23-أبريل-2024
الاجتماع التشاوري الأول تونس الجزائر ليبيا قيس سعيّد عبد المجيد تبون ومحمد المنفي

تبقى التنسيقية الثلاثية، التي ترعاها الجزائر بدرجة أولى، إطارًا ساعيًا لتنسيق المواقف المغاربية بيد أنها تبقى لوحدها قاصرة على تحقيق المشروع المغاربي الشامل

 

كما كان مبرمجًا، استقبلت تونس، الاثنين 22 أفريل/نيسان 2024، ما سُميّ رسميًا "الاجتماع التشاوري الأول" الذي جمع رئيسها قيس سعيّد مع الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي. وكان قد بادر الرئيس الجزائري، بداية الشهر الماضي، وعلى هامش قمة الدول المصدّرة للغاز المنعقدة في الجزائر، لعقد لقاء تمهيدي بين رئيسيْ الدولتين الجارتين ليعلن عن إنشاء ديناميكية إقليمية جديدة بعنوان "إحياء العمل المغاربي المشترك". 

كان اللقاء التشاوري بين رؤساء تونس والجزائر وليبيا بمثابة ديناميكية إقليمية جديدية بعنوان "إحياء العمل المغاربي المشترك" وهي بقدر ما تظهر مأمولة في سياق جمود المشروع المغاربي، فإنها تشوبها خشية من انبنائها على قاعدة تباين مشبوه عن المغرب

وهي ديناميكية بقدر ما تظهر مأمولة في سياق جمود المشروع المغاربي منذ سنوات وبغاية دفع العمل الجماعي، فإنها تشوبها خشية من انبنائها على قاعدة تباين مشبوه عن المغرب، وهي ضلع رئيسي تاريخيًا للمغاربية، خاصة في ظل القطيعة الجزائرية المغربية من جهة، والأزمة الدبلوماسية الصامتة والمستمرة بين تونس والمغرب من جهة أخرى. وهي شبهة يظهر أن موريتانيا دفعتها للنأي بنفسها عن الانضمام للمشاورات الجديدة.

إذ توجد شكوك من سعي لاستبدال عمليّ لاتحاد المغرب العربي بوصفه الإطار التاريخي الجامع لدول المنطقة، وهو استبدال وإن تنفيه العواصم المعنية بدرجة أولى، فإنها لا تنفي أيضًا، وتحديدًا الجزائر، ضرورة استعادة المبادرة لتعزيز العمل التشاركي دون انتظار إحياء الاتحاد المجمّد بحكم الأمر الواقع. وهي دعوة تبقى مثيرة للريبة أمام نداء أولوية رأب الصدع تحديدًا بين الإخوة الجارين، الجزائر والمغرب، قبل البحث عن أطر أخرى.

 

  • تنسيق مازال يلتمّس ملامحه

البيان الختامي للاجتماع التشاوري الذي تلاه في قصر قرطاج وزير الخارجية التونسية نبيل عمّار، على مرأى من القادة الثلاثة، حمل عنوان "بيان قمّة تونس" انطلقت ديباجته بتأكيد وحدة مصير الدول الثلاثة وما يجمعها من قواسم جغرافية وتاريخية، وتأكيد عزمها على إرساء سنة التشاور حول قضايا المنطقة وتوحيد المواقف. واستعرض البيان مواقف مبدئية كاستقلالية القرار الوطني ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتجديد الدعوة لوقف الحرب في غزة وانضمام فلسطين بعضوية كاملة للأمم المتحدة، وخطورة التدخلات الخارجية في منطقة الساحل والصحراء.

توجد شكوك من سعي لاستبدال اتحاد المغرب العربي بوصفه الإطار التاريخي الجامع لدول المنطقة، وهو استبدال وإن تنفيه العواصم المعنية بدرجة أولى، فإنها لا تنفي، وتحديدًا الجزائر، ضرورة استعادة المبادرة لتعزيز العمل التشاركي دون انتظار إحياء الاتحاد المجمّد

واختتم البيان بتأكيد اتفاق الدول الثلاثة على تكوين فرق عمل لحماية أمن الحدود المشتركة من مخاطر الهجرة غير النظامية وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة، وأيضًا تكوين فريق عمل لصياغة آليات لإقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة، مع الاتفاق، في هذا الجانب، على التعجيل بتنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين تونس وليبيا والجزائر. وانتهى البيان بإقرار "تكوين نقاط اتصال" لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.

