25-يونيو-2019

تنتشر مظاهر التلوث والاعتداء على الملك العمومي البحري في عديد الشواطئ التونسية (مارك تورنر/Getty)

 

يتزامن ارتفاع درجات الحرارة في الموسم الصيفي مع انطلاق موسم هجرة التونسيين، أفرادًا وجماعات، نحو الشواطئ ومنها شواطئ منطقة الساحل الممتدة من مدينة الشابة (ولاية المهدية) إلى حدود مدينة بوفيشة (ولاية سوسة) لتستقبل مئات الآلاف من التونسيين علاوة على الضيوف من السياح الأجانب والأشقاء الجزائريين والليبيين. فكيف تستعد هذه الشواطئ لاستقبال مصطافيها في فصل الصيف؟

اقرأ/ي أيضًا: منازل على جرف هار.. تقلبات جوية عرّت مسلسل الاعتداء على ملك الدولة

التلوث البحري.. معضلة دائمة

تتعدّد الشواطئ في منطقة الساحل التونسي التي يختارها المصطافون لقضاء العطلة، ومن أهمها شواطئ الشابة، وسلقطة، والرجيش، والمهدية، والبغدادي، والشرف، والمنستير، وجزيرة قوريا، وبوجعفر، وحمام سوسة، والقنطاوي، وشط مريم، وهرقلة، والسلوم وصولًا إلى الحمامات الجنوبية. وتختلف المواصفات البيئية والجمالية بين هذه الشواطئ وأيضًا كيفية تهيئتها وطرق استغلالها، ويمكن إجمالًا تصنيفها إلى شواطئ عمومية وأخرى سياحية وثالثة غير صالحة للسباحة.

تتعدّد الشواطئ في منطقة الساحل التونسي التي يختارها المصطافون لقضاء العطلة (كريس ماغراث/Getty)

 

التقينا، خلال زيارة لبعض الشواطئ المذكورة، بمرتاديها ليؤكد أغلبهم على أن أهم مواصفات اختيار الشاطئ الذي يؤمونه هي النظافة برًا وبحرًا، وخلوه من كافة مظاهر التلوث، إذ شدد المصطافون أن زرقة المياه وصفائها وخلو الشاطئ من القاذورات والحشائش هو المعيار الأهم في اختيار الوجهة.

وفي هذا الجانب، اشتكى مواطنون، في حديثهم لـ"ألترا تونس"، من عدم نظافة شاطئ الشابة وانتشار الأطنان من الطحالب على طول الشريط الساحلي، وقد لاحظنا بدورنا تباطؤ وكالة الشريط الساحلية وبلدية المكان في رفعها.

أما في شاطئ الرجيش، تسبب سكب مياه الصرف الصحي في البحر في كارثة بيئية انتفض على إثرها المواطنون مؤخرًا ما أدى الى صدام بين وحدات الأمن والمحتجين، وذلك بعد أن كان هذا الشاطئ نموذجيًا قضت عليه الحلول الارتجالية وسياسات اللحظة الراهنة التي تبنتها الحكومات المتعاقبة.

تشكو عديد الشواطئ في منطقة الساحل التونسي من التلوث البحري خاصة شاطئ رجيش بسبب سكب مياه الصرف الصحي وشاطئ سوسة الجنوبية الذي بات ضمن الشواطئ الممنوعة من السباحة

من جانب آخر، يعتبر كل من شط البغدادي والشرف، بين المهدية والبقالطة، من الشواطئ الجاذبة للعائلات التونسية من كافة أنحاء الجمهورية، وبذلك تستدعي نسبة الاكتظاظ العالية تدخلًا كبيرًا ومستمرًا كامل فترة الاصطياف للحفاظ على النظافة. وقد منحت بلدية البقالطة، في هذا الإطار، رخص استغلال وقتي للخواص للتكفل بتهيئة شاطئها وفق كراس شروط، وهو ما يوفر للعائلة التونسية شاطئًا مهيئًا غير ملوّث.

