطنين في مناطق عدة على خلفية الانقطاعات المتكررة للمياه خاصة في فصل الصيف حين يرتفع استهلاك المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وقد أكدت جمعية "نوماد 08" المختصة في الشأن المائي، أنّ تونس باتت بالفعل تعاني فقرًا مائيًا بسبب عدم حوكمة التصرف في الموارد المائية إضافة إلى غياب مخطط سنوي أو دراسة ناجعة لحل أزمة المياه والبحث عن حلول لتوفير سدود جديدة.

تشهد تونس في السنوات الأخيرة تحركات احتجاجية من المواطنين في مناطق عدة على خلفية الانقطاعات المتكررة للمياه خاصة في فصل الصيف حين يرتفع استهلاك المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة

كما أكدت الجمعية أنّ التغيرات المناخية بشكل كبير على الموارد المائية، كما أسهم الاحتباس الحراري بشكل أكبر في خفض نسبة التساقطات السنوية للأمطار. ما جعل سنوات الجفاف تتوالى وهو ما زاد في انخفاض مستوى المياه السطحية وامتلاء السدود والبحيرات الجبلية.

من جهته، أشار المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إلى أنّ المنتدى يتابع التحركات الاجتماعية ومطالبها، ومن بين أبرز أسباب التحركات التي رصدها المنتدى على مدى السنوات الأخيرة أزمة المياه سواء بسبب الانقطاع المستمر للمياه الصالحة للشرب أو بسبب غياب إمدادات شبكات المياه، مشيرًا إلى أن "تلك الاحتجاجات لا تتعلّق بمناطق الجنوب فقط الذي يشكو بطبعه من نقص المياه والجفاف، ولكن أيضًا مناطق الشمال، خصوصًا المحافظات التي تزود كامل الجمهورية بالمياه وتملك أكبر مخزون في السدود بينما تشهد عدّة تحركات بسبب نقص المياه".

صورة
معاناة يومية يعيشها العديد من سكان القرى والمناطق الداخلية للحصول على الماء (مريم الناصري/ الترا تونس)

 

وأضاف، في تصريح بـ"الترا تونس"، إن المنتدى سجل خلال سنة 2021 زيادة بنسبة 50 بالمئة في عدد الاحتجاجات المتعلّقة بالمياه. كما سجل توسع خارطة العطش في تونس العام تلو الآخر، فالعديد من الجهات التي لم تكن تشكو من نقص في المياه أو انقطاع في المياه الصالحة للشرب، بات سكانها اليوم ينفذون احتجاجات بسبب عدم توفر مياه الشرب. كما يسجل المنتدى احتجاجات يومية في فصل الصيف تتعلّق أساسًا بمشاكل المياه"، وفقه.

من جهة أخرى، أشار بن عمر إلى أنّ "أزمة المياه في تونس تتعلّق بغياب استراتيجية واضحة للدولة للتحكم في الموارد المائية، فضلًا عن عدم وجود استراتيجية للبحث عن حلول جديدة أو تركيز سدود جديدة".

رمضان بن عمر لـ"الترا تونس": من بين أبرز أسباب التحركات التي رصدها منتدى الحقوق الاقتصادية على مدى السنوات الأخيرة أزمة المياه سواء بسبب الانقطاع المستمر للمياه الصالحة للشرب أو بسبب غياب إمدادات شبكات المياه

يذكر أنّ وزير الفلاحة والموارد المائيّة والصّيد البحري محمود إلياس حمزة، كان قد أشرف في ماي/أيار الماضي على ورشة عمل وطنيّة حول الدّراسة الاستشرافية للمياه في أفق 2050 لتقرير المرحلة الرابعة لإعداد الرؤية والاستراتيجية.

وقد أشار الوزير إلى أنّ تونس تعدّ ضمن البلدان التي تعاني من الشح المائي التي يكون فيها نصيب الفرد في حدود 420 م3 في السنة، وأنّ هذه النسبة تعدّ مقلقة للغاية لأنها قد تزداد سوءًا في ظلّ التغيّرات المناخيّة المتوقّعة، لافتًا إلى أنه "لمواجهة هذه التحديات تعمل الوزارة على المدى الطويل، القصير والمتوسط على تفادي مثل هذا السيناريو، بسبب تأثيره السلبي على المياه وبالتالي على الأمن الغذائي، وذلك من خلال الدّراسة الاستشرافية للمياه في أفق 2050"، وفقه.

كما أكد وزير الفلاحة أنّ الوزارة نجحت بمساعدة شركائها الفنيين والماليين في إنشاء قاعدة بيانات واسعة النطاق وفي جمع المعلومات اللازمة من دراسات ووثائق متعلقة بقطاع المياه وفي تحديد السيناريو الأنسب من خلال الدراسة الاستشرافية للمياه في أفق 2050، كما شدّد على أهمية اتخاذ المنهج التشاركي لهذه الاستراتيجية على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي، على حد قوله.