08-أغسطس-2019

نائب رئيس جمعية "عتيد" المتخصصة في الشأن الانتخابي

 

مع اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية، الانتخابات الرئاسية المبكرة في سبتمبر/أيلول المقبل والانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول، يشهد المجتمع التونسي بمختلف مكوّناته ونخبه وحساسياته حلقات تفكير ونقاش متنوعة المرجعيّات لاستشعار توجّسات الآتي السياسي ضمن سياقات ما سميناه بالانتقال الديمقراطي تأسيسًا لجمهورية ثانية على أسس ديمقراطية سليمة تماهيًا مع روح الثورة التونسية وقيم الحرية الكونية.

ومن هذه المكوّنات النشيطة التي تحتكم لرصيدها التاريخي والرمزي غداة الثورة، يحل المجتمع المدني الذي بات شريكًا في قضايا الشأن العام بقوة اقتراحاته واستقلاليته وانفتاحه على التجارب المثيلة في العالم.

تعدّ جمعية "عتيد" من أهم الجمعيات المهتمة بالشأن الانتخابي وبرز دورها جليًا في انتخابات 2014 عبر حضورها الإعلامي ذي النهج التوعوي

وتعدّ جمعية "عتيد" (الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات) من أهم الجمعيات التونسية المهتمة بالمسألة الانتخابية إلى جانب "مراقبون"، و"مرصد شاهد"، و"أوفياء" و"أنا يقظ ". وقد برز دور "عتيد" جليًا لعموم التونسيين خلال تشريعيات ورئاسيات 2014 عبر مراقبتها للانتخابات بجميع الدوائر وعبر حضورها الإعلامي ذي النهج التوعوي وتقاريرها النهائية المتّسمة بالموضوعية.

"عتيد" تستعد هذه الأيام لمتابعة الاستحقاقات الانتخابية المنتظرة ولديها آراء ومقترحات وبدائل تتعلق بعديد القضايا المتعلقة بأداء جميع الفاعلين والمتقاطعين مع الانتخابات وخاصة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وفي هذا الإطار، التقى "ألترا تونس" الدكتور بسّام معطر نائب رئيس "عتيد"، فكان الحوار التالي:


  • أعلنت "عتيد" مؤخرًا أنها ستراقب الحملات الإنتخابية القادمة عبر ما يحدث في شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة "فيسبوك"، لو تقدم لنا أكثر توضيحات حول هذه المسألة؟

مراقبة الإنتخابات هو عمل مشترك بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا للإعلام السمعي البصري والمجتمع المدني المختص في الانتخابات أو الذي تتقاطع أنشطته بالعملية الانتخابية مثل النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، ولكل واحد من المتدخلين مجاله وطرق عمله حسب أهدافه المعلنة مسبقًا وحسب معايير فنية متعارف عليها دوليًا. 

لكن ما لاحظته "عتيد" بعد نشر تقريرها النهائي الخاص بالمسار الانتخابي لسنة 2014، هو وجود حلقة مفقودة وهي مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي التي حدثت فيها الكثير من التجاوزات، ولذلك أعلننا هذه المرة مراقبة موقع "فيسبوك" لأنه الأكثر انتشارًا في تونس، وتسجل الأرقام 7 مليون تونسي يملك حسابًا في هذا الموقع، ليكون ترتيب تونس ضمن قائمة العشر دول الأوائل في العالم التي تستعمل "فيسبوك". وتتباهى مؤسسة "فيسبوك" بأن شبكتها أسهمت في إسقاط النظام غداة ثورة 2011 ومنحت تونس لأجل ذلك صفة "الابن المدلل".

بسام معطر: سنراقب الحملات الانتخابية في "فيسبوك" عبر فريق متدرّب يعمل بواسطة تجهيزات وتطبيقات خاصة ويتابع صفحات الأحزاب

أما عملية المراقبة التي ستنجزها "عتيد" متابعة منها للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، فقد شرعنا في الإعداد لها منذ أشهر عبر بعث مشروع خاص تتطلب منا جلسات عمل وحوار تُوجت بالمشاركة في طلب عروض دولي قامت به المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية. وقمنا بتكوين مجموعة من المراقبين تكوينًا نوعيًا في الاعلامية المختصة في مراقبة الانتخابات عبر الأنترنت نفذه لصالح جمعيتنا خبراء وكفاءات دولية مختصة في مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي. وسينجز هذا الفريق مهامه التقنية بواسطة تجهيزات وتطبيقات خاصة، وسيتابع جميع الصفحات الرسمية للأحزاب والشخصيات المستقلة المترشحة والصفحات المشبّكة المناصرة لحزب ما أو شخصية محددة أو قائمة مستقلة ما.

