29-أبريل-2024
قيس سعيّد وجورجيا ميلوني إيطاليا

كيف تلعب ورقة "الهجرة غير النظامية" دورًا أساسيًا في تقوية منظومة الرئيس الداخلية في مواجهة أيّ محاولات للضغط الخارجي خاصة؟

مقال رأي 

 

في سنة سياسية مختلفة بشكل جذري، حيث أننا بصدد اختبار انتخابي لطبيعة النظام السياسي بما يمكن أن يهدّد ما تبقى من آليات ديمقراطية، وتتوجه الأنظار إلى مدى قدرة الدولة على سداد التزامات مالية خارجية ضخمة تصل إلى 4 مليارات دولار ونصف المليار، يبرز ملف الهجرة غير النظامية كأحد أهم أوراق الرئيس قيس سعيّد الإقليمية في مجاراة ضغوط اللاعبين المختلفين. السؤال الذي سنطرحه هنا هو كيف تلعب هذه الورقة دورًا أساسيًا في تقوية منظومة الرئيس الداخلية في مواجهة أيّ محاولات للضغط الخارجي خاصة. 

يبرز ملف الهجرة غير النظامية كأحد أهم أوراق قيس سعيّد الإقليمية في مجاراة ضغوط اللاعبين المختلفين.. السؤال الذي يُطرح هنا هو كيف تلعب هذه الورقة دورًا أساسيًا في تقوية منظومة الرئيس الداخلية في مواجهة أيّ محاولات للضغط الخارجي؟

في زيارة قصيرة، وهي الرابعة في هذا العام، أتت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس يوم 17 أفريل/نيسان الماضي، حيث دعت إلى "مقاربة جديدة" تجاه إفريقيا بما يشمل مسألة الهجرة، معلنة تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين. ووفق ميلوني، تم توقيع 3 اتفاقيات تشمل مساعدات بقيمة 50 مليون يورو.  وكان قد صحب الأخيرة وزيرا الداخلية والتعليم العالي الإيطاليان على أن يزور تونس لاحقًا وزيرا الثقافة والتربية بمناسبة المعرض الدولي للكتاب حيث كانت إيطاليا "ضيف شرف" للمعرض. 

 

 

نحن إذًا بصدد حضور لافت ومركز من الجانب الإيطالي، وعمليًا منافسة مباشرة لباريس، خاصة إن تعلق الأمر بالمستوى الثقافي المهم تقليديًا للفرنسيين. لكن الموضوع الرئيسي للزيارة كان طبعًا موضوع الهجرة غير النظامية. 

وأكدت ميلوني في مداخلة مسجلة من قصر الرئاسة التونسية "على العمل الذي نقوم به معًا في مكافحة المتاجرين بالبشر"، وأشارت إلى أنه "لا يمكن أن تكون (تونس) بلد وصول للمهاجرين" من بقية دول إفريقيا، والتزمت "بإشراك المنظمات الدولية (مثل المنظمة الدولية للهجرة) للعمل على عمليات الترحيل" نحو بلدان المنشأ. الخطاب السياسي لميلوني يسعى لإظهار التوافق مع خطاب الرئيس سعيّد وطمأنته. وكانت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 قالت إن خطاب الرئيس قيس سعيّد، الذي أكد فيه رفض بلاده "الصدقة الأوروبية"، موجّه أساسًا للرأي العام التونسي. هي إذًا تفهم محاذير الرئيس التونسي ومن الواضح أنها قرأت جيدًا خطوطه الحمراء في الخطاب الرسمي.  لكن لا يعني ذلك أنّ ما تقوله عمليًا متطابق مع الأفعال. 

نحن بصدد حضور لافت ومركز من الجانب الإيطالي، في تونس، وعمليًا منافسة مباشرة لباريس.. عمليًا إيطاليا هي إحدى ضمانات الحلف الغربي، الناتو خاصة، لبقاء تونس ضمن الاستراتيجيا الغربية التقليدية

وكان من المثير للانتباه زيارة وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروزيتو إلى تونس بعد أسبوع من زيارة ميلوني. العنوان الرسمي  للزيارة حسب وكالة "نوفا الإيطالية" كان المشاركة في الاجتماع الخامس والعشرين اللجنة العسكرية الإيطالية - التونسية المشتركة. وتأتي زيارة وزير الدفاع الإيطالي في إطار استضافة تونس بداية من 22 أفريل/نيسان، للمرة الرابعة على التوالي، فعاليات التمرين العسكري المشترك "الأسد الإفريقي 24"، الذي تنظمه القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، ويشارك في هذا التمرين جيوش من 20 دولة، بما في ذلك وحدات لحلف الأطلسي (الناتو).

الأميرال روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، زار هو الآخر تونس في 17 من أفريل/نيسان الحالي في إطار جولة بالمنطقة، وتمخض لقاؤه مع نبيل عمار، وزير الخارجية التونسية، عن اتفاق الطرفين على تكثيف الحوار السياسي المنتظم بينهما لـ"وقف التهديدات".

عمليًا إيطاليا هي إحدى ضمانات الحلف الغربي، الناتو خاصة، لبقاء تونس ضمن الاستراتيجيا الغربية التقليدية. ويذكر أنّ وزير الخارجية الإيطالي سبق له تحذير بقية الحلفاء الغربيين من انزلاق تونس نحو المحاور الأخرى خاصة موسكو وبكين، وهو الأمر الذي يقلق بلا شك الأطراف الغربية خاصة بعد زيارات متتالية لوزراء خارجية البلدين إلى تونس بداية سنة 2024. 

