14-مارس-2022

نقيب الصحفيين: نرفض أي مساس بكل الهيئات الدستورية الموجودة خاصة هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري (وسيم الجديدي/ Sopa Images)

 

يتصاعد الحديث في الفترة الأخيرة في تونس عن "تسييس" الإعلام العمومي ومحاولات توظيفه خدمة لأجندة الرئيس التونسي قيس سعيّد ومحاولات ضرب حرية التعبير والصحافة والتضييقات المتعددة على الصحفيين والمدونين. 

وقد أقرت نقابة الصحفيين في تونس جملة من التحركات الاحتجاجية مؤخرًا وتبنت مبدأ الإضراب العام في مؤسسة "التلفزة الوطنية" (عمومية) رفضًا لما وصفته بالانحراف بالخط التحريري "خدمة للخط الرئاسي" وضرب العمل النقابي داخلها.

اقرأ/ي أيضًا: صحفيو التلفزة الوطنية يحتجون ضد "الانحراف بالخط التحريري خدمة للتوجه الرئاسي"

وفي حوار جمع "ألترا تونس" بنقيب الصحفيين التونسيين تحدث ياسين الجلاصي عن وضع الإعلام التونسي ما بعد 25 جويلية/يوليو 2021 والقرارات المتخذة خلال الأشهر الأخيرة، كما تطرق إلى جملة من الصعوبات التي تواجه الصحفيين وبعض المؤسسات الإعلامية. 


  • ما هو تقييمكم لوضع الإعلام بعد 25 جويلية 2021 وما نتج عنه من إجراءات؟ 

خلال "الإجراءات الاستثنائية"، جزء من الإعلام العمومي خاصة منه التلفزة الوطنية أصبح بلون واحد لا يعطي الفرصة للآراء المخالفة والمتعددة والمتنوعة للظهور في وسائل الإعلام وغاب دورها الموضوعي والمهني الذي يعطي فرصة التواجد لكل الأطياف السياسية والاجتماعية والنقابية.

نقيب الصحفيين التونسيين: التلفزة الوطنية تحولت شيئًا فشيئاً إلى قناة رئاسية خاصة بالرئيس قيس سعيّد وتم استعمال التعيينات المؤقتة في وسائل الإعلام العمومي حتى تتم السيطرة على خطها التحريري

التلفزة الوطنية تحولت شيئًا فشيئاً إلى قناة رئاسية خاصة بالرئيس قيس سعيّد وتم استعمال التعيينات المؤقتة في وسائل الإعلام العمومي حتى تتم السيطرة على خطها التحريري وكنا قد تحدثنا سابقًا عن وجود قرار سياسي لمنع الأحزاب من الظهور في الإعلام العمومي وهذا ما نعتبره خطيرًا جدًا.

هناك إشكاليات كبرى تتعلق بالنفاذ إلى المعلومة في ظل انتهاج مؤسستي الرئاسة والحكومة سياسة الإغلاق التام وغياب المكلف بالإعلام دليل على اختيار سياسة التعتيم واعتبار الإعلام مهنة لا وجود لها كما نلاحظ أن رئيس الجمهورية يخاطب الشعب مباشرة لأنه لا يؤمن بالأجسام الوسيطة ولا بدور المجتمع المدني والأحزاب والهيئات في إطار مشروع شعبوي معين.

اقرأ/ي أيضًا: الدعاية لـ"الاستشارة" في برنامج ديني بقناة عمومية تثير انتقادات واسعة في تونس

  • كيف ستتعامل النقابة مع ما وصفتموه من وضع في التلفزة الوطنية؟

نقابة الصحافيين التونسيين تحركت في العديد من المناسبات وخاضت حملة كاملة من خلال تصريحاتها ضد ما تقوم به التلفزة الوطنية من تعتيم وسنبدأ في جملة من التحركات سيتم إقرارها في اجتماع عام يجمعنا بمنظورينا ومنظوراتنا في التلفزة الوطنية من أجل الدفاع عن استقلالية الإعلام العمومي والدفاع على التنوع والتعدد.

