07-أغسطس-2019

أحمد نجيب الشابي الزعيم التاريخي للحزب الديمقراطي التقدمي ورئيس الحركة الديمقراطية حاليًا (أ.ف.ب)

 

التحدّث إلى أحمد نجيب الشابي نشاط إعلاميّ مربك لا لأنّ الرجل متعال أو غامض أو حادّ أو مضطرب، حاشا أن يكون واحد من أيقونات السياسيين التونسيين بهذه الصفات، إنّما الأمر يرجع إلى أسباب عديدة أهمّها تحوّل هذه الشخصيّة إلى كتاب مفتوح لما يتّصف به من شفافيّة ووضوح في إبداء أرائه بصرف النظر عن رجاحتها حتّى باتت "سيرة الشابّي الذاتيّة " متاحة للجميع، وقديمًا قيل هل غادر الشعراء من متردّم إشارة إلى أنّ ناظمي الشعر قد خاضوا في سائر المعاني، وفي حضرة الشابي يحقّ التساؤل هل ترك المتابعون صغيرة أو كبيرة في تجربة "الأستاذ" دون الخوض فيها عرضًا وإحصاءً وتفكيكًا وتأليفًا وتقييمًا.

رغم ذلك ثمّة معطيان متناغمان يحفّزان على التحدّث إلى نجيب الشابيّ، الأوّل يتّصل بتطوّر مواقفه وتغيّرها إلى حدّ يوحي بالتناقض أحيانًا، ثانيها يرتبط بتقّلّب المشهد السياسيّ في تونس وبلوغه أعلى درجات التّعقيد، وهو ما يكسب الحوار مع الشابّي ألوانًا من الجدّة والإضافة والعمق والطرافة.

هذان المعطيان حثّا "ألترا تونس" على ملاقاة نجيب الشّابّي، رئيس الحركة الديمقراطية، والتحدّث إليه في مسائل متنوّعة جلّها وثيق الصّلة بالانتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها التي تقرّر إجراؤها يوم 15 سبتمبر/أيلول 2019، فكان لنا معه الحوار التّالي:


  • ما الذي أطال تردّدك في الإعلان عن الترشّح للرئاسة، والحال أننّا عهدناك مقداما على هذه المغامرة سواء قبل الثورة أو بعدها؟

هذا التردّد يرجع إلى عدّة أسباب منها ما يتّصف به الوضع السياسيّ خلال هذه الفترة من ضبابيّة مردّها عزوف الناخبين وتنامي أزمة الثقة في النخبة السياسيّة وتشتّت قوى الوسط حدّ التذرّر، وهو ما جعل قوى شعبويّة مضادّة للمنظومة تبرز وتتصدّر نسب نوايا التّصويت حسب ما  أعلنت عنه بعض شركات سبر الآراء، وممّا زاد الأمر تعقيدًا وفاة الباجي قائد السّبسي ممّا جعل مدّة التهيؤ للانتخابات تتقلّص من حوالي شهر إلى أسبوع واحد.

اقرا/ي أيضًا: ابتهال عبد اللطيف: تقرير "الحقيقة والكرامة" ضعيف وملفات سُويت في الظلام (حوار)

  • في صورة الترشّح ما نوع التزكية الذي تراه أنسب بالنسبة إليك؟

التزكية بأنواعها الثلاث مسلك لا بدّ منه للغربلة، غير أنّني سأراهن على تزكية المواطنين، فرؤساء البلديّات مشتّتون على الرقعة الجغرافيّة، وجلّهم يفتقر إلى الخبرة السياسيّة وتفاعلهم يبدو محدودًا. أمّا البرلمانيّون فلا يمكن التعويل عليهم لأنّ الوضع في هذه المؤسسة غير صحّي، إذ تحكمه الولاءات وأشياء أخرى أشدّ خطورة يصعب ذكرها، اعتمادي على التزكية المواطنيّة أراه اختيارًا أسلم، ففي 2014 جمعت فضلًا عن التزكية البرلمانيّة 24 ألف توقيعًا من المواطنين، لكن ما يجعل بلوغ هذا الرقم صعبًا خلال هذه الدورة (2019) هو ضيق الوقت.

نجيب الشابي: تردّدي في الترشح للرئاسيات يرجع إلى عدّة أسباب منها ما يتّصف به الوضع السياسيّ من ضبابيّة مردّها عزوف الناخبين وتنامي أزمة الثقة في النخبة السياسيّة وتشتّت قوى الوسط حدّ التذرّر

  • سجّل المتابعون ترشّحات إلى الرئاسة توصف بكونها "غير جادّة"، هل ترى في ذلك توجّها نحو ترذيل العمل السياسيّ؟

فعلا ثمّة ترشّحات عشوائيّة وأخرى آيلة للسقوط لعدم استيفائها الشروط القانونيّة، فأصحابها لن يجنوا غير الظهور العرضيّ المثير في وسائل الإعلام، غير أنّ ما  نراه لا يعدّ ترذيلًا للعمل السياسيّ، بقدر ما يعكس رذالة المشهد السياسيّ.

