10-يونيو-2019

الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنطوني بيلانجر

تعيش تونس هذه الأيام على وقع انعقاد المؤتمر الثلاثين للاتحاد الدولي للصحفيين، وهو حدث يكتسب أهمية كبيرة خاصة أن 270 صحفيًا من أكثر من 100 بلد من العالم سيتواجدون بالبلاد أيام 11 و12 و13 و14 جوان/ حزيران 2019، بدعوة من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، ولذلك مناقشة مسائل عديدة تهم وضعية الصحفيين في مختلف أرجاء المعمورة في ظلّ تغيّرات واضطرابات سياسية يعيش على وقعها العالم.

أنطوني بيلانجر (أمين عام الاتحاد الدولي للصحفيين) لـ"ألترا تونس": نحو تبني ميثاق أخلاقيات عالمي جديد للصحفيين وفرضه في كل دول العالم

اقرأ/ي أيضًا: لأول مرة في المنطقة: تونس تحتضن أشغال المؤتمر الـ30 للاتحاد الدولي للصحفيين

وفي هذا السياق، كان لـ"ألترا تونس" لقاء مع الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنطوني بيلانجر الذي استقبلنا في بهو أحد نزل العاصمة تونس رغم انشغاله بالاستعدادات الأخيرة للمؤتمر. وبرحابة صدر وابتسامة عريضة، تحدث بيلانجر عن أهمية المؤتمر الثلاثين للاتحاد الدولي للصحفيين ورمزية انعقاده في تونس، فضلًا عن التطرّق إلى المشهد الإعلامي بتونس.

وفيما يلي نصّ الحوار:


  • أية أهمية يكتسي انعقاد المؤتمر الثلاثين للاتحاد الدولي للصحفيين في تونس خصوصًا في ظلّ ما يشهده العالم من ثورات وتغيّرات سياسية؟

هناك جانبان مهمان للمؤتمر، الأول أنه منذ سنة 1926، أي منذ إنشاء الاتحاد الدولي للصحفيين في باريس، يجتمع الاتحاد في العالم العربي وفي القارة الإفريقية، وهذا الأمر يمثل محطة مهمة بالنسبة لوسائل إعلام العالم العربي باعتبار أن الضوء سيسلّط عليها، ولكنه أيضًا لحظة مهمة لتونس ثماني سنوات بعد ثورة الياسمين. وستكون لحظة مؤثرة لأصدقائنا وزملائنا في تونس لأنهم بعد 8 سنوات من الثورة يستقبلون عائلة الصحفيين من العالم أجمع، كل هذه العائلة ستكون هنا، وهي لحظة سيحتفظون بها في أعماقهم. وقد تحدثت ليلة أمس مع صحفية بالتلفزة الوطنية التونسية وقالت لي إن هذا الأمر مهم فعلًا بالنسبة إليهم. هناك الكثير من الرمزيات والجوانب التي سنعمل على تعزيزها، ويمكن القول إن كلّ الكوكب الصحفي يجتمع اليوم في تونس.

  • ما هي المحاور التي سيتطرق إليها المؤتمر؟

هناك عدة مواضيع سنتطرّق إليها. المؤتمر هو كذلك مؤتمر داخلي للاتحاد الدولي للصحفيين وهو المؤتمر الثلاثون لنا، وسنجدّد هيئاتنا مع الأعضاء الـ21 للمكتب التنفيذي القادمين من العالم بأكمله، كما سيكون هناك رئيس أو رئيسة جديد/ة للاتحاد وهذا أمر مؤكد باعتبار أن الرئيس الحالي الذي سيفتتح المؤتمر قرّر أن لا يجدّد ترشحه.

سنتخذ كذلك قرارات هامة وسيكون هناك لحظات مهمة من بينها، إلى جانب تقرير النشاطات الذي سأقدمه صباح الأربعاء 12 جوان/يونيو، تبني ميثاق أخلاقيات عالمي جديد للصحفيين. فالميثاق القديم يعود إلى عام 1954 وسيتمّ فرض الميثاق الجديد في جميع أنحاء العالم وحتى في الأماكن التي ليس من الممكن أن يتواجد فيها مثل هذا الميثاق.

