11-ديسمبر-2021

(صورة من احتجاجات 26 سبتمبر 2021 لمعارضين لتوجهات الرئيس التونسي/الشاذلي بن إبراهيم/Nurphoto)

 

"المشكل في تونس اليوم دستوري نتيجة دستور سنة 2014 الذي ثبت أنه لم يعد صالحًا ولا يمكن أن يتواصل العمل به لأنه لا مشروعية له"، هذا تصريح للرئيس التونسي قيس سعيّد، ورد في بيان للرئاسة التونسية مساء الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، في إقرار للمرة الأولى من سعيّد بتوجهه نحو إلغاء العمل بما كان يُعرف لسنوات بدستور الجمهورية الثانية أو دستور سنة 2014، وهو الدستور الذي توج حوالي 3 سنوات من عمل المجلس الوطني التأسيسي المنتخب إبان الثورة التونسية في 2011.

لم يعتبر إقرار سعيّد بالتخلي عن دستور 2014 مفاجئًا، إذ سبق أن أصدر في 22 سبتمبر/أيلول الماضي أمرًا رئاسيًا، صار مشهورًا بالأمر عدد 117 واعتبره الكثيرون إلغاء مقنعًا للدستور التونسي الحالي

لم يعتبر إقرار سعيّد بالتخلي عن دستور 2014 مفاجئًا، إذ سبق أن أصدر في 22 سبتمبر/أيلول الماضي أمرًا رئاسيًا، صار مشهورًا بالأمر عدد 117 والذي قدم من خلاله إجراءات قال إنها ستسير، خلال الفترة الاستثنائية، السلطتين التشريعية والتنفيذية في تونس، وقد علق هذا الأمر الرئاسي معظم أبواب دستور 2014 وأهم فصوله وفلسفته العامة (النظام شبه البرلماني)، واعتبره الكثيرون إلغاء مقنعًا للدستور التونسي الحالي. 

اقرأ/ي أيضًا: أمر رئاسي يقر صلاحيات شبه مطلقة للرئيس في تونس وتعليق لمعظم أبواب الدستور

لكن الرئيس التونسي كان يشدد منذ اتخاذه ما أسماها "التدابير الاستثنائية"، وهي المتواصلة إلى الآن، في 25 جويلية/ يوليو الماضي، أن تدابيره مستوحاة من الدستور وأنه لم يعلق العمل به وأن الدستور لا يزال قائمًا. كان هذا الخطاب موجهًا بالأساس للخارج وخاصة للدول الغربية، وقد كان يصر خلال استقبال وفود منها أو في بيانات الرئاسة ردًا على بيانات بعثات دبلوماسية غربية أنه يعمل في إطار دستور 2014. 

وفر الأمر الرئاسي 117 المعلن عنه في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي صلاحيات شبه مطلقة لرئيس الجمهورية دون تسقيف لفترة العمل به. ولاقى معارضة داخلية واسعة حتى من أحزاب وشخصيات كانت قد دعمت تدابير 25 جويلية الماضي. هذه الأحزاب والشخصيات الوطنية كانت قد دعت الرئيس إلى التراجع عن الأمر 117 وتسقيف فترة العمل به والعودة إلى الدستور الذي أقسم عليه حين توليه عهدته الرئاسية ونبهته إلى أن المس من هذا الدستور، وفقها، "يعني المس من شرعية سلطته الآن". 

لم يتراجع سعيّد خطوة إلى الوراء، وبدا أنه يعتمد "سياسة المراحل" في تطبيق مشروعه وتوجهاته للحكم، ومر بذلك من التشديد على تمسكه بدستور 2014 إلى تعليق عدد من أبوابه ثم إلى الإعلان عن كونه "لم يعد صالحًا" و"لا مشروعية له" و"لا يمكن تواصل العمل به". 