فما يحدث هذه الأيّام لم ينشأ بفعل فاعل أراد أن يحوّل السباق الانتخابيّ إلى مناسبة منفّرة مبتذلة، إنها هو في رأيي نتيجة طبيعيّة لما صدر عن النخبة من مواقف وردود أفعال تفتقر إلى الحكمة ووضوح الرؤية، وهو أوحى بأنّ الفعل السياسي قد بات أمرا هيّن يقدر على إتيانه أيّ كان.

  • هذه الترشّحات العشوائيّة كما ذكرت يمكن تخطّيها، لكن ماذا عن الترشّحات المدعومة بالتدخّل الأجنبيّ والمال الفاسد، كيف السبيل إلى التصدّي لها؟

الدعم الذي تحظى به بعض الأحزاب والشخصيات يتجلّى من خلال ثلاث مستويات أوّلها الإعلام المنحاز الذي تتحكّم فيه إمّا السلطة أواللوبيّات الماليّة، ثانيها المال الفاسد ومجهول المصدر، وهو في رأيي سيّد المواقف في مسار الانتخابات، في هذه النقطة أذكر مثالًا واحدًا والبقية "كانك تارزي تبّع الغرزة" ، دائرة المحاسبات قالت إنّ حركة النهضة قد أنفقت في الانتخابات البلديّة 2018 ثمانية وستّين مليارًا عن طريق قنوات غير رسميّة ومن مصادر مجهولة.

نجيب الشابي: الدعم الذي تحظى به بعض الأحزاب والشخصيات يتجلّى من خلال ثلاث مستويات أوّلها الإعلام المنحاز وثانيًا المال الفاسد وهو سيد المواقف في مسار الانتخابات

ويرتبط المستوى الثالث بالتداخل بين العمل الخيري والعمل السياسي وهو ما أرادت الحكومة التصدي له غير أّنها اعتمدت وسائل غير مشروعة منها السعي إلى تطبيق قوانين مستحدثة على حالات سابقة، وهو ما دفعني أنا وجملة من السياسيين ورجال القانون إلى دعوة الرئيس الراحل إلى عرض تنقيحات 18 جوان/يونيو 2019 على الاستفتاء.

  • قامت الحملات الانتخابيّة سنة 2014 على الاستقطاب  بين النهضة والنداء، هل يمكن أن يتكرّر المشهد في الاستحقاقات المقبلة؟

التجاذب بين قطبين سياسيين أصبح سنّة كونيّة وانظر التجارب الأمريكيّة والألمانيّة والفرنسيّة والبريطانيّة وغيرها،  لكنّ ما حصل في تونس لم يكن تجاذبا تلقائيًا عفويًا إنّما كان مبنيًا على مغالطة واتّفاق مسبق أشبه بالصفقة حول تقاسم النفوذ بين النهضة والنداء، إذ أوهم كلّ طرف أنصاره بأنّه يرمي إلى إحداث التوازن، فوضعيّة ما يسمّى بالتوافق أفضت إلى جمود سياسي، إذ غاب التنافس على البرامج وحضرت التسويات.

 فكانت النتيجة الأولى إرجاع النهضة من النافذة بعد أخرجت من الباب، بل تمكّنت من وضع رئيس الحكمة يوسف الشاهد تحت جناحها فأصبح عاجًزا "رهينة في تركينة"، أمّا النتيجة الثانية فهي خلو حصيلة الائتلاف الحاكم على امتداد خمس سنوات من أيّ إنجاز يستحقّ الذكر، غير بعض المسكنات على النحو الذي حصل في "الكامور".

اقرأ/ي أيضًا: منسّق المرصد التونسي للمياه: الدولة تتجه لخوصصة قطاع المياه (حوار)

  • أجد  في إجاباتك ما يوحي بأنّ الفجوة بينك وبين النهضة ما انفكّت تتّسع، ما السرّ في ذلك، والحال أنّ الحركة ما انفكّت تبدى انفتاحات في مواقفها وعلاقاتها؟

لا تربطني بالنهضة قبل الثورة غير قاعدة التطلّع إلى الحريّات للجميع دون استثناء، بعد 14 جانفي بادرت النهضة بمعاداتي حينما شاركتُ في حكومة محمد الغنوشي، وأمعنَتْ في استهدافي، ونوّعت بمناسبة انتخابات 2011 في أساليب التشويه، واستطاعت اختراق الصف الديمقراطي، فجلبت إليها بن جعفر والمرزوقي، ولأنّها كانت وما تزال مفتقرة إلى برنامج واضح  ظلّ رهانها الوحيد هو اقتسام السلطة، ثمّ التمدّد في أجهزة الدولة والسيطرة عليها.

نجيب الشابي: هم يعلمون (حركة النهضة) جيدًا أنني لست طيّعًا ولا أجري وراء المناصب والتشريفات لكنهم في كلّ مرّة يجدون ظالّتهم في بعض الطّامعين وهم كثر

وكل هذا ما جعلني لا أرتاج إلى أيّ تقارب أو وتوافق معها، وهم يعلمون جيدًا أنني لست طيّعًا، ولا أجري وراء المناصب والتشريفات، لكنهم في كلّ مرّة يجدون ظالّتهم في بعض الطّامعين وهم كثر. ومن الأخطاء الأساسيّة التي أعيبها على النهضة الانخراط في الصراعات الإقليميّة التي أساسها المصلحة الفئويّة لمجموعة الإخوان المسلمين، هذه المعطيات تجعل الفجوة تتواصل وتتمدّد.

  • بهذه المواقف أراك تحطّ من منزلة رجال النهضة ومناضليها بشكل يبدو متعسّفا، والحال أنّ عددًا هامًا من أنصارها ومناضليها يكن لك تقديرًا خاصًا؟

أنا بدوري أكنّ احترامًا شخصيًا للعديد من القيادات النهضويّة، ولا ينكر إلّا جاحد ما تحمّلوه من تضحيات مضنية، خاصّة بعض الرموز التي صبرت وصابرت في السجون سنوات وسنوات، ومنهم حمّادي الجبالي الذي قبع في السجن حوالي 16 عامًا.

مراسل "ألترا تونس" مع رئيس الحركة الديمقراطية أحمد نجيب الشابي

  • كيف تفهم الخلاف الحاصل داخل حركة النهضة؟

هذا الخلاف لم يتبلور بعد، ورغم ذلك يمكن القول إنّه ليس جوهريًا، فهولا يتعلّق بمراجعة السياسة المتبعة وإنّما هو خلافٌ حول طريقة إدارة المرحلة الانتخابيّة وتنفيذ السياسة التي سطّرها راشد الغنوشي، هذه السياسة تضع أبناء الحركة بين خيارين، إمّا طأطأة الرأس لممثلي الدولة العميقة السابقة أو الدخول في حرب جديدة معها، ما حصل هو مجرّد منازعة حول إدارة هذه السياسة في تفاصيلها خاصّة ما تعلّق بمسألة الإدارة الفرديّة للحركة من قبل راشد الغنوشي.

نجيب الشابي: أكنّ احترامًا شخصيًا للعديد من القيادات النهضويّة ولا ينكر إلّا جاحد ما تحمّلوه من تضحيات مضنية

  • لكنّ الخلاف قد بلغ منعرجًا أخطر بشهادة النهضويين أنفسهم؟

فعلًا يبدو أنّ الخلاف قد بدأ يتعمّق و أصبح يدور حول موقع "الحرس القديم" في بناء النهضة، وكأنّ هناك إرادة من مركز النهضة لإزاحة أطراف حملوا الحركة على أكتافهم، ومنهم عبد الحميد الجلاصي وعبد اللطيف المكّي وسمير ديلو، هذه الإرادة خرجت للعلن بمناسبة تشكيل القائمات واختيار المرشّح لرئاسة الجمهوريّة. ورغم ذلك أنا أصرّ على أنّ الخلاف لم يلامس البرامج والمناهج والطروحات، أستثني في هذا السياق لطفي زيتون الذي أبدى جرأه في طرح العديد من القضايا التي يمكن أن تتبلور فتكون لها تأثيرات إيجابيّة غير أنّ صوته ظلّ معزولًا نسبيًا.

  • بم تفسّر جنوح النهضة إلى ما سمّيته "طأطأة الرأس"؟

النهضة تواجه مخاوف حقيقيّة ساهمت في إذكائها عوامل عديدة منها تقلّص شعبيّة الحركة وتراجع وزنها الانتخابي، العامل الثاني الذي يربك حركة النهضة ويساهم في مزيد التّصدّع هو الخوف من الدولة العميقة فكلاهما لا يثق في الآخر، وهي تقرأ حسابًا لهذا الجهاز ويتعاظم هذا الحرج حينما تشعر أنّها لا تحظى بدعم النخب المؤثّرة في المجتمع، فهي محاصرة في الداخل.