اقرأ/ي أيضًا: "كيف سننتخب؟": كيف يهدّد الفيسبوك مسار انتخابات 2019 في تونس؟ (4/3)

  • لكن العملية ليست بالهينة فهي تتسم بالتعقيد وربما ستعترضكم عوائق فنية وأخرى قانونية؟

جلسنا مع الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات بخصوص مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي وتحديدًا "فيسبوك"، وطالبنا بأن يشمل القانون الانتخابي فيما يشمل كل التجاوزات الإلكترونية وأن تطبق النقاط الزجرية على شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها حياة افتراضية موازية، علمًا وأن العديد من الدول الديمقراطية أصبحت تراقب مساراتها الانتخابية في جانبها الإلكتروني.

وستكون عملية المراقبة على مستويين: الأول يشمل مدى التزام السياسيين المتنافسين بالقانون والقيم الانتخابية وخاصة عدم التحريض العرقي والتحريض ضدّ المرأة وخطابات العنف والكراهية والتأثير الكاذب على الناخب، فيما يشمل المستوى الثاني الكلفة المالية لصفحات "فيسبوك" التي يستعملها عادة أغلب المترشحين للانتخابات. وهكذا تكون "عتيد" قد حاولت سد هذا الفراغ فيما يتعلق مراقبة الانتخابات.

بسام معطر:  ستشمل عملية المراقبة الكلفة المالية لصفحات "فيسبوك" التي يستعملها عادة أغلب المترشحين للانتخابات

  • أشرتم في أكثر من مرة إلى تغييرات ستشمل مواعيد تقاريركم المتعلقة بمراقبة الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2019، ما الجديد؟

جرت العادة أن نقدّم تقريرًا ختاميًا مع نهاية العملية الانتخابية في آجالها القانونية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات وليكون أيضًا على ذمة من يطلبه، لكن هذه المرة سنغير الطريقة فلن ننتظر نهاية الانتخابات بل سننشر تقارير آنيّة وحينيّة خلال المسار الانتخابي نقدم خلالها المؤشرات حول التجاوزات التي سيسجلها مراقبو "عتيد" المنتشرين على كامل تراب الجمهورية وضمن جميع الدوائر الانتخابية والذين يصل عددهم إلى ما يناهز 100 مراقب متكوّن في مجال مهمته ومتخرج من "أكاديمية عتيد للتكوين".

  • يبدو أن عدد النشطاء المنخرطين والمنضوين في جمعيتكم قد تراجع مقارنة بالاستحقاق الانتخابي الفارط، هل من تفسير؟

الالتفاف حول المجتمع المدني الذي شهدناه في بداية الثورة بدأ منسوبه يتراجع ويعزى ذلك إلى فقدان الأمل من قبل التونسيين في تغير أوضاعهم المعيشية والاقتصادية. وفعلًا، سجلت "عتيد" هذه المرة تراجعًا في عدد المتطوعين مقارنة بانتخابات عام 2014.

مراسل "ألترا تونس" مع نائب رئيس جمعية "عتيد" بسام معطر

 

  • عرفت الساحة السياسية مؤخرًا نقاشًا دستوريًا حادًا على خلفية تنقيح مجلس نواب الشعب للقانون الانتخابي قبيل الاستحقاقات الانتخابي. ماهو موقف "عتيد" من هذا الملف؟

أكدت "عتيد" ومنذ إقرار نسبة العتبة الانتخابية أن ما حدث هو نتيجة لصراعات سياسوية ضيقة، وضرب للتعددية الحزبية وإقصاء صريح لطيف هام من المستقلين. وأوضحنا للرأي العام أن المطالبة بهذا التعديل فيها استئثار بالسلطة من قبل الأحزاب الكبرى.

وبالعودة لموضوع التعديل المقدم في شهر جوان الفارط من قبل جهات سياسية أغلبها في الحكم، عجلت "عتيد" بإصدار بيان واضح أكدت من خلاله أن ما يحدث هو مخالف للدستور والمواثيق الدولية وفيه مسّ من مصداقية الانتخابات، وأن التنافس يجب أن يكون عبر البرامج وليس بالإقصاء التشريعي. وطالبنا، في هذا الخصوص، من مجلس نواب الشعب ضرورة تشريك لجنة البندقية وأخذ إستشارة منها، لكن ذلك لم يحدث ومرّ التعديل على الجلسة العامة وتمت المصادقة، لكن الموت المفاجئ لرئيس الجمهورية أرجأ هذا الملف وربّما وأده.

