29-ديسمبر-2021

الهايكا وضعت على ذمة الصحفيين دليلًا عمليًا للتعاطي الإعلامي مع قضايا الطفل (الهايكا)

 

من منّا لم يشاهد أو يطّلع على محتوى إعلامي يتحدّث عن تعرّض طفل أو طفلة للاعتداء الجنسي، أو تعرّض طفل لعمل إرهابي؟ ومن منّا لم يشاهد تقارير إعلامية تصف معاناة العديد من الأسر في وضعيات هشة وتصوّر أطفالًا في حالة بائسة رثة؟ أغلبنا يتفاعل ويتأثر فعلًا لتلك القصص والصور المؤسفة التي نشاهدها. ولكن قليلون هم من يتساءلون: هل من حق الصحفي أو الإعلامي بث مشاهد إعلامية لا تُخفي هوية وملامح الأطفال؟ وما تأثير ذلك على حياة الطفل؟ وهل سيصدّق المشاهد أي مادة إعلامية تتحدث عن وضعية طفل دون إبراز ملامحه أو الكشف عن هويته؟

أسئلة عديدة تُتداول في علاقة بصورة الطفل وحقوقه في وسائل الإعلام. خاصة وأنّه لم يتم سابقًا تحديد ما للطفل من حقوق في وسائل الإعلام، وما على الصحفي أن يتقيّد به من معايير في العمل الصحفي والإعلامي لحفظ تلك الحقوق.

فاطمة (إحدى سكان المناطق الريفية) لـ"الترا تونس": بعد بث تقرير تلفزيوني صوّر مشاهد الفقر التي كانت تبدو عليها العائلة، انقطع ابني عن الدراسة مخافة التعرّض للتنمر من زملائه بالمدرسة

وقد أكدت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، أنّ للأطفال في الإعلام، الحقّ بالتمتع بكلّ الحقوق المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1995. وذلك لصون كرامة الطفل وطفولته وحياته الخاصة، وسمعته وشرفه واحترام معطياته الشخصية. إلى جانب تفادي بث وترويج الصور النمطية والسلبية وأشكال التحيّز والقوالب الجاهزة عن الأطفال، والتي تسهم في مزيد التمييز ضدّهم. مؤكدة أنّه يمكن إعداد تقارير إعلامية عن قضايا أسرية وعن العنف والإساءة التي تواجه الأطفال مع حماية خصوصية الأطفال الضحايا أيضًا.

كان لنا لقاء مع فاطمة، إحدى سكان المناطق الريفية في محافظة جندوبة. تم سابقًا تصوير الوضعية الهشة التي يعانيها أغلب سكان المنطقة من قبل إحدى القنوات. وقد تمّ التصوير أيضًا داخل منزلها مع عدم إخفاء ملامح أطفالها. تقول لـ"الترا تونس" إنّه بعد بث التقرير، انقطع ابنها عن الدراسة مخافة التعرّض للتنمر من زملائه بالمدرسة، بعد تصوير مشاهد الفقر التي كانت تبدو عليها العائلة. لم تكن تعلم أنّ ذلك قد يؤثر على نفسية ابنها، كانت تتصور أنّ "الأمر سيؤثر أكثر على مسؤولي البلاد لمساعدتها، ولكن لم يتغيّر الحال"، وفق قولها.

  • انتهاك حقوق الطفل في وسائل الإعلام 

وقد نشرت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، في دليلها العملي للتعاطي الإعلامي مع قضايا الطفل، بعض الأمثلة عن انتهاكات حقوق الطفل في وسائل الإعلام، على غرار بث مشهد يتضمن شهادة أم تروي قصة اغتصاب ابنتها من طرف والدها في أكثر من مناسبة منذ أن كان عمرها ثلاث سنوات، دون إخفاء هوية الأم وطمس معالم وجهها ومعلومات الطفلة الشخصية. إذ تمّ ذكر اسمها واسم ابنتها ومعلومات من شأنها كشف هوية الطفلة والتعرّف عليها، ما عرّضها إلى الوصم الاجتماعي. وهذا يعدّ انتهاكًا لحقّ الطفلة في حماية معطياتها الشخصية وخصوصياتها ومسًا من كرامتها ومصلحتها الفضلى.