أما بالنسبة لشاطئ سوسة الجنوبية الممتد من المولد الكهربائي وصولًا إلى الميناء، فهو مصنف منذ سنوات من ضمن الشواطئ الممنوعة من السباحة نتيجة التلوث الذي أصاب كامل الشريط الساحلي. ورغم الحلول المقترحة للحد من التلوث وتأهيل الشاطئ من جديد، لا يزال الشلل يصيب هذا الشاطئ ويتجنبه المصطافون بحذر شديد، وقد تسببت عدة عوامل في تلوثه من بينها محطة التطهير بسويس والنفايات المسكوبة من الباخرات عرض البحر عدا عن المياه الساخنة المنبعثة من المولد الكهربائي التي غيرت البيئة البحرية في الجهة.

غير أنه يُلاحظ غياب مظاهر التلوث البحري في الشواطئ السياحية، مقابل انتشارها في الشواطئ العمومية التي لا تزال تعاني خصوصًا من سكب المياه الملوثة في عدة نقاط من الشريط الساحلي.

السطو على الملك العمومي البحري.. أين الدولة؟

شواطئ "القراعية" و"الفالاز" و"سقانص" بولاية المنستير هي الأخرى من الشواطئ التي يؤمها المصطافون بكثرة وتشهد ازدحامًا كبيرًا خاصة في شهري جويلية/يوليو وأوت/أغسطس. غير أن توسع الشواطئ السياحية على حساب الشواطئ العمومية، في هذه المنطقة، خلق نوعًا من الحنق لدى مواطنين الجهة معتبرين أن أصحاب النزل والسلطة السياسية والإدارية غير عادلة ومنحازة للسائح الأجنبي على حساب المواطن التونسي.

ولا أدل على ذلك، بالنسبة إليهم، إلا غلق مسالك وطرقات عمومية مؤدية للبحر من طرف أصحاب نزل في "سقانص" لمنع المواطن التونسي من الولوج إليها والتضييق عليه حتى يغادر المكان ويفسح المجال للمقيمين في النزل للاستمتاع بالمساحات الشاسعة دون اعتبار لكونه ملك عمومي بحري وليس ملكية خاصة.

يشكو المصطافون من اعتداءات أصحاب النزل على الملك العمومي البحري (صورة توضيحية/كريس ماغراث/Getty)

 

منير الإمام ناشط بالمجتمع المدني صرح لـ"ألترا تونس"، في هذا الصدد، قائلًا: "لا يمكن لتونسي أن لا يشعر بالضيم في شاطئ من شواطئ تونس خاصة منها القريبة من المناطق السياحية. والمظاهر الموجبة للضيم عديدة وهي تُقدم على سبيل الذكر لا الحصر". ويشير، في هذا الجانب، إلى وجود منطقة شبه خالية وشبه جبلية تعتبر ممرًا لشاطئ "عين المنستير" في جهة بنزرت، يقع إجبار المصطافين على دفع معلوم على أساس أن هذا الخلاء مربض للسيارات.

منير الإمام (ناشط مدني): لا يمكن لتونسي أن لا يشعر بالضيم في شاطئ من شواطئ تونس خاصة منها القريبة من المناطق السياحية

اقرأ/ي أيضًا: مياه صرف صحي وملوثات مصانع وتسربات نفطية.. كارثة تلوث شواطئ تونس

وتحدث أيضًا عن تسجيل تجاوزات بالجملة في شاطئ الوادي قرب نزل "طالاسا" مثل تسييج شاطئ عمومي بهدف منع التونسيين عنه قبل الضغط من أجل فتح باب صغير، وثم رفع حواجز رملية لا موجب لها فقط للتضييق على مرور سيارات رواد هذا الشاطئ. ويضيف محدثنا في هذا الجانب: "لا يمنع المصطافين من السباحة أمام النزل فقط ولكن في حماه أيضًا وذلك بعد تحطيم جسر صغير عمره قرابة القرن من الزمن حتى يستحيل الوصول لجهة من الشاطئ بجانب النزل. والأكيد أن ما يقوم به صاحب هذا النزل لا يخفى عن سلطة الإشراف وهو ما يزيدنا قهرًا".

في شاطئ "الدخيلة" كذلك من منطقة جنان الوسط وصولًا إلى وادي حمدون، تقلصت المساحات التي يرتادها المصطافون لحساب سياح النزل الذي يتعمد أصحابه التضييق على المصطاف من غير المرتادين النزل مما يحول دون استمتاع العديد من العائلات من المدن المجاورة خاصة من الوردانين والساحلين وسيدي عامر والثريات وجمال باعتبار أن هذه المناطق لا تزال تحافظ في تقاليدها على الاصطياف في نطاق العائلة الموسعة وتحمل خصوصية اجتماعية في ثقافة ارتياد الشواطئ.