اقرأ/ي أيضًا: نجيب الشابي: النهضة محاصرة والرئاسة قد تؤول إلى شخصية شعبوية بلا تاريخ (حوار)

  • كيف السبيل إلى حماية القانون الانتخابي من الصراع السياسي الذي يندلع بين الفينة والأخرى بين الأحزاب وداخل الكتل البرلمانية؟

الحراك السياسي هو ظاهرة صحية تشير إلى أننا ضمن المسار السليم للديمقراطية لكن لا يجب أن يتحول إلى صراع يمس من آليات العمل الديمقراطي وخاصة المنظومة التشريعية والقانونية الحامية لكل المسارات المنبثقة من الدستور وخاصة القانون الانتخابي.

بسام معطر: نجدد رفضنا للتعديل الأخير للقانون الانتخابي لأنه يعكس صراعات سياسوية ضيقة وضربًا للتعددية الحزبية وما حدث مخالف للدستور والمواثيق الدولية ويمسّ من مصداقية الانتخابات

وصرحت "عتيد" بصفتها جمعية مختصة في الشأن الانتخابي في جميع المنابر الإعلامية في الداخل والخارج أن تنقيح القانون الانتخابي لا بدّ أن يفتح حوله حوارًا وطنيًا، وبمشاركة كل المعنيين من أحزاب وأقسام القانون الدستوري بالجامعات التونسية، وهيئات مختصة وشخصيات وطنية ومجتمع مدني و مثقفين، على أن يكون موعد هذا الحوار بعيد عن المحطات الانتخابية.

  • هل تكتفي "عتيد" بمراقبة الانتخابات في مستواها التنظيمي والقانوني أم لديها اهتمام أيضًا بالبرامج الانتخابية؟

البرامج الانتخابية هي أيضًا من جملة اهتماماتنا لكن بدرجة أقل لأن الإعلام هو من يناقش البرامج مع المترشحين. وفي إعتقادي الشخصي، لم يطرح الإعلام بشكل عام بعد الأسئلة العميقة المتعلقة بالبرامج الانتخابية ولم يقم بالمناظرات بين المترشحين.

كما أؤكد من خلال منبركم أن جل البرامج المعروضة الآن على الناخبين تكرر نفسها من حزب الى آخر ومن قائمة مستقلة إلى أخرى. أمّا ترهل البرامج، فيعود بالأساس الى غياب القوانين التي تساعد على وضع البرامج والالتزام بها طيلة الفترة النيابية أو الفترة الرئاسية وهو ما ساعد على الائتلافات الحزبية داخل البرلمان وخارجه المبنيّة على أساس سياسي وليس على أساس تقارب البرامج كما يحدث في البرلمانات الديمقراطية.

بسام معطر: يبدو العرض الحزبي ضعيف جدًا لأنه تمت تهرئته خلال الفترة النيابية التي تعيش هزيعها الأخير وذلك من خلال المشاهد الغريبة التي عاشها البرلمان من سياحة حزبية وتلاسن وعراك وتناحر أيديولوجي

الاتحاد العام التونسي للشغل هو مؤسسة تعيش الديمقراطية في صلبها منذ تأسيسها إلي اليوم ولها تاريخ نضالي من أجل الحريات لا ينكره أحد، ونزوله بملاحظين خلال الاستحقاقين الانتخابيين القادمين يمكن قراءته قراءة سياسية مفادها أن المنظمة الشغيلة وفية لمبادئ الحوار الوطني، وأنه إلى جانب دورها الاجتماعي نجدها في المقدمة لحماية الديمقراطية التونسية الناشئة، وهي أيضًا تناور بعض الخصوم السياسيين من خلال هذه المشاركة.  

  • ختامًا كيف تستشرف "عتيد" مرحلة ما بعد الاستحقاقين الانتخابيين اللذين ستقدم عليهما تونس خلال الشهرين المقبلين؟

يبدو العرض الحزبي ضعيف جدًا لأنه قد تمت تهرئته خلال الفترة النيابية التي تعيش هزيعها الأخير وذلك من خلال المشاهد الغريبة التي عاشها البرلمان من سياحة حزبية وتلاسن وعراك وتناحر أيديولوجي، وبالتالي سوف لن تبتعد نتائج الانتخابات القادمة كثيرًا عن سابقتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

منسّق المرصد التونسي للمياه: الدولة تتجه لخوصصة قطاع المياه (حوار)

الخبير محمد بن فاطمة: منظومة التربية منهارة ولا بدّ من منهجية للإصلاح (حوار)