نقيب الصحفيين التونسيين: كنا قد تحدثنا عن وجود قرار سياسي لمنع الأحزاب من الظهور في الإعلام العمومي وهذا ما نعتبره خطيرًا جدًا

اقرأ/ي أيضًا: نقيب الصحفيين: قرار سياسي بمنع ممثلي الأحزاب من دخول التلفزة العمومية في تونس

  • إذًا هل تعتقد أن هناك تهديدات جدية لحرية التعبير في تونس حاليًا؟

فعلاً هناك تهديدات جدية وواقعية لحرية الصحافة والتعبير وليست فقط مؤشرات.. منع فئة معيّنة من الدخول للتلفزة الوطنية والاعتداء على أشخاص خلال تأديتهم لمهامهم الصحافية ومحاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية يندرج في خانة ضرب حرية الصحافة والتعبير.. صحيح أن هذه المحاكمات لم تشمل صحافيين لكنها شملت سياسيين ومدونين فقط لأنهم عبروا عن آرائهم وهذه الآراء يمكن أن تكون محل تتبع لكن ليس لدى القضاء العسكري.. منذ 25 جويلية إلى اليوم عدد الأشخاص الذين مثلوا أمام القضاء العسكري أكثر ممن مثلوا أمامه طيلة العشر سنوات الأخيرة وهذا خطير جدًا. 

السلطة القائمة الحالية مسؤولة على ما يحدث باستغلالها وتطويعها للقضاء العسكري من أجل إسكات الأصوات المعارضة والناقدة لها وأيضًا نحمّل المسؤولية لمنظومة الحكم السابقة والتي كانت تقودها حركة النهضة لأنه كان بالإمكان إصدار وتنقيح قوانين تمنع كل المدنيين من المثول أمام القضاء العسكري إلا في القضايا المتعلقة بأمن الدولة لكن تم الإبقاء على القانون كما هو ليستغلوه ضد خصومهم وجاء خصمهم واستغله ضدهم.

نقيب الصحفيين التونسيين: هناك تهديدات جدية لحرية الصحافة والتعبير وليست فقط مؤشرات من ذلك منع فئة من الدخول للتلفزة الوطنية والاعتداء على أشخاص خلال تأديتهم لمهامهم الصحافية ومحاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية 

اقرأ/ي أيضًا: نائبة رئيس نقابة الصحفيين التونسيين: "ما يحدث في التلفزة التونسية خطير جدًا"

  • هل من مخاوف على المراسيم المنظمة لقطاع الإعلام حاليًا؟

أكيد هناك مخاوف لأن رؤية قيس سعيّد "الإصلاحية" غير واضحة وخطيرة على اعتبار أنه يعالج الأمور بالطريقة التي يراها هو والتي غالبًا ما تكون خاطئة وليس لها معنى ولها عواقب وخيمة وتتجه غالبًا نحو التضييق وهو يمارس في التضييق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

نحن نرفض أي مساس بكل الهيئات الدستورية الموجودة خاصة هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري.. القوانين عندما تناقش يجب أن تكون في إطار تشاركي خاصة وأن المجتمع المدني التونسي خاض نضالات من أجل الديمقراطية والحرية وإرساء الهيئات المستقلة ومن غير المعقول تغيير كل شيء تحت ما يسمى بالتفويض الشعبي والذي هو مزيف.

نقيب الصحفيين التونسيين: سعيّد يعالج الأمور بالطريقة التي يراها هو والتي غالبًا ما تكون خاطئة ولها عواقب وخيمة وتتجه غالبًا نحو التضييق

اقرأ/ي أيضًا: منظمة حقوقية تونسية: مدونون أمام القضاء العسكري والعدلي وبعضهم في إضراب جوع



 

  • هل من حلول وفقكم لمكافحة ظاهرة الاعتداءات على الصحافيين؟ 

مسألة الاعتداء على الصحفيين ليست مرتبطة بفترة ما بعد 25 جويلية لأنها متواصلة منذ سنة 2011 وحتى الاعتداءات ما بعد "الفترة الاستثنائية" لم تبلغ ذروة الاعتداءات لسنوات 2013 و2018 و2021.. لكن الاعتداءات متواصلة لأن الدولة لا تحاسب المعتدين ولا تتبعهم سواء كانوا أمنيين أو مدنيين أو إداريين أو أنصار أحزاب بل في الحالات التي يكون فيها الأمنيون معتدون يتم توفير الحماية لهم ولا يقدمون للقضاء.

