24-مارس-2020

فرضيات عديدة عن عالم ما بعد الكورونا (Getty)

مقال رأي

 

قالها كثيرون في الأسابيع الأخيرة: العالم بعد الكورونا لن يكون مثلما كان قبله. لكن كيف؟

لنضع بعض الفرضيات وليس الإحصائيات كما يفعل البعض حول العدد المفترض للذين سيمرضون أو يتوفون بالكورونا بل حول التحولات الممكنة في العلاقات الدولية على ضوء الأزمة التي سيتمخض عنها انتشار وباء الكورونا.

اقرأ/ي أيضًا: الوباء مناخ خصب للمؤامراتية الفجة والانقلاب النمطي

1-الصين كـ"قوة ناعمة" تضعف القطبية الأمريكية؟

قدمت الصين "نموذجًا" في مواجهة الكورونا بصدد الاستنساخ من قبل أغلب دول العالم وهو نموذج وقف الانتشار أو "الحجر الصحي الكامل". ونجحت السلطات الصينية في الانتقال من إدارة أزمة سيئة ومتعثرة في البداية جلبت لها انتقادات محلية ودولية إلى تقديم نموذج للاقتداء في مواجهته بل أيضًا كقوة تنشر المواد الطبية اللازمة وكذلك الوفود الطبية مثلما حصل مع إيطاليا.

يعزز الوضع الحالي استراتيجيا صينية في التموقع تركز على كونها "قوة ناعمة" تتمدد بالاقتصاد والهبات والقروض

هذا النوع من "الديبلوماسية الطبية" ليس جديدًا تمامًا في الحالة الصينية، إذ في تونس مثلًا قامت الصين في شكل "هبة" ببناء مستشفى متعدد الاختصاصات في ثاني مدينة في البلاد أي صفاقس وهو على وشك الافتتاح. يعزز الوضع الحالي استراتيجيا صينية في التموقع تركز على كونها "قوة ناعمة" تتمدد بالاقتصاد والهبات والقروض وصورة البديل الأسيوي القادم من الجنوب مقابل "النموذج الإمبريالي للرجل الغربي الأبيض" وخاصة طبعًا القطبية الأمريكية المهيمنة عالميًا. وبالتالي تغرف الصين من رأسمال تعاطف متوفر بدون جهد خاصة في أوساط شعوب الجنوب.

لكن لا يجب أن نكون متيقنين تمامًا أن انتشار الكورونا لن يعود مرة أخرى في الصين، وبالتالي أن النموذج لن يتراجع. وفوق ذلك سيكون للدعاية التي يقوم بها ترامب حول أننا بصدد "فيروس صيني" أثرًا بالضرورة. وفوق ذلك البعض، يعتبر أنه ليس من الصدفة أن ينتشر الفيروس بسرعة كبيرة في الدول ذات العلاقات الأقرب مع الصين، أي إيران التي لديها علاقات تجارية كبيرة مع بيكين وتجنب النظام الإيراني قطع الرحلات مع الصين في وقت مبكر مما أثر في انتشار الوباء، وأيضًا إيطاليا البلد الأوروبي الوحيد الذي أمضى مع الصين يوم 23 مارس/آذار 2019 أي قبل عام بالضبط اتفاقية "طريق الحرير" وعزز علاقاته الاقتصادية والسياحية والتجارية مع الصين.

2-أزمة اقتصادية هيكلية تطيح بالقطبية الأمريكية؟

الكثيرون كانوا يتحدثون في السنوات الأخيرة عن أزمة مالية دولية جديدة شبيهة بأزمة 2008 على أساس أن الرخاء الحالي في أغلبه رخاء مصطنع يعبر عن الأزمة الهيكلية الدورية للأسواق المالية خاصة على مستوى قاطرتها في وول ستريت. حيث يتم النفخ في رأس المال المالي على حساب الإنتاج الفعلي.