دليل الهايكا العملي للتعاطي الإعلامي مع قضايا الطفل: يجب الامتناع التام عن دفع أموال للأطفال أو لذويهم مقابل الحصول على أي مقابلة صحفية، مع تجنب تملق الطفل أو ترغيبه أو دفعه كي يمثل موقفًا معينًا

كما تمّ بث مشهد لاستنطاق طفل موقوف في جريمة قتل دون احترام مبدأ قرينة البراءة ودون طمس معالم وجهه، فيما تمّ إذاعة حديث عن واقعة اعتداء جنسي على طفلة من قبل مجموعة من الشبان بينهم أطفال، تمّ خلاله ذكر مكان الواقعة واسم المدرسة التي تدرس فيها الطفلة، ما يجعل التعرّف على الطفلة ممكنًا، وهذا يعدّ أيضًا انتهاكًا لحقها في حماية معطياتها الشخصية ومسًا من مصلحتها الفضلى ومن شأن ذلك تعريضها للوصم والمس من سمعتها. 

اقرأ/ي أيضًا: حوار|مدير جمعية قرى الأطفال: قرابة 5 آلاف عائلة تهدد بالاستغناء عن أطفالها

وتمّ نشر تقرير آخر تضمن نقلًا لصورة طفل في وضعية هشة دون طمس ملامح وجهه بشكل يسمح بالتعرّف عليه. وتكرر هذا المقطع عدّة مرات. وأشارت الهيئة إلى أنّه تم بثّ مشاهد صادمة تتعلّق بجريمة إرهابية بشعة استهدفت طفلًا تونسيًا بمنطقة من إحدى ولايات الجمهورية. ويعد هذا انتهاكًا لحق الطفل في حفظ كرامته ويمثل صمة للمشاهدين وخاصة الأطفال وعلى الأخص أهل وأسرة الطفل الضحية وفق تقرير الهايكا. 

  • معايير التواصل الإعلامي الفعال مع الأطفال

وبناءً على الأمثلة السابقة فقد حددت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري جملة من معايير التواصل الإعلامي الفعال مع الأطفال، من خلال إصدار دليل للتعاطي الإعلامي مع قضايا الطفل بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونسيف. وذلك بأنّ يكون "التواصل الإعلامي الفعال مع الأطفال متنوعًا في الشكل والمضامين. ومتناسبًا مع أعمارهم وقدراتهم النامية واحتياجاتهم المختلفة". 

كما حددت جملة من المعايير التي يجب اتباعها خلال القيام بالمقابلات مع الأطفال، من بينها "الامتناع التام عن دفع أموال للأطفال أو لذويهم مقابل الحصول على أي مقابلة صحفية، ومنح الطفل وقتًا ليقرر ما إذا كان يرغب في المقابلة، وتقديم شرح مبسط حول كيفية عمل جهاز التسجيل وآلة التصوير ومشاركته اهتمامه، إضافة إلى تجنب تملق الطفل أو ترغيبه أو دفعه كي يمثل موقفًا معينًا، مع طلب الإذن من الطفل والوصي عليه من أجل إجراء جميع المقابلات المسموعة والمرئية والتصوير على شريط الفيديو والتقاط الصور التوثيقية، على أن يكون هذا الإذن مكتوبًا كلّما كان ذلك ممكنًا ومناسبًا".

دليل الهايكا العملي للتعاطي الإعلامي مع قضايا الطفل: يجب تجنّب طرح الأسئلة التي تضع الطفل في موضع الخطر أو تعرّضه للإهانة، أو طرح أسئلة تبعث في نفس الطفل الألم والحزن الناجم عن أحداث مؤلمة

وفي سياق متّصل، حددت الهيئة جملة من القواعد التي يمكن من خلالها حماية الطفل من الأذى. فقد يتعرّض الطفل للأذى عن غير قصد وخاصة عند الرغبة في جمع المعلومات تحت ضغط الوقت أو السبق الصحفي. ولذلك يجب تجنّب طرح الأسئلة التي تضع الطفل في موضع الخطر أو تعرّضه للإهانة. أو طرح أسئلة تبعث في نفس الطفل الألم والحزن الناجم عن أحداث مؤلمة، مع تجنّب نشر قصة أو صورة قد تعرّض الطفل أو الأشقاء أو الزملاء للخطر حتى عند تغيير الهويات أو حجبها أو عدم استخدامها. مع مراعاة ضرورة طلب الإذن من الطفل والوصي عليه من أجل إجراء جميع المقابلات المسموعة والمرئية والتصوير على شريط الفيديو والتقاط الصور التوثيقية.