سبق أن حذّر وزير الخارجية الإيطالي بقية الحلفاء الغربيين من انزلاق تونس نحو المحاور الأخرى خاصة موسكو وبكين، وهو الأمر الذي يقلق بلا شك الأطراف الغربية خاصة بعد زيارات متتالية لوزراء خارجية البلدين إلى تونس بداية سنة 2024

لكن تضمنت أجندة زيارة وزير الدفاع الإيطالي حسب وكالة "نوفا" أيضًا مباحثات حول احتياجات التعاون الثنائي، خاصة في مكافحة الهجرة غير النظامية والكشف عن شبكات الاتجار بالبشر. هنا يبدو التحدي الأمني والحاجة المتبادلة الأوروبية-التونسية تقوم أساسًا على "تهديد" الهجرة غير النظامية. ومن الصعب ألّا نرى في إصدار أمر رئاسي جديد أحد الأسس لتنظيم التنسيق المتزايد بين الطرفين. حيث صدر في إطار تنظيم وزارة الدفاع الوطني الأمر الرئاسي عدد 181 لسنة 2024 مؤرّخ في 5 أفريل/نيسان 2024 يتعلّق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريين.

وتضمن التنصيص على "الإنقاذ" بأنه عملية انتشال أشخاص مكروبين بالبحر وتلبية احتياجاتهم الأولية الطبية أو غير الطبية ونقلهم إلى مكان آمن. وتم تكليف المصلحة الوطنية لخفر السواحل التابعة لوزارة الدفاع (تأسست منذ سنة 1970) بمهام السلطة الوطنية المسؤولة عن خدمات البحث والإنقاذ البحريين. وحسب الأمر "يتم بمقتضى مخطط وطني للبحث والإنقاذ البحريين تحديد منطقة المسؤولية التونسية"، بما يوحي بأنّها لا تهم فقط المياه الإقليمية فقط، بل يمكن أن تهمّ أيضًا "المنطقة الاقتصادية الخاصة". 

الهجرة غير النظامية كانت أيضًا أحد محاور القمة الثلاثية (الجزائر-تونس-ليبيا) التي نصّت في بيانها الختامي على أنّ قادة الدول اتفقوا على تكوين فرق عمل مشتركة لتأمين الحدود المشتركة من مخاطر الهجرة غير النظامية

الهجرة غير النظامية كانت أيضًا أحد محاور القمة الثلاثية (الجزائر-تونس-ليبيا) التي تمت في ذات أسبوع استقبال وزير الدفاع الإيطالي، ونصّت في بيانها الختامي على أنّ قادة الدول "اتفقوا على تكوين فرق عمل مشتركة يعهد إليها بالتنسيق لتأمين حماية أمن الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة".

للتذكير طبعًا أنّ الحكومة الإيطالية برئاسة ميلوني تحظى بعلاقات قوية أيضًا مع الجزائر وطرابلس. نحن إزاء تقارب رباعي في محور مضيق صقلية ومنتصف البحر المتوسط، موضوعه "الأمني" الأساسي الهجرة غير النظامية، خاصة بعد انفلات الأوضاع في دول الساحل والصحراء بعد الانقلابات الأخيرة، وهو أحد أهمّ مشاغل طرف مثل الجزائر الذي كان وراء اقتراح مبدأ القمة الثلاثية الدورية. 

بعد التقارب الإيطالي، لم يبقَ أمام باريس إلّا مجاراة التطورات الأخيرة، وهو ما يمكن ملاحظته في البلاغ الذي نشره الإليزي عن مكالمة ماكرون وسعيّد والتي تجنبت تمامًا الملف السياسي الداخلي والانتقادات السابقة لباريس تجاه تونس وركزت على ملف الهجرة غير النظامية

هذه هي المظلة الجيوسياسية للرئيس قيس سعيّد، مضاف إليها على الأغلب دعم مالي سعودي أساسًا، بطلب من روما، وبتنسيق على الأرجح مع واشنطن، لمواجهة الصعوبات المتصاعدة في المالية بما يوفر في أقلّ الأحوال "الحد الأدنى" من الدعم لتجاوز عقبة العام المفصلي أي سنة 2024.

في المقابل، لم يبقَ أمام باريس إلّا مجاراة هذه التطورات، وهو ما يمكن ملاحظته في البلاغ الذي نشره الإليزي عن مكالمة الرئيس ماكرون مع الرئيس سعيّد يوم 25 أفريل/نيسان، والتي تجنبت تمامًا الملف السياسي الداخلي والانتقادات السابقة لباريس تجاه تونس، وركزت على ملف الهجرة غير النظامية، حيث نص على: "أنّ فرنسا مستعدة لتعزيز تعاونها مع تونس لمكافحة شبكات الاتجار بالبشر في إطار الشرعية الدولية وبما يتماشى مع الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي". وتم اختتام البلاغ بإعلان دعوة فرنسية للرئيس التونسي للقمة الفرنكوفونية في أكتوبر/تشرين الأول القادم، لكن من اللافت أنّ بلاغ الرئاسة التونسية لم يشر إلى ذلك، وركز على النقطة الخلافية في خصوص الموقف من الحرب على غزة، وهو ما تجنبه البلاغ الفرنسي. بوضوح موقف الرئيس التونسي في موازين القوى أقوى من السابق في علاقة بباريس. 

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"