يكشف البيان تاليًا أن التنسيق الثلاثي يستهدف مستويات متعدّدة: سياسية وأمنية واقتصادية. ويظهر المستوى السياسي غايته "توحيد المواقف" في علاقة بقضايا المنطقة خاصة في ظل المستجدات الإقليمية والأزمات الدولية المتلاحقة، بيد أنه يغيب على المستوى العملي تحديد آلية للمتابعة والتقييم عدا الاتفاق على تكوين نقاط اتصال لمتابعة ما تمّ الاتفاق عليه تمهيدًا للاجتماع المقبل الذي لم يتم تحديد لا مكانه ولا زمانه بعد. 

يعدّ الاجتماع التشاوري بمثابة حجرة أولى في محاولة استعادة العمل المغاربي المشترك بعد فشل العمل الجماعي وانعدام مؤشرات إحيائه خاصة بعد تصاعد الأزمة الجزائرية المغربية

على نحو ما يكشفه البيان الختامي، يعدّ الاجتماع التشاوري بمثابة حجرة أولى في محاولة استعادة العمل المغاربي المشترك بعد فشل العمل الجماعي وانعدام مؤشرات إحيائه خاصة بعد تصاعد الأزمة الجزائرية المغربية التي بلغت أوجها بإعلان الجزائر القطيعة مع الرباط صيف 2021. بيد أن الصورة تبدو أكثر تعقيدًا.

 

 

  • مبادرة جزائرية في سياق تنافس مع المغرب؟

الصحف المغربية كانت قد استقبلت، منذ الشهر المنقضي، إعلان الرئيس الجزائري إرساء تنسيقية ثلاثية مع تونس وليبيا بأنها محاولة جزائرية لاستهداف المغرب عبر السعي لإقصائه من العمل الجماعي المشترك، وبأنها بالخصوص محاولة لطيّ صفحة اتحاد المغرب العربي المؤسس منذ 35 عامًا، والذي يعود آخر اجتماع قمّة له على مستوى القادة لعام 1994 أي لـ30 عامًا.  عبد المجيد تبون، في حوار لصحف محلية، نهاية الشهر الماضي، لم ينفِ أنّ التنسيق بين الدول الثلاثة هو "خطوة لتأسيس كيان مغاربي هدفه التشاور". ولكن أكد، في نفس الحوار، أنّ هذا الكيان "لا يعادي أي دول من دول المغرب العربي"، بل ذهب لأكثر من ذلك إلى الترحيب بانضمام المغرب. ولكن يظهر أنها لغة موغلة في الدبلوماسية التي يخالفها، في المقابل، استمرار القطيعة بين البلدين التي يظهر تجاوزها مسألة أوليّة قبل الحديث عن تنسيق جماعي.

بيان "قمّة تونس" تفادى أي إشارة لاتحاد المغرب العربي وبالخصوص التأكيد أنّه المظلة الجامعة للعمل الجماعي بين دول المغرب، وهو تغييب يزيد من الشكوك بأن التنسيقية الثلاثية الناشئة قد تستهدف مزاحمة اتحاد المغرب العربي

بيان "قمّة تونس" حرص بدوره على إظهار عدم انغلاق الدول الثلاثة على نفسها وإن بإشارة خجولة وباردة حول "الاستعداد التام للانفتاح على كل إرادة سياسية صادقة تتقاسم ذات الأولويات في دفع العمل الجماعي المشترك". تفادى البيان بالخصوص أي إشارة لاتحاد المغرب العربي وبالخصوص التأكيد أنّه المظلة الجامعة للعمل الجماعي بين دول المغرب. وهو تغييب يزيد من الشكوك بأن التنسيقية الثلاثية الناشئة، التي سارع الرئيس الجزائري بوصفها كـ"كيان"، قد تستهدف مزاحمة اتحاد المغرب العربي الذي يتكوّن إضافة للدول الثلاثة من المغرب وأيضًا موريتانيا. لكنّ وزير الخارجية الجزائري كان قد أكّد، عند إعلان برمجة الاجتماع التشاوري من عاصمة بلاده، أنّ "سد الفراغ لا يعني خلق بديل لما هو موجود، مضيفًا أن "الاتحاد موجود لكنه في غيبوبة".

