30-يوليو-2021

تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد لسنة 2011 يعود مجددًا إلى الساحة السياسية التونسية

 

"يعتزم الرئيس قيس سعيّد "عقد صلح جزائي مع كل المتورطين في ملف الأموال المنهوبة التي بلغت قيمتها 13.5 مليار دينار"، كما جاء في تصريح للرئيس خلال استقباله مساء الأربعاء 28 جويلية/ يوليو 2021 رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول بقصر قرطاج، وأعلمه أن " من بين أهم شروط الصلح الجزائي ضرورة أن يتعهد الأكثر تورطًا في نهب أموال التونسيين بإحداث مشاريع تنموية في كل المعتمديات في تونس بعد ترتيبها ترتيبًا تنازليًا من الأكثر فقرًا إلى الأقل فقرًا"، وفق تقديره.

قرار أثار جدلًا في الساحة الاقتصادية خاصة أن الإعلان عنه تزامن مع إعلان عدد من القرارات الرئاسية ومنها تجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه واعتزام الرئيس ترؤس النيابة العمومية.

تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد لسنة 2011 يعود مجددًا إلى ساحة الصراع السياسي والاقتصادي، تقرير نشر في 350 صفحة وأثار قضايا فساد منظومة بن علي الحاكمة قبل 2011 وكافة عناصرها الإدارية والمالية وتعرض لتورط مسؤولين في كافة القطاعات، ومن بين ما تناوله التقرير "أساليب الإثراء غير المشروع وسوء استعمال السلطة للمؤسسات المالية، وقد مثّل التخلي عن الديون وإسناد القروض بدون الضمانات الكافية أهم التجاوزات على حساب المال العام" كما ورد فيه.

قرار عقد صلح جزائي مع كل المتورطين في ملف الأموال المنهوبة أثار جدلًا في الساحة الاقتصادية خاصة أن الإعلان عنه تزامن مع عدد من القرارات الرئاسية ومنها تجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه

المقترح الذي طرحه قيس سعيّد ليس جديدًا وإنما قد أعلنه سابقًا خلال حملته الانتخابية. غير أن ما جاء في تقرير عبد الفتاح عمر لسنة 2011 قد اصطدمت تصفية تركته بمنظومة قضائية وإدارية شائكة كما أحيلت عديد الملفات على القضاء ولا يزال أغلبها غير معلوم المآل قضائيًا وإداريًا، مما دفع العديد من رجال الأعمال اعتبار هذا القرار في هذا الظرف السياسي مساهمًا في مزيد توتير المناخ الاقتصادي.

اقرأ/ي أيضًا: أول مبادرة تشريعية لسعيّد: ماهي أهم أحكام مشروع قانون الصلح الجزائي؟

وقد اعتبر الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، في تصريح لإذاعة "موزاييك أف أم" الخميس 29 جويلية/يوليو أنه " من الضروري تحيين هذه الملفات حتى نتجنب مظالم أخرى لأن تطبيق ملفات أنجزت سنة 2011 يمكن أن يكون غير مطابق للواقع ولذلك فإنه لابد من عملية تقصي جديدة لفترة ما بعد 14 جانفي/يناير 2011".

وأوضح سعيدان الذي كان عضوًا في اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق أن: "المبلغ سيرتفع كثيرًا بعد تقصي فترة ما بعد الثورة"، وفق تقديره.

عز الدين سعيدان: من الضروري تحيين هذه الملفات حتى نتجنب مظالم أخرى لأن تطبيق ملفات أنجزت سنة 2011 يمكن أن يكون غير مطابق للواقع

من جهته، دوّن أستاذ التاريخ ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي عدنان منصر على صفحته على موقع التواصل فيسبوك "من قانون المصالحة إلى مشروع الصلح الجزائي مع رجال الأعمال: لا يزال نفس الناس في نفس المواقع".

وقال: "بغض النظر عن مدى قدرة الرئيس على تطبيق مبدأ الصلح الجزائي مع رجال الأعمال، فإن أولئك الذين سكتوا على سن قانون المصالحة الإدارية هم آخر من يوجه الانتقادات. يجب أن نتذكر سياق التصويت على ذلك القانون، وعملية المرور بقوة بين النهضة ونداء تونس، وتواطؤ رئيس المجلس محمد الناصر، والشعور القوي بالقهر الذي أصاب كل من قاوم ذلك القانون من شباب حملة "مانيش مسامح" وغيرهم. نعم كان قهرًا بالقانون الذي وقع التصويت عليه "في كنف الديمقراطية" سمح لعدد كبير من مُهدري وآكلي المال العام من الإفلات من العقاب. فليبدأ منتقدو مشروع الصلح الجزائي بالاعتذار عن تبييضهم لعملية الاغتصاب التي تمت آنذاك تحت مرأى ومسمع الجميع أولًا وقبل كل شيء، قبل أن ننصت لنقدهم."

