21-أغسطس-2019

المترشح الرئاسي نبيل القروي خلال زيارة مقام ولي صالح في زغوان

 

تنتشر الزوايا والمقامات بشكل واسع في مختلف ربوع تونس، وتنتشر معها طقوس وممارسات متأصلة متوارثة عن الأجداد لدى فئة واسعة من التونسيين، وتؤدي هذه المقامات، التي يعود تاريخها إلى نحو 12 قرنًا، دورًا روحيًا وتربويًا وعقديًا، وتمثل زوايا الأولياء الصالحين مشتركًا روحيًا بين كافة مكونات المجتمع التونسي.

ولما كانت زيارة الزوايا والمقامات عادة متجذرة تونسيًا، تحوّلت، خلال السنوات الماضية، إلى أداة للدعاية السياسية حينما يسارع الساسة، من عديد الأطياف السياسية والأيديولوجية، لزيارة مقامات الأولياء الصالحين بالخصوص في الفترة الانتخابية على غرار الانتخابات الرئاسية عام 2014 وهو ما يتجدد في الانتخابات الرئاسية 2019.

لما كانت زيارة الزوايا والمقامات عادة متجذرة تونسيًا، تحوّلت، خلال السنوات الماضية، إلى أداة للدعاية السياسية حينما يسارع الساسة لزيارة مقامات الأولياء الصالحين بالخصوص في الفترة الانتخابية

اقرأ/ي أيضًا: الصوفية في تونس.. من يستثمر الصراع؟

إذ انتشرت مؤخرًا صور لمرشحين من بينهم رجل الأعمال وصاحب قناة نسمة الخاصة ورئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي يقف في إحدى المقامات بولاية زغوان، وهو ما أثار ردود فعل متباينة من هذا السلوك لما ظهر توظيفًا انتخابيًا لعادة اجتماعية دينية.

وقبل خمس سنوات، استهل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي حملته الانتخابية بزيارة مقام سيدي بلحسن الشاذلي، بل وزار الزعيم اليساري حمة الهمامي مقام الولي الصالح سيدي علي نصر الله في القيروان خلال حملته الانتخابية أيضًا. كما ظهرت شخصيات أخرى، في وقت سابق، بصدد زيارة المقامات ومن بينها رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي.

 

باتت زيارة مقامات الأولياء الصالحين أداة للدعاية السياسية

وقد تزامنت موجة الزيارات للأولياء الصالحين وقتها بالخصوص مع انتشار ظاهرة الاعتداءات المتكررة على المقامات من طرف مجموعات سلفية متشددة، ففي 14 سبتمبر/أيلو 2012 اُعتدي على مقام سيدي عبد القادر الجيلاني بمنزل بوزلفة، وفي ماي/آيار من نفس السنة تعرضت زاوية صوفية بالقيروان للاعتداء، كما تعرضت زوايا أخرى لذات الفعل منها زاوية عبد الغريبي بسيدي بوزيد ومقام سيدي بوسعيد في بداية عام 2013، وقد خلفت كل هذه الاعتداءات موجة إدانة واسعة ووُظفت وقتها في إطار الصراع بين الحكومة والمعارضة.

ويسعى المترشحون للرئاسيات اليوم بهذه المزارات الآتية على نخب الانتخابات لقنص فرصة الظهور في حلة ما يسمى بـ"الاسلام الشعبي" أو في صورة المتمسّك بما يسمّى أيضًا "الإسلام التونسي" والتأكيد على امتدادهم في عمق الموروث الثقافي الشعبي، وذلك بهدف كسب ودّ فئات واسعة من الناخبين التونسيين.

حرق مقام سيدي بوسعيد الباجي في جانفي/كانون الثاني 2013 (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

وهذه المعتقدات الشعبية لا تقتصر على فئة دون أخرى، إذ يذكر التونسيون تصريحًا شهيرًا لقائد الأركان السابق للجيش الوطني رشيد عمار حينما قال إن "تونس عندها الولية يحموها" في إشارة واضحة للاعتقاد في "كرامات غيبية" وقوى خارقة حمت البلاد من الفوضى خاصة بعد المصاعب الأمنية والاقتصادية إبان الثورة.