اقرأ/ي أيضًا:  أطفال في العراء المجتمعي.. من المدرسة إلى الرصيف

ومن بين المعايير الأخرى للتواصل الإعلامي الفعال مع الأطفال، قالت الهيئة إنه يجب "الحرص على تجنّب إضافة المزيد من الوصم الاجتماعي لأي طفل، وتصنيف الأطفال إلى فئات وتوصيفهم بأوصاف تعرّضهم للعقاب، بما في ذلك إلحاق الأذى البدني والنفسي بهم، أو تعرّضهم إلى الإساءة مدى الحياة أو التمييز ضدّهم. أو رفضهم من قبل مجتمعاتهم المحلية. والحرص كذلك على ضرورة تغيير اسم الطفل وطمس هويته المرئية وتجنّب إبراز تفاصيل جانبية وأي معلومات يمكن الاستدلال من خلالها على هويته مثل مكان وجوده أو إقامته أو صِلاته العائلية أو الاجتماعية كاسم الأب أو اسم الأم أو المدرسة أو إظهارهم في الخلفية. 

اقرأ/ي أيضًا: الطفولة المشرّدة نزيف في خاصرة المدن..

وأفاد المختص في حقوق الإنسان بسام عيشة في تصريحه لـ"الترا تونس"، وهو الذي قام بتحرير الدليل الذي جاء في إطار التعاون بين المنظمة والهيئة، لدعم حماية الطفولة في القطاع السمعي البصري وخاصة حماية حقوقهم والمساهمة في إثراء الإنتاج السمعي البصري الموجه لهذه الشريحة، أشار إلى أنّ "الدليل بني على مضامين الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، أي أنّ الدليل على علاقة بين مضامين اتفاقية حقوق الطفل والإعلام، مع الاستعانة ببعض الوثائق الدولية الأخرى المتممة. ولذلك عند التعاطي مع قضايا حقوق الطفل في الإعلام، يجب على كلّ إعلامي أن يعتبر هذه الاتفاقية هي الإطار القانوني لعمله، في علاقته مع الأطفال والإطار الأخلاقي القيمي والمرجعي له عند التعاطي مع قضايا حقوق الطفل".

بسام عيشة (معدّ دليل التعاطي الإعلامي مع قضايا الطفل) لـ"الترا تونس": على كلّ صحفي أو إعلامي أن يطّلع على بنود الدليل واتباعها في عمله خلال التعاطي مع قضايا الأطفال لحمايتهم وحفظ كرامتهم

وأشار المختص إلى أنّه على "كلّ وسائل الإعلام اليوم أن تتطلع على هذا الدليل وتتبعه مستقبلًا، وعلى كلّ صحفي أو إعلامي أن يطّلع على بنود الدليل واتباعها في عمله خلال التعاطي مع قضايا الأطفال لحمايتهم وحفظ كرامتهم وحفظ معطياتهم الشخصية لتجنيبهم التعرّض إلى أي خطر أو نبذ أو تنمّر أو غيره". مضيفًا أنّ الهيئة ستحرص على القيام بدورات تدريبية للعديد من الصحفيين حول كيفية التعاطي مع قضايا الطفل دون المساس بحقوقهم أو الإضرار بهم. 

ربما سيكون الدليل الذي أصدرته الهيئة مرجعًا هامًا للعمل الصحفي من خلال التعامل مع الأطفال في وسائل الإعلام، لكن يبقى السؤال المطروح حول مدى التزام أصحاب المؤسسات بتلك المعايير في ظل الحرب اليوم على الترفيع في نسب المشاهدة وتحقيق السبق الصحفي ولو على حساب كرامة الذات البشرية وخصوصيتها، ومدى قبول المشاهد أو المتلقي بتفاصيل الحكاية أو الرواية عن أطفال دون صورة أو هوية. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الإعلام في تونس بعد 25 جويلية: حرية مهددة ومخاوف من عودة سطوة السلطة عليه

من الكابتن ماجد إلى "الأيباد": كيف أصبح الطفل وحيدًا؟