وأضاف عدنان منصر: "لنأت الآن إلى فكرة الصلح الجزائي مع رجال الأعمال: هل الأمر قابل للتطبيق؟ هناك صعوبات كبيرة حتمًا وقد تكون النتائج أقل بكثير من المنتظر. هذا مرتبط بضمان ولاء الإدارة وأجهزة المراقبة والتنفيذ للمشروع ووضوح رؤية الرئيس وواقعيتها، ولا أعتقد حقيقة أن هذا متوفر للأسف".

وقال منصر: "لنعكس الصورة الآن: كيف سيكون المشهد لو أن البرلمان رفض قانون المصالحة، ورفض كل القوانين التي فُصّلت على قياس التحالف بين النهضة والمنظومة القديمة، ثم جاء قيس سعيّد، وسن عن طريق أوامر رئاسية قوانين تقر بالمصالحة، وتسمح للمذنبين تجاه المال العام بالإفلات من المحاسبة والاحتفاظ بما احتطبوه؟ كيف ستكون ردود الفعل؟ رفضًا كاملًا. نفس الذين رفضوا قانون المصالحة كانوا، لنفس الأسباب، سيرفضون القرار (المفترض) لقيس سعيّد".

عدنان منصر: هناك صعوبات كبيرة حتمًا في تطبيق فكرة الصلح الجزائي وقد تكون النتائج أقل بكثير من المنتظر. هذا مرتبط بضمان ولاء الإدارة وأجهزة المراقبة والتنفيذ للمشروع ووضوح رؤية الرئيس وواقعيتها

من جهته، صرح أنيس الجزيري رئيس المنتدى التونسي الإفريقي لرجال الأعمال لـ"الترا تونس" قائلًا: "موقف قيس سعيّد ليس جديدًا بل صرح به سابقًا ولكني أعتبر اليوم أن لدينا أولويات وننتظر خارطة طريق وتركيز حكومة جديدة، ومثل هذه القرارات تتخذ بعد تنصيب حكومة جديدة والالتزام بالبقاء داخل فضاء الديمقراطية والحريات".

وأضاف الجزيري: "ما ورد في تقارير عبد الفتاح عمر غير واضح على غرار قروض بنكية تجارية عادية، ومجرد تناول الموضوع بهذا الشكل فيه الكثير من الشعبوية". وقال: "هذا الملف خطير جدًا ووجب التزام الدقة في تناوله ولا بدّ من قضاء مستقل يتناوله".

وأقر الجزيري بأن "العديد من الملفات تم التلاعب بها ضمن مسار 10 سنوات الأخيرة، لكن لا يجب شيطنة رجال الأعمال وضرب القطاع الخاص وعلى الدولة تقديم الملفات للقضاء، وعلى رئيس الجمهورية أن يؤمن باستقلالية القضاء ويخرجه من تأثير اللوبيات والسياسيين".

أنيس الجزيري (رئيس المنتدى التونسي الإفريقي لرجال الأعمال) لـ"الترا تونس": ملف الأموال المنهوبة خطير جدًا وتناوله يستوجب دقّة وقضاءً مستقلًا، كما لا يجب شيطنة رجال الأعمال وضرب القطاع الخاص

اقرأ/ي أيضًا: على لسان نشطائها.. ما لا تعرفونه عن "مانيش مسامح" التونسية

ويذكر أن مشروع قانون متعلقًا بالصلح الجزائي لاسترجاع المال العام بهدف خدمة التنمية ومتكونًا من 48 فصلًا، قد تم إعداده من طرف رئاسة الجمهورية وظهر في مواقع صحفية في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وتشرف لجنة قضائية على الصلح مع المتورطين في الاعتداء على المال العام أو الإضرار بالإدارة تعمل تحت إشراف رئاسة الجمهورية، وتتكوّن لجنة الصلح من 9 قضاة حسب الأقدمية (3 قضاة عدليين من الرتبة الثالثة الأقدم في خطة رئيس دائرة بمحكمة التعقيب، و3 قضاة إداريين الأقدم في خطة رئيس دائرة تعقيبية و3 قضاة ماليين الأقدم في خطة رئيس دائرة استئنافية)، يقع تعيينهم من طرف رئيس الجمهورية.

ينص الفصل 20 من مشروع القانون على أن "تُوظّف الأموال المودعة بصندوق الصلح في تمويل إنجاز مشاريع تنموية اعتمادًا على مبدأ التمييز الإيجابي، مع خضوع الصندوق لرقابة محكمة المحاسبات".

وتقوم لجنة رئاسية تُسمى لجنة قيادة التصرّف في صندوق الصلح، تتكون من 5 أعضاء يعيّنهم رئيس الجمهورية، بترتيب المعتمديات في تونس تفاضليًا من الأكثر إلى الأقل فقرًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

استرجاع الأموال المنهوبة بالخارج.. فرص مهدورة في تونس

صفحة من تاريخ فساد تحالف السلطة والثروة في تونس..