مر سعيّد من التشديد على تمسكه بدستور 2014 إلى تعليق عدد من أبوابه ثم إلى الإعلان عن كونه "لم يعد صالحًا" و"لا مشروعية له" و"لا يمكن تواصل العمل به"

  • ماذا بعد دستور 2014..؟

لم تصدر الرئاسة التونسية أي توضيحات عن توجه سعيّد فيما يخص الدستور، إلا أن أحد أساتذة القانون الدستوري الذي التقاه سعيّد في مناسبات عديدة مؤخرًا في قصر قرطاج، أمين محفوظ، قد تدخل في إذاعة موزاييك المحلية الخاصة، مساء الجمعة 10 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، لتقديم بعض التوضيحات. 

يقول محفوظ إنه قد تم الاتفاق على التوجه نحو "تكوين لجنة من المختصين في القانون لكتابة مسودة لدستور جديد، سيتم الحوار داخلها، وتحديد خيارات والاتجاه نحو استفتاء الشعب حولها" و"إضافة للجنة، ستكون هناك منصات إلكترونية وسيتم تقبل مقترحات من خلالها".

ويُتوقع أن يعلن سعيّد عن هذا المسار علنًا، وربما قرارات أخرى أيضًا، يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول القادم، التاريخ الذي كان قد أعلنه "يومًا للثورة" مؤخرًا بدل تاريخ 14 جانفي/ يناير.

مع العلم أن ما أعلن عنه أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ ليس جديدًا بل تم التعرض له تقريبًا في تصريحات سابقة من قبل مستشار الرئيس وليد الحجام في إحدى القنوات الأجنبية. 

أمين محفوظ: تم الاتفاق على التوجه نحو تكوين لجنة من المختصين في القانون لكتابة مسودة لدستور جديد، سيتم الحوار داخلها، وتحديد خيارات والاتجاه نحو استفتاء الشعب حولها

اقرأ/ي أيضًا: توجه نحو تعليق الدستور وتغيير النظام السياسي عبر استفتاء.. تخوّف وانتقادات

  • أي رد فعل للمعارضة التونسية؟

عارضت عديد الأحزاب الفاعلة في المشهد السياسي التونسي، منذ فترة، أي توجه لإلغاء العمل بدستور 2014 كما عارضت أن يتم تعديله بشكل فردي. وقد جدد العديد منها الرفض والتنديد إبان التصريحات الرئاسية الأخيرة. 

في هذا السياق، اعتبر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي أن تصريح سعيّد بأن دستور 2014 لم يعد صالحًا، يعد "انزلاقًا خطيرًا نحو الانحراف بالسلطة وتكريسًا للحكم الفردي"، داعيًا إلى "العودة فورًا إلى المسار الدستوري". وشدد على أن تعديل الدستور في حال اقتضته الضرورة، يجب أن يكون ضمن الآليات الدستورية باعتبار الدستور هو العقد السياسي والاجتماعي بين الحاكم والمحكوم.

وأكد، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية (رسمية)، أن تنسيقية القوى الديمقراطية التي تضم كلاً من أحزاب التيار والجمهوري والتكتل بصدد قيادة مشاورات مع عدد من المنظمات وجمعيات المجتمع المدني وحركات شبابية وشخصيات وطنية مستقلة قصد وضع برنامج لتحركات احتجاجية ومسيرات سلمية وندوات انطلاقًا من 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، للتصدي "لخروج رئيس الجمهورية عن الشرعية والانحراف بالسلطة، وتردي الأوضاع والصعوبات والمخاطر التي انزلقت إليها البلاد"، وفقه.

وأوضح أن المشاورات بين الأطراف المذكورة تتعلق بـ"المطالبة بالتراجع عن العمل بالمرسوم الرئاسي عدد 117، وإرساء حوار وطني بين مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين وعلى رأسهم الاتحاد العام التونسي للشغل".