لدينا أكثر من 300 قضية مرفوعة لدى القضاء وتم البت والحكم بالإدانة في قضية وحيدة. الإفلات من العقاب أصبح ثقافة عامة في قضايا التعذيب والموت المستراب والقضاء متورط فيه بصفة مباشرة لأنه لم ينصف الضحايا وعندما تكون وزارة الداخلية من الأطراف المعتدية على عموم المواطنين القضاء يحميهم ولا يصدر بطاقات إيداع في شأنهم ولا يحاسبهم. 

نقيب الصحفيين التونسيين: لدينا أكثر من 300 قضية مرفوعة لدى القضاء في الاعتداءات على الصحفيين وتم البت والحكم بالإدانة في قضية وحيدة، الإفلات من العقاب أصبح ثقافة عامة

بالنسبة لنا في النقابة ارتأينا أنه من الضروري توفير السلامة لمنظورينا ومنظوراتنا خاصة وأن أغلب الاعتداءات تكون في الميدان وتتمثل في الاعتداء اللفظي والمعنوي والمنع من العمل وافتكاك المعدات وحتى التحرش بالصحفيات.. وبعد حادثة الاعتداء على طاقم التلفزة الوطنية دخلنا في تعاون من أجل حماية الصحافيين في المظاهرات وهناك فرقة أمنية كاملة مهمتها حماية الصحافيين في الاحتجاجات من المتظاهرين ومن الأمنيين وقد تمكنت بالتعاون مع النقابة من التقليص أكثر ما يمكن من الاعتداءات .. من الصعب الوصول لصفر  اعتداء لكن وجب المرور لسياسة  صفر تسامح مع المعتدين.

اقرأ/ي أيضًا: نقابة الصحفيين: سجلنا أعلى نسب الاعتداءات على الصحفيين خلال 6 أشهر الأخيرة

  • يشتكي عديد الصحفيين ممن يطلقون عليهم "الدخلاء" على المجال الإعلامي، هل من حلول للتصدي لهذه الظاهرة؟

هذه الظاهرة قديمة جديدة وتطرح دائمًا في مؤتمرات نقابة الصحافيين لكن هذه المرة ليست مطروحة كما قبل فقد كان لدينا إشكال في الدخلاء بمعنى الذين لم يدرسوا صحافة (طلبة اختصاصات أخرى كالقانون، اللغات، الخ) لكنهم أثبتوا جدارة.

أما النقاش اليوم فيتعلق بالدخلاء الوافدين من أماكن أخرى كالفنانين والممثلين الذين فشلوا في مسيرتهم الفنية وتوجهوا للإعلام.. يتم كذلك اختيار أشخاص من "انستغرام" ومن علب ليلية فقط لإمكانيات جسدية وهذا ما جعل المشهد الإعلامي تعيسًا وبعيدًا عن مشاغل المواطنين كما انعدمت أخلاقيات المهنة خاصة في الإعلام الخاص الذي يروج لإهانة المرأة ولخطاب عنصري ضد المهاجرين وأفارقة جنوب الصحراء ويستغلون مأساة الحرب في أوكرانيا.. 

الإشكال يكمن في غياب قانون يمنع وسائل الإعلام الخاصة من تشغيل هذه الفئات أو يحدد من يمارس مهنة الصحافة.. وفي النقابة الفكرة التي سنقترحها بقوة في الفترة المقبلة تتمثل في توحيد الدخول للمهنة وممارستها أن لا تكون إلا باختصاص صحافة أو باختصاص شبيه وبالحصول على بطاقة صحفي محترف وفي حال ممارستها دون بطاقة تعرض نفسك لعقوبات وذلك بهدف القضاء تمامًا على "الظواهر الطفيلية". 

  • عديد الصحفيين يشتكون من ضعف الأجور والعقود الهشة، ما هي تحركاتكم في نقابة الصحفيين التونسيين؟

الأجور الضعيفة والعقود الهشة التي لا تضمن حق الصحافي من أكبر الإشكاليات التي يواجهها الصحفيون التونسيون في ظل غياب اتفاقيات تنظم عملهم. هناك اتفاقية إطارية موجودة تتضمن جملة من الحقوق كالأجر والعطل وعطلة الأمومة والتدرج المهني والترقيات كما تنص أيضًا على الواجبات وحتى العقوبات في حال ارتكاب مخالفة.

أعتبر أن الاتفاقية جيدة مقارنة بوضع تونس ولكن الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة منذ سنة 2019 إلى اليوم ترتكب في جريمة ضد الصحافيين بحرمانهم من حقوقهم بامتناعها عن نشر الاتفاقية الإطارية المشتