02-يوليو-2018

تزايد حالات الانتحار لدى الأطفال في تونس (صورة أرشيفية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

تزايد حالات الانتحار لدى الأطفال موضوع تتباين أسبابه ويعلو صداه في كل مرة ليدق نواقيس الخطر من العواقب الوخيمة القادمة. أطفال في كنف طفولتهم قرروا دفن حياتهم التي لا تزال في مهدها بطريقة مأساوية تراجيدية لتنضاف إليهم هذه الأيام حادثة انتحار طفل لم يتجاوز سن الخامسة عشر في ولاية القيروان.

يرجع المختصون في علم الاجتماع تزايد حالات الانتحار لتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المهمشة

اقرأ/ي أيضًا: 12 حالة انتحار أو محاولة انتحار في صفوف أطفال تونس خلال فيفري 2018

يرجع المختصون في علم الاجتماع تزايد حالات الانتحار بصفة عامة ما بعد الثورة لارتباطها بضعف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المهمشة نتيجة الفقر والبطالة وانتشار نسب الأمية وفشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق وعودها الانتخابية.

وقد أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية خلال رصده حالات ومحاولات الانتحار في شهر فيفري/ شباط لسنة 2018 أن حالات الانتحار لدى فئة الأطفال هي الأكثر مأساوية  وقد شملت 12 حالة انتحار أو محاولة انتحار دون سن الخامسة عشر. وهي أرقام تعكس حالة اليأس والاضطراب النفسي التي يعيشها الأطفال اليوم الذين أمست تتلقفهم يد الموت وهم في كنف طفولتهم.

قد تختلف الأسباب باختلاف المناطق والانتماءات الجهوية والبيئات التي يعيشون فيها. فاختلاف البيئة النفسية والاجتماعية التي ينمو فيها الطفل اليوم والانغلاق الفكري قد لا يسمح لهم بالتعرف الى الحياة ومباهجها جراء الشعور بالتهميش والظلم والقهر ما يولد داخلهم العنف الاجتماعي.  

هي حالات متكررة تزايدت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة فتحولت إلى ظاهرة مجتمعية أسهمت عوامل عديدة في تضخمها واتساع رقعتها لتصبح مسؤولية اجتماعية  تتداخل فيها عدة أطراف وتتقاسمها الدولة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية. فكثيرًا ما يعترينا شعور بالأمل عند معرفة المرجعيات القانونية المحلية والاتفاقيات الدولية التي تكفل للطفل حقوقه وتتولى حمايته من جميع أشكال الإهمال والتهميش من خلال المناداة بضرورة تشبعه بالمبادئ الحقوقية والكرامة الإنسانية التي تضمن له حياة كريمة. لكن هيهات.. شتان ما بين التنظير والواقع. فبمجرد أن يعتلي أحدهم صهوات السلطة تتغير الأفكار والمبادئ ليبقى الضيم والتهميش قدر الفقراء المساكين والتخمة والرفاه قدر الأثرياء المتزهدين. وذلك في ظل تواصل سياسة المماطلة والإقصاء.

الطفل يستمد أصول شخصيته ومقوماتها من مختلف نظم التنشئة الاجتماعية

اقرأ/ي أيضًا: تسبب الأبوان في معظمها: 16 ألف إشعار بحالات تهديد للأطفال سنة 2017

كما أن  الدور الفعلي للدولة بمختلف مؤسساتها التي تعنى بحماية قطاع الطفولة يتمثل في سن القوانين والتشريعات وتكريسها بصورة فعلية على أرض الواقع حتى تكون إطارًا حاضنًا للطفل عبر السعي إلى البحث عن حلول توعوية وتوفير الإحاطة النفسية والاجتماعية اللازمة حتى لا يجد نفسه ضحية مشاكل اجتماعية صعبة جراء العنف الاجتماعي المسلط عليه والذي قد يكون نتاج تراكمات نفسية واجتماعية وفكرية. إضافة إلى ضرورة معالجة الظروف الاجتماعية  والاقتصادية الصعبة التي تعاني منها بعض المناطق في تونس والتي قد تؤثر سلبًا على حياة بعض الأطفال ما لم تلتفت الدولة إليهم.

بيد أن هذه الحالات المتكررة قد لا تتبعها بالضرورة خلفيات اقتصادية  بل قد تحيلنا إلى عمق الأزمة  التي تشهدها مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي يشدد عالم الاجتماع الفرنسي  بيير بورديو على أهميتها  ذلك أن الطفل يستمد أصول شخصيته ومقوماتها من مختلف نظم التنشئة الاجتماعية. هذه الأطر التي تمثلها الأسرة باعتبارها النواة الأولى التي يستقي منها طبائعه ومبادئه لأنها هي التي توفر له المساندة الوجدانية والدعم الاجتماعي وتكرس لديه سياسة الانتماء ليكون قادرًا على مقاومة الضغوط وتحملها. وحين تغلق أبواب الحوار والتواصل الأسري حتمًا ستزداد المشكلات وتتعمق الخلافات. مما يستوجب حماية الأطفال وتحصينهم وتوسيع مداركهم ومعارفهم بمتغيرات الحياة وتقلباتها.

هذا دون أن ننسى الدور البنائي للمدرسة التي تمثل إطارًا حاضنًا لآمال الأطفال وطموحاتهم  خاصة في هذه الفترة العمرية فهي تساعده على تكوين شخصيته عبر ترسيخ القيم والمبادئ النبيلة وتزويده بالمعارف والمهارات الأساسية اللازمة نظرًا إلى دورها في بلورة شخصية الطفل نفسيًا ومعرفيًا. ناهيك عن  دور المجتمع وهو المحيط الذي قد تنصهر فيه شخصية الطفل مع مختلف عاداته وتأثيراته السلبية التي قد تنعكس على شخصيته نظرًا إلى غياب التفاعل النقدي في مثل هذا المستوى العمري.

الإعلام قد يتحمل جزءًا من مسؤولية انتشار ظاهرة انتحار الأطفال نتيجة عدم التزامه بالضوابط المهنية

كما قد يتحمل الإعلام جزءًا من المسؤولية نتيجة عدم الالتزام بالضوابط المهنية وعدم احترام أخلاقيات المهنة الصحفية التي تشمل عدم نشر الصور الصادمة للضحايا لأنها قد تساهم في نشر 'ثقافة الانتحار" خاصة لدى فئة الأطفال باعتبار الدور التأثيري الذي قد يمثله الإعلام في مستوى تحديد ممارسات الأفراد والهيمنة على سلوك الاطفال. لذلك من المهم أن تساهم وسائل الإعلام في نشر ثقافة الحياة لديهم. من المهم أن يأخذ هذا الموضوع حيزًا هامًا من النقاشات التي تستوجب التحليل المعمق ودراسة الأسباب لتجاوز مثل هذه الحالات.

يبدو أن تراخي الدولة وضعف التفكير في كل هذه العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية والأسرية من شأنه أن يقوي من احتمالات زيادة حالات الانتحار لدى الاطفال. فما أحوجنا اليوم إلى "إرادة عامة عاقلة" تغوص في عمق الأسباب لتتخطى مرارة النتائج.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قرار استعجالي بحجب لعبتي الحوت الأزرق ومريم.. أّي أساس؟

الانتحار.. غول أطفال تونس