  • هل سيكون هناك آليات لفرض هذا الميثاق؟

الآلية أو الوسيلة لذلك هي أن تقول إنني عضو في الاتحاد الدولي للصحفيين ولديّ بطاقة صحفي دولي ويجب أن أحترم هذه الوثيقة التي صوّت عليها العالم، ولا يوجد رئيس في العمل، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، يستطيع قول عكس ذلك. يتضمن الميثاق مبادئ عامة وكبيرة تذكّر بما هو مهم في العمل الصحفي. ومقارنة بميثاق 1954، فإن الفرق الكبير هو أنه آنذاك كنا في وضع كان فيه للصحفيين واجبات أكثر، على الصحفي أن لا يقوم بذلك ويتعيّن عليه القيام بذاك الأمر، أما الميثاق الذي اقترحته اليوم مع فريق العمل فيتضمن إضافة حقوق لفائدة الصحفيين.

هناك واجبات وهذا مهم، ونحن كصحفيين لدينا واجبات تجاه نقل الحقيقة وتقديم المعلومة كاملة للرأي العام وعدم مغالطة الشخص الذي نجري معه حوارًا. ولكن لدينا أيضًا حقوق كصحفيين، فمن حقنا الحصول على راتب جيد والحق في أن نعمل في بيئة سليمة في محيط يتماشى مع ما ينبغي أن يكون عليه الوضع والحق في حماية المصادر. كل هذه الحقوق أضفتها وهذا أمر مهم وسيتمّ فرض الميثاق في مختلف أرجاء العالم.

أنطوني بيلانجر لـ"ألترا تونس": يجب إظهار الميثاق ونشره ومشاركته في مواقع التواصل الاجتماعي

  • ولكن هناك دول مازالت ترزخ تحت الديكتاتورية ولا يمكن فيها فرض الالتزام بتطبيق هذا الميثاق؟

حتى عندما لا توجد ديكتاتورية هناك رغبة بعدم الالتزام به. ولكن يجب إظهار الميثاق ونشره ومشاركته في مواقع التواصل الاجتماعي والقول إن هذه وثيقتنا وسندافع عنها لأن كلّ الكوكب صوّت عليها. ومن المتوقع أن يتم التصويت على الميثاق نهاية صبيحة الأربعاء وأنا لدي آمال كبيرة. بالطبع لن يغيّر الميثاق وضعية الصحفيين ولكن من المهم عندما تكون صحفيًا/ة شاب/ة أو حتى صحفيًا أكبر سنًا أن تستطيع الاعتماد على نصّ مرجعي.

سآخذ مثالًا بسيطًا جدًا، ميثاق حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الذي تمت المصادقة عليه بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة ومازال يمتلك رغم مرور 70 سنة سلطة معنوية، وهو يتضمن مبادئ عامة. يمكن أن يقول البعض إنه في هذا البلد أو ذاك لا يتمّ احترام الميثاق، وهذا صحيح ولكنه مع ذلك موجود ويمكن أن نقول إنه يعود لنا لأن كلّ العالم صوّت عليه. والأمر مماثل بالنسبة لنا ولهذا أردت أن أطلق عليه تسمية "ميثاق الأخلاقيات العالمي للصحفيين".

اقرأ/ي أيضًا: الأخبار الكاذبة Fake News.. خطر يهدّد انتخابات 2019

حوار "ألترا تونس" مع الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنطوني بيلانجر

  • الإعلان عن هذا الميثاق من تونس سيكون أمرًا هامًا بالنسبة لتونس؟

نعم هو أمر سيبقى للتاريخ. فالميثاق الأول وقع التصويت عليه عام 1954 في مؤتمر بوردو الفرنسية وبالتالي أصبح الناس يطلقون عليه "إعلان بوردو" ومن الممكن أن يطلق على الميثاق الجديد لاحقًا تسمية "إعلان تونس".