اقرأ/ي أيضًا: عراك السلطة في زمن الكورونا

غير أن الكورونا يمكن أن تعبر عن أزمة مزدوجة لا تعجل فقط بأزمة مالية منتظرة بل أيضًا تضرب قدرة الدولة بسبب طول الأزمة على احتواء الاستتباعات الخطيرة طويلة الأمد على الاقتصاديات المرتبطة بوول ستريت.

سيسرع ذلك بلا شك في بروز الاقتصاد الصيني القائم على الإنتاج واليد العاملة الرخيصة بالتأكيد كبديل اقتصادي يعيد العالم إلى وضع القطبين.

3-انهيار الاتحاد الأوروبي؟

استغاثة إيطاليا التي لم تلق أي أذان صاغية من جيرانها الأوروبيين خاصة القاطرة الألمانية-الفرنسية ستترك أثارًا عميقة في الوجدان الإيطالي ويجب أن نتوقع صعودًا قويًا على اليمين أو اليسار لأي نزعات معادية للاندماج الأوروبي وهي دعوات تلقى شعبية أصلًا في الفترة السابقة. فوق ذلك، فضيحة سرقة دولة التشيك كمامات قادمة من الصين بمئات الآلاف وكانت متوجهة إلى إيطاليا عززت صورة الاتحاد الأوروبي المتفكك.

استغاثة إيطاليا التي لم تلق أي أذان صاغية من جيرانها الأوروبيين خاصة القاطرة الألمانية-الفرنسية ستترك أثارًا عميقة في الوجدان الإيطالي

إعادة غلق الحدود بين فرنسا وألمانيا كان حدثًا رمزيًا بالغ الأهمية إذ مس عمق الحلم الأوروبي، ورغم أنه يحصل بسبب الإجراءات الطبية للحجر، فقد ذكر الجميع أن هناك حكومتين وأنه في حالة الطوارئ ألمانيا ستهتم في النهاية بألمانيا وفرنسا بفرنسا لا غير بما يعزز الشعور بعودة القوميات المدفونة الانعزالية.

أيضًا في عيون جنوب المتوسط لن يكون في هذه الحالة الاتحاد الأوروبي ذلك السوق الجذاب والمستقر، ولا يمكن ألا نتخيل التأثير السلبي لضعف الأواصر الأوروبية المحتمل على رغبة تونس في إمضاء "الأليكا" مثلًا.

4-النموذج "الغربي-الديمقراطي-الفرداني" لم يعد جذابًا وقابلًا للتصدير؟

قامت العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية على إثبات النموذج الغربي للديمقراطية القائم بشكل خاص على علوية الحقوق الفردية على حساب هيمنة "المصلحة العامة" على حساب نماذج أخرى إما شمولية شيوعية أو شمولية في الجنوب أو ثقافات أخرى قامت بأقلمة الديمقراطية ضمن هوياتها الخاصة (الهند واليابان وكوريا الجنوبية مثلًا).

ضعف الحزم في تطبيق الحجر الصحي ونزعة الأفراد يشكك بقوة في النموذج الغربي

لكن ضعف الحزم في تطبيق الحجر الصحي ونزعة الأفراد لخرقه خاصة في المثالين الإيطالي والأسباني وأيضًا الفرنسي في مقابل انضباط المجتمعات الأسيوية ونزعتها الثقافية التي تعلي المصلحة العامة ليس فقط تحت أنظمة شمولية مثل الصين بل أيضًا في إطار سياقات ديمقراطية مثل اليابان وكوريا الجنوبية يشكك بقوة في النموذج الغربي.

في ذات السياق، تلعب روسيا بوتين على هذه الصورة في سياق احتوائها للكورونا وإرسالها لمساعدات إلى إيطاليا لتظهر في صورة الدولة المنقذة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

​الرئيس و"شعبه العظيم"

قد تغيّرنا "كورونا" إلى الأبد..