قرارات هدم بالجملة في بلدية حمام سوسة

على غرار شواطئ ولاية المهدية والمنستير، تشهدد شواطئ ولاية سوسة بدورها إشكالات مماثلة أيضًا خاصة فيما يتعلق بالاستغلال الفاحش لمالكي النزل الشاطئية للملك العمومي البحري ووضع حواجز تعترض المصطافين، وإنشاء بناءات على عتبة المياه تمنع من تواصل الشريط الساحلي دون احترام المسافة القانونية المقدرة بخمسة وعشرين مترًا.

وفي هذا الجانب، عرفت بلدية حمام سوسة، في الآونة الأخيرة، تحركًا نوعيًا في سبيل تنفيذ قرارات هدم تخص بناءات ومنشآت سياحية ومنازل خواص بسبب الاعتداء على الملك العمومي البحري، في خطوة نوعية واستثنائية للجماعات المحلية في الجهة بالتعاون مع وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي.

أصدرت بلدية حمام سوسة قرارات هدم بناءات ومنشآت سياحية بسبب الاعتداء على الملك العمومي البحري (صورة توضيحية/كريس ماغراث/Getty)

 

وقد التقينا، في هذا الإطار، بالمستشارة ببلدية حمام سوسة إيمان حسين التي أكدت وجود تنسيق مع الوكالة المذكورة لمعاينة الإخلالات والتجاوزات بخصوص الاعتداء على الملك العمومي البحري، مشيرة إلى استصدار قرارات هدم قدر عددها بخمسين قرارًا، مع الشروع في تنفيذ 26 قرار هدم.

وأفادت أنه اُرجي تنفيذ قرارات الهدم المتبقية إلى شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم نظرًا لمداهمة الموسم السياسي، مبينة أن بلدية حمام سوسة رصدت 50 ألف دينار لإزالة أنقاض الهدم وتشييد حواجز رملية. وختمت محدثتنا قائلة: "نعتبر ما قمنا به خطوة هامة من أجل ترسيخ قوة القانون واحترام الملك العام".

إيمان حسين (بلدية حمام سوسة): أصدرنا 50 قرار هدم بسبب الاعتداء على الملك العمومي البحري وما قمنا به خطوة من أجل ترسيخ قوة القانون

و رغم انطلاق بلدية حمام سوسة في تنفيذ قرارات الهدم، لازال أصحاب النفوذ يعملون على تعطيل إجراءات الهدم في الملك العمومي البحري، وهو ما يمكن تلمّسه من تراخي في تنفيذ باقي القرارات على المستوى الإداري.

وتطرح تحديات التلوث واستغلال الملك العمومي البحري في شواطئ الساحل التونسي دور المجتمع المدني في معاضدة البلديات ووكالة تهيئة وحماية الشريط الساحلي، وسط دعوات لمزيد فاعلية الجمعيات في موسم الاصطياف خاصة على مستوى النظافة وجمع الفضلات وحملات التحسيس بالعناية بالبيئة. فيما يجب على الفرق البلدية تكثيف رقابتها سواء على المستوى البيئي أو التنظيمي بخصوص مراقبة المستلزمين بكراء الشواطئ المهيأة وتحديدًا لمدى احترامهم لكراس الشروط.

إذ بينما كانت تتميز شواطئ مدن الساحل التونسي بنظافتها وجمالها، لا يمكن نكران التراجع الملحوظ لقيمتها الاعتبارية ومكانتها على خريطة الشواطئ التونسية بسبب انتشار التلوث والإخلالات البيئية والعمومية والسطو على الملك العمومي البحري وذلك رغم الاعتمادات المادية والبشرية لمواجهة هذه الإخلالات والوعود الدائمة بوضع حدّ لها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أطنان من النفايات الخطرة في مياه تونس.. ما قبل الكارثة!

المنطقة الرطبة بطينة.. بشاعة الصناعة وإجرام اللامسؤولية