بيد أن المبادرة الجزائرية جاءت، أيضًا وبالخصوص، في سياق سعي السلطات الجزائرية لتطوير الحركية التجارية الإقليمية خاصة بعد إعلان برمجة إنشاء مناطق حرة هذا العام مع كل من موريتانيا ومالي والنيجر بالإضافة إلى تونس وليبيا. وعليه قد تمثل التنسيقية الثلاثية الإطار الذي اختارته الجزائر أيضًا لإطلاق خطتها بخصوص المناطق الحرة الموعودة.

تسعى الجزائر لتطوير الحركية التجارية الإقليمية خاصة بعد إعلان برمجة إنشاء مناطق حرة هذا العام مع كل من موريتانيا ومالي والنيجر بالإضافة إلى تونس وليبيا، وعليه قد تمثل التنسيقية الثلاثية الإطار الذي اختارته الجزائر لإطلاق خطتها بخصوص المناطق الحرة

في الأثناء، تظهر المغرب أنها بدورها، وفي خضم أزمة المشروع المغاربي، سعت للبحث منذ سنوات عن تكتلات وتحالفات خارج الإطار المغاربي برمّته، كطلبها الانضمام لدول مجلس التعاون الخليجي، ودول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإكواس). ومؤخرًا، أطلق العاهل المغربي مبادرة الأطلسي الرامية لتوظيف المحيط كإطار جديد للتعاون الاقتصادي الإفريقي على وجه الخصوص. وقبلها، مثّل خيار الرباط التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل، بالخصوص، اعتراف الإدارة الأمريكية بمغربية الصحراء عنوانًا عن انزياح الرباط عن ثوابت المشروع المغاربي وقيمه. وهي كلها عوامل لا يمكن تجاوزها، خاصة في أعين الجزائريين، على نحو عزّز التقدير بانفراد كلٍّ منهما بمساراته الخاصة في البناء الإقليمي على النحو الذي يخدم مصالحه الخاصّة، وكل ذلك على حساب مصلحة شعوب المنطقة المغاربية.

 

  • تنسيقية ثلاثية لا تعوّض اتحاد المغرب العربي

يظهر من المبكّر جدًا، ومن المستبعد جدًا أيضًا، الحديث عن طيّ صفحة اتحاد المغرب العربي، خاصة وأن النوايا المعلنة من الجميع على الأقل لا تزال تؤكد عدم استهدافه من أي مبادرة كانت، وكلّ ذلك رغم تراجع الحماسة لإعادة إحيائه. وهو تراجع قد لا يعود إلّا لواقع القطيعة المتصاعدة بين أكبر بلدين في الاتحاد: الجزائر والمغرب، وغياب أي طرف قادر فعليًا على تنشيط الاتحاد من جديد. في المقابل، يظهر أن ليبيا وموريتانيا على وجه الخصوص لا تزالان متمسّكتين بإطار الاتحاد المغاربي كغطاء للعمل الجماعي.

إذ اختارت نواكشوط بوضوح عدم الانخراط فيما ظهر "مغامرة جزائرية"، وكان تبون قد أوفد وزير خارجيته إليها قبل بضعة أسابيع، ضمن جولة في المنطقة، وسلم لرئيسها رسالة خطية حول "مقترحات تخص تنسيق المواقف". وكان رئيسا البلدين قبل أسابيع قد أعطيا إشارة انطلاق مشروع طريق بري يربط بينهما. 