  • بالحديث عن تونس، كيف تقيّمون المشهد الإعلامي اليوم بعد مرور 8 سنوات من الثورة؟

هذا السؤال معقد دائمًا لأن تونس هي البلد الوحيد في العالم العربي الذي شهد ثورة ونجح في القيام بثورة "ناعمة" تقريبًا دون إراقة نقطة دم، على عكس ما حصل في اليمن وليبيا وسوريا. كان لدينا آمال كبيرة والكثير من الأمور تحسنت في تونس إذ تمّ تركيز الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري وأصبحت توجد مفاوضات بين الأعراف والصحفيين والحكومة وتمت مأسستها. ولكن هناك عدة طرق مازالت تونس بحاجة إلى أن تسلكها.

منذ شهر ونصف عندما قدمت إلى تونس توجهت إلى إذاعة "شمس أف أم" والتي كانت في حالة انسداد تام في مفاوضاتها مع الحكومة والأمر مثل فضيحة لأنهم كانوا يطالبون بحقوقهم، وعقدت مع الصحفيين المضربين جلسة عامة وقلت لهم إن لهم الحق في الإضراب وإن الاتحاد الدولي للصحفيين يساندهم وقد زرتهم عن قصد للتعبير عن مساندة الاتحاد الرسمي لهم من خلال حضوري، ولاحقًا كان لهم موعد من الحكومة، لا أعرف إذا ما تمّ توقيع اتفاق ولكنهم تحصلوا على تسبقة.

أمين عام الاتحاد الدولي للصحفيين: عندما نكون صحفيين نكون إحدى دعائم الديمقراطية

وبالنسبة إلي اليوم سأظلّ أذكّر بذلك، كما سيحرض رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين على تذكير الأعراف ورئيس الجمهورية التونسية الذي سيكون حاضرًا مساء الأربعاء، بواجباتهم والتزاماتم تجاه الصحافة في تونس.

هناك العديد من الجوانب الإيجابية في تونس أكثر من أماكن أخرى ولكن هناك جهود إضافية يجب بذلها كي يتمكن الصحفيون التونسيون من العمل بطريقة سليمة هنا.

  • تونس تعيش اليوم مرحلة ما قبل الانتخابات وهناك مخاوف من استعمال المال السياسي في وسائل الإعلام، كيف يمكن تجنب حدوث هذا الأمر دون المساس من حرية الصحافة؟

هذا سؤال صالح لكلّ دول العالم وليس تونس فقط. أنا اليوم أقطن في بلجيكا وانتظمت بها انتخابات مؤخرًا، يجب التذكير دائمًا أن الصحفيين يجب أن يقوموا بعملهم بكلّ حرية مع الحفاظ على احترام قواعد مبادئ المهنة طبعًا. في فرنسا الأمر مماثل إذ تتم دعوة صحفيين بصفة دورية من قبل الإدارة العامة للاستعلامات وهذه فضيحة ونحن نتحدث عن فرنسا، البلد الذي وقع فيه التوقيع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هو البلد الذي تم فيه ذلك ولكن هل هو دائمًا بلد حقوق الإنسان يجب طرح هذا السؤال وهذا جدل آخر.

في المقابل، في تونس وفي ظلّ مسار سيؤدي إلى استحقاقات انتخابية هامة وحاسمة، إذا كان لي لقاء مع رئيس الجمهورية مساء الأربعاء سأعمل على تذكيره أنه الضامن للديمقراطية والضامن لكلّ الحريات، الفردية ولكن أيضًا الجماعية، ومن هذه اللحظة يجب أن يعمل على أن تحترم حكومته وأيضًا إدارته، وهنا أتحدث عن الشرطة والجهاز القضائي، أن الصحفيين يجب أن يتمكنوا من العمل بكل حرية. أعتقد أنه سيقول إنه يوافقني الرأي لا يوجد أحد ضدّ هذا الأمر، لكن أنا كأمين عام للاتحاد الدولي للصحفيين يجب أن أذكر السياسيين أن لديهم هذا الواجب وأنه لم يقع انتخابهم ليتواجدوا فقط في قصر رئاسي بل للدفاع عن كلّ المواطنين.

عندما نكون صحفيين نكون إحدى دعائم الديمقراطية ولهذا بصفتي ممثلًا للاتحاد الدولي للصحفيين يجب أن أذكر السياسيين بذلك وأعرف أنهم سيوافقونني الرأي ولكن عندما تخبره بذلك سيقول إنه ينبغي الانتباه وإذا حصل أي مشكل أعتقد أنه يجب إعلام نقابة الصحفيين وسنتدخل مباشرة.

  • ماذا عن اختيار بعض وسائل الإعلام الاصطفاف وراء جهة سياسية ما؟ هل يمكن للصحفيين العاملين بها في هذه الحالة الإعلام عن هذا الأمر؟

أن تختار بعض وسائل الإعلام دعم حزب أو توجه سياسي ما فهذه مشكلتهم ويمكن في أقصى حدّ القول إنه لجريدة ما خط تحريري معيّن. في المقابل عندما نكون صحفيين أو مديري صحف لدينا واجبات تجاه المواطنين تتعلّق بتقديم معلومة ذات نوعية جيدة للمواطن مهما كان انتماء الجريدة سواء لليمين أو اليسار أو غير ذلك. من هنا يجب أن نقدّم معلومة متوزانة. هذا لا يعني أن الافتتاحية لا يمكن أن تكون ذات لون سياسي هذا ليس أمرًا خطيرًا ولكن الجريدة عندما تنقل خبرًا عن اجتماع ما يجب أن يكون متوازنًا وإلا إنها ستكون حينها خارج ميثاق الأخلاقيات الدولي. وإذا تواجدت أي تجاوزات من جريدة أو من أخرى يجب إبلاغ الهيئات ونقابة الصحفيين عنها وإدارة الجريدة للتدخل لأنه لا يمكن في ظلّ الديمقراطية إخفاء جزء من النقاش.

أنطوني بيلانجر لـ"الترا تونس": عندما نكون صحفيين نقوم بإعلان شرف شخصي نتعهد من خلاله بالقيام بواجبنا بأفضل ما نستطيع

  • ماذا تقول للصحفيين التونسيين؟

أنا كثيرًا ما آتي إلى تونس وغالبًا ما أتفاجأ بشكل إيجابي بنوعية الكتابات وكذلك بنوعية اللقاءات التي أجريها لأنه في الغالب يكون أمامي أشخاص متمسكون بمهنتهم وبالدفاع عنها، ليس من أجل أنفسهم بل من أجل مثل عليا يمتلكونها تتجاوز مصالحهم الشخصية وهذا ما يطمئنني ويثير إعجابي.

وهو أمر يطمئنني لأن هناك عدة صحفيين شبان هم مستقبل هذه المهنة وهم يمتلكون هذه الطاقة والإرادة لتطوير المهنة وهذا جيد بالنسبة لتونس الغد، لأنه إذا كان لدينا فريق تحرير من الصحفيين الأقل شبابًا لن يكون الأمر على ما هو عليه وما كانت هذه الديناميكية لتكون موجودة.

وأنا أثق في زملائي الصحفيين والشبان منهم ولكن ليس لدي ثقة في السياسيين لأنهم غالبًا ليسوا متواجدين خدمة لمصلحة جماعية أو عامة بل لمصلحة شخصية ومن أجل مسيرتهم المهنية ومن الممكن أن يغيروا آراؤهم في اليوم الموالي كما يغيرون قمصانهم. والأمر مختلف عندما نكون صحفيين، فعندما نكون صحفيين نقوم بإعلان شرف شخصي نتعهد من خلاله بالقيام بواجبنا بأفضل ما نستطيع ولهذا أثق في مهنة الصحافة في تونس وفي دول أخرى كذلك حيث قابلت عديد الأشخاص المميزين وهذا الأمر يعطيني قوة، فعندما أجد مثل هؤلاء الأشخاص أقول إنه يجب أن أبقى واقفًا من أجل كلّ الصحفيين الذين يقومون بكلّ شيء للبقاء صامدين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل خفت صوت المدوّنين في تونس؟

ملف خاص: كيف سننتخب؟