اقرأ/ي أيضًا: هل يكون الاستفتاء على تعديل النظام السياسي وجهة قيس سعيّد القادمة؟

كما دعا الشواشي، على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، أساتذة القانون الدستوري الذين التقاهم سعيّد مؤخرًا (الصادق بلعيد ومحمد صالح بن عيسى وأمين محفوظ) إلى "عدم التورط أو المساهمة في تركيز ديكتاتورية جديدة في تونس.. وأن يلعبوا دورهم الوطني في هذه الفترة الدقيقة التي تمر بها بلادنا خدمة للمصلحة العليا للدولة ودفاعًا عن الديمقراطية وحفاظًا على مكتسباتنا.. وذلك بنصح الرئيس ودعوته للعودة إلى رشده وإلى المسار الديمقراطي والدستوري وإعادة ضبط أولوياته على قاعدة حاجيات الشعب وانتظاراته الحقيقية..".

الشواشي: أدعو أساتذة القانون الصادق بلعيد ومحمد صالح بن عيسى وأمين محفوظ إلى "عدم التورط أو المساهمة في تركيز ديكتاتورية جديدة في تونس.."

في سياق متصل، أكدت حركة النهضة أيضًا، في بيان، رفضها محاولات النزوع إلى إلغاء دستور 2014 و"الاتجاه إلى هندسة أحادية للنظام السياسي والقانوني لتونس"، وفق تعبيرها، محذرة من مغبة المساس بالبناء الدستوري للسلطة بواسطة المراسيم وإدخال الحكم في أزمة شرعية مفتوحة بالغة العواقب السيئة على الاستقرار السياسي ومستقبل البلاد، وفق تقديرها.

من جانب آخر، حذرت المبادرة الديمقراطية (أسسها حراك مواطنون ضد الانقلاب المعارض ونشطاء سياسيون وحقوقيون)، في بيان أيضًا، من المساس بدستور البلاد "باعتباره العقد السياسي والاجتماعي الضامن لاستقرار المجتمع والدولة والمجسّد للسيادة والمشروعية الشعبية". وأكدت أن "كل قرار أو إجراء باتجاه المساس بدستور الجمهورية التونسية لسنة 2014 يعدُّ باطلاً غير معترفًا به ولا أثر له واقعًا وقانونًا".

وفي ذات السياق، ذهبت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، إلى أنها سترسل عبر متصرفين قضائيين "إنذارات" إلى خبراء القانون الدستوري الذي التقى بهم سعيّد مؤخرًا ويُتوقع أن يمثلوا النواة الأساسية للجنة التي سيكونها لصياغة الدستور الجديد، وهم الصادق بلعيد وأمين محفوظ ومحمد صالح بن عيسى، لتحذيرهم من إمكانية تحميلهم المسؤولية الجزائية في حال أي مساهمة منهم في صياغة نصوص غير قانونية، وفقها.

لكن اللافت أيضًا أن عديد الأحزاب والشخصيات المعروفة والناشطة في المشهد السياسي التونسي لم تصدر موقفًا بعد من هذه التطورات ويُتوقع أن تنتظر إفصاح الرئيس بشكل واضح ونهائي عن هذا التوجه يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول القادم لتحدد مواقفها النهائية.

تتوسع معارضة الرئيس لكنها تتميز بنقاط ضعف "قاتلة" تحد من تأثير مواقفها شعبيًا، ومنها انقسامها وعجزها عن التوحد والعمل المشترك في إطار ائتلاف أو تنسيق تحركات احتجاجية مشتركة مثلًا

تتوسع، في الأثناء، معارضة الرئيس قيس سعيّد في تونس لكنها تتميز بنقاط ضعف "قاتلة" تحد من تأثير مواقفها شعبيًا، ومنها انقسامها وعجزها عن التوحد والعمل المشترك في إطار ائتلاف أو تنسيق تحركات احتجاجية مشتركة مثلًا، كما استنزفت معظمها "شعبيتها" خلال العشرية الأخيرة وهو ما يؤثر على انخراط عموم الشعب في رؤيتها ويجعل أفق المشهد غامضًا في تونس. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

نجلاء بودن.. استحقاقات ضخمة وصلاحيات محدودة

قراءة أولية في تركيبة حكومة نجلاء بودن..