تونس بانخراطها في المبادرة الجزائرية أكدت مجددًا بُعدها أكثر فأكثر عن دورها التاريخي كوسيط موفّق بين جناحي دول المنطقة، الجزائر والمغرب، وأظهرت خيار قيس سعيّد الرهان على التحالف مع الجارة الغربية على حساب المغرب

وإضافة لذلك، ربما كانت تعوّل الجزائر على الأزمة التي اندلعت بين الرباط ونواكشوط، بداية العام الجاري، إثر زيادة الأخيرة في تكلفة الضريبة الجمركية لشاحنات الخضراوات القادمة من المغرب بزيادة بلغت 171 في المائة، وهو ما أثر على ولوج الصادرات المغربية للسوق الإفريقية. ولكن يظهر، بالنهاية، أن نواكشوط اختارت عدم الانخراط في العرض الجزائري لتنسيق المواقف المغاربية باعتبار ذلك لن يُنظر إليه، مغربيًا، إلا انحيازًا مع الجزائر وضد الرباط، على نحو يخالف الحياد الذي لطالما تؤكده نواكشوط بين البلدين.

تونس سعيّد، في المقابل، بانخراطها في المبادرة الجزائرية ظهر أنها أكدت مجددًا بعدها أكثر فأكثر عن دورها التاريخي كوسيط موفّق بين جناحي دول المنطقة، الجزائر والمغرب، وخيار الرئيس الحالي قيس سعيّد الرهان على التحالف مع الجارة الغربية على حساب المغرب. وكانت قد اندلعت أزمة دبلوماسية مع الرباط إشارتها الأولى كانت رفض تونس التصويت لفائدة تمديد بعثة "مينورسو" في الصحراء الغربية في مجلس الأمن في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهو ما اعتبرته المغرب تبنيًا صريحًا للموقف الجزائري، فيما كان استقبال سعيّد لرئيس جبهة "البوليساريو" في قمة "تيكاد" في أوت/أغسطس 2022، القطرة التي أفاضت الكأس ودفعت الرباط لاستدعاء سفيرها. الحياد الإيجابي، الذي لطالما تبنّته تونس سبيلًا لإدارة علاقاتها مع الجارين في منطقة المغرب العربي، تحوّل إلى انحياز إلى الجار المباشر على الحدود، وهو ما أدى لخسارة تونس قدرتها، راهنًا على الأقل، على لعب أي دور في تقريب وجهات النظر بين الجزائر والمغرب.

تبقى التنسيقية الثلاثية، التي ترعاها الجزائر بدرجة أولى، إطارًا ساعيًا لتنسيق المواقف المغاربية بين دول تجمعها مصالح استراتيجية، بيد أنها تبقى لوحدها قاصرة على تحقيق المشروع المغاربي الشامل الذي وضع الأجداد لبنته فيما لا يزال الأحفاد يتصارعون حوله

ليبيا، في الأثناء، التي تعيش حالة من الانقسام المؤسساتي، لا تزال تتمسّك بالإطار المغاربي، إذ دعا المنفي، خلال استقباله وزير خارجية بلاده قبل أيام، إلى "تفعيل اتحاد المغرب العربي" خاصة وأن ليبيا تترأسه حاليًا. إذ يظهر أن طرابلس وإن كانت معنية بتعزيز التعاون والتنسيق مع جارتها الجزائر خاصة فيما يتعلق بالمسألة الأمنية، فهي غير معنية بالانخراط فيما قد يظهر خروجًا عن الكيان الاتحادي أو مجرّد السعي لذلك خاصة وأن الحكومة في غنى عن استثارة خلافات قد تظهر استراتيجية مع بقية الفرقاء الليبيين. إذ يُستذكر، في هذا الموضع، تصريح وزير خارجية حكومة شرق ليبيا، عبد الهادي الحويّج، بأن "المنطقة لا تحتاج كيانات جديدة". وربّما ما يفسّر محدودية الحماسة الليبية هو عدم إعلان استقبال طرابلس للاجتماع التشاوري الثاني على خلاف ما كان منتظرًا. 

بالنهاية، تبقى التنسيقية الثلاثية، التي ترعاها الجزائر بدرجة أولى، إطارًا ساعيًا لتنسيق المواقف المغاربية بين دول تجمعها مصالح استراتيجية، بيد أنها تبقى لوحدها قاصرة على تحقيق المشروع المغاربي الشامل الذي وضع الأجداد لبنته فيما لا يزال الأحفاد يتصارعون حوله، لتضيع معه أحلام وحدة منتظرة أو على الأقل تكامل اقتصادي موعود.