لم تكن هذه الإشارة الوحيدة من كبار قادة البلد حول هذا المعتقد بالحماية والحصانة، بل إن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، المولود داخل مقام سيدي بوسعيد الباجي الذي اتخذ اسمه، قال، في كلمته في مؤتمر حزب نداء تونس بتاريخ 6 أفريل /نيسان 2019، إن هذا المؤتمر ينعقد "تحت رعاية الإمام المازري حلال البيبان وروح المجاهد الحبيب بورقيبة ترفرف فوق السماء".

 يذكر التونسيون تصريحًا شهيرًا لقائد الأركان السابق للجيش الوطني رشيد عمار حينما قال إن "تونس عندها الولية يحموها"

اقرأ/ي أيضًا: الصوفية في تونس.. رقم بلا معنى؟

ويقول الباحث في علم الاجتماع علي شعباني، في هذا الجانب، "بالرغم من أن مؤسسة الزاوية تبدو في الظاهر مجرد فضاء روحي يغلب على أدائه الطابع الديني، إلا أنها، وفي خضم تطور تاريخي تفاعلي، تحولت إلى آلية مستحكمة وضابطة للتوازن".

وبحثًا عن التوازن المفقود والسند التاريخي القيادي، لم يكن الأولياء الصالحون ملجأ وحيدًا للساسة والمرشحين للانتخابات الرئاسية ومن ورائهم الأحزاب التي ينتمون إليها أو الجهات الداعمة لها، إذ أن الاحتماء والتحصن بأرواح الأموات سواء شهداء أو زعماء أو نقابيين كان من بين أعمدة الحملات الانتخابية المبكرة.

فقد اختار الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي افتتاح حملته الانتخابية سنة 2014 من ضريح الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بالمنستير، وانتظم حينها اجتماع شعبي حاشد أمام روضة آل بورقيبة. ومن المنتظر، خلال الحملات الانتخابية الرئاسية والتشريعية المقبلة، توافد عدد من المترشحين خاصة من ذوي التوجه الدستوري على ضريح بورقيبة استثمارًا لرأس مال سياسي رمزي لا ينضب.

 يبدو المشهد السياسي الانتخابي في جانب منه متوددًا للأرواح طلبًا للمعونة والتأييد والتسديد، وقد لا يختلف اثنان في تونس أن جم المترشحين بمختلف انتماءاتهم يوظفون نفس الأسلوب لكسب الناخبين

وخلال المواعيد الانتخابية، يتوجه مرشحون أيضًا إلى أضرحة شهداء المقاومة الوطنية ورموز الاستقلال الوطني، وأيضًا أضرحة شهداء العمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة، على غرار زيارة المترشح الرئاسي عام 2014 نور الدين حشاد لضريح والده الزعيم النقابي فرحات حشاد وعدد من رموز الحركة الوطنية في مقبرة الجلاز خلال حملته الانتخابية، وكذا زيارة الرئيس السابق المنصف المرزوقي لضريح لشهداء المقاومة الوطنية، وأيضًا زيارة المترشح الرئاسي الهاشمي الحامدي، في حملة 2014، لضريح الشهيد محمد البوعزيزي في سيدي بوزيد.

بذلك يبدو المشهد السياسي الانتخابي في جانب منه متوددًا للأرواح طلبًا للمعونة والتأييد والتسديد، وقد لا يختلف اثنان في تونس أن جميع المترشحين بمختلف انتماءاتهم الحزبية والفكرية والأيديولوجية يوظفون نفس الأسلوب لكسب قاعدة واسعة من الناخبين.

لكن لا يخلو هذا النهج في كسب الناخبين عن طريق زيارة الزوايا والمقامات من استهجان وسخرية البعض خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبار هذه الزيارات توظيفًا أو سطوًا على مشترك روحيّ بين التونسيين، فيما يدافع البعض الآخر عنها باعتبارها تقاليد حية في الضمير الجمعي فزيارة الصالحين هي لأخذ العبرة من صلاحهم ومقدار علمهم وتمثل خيرهم وبرّهم، كما يقولون.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حدوة الحصان والخرزة الزرقاء والخُمسة.. عن أشهر أساطير طرد النحس في تونس

الانتخابات الرئاسية: ترشحات تتنافس على نفس الخزان الانتخابي.. من سيستفيد؟