نجيب الشابي: النهضة تواجه مخاوف حقيقيّة ساهمت في إذكائها عوامل عديدة منها تقلّص شعبيّة الحركة وتراجع وزنها الانتخابي

ومن العوامل الخارجيّة المساهمة في إضعاف منزلة الحركة انخراطها في الصراعات الإقليميّة فهي مرتبطة بالمحور التركي القطريّ الذي يواجهه المحور السعودي الإماراتي، فقد باتت النهضة تخشى من إعادة السيناريو المصري، وممّا زاد في تعقيد الأمور التحوّل من استهداف السلفيّة الجهاديّة إلى استهداف الإسلام السياسي من  قبل الدوائر الغربيّة في أوروبا وأمريكا، مُجمل هذه العناصر تجعل النهضة تخاف وتقدم الكثير من التنازلات للمجتمع الدولي أو للنخب العلمانية الداخليّة حتّى تأتمن "شرّهم" وتأخذ شهادة براءة، وقد تجلّى ذلك في الكثير من القضايا من قبيل مسألة المِثليّة وفصل الدعوي عن السياسي وغيرها.

  • أنت تعيب على النهضة مساندة طرف على آخر في الصراع العربيّ، ألا ترى أنّ الاصطفاف أصبح السمة المميزة للعديد من الأحزاب والشخصيات السياسيّة؟

قد يكون ذلك، لكني أحمد نجيب الشابي خارج المحاور، فالقوى الإقليميّة كلّها بالنسبة إليّ صديقة، بإمكاننا في تونس أن نربط علاقات ثقة مع كل الدول مهما كان الخلاف بينها.

  • ما هو السبيل الأمثل بالنسبة إلى رئيس الجمهوريّة في التعامل مع المحاور العربيّة المتناحرة ؟

ينبغي أن يكون التعاون مع هذه الدول قائمًا على المصالح الماديّة وفق حاجاتنا الاقتصاديّة، ولايجوز أخذ الخلافات السياسيّة والإيديولوجيّة بعين الاعتبار في تحديد طبيعة التعامل مع الأقطار العربيّة وغيرها إسلاميّة كانت أو شيوعيّة أو لبراليّة.

  • هل يجوز لرئيس الجمهوريّة حسب رأيك إبداء مواقف واضحة من بعض المسائل الحقوقيّة في بقيّة البلدان ؟

لا أظنّ هذه الديبلوماسيّة الحقوقيّة سليمة، إذ لا يحقّ لرئاسة الجمهوريّة التدخّل في الشؤون الداخليّة لبقيّة البلدان، لكن في المقابل ينبغي أن نتيح للمجتمع المدني حريّة التعبير عن مواقفه من الشأن الإقليميّ والعالميّ، فلا يحق لنا قمع التظاهرات المندّدة بهذا الانتهاك أو ذاك.

نجيب الشابي: ينبغي أن يكون التعاون مع الدول قائمًا على المصالح الماديّة وفق حاجاتنا الاقتصاديّة، ولايجوز أخذ الخلافات السياسيّة والإيديولوجيّة بعين الاعتبار في تحديد طبيعة التعامل مع الدول العربية

  • كيف ترى حظوظك في السباق الانتخابيّ؟

هذا سابق لأوانه ولكنّ الثابت أنّ حظوظي وحظوظ العديد من المترشّحين مرتبطة في جانب منها بمسار الانتخابات التشريعيّة التي تتوسّط نتائجها الدور الأوّل والثاني، من جهة أخرى يمكن أن تفوز بالرئاسيّة شخصيّة ليس لها ماضي سياسي بسبب مخزون السخط على الأحزاب، حينئذ يمكن أن تساهم الموجة الشعبويّة في صعود صاحب وسيلة إعلاميّة إلى قرطاج.

  • هل ترى محمّد عبو قادرًا على بلوغ الدور الثاني؟

محمّد عبّو فكره السياسيّ غير واضح، اختار هو وأصدقاؤه العزف على محاربة الفساد، فاكتسب مصداقيّة لدى فئة كبيرة، هذا من شأنه أن يحسّن وضعه الانتخابيّ في الرئاسيّة والتشريعيّة، لكن ذلك لن يساهم في حصول تغيير نوعيّ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار-حمادي الجبالي: حزب الشاهد يستغل الدولة والدور على تونس بعد ليبيا (1 - 2)

حوار-حمادي الجبالي: السبسي أضر بصورة الرئيس والنهضة تنتظر "الضوء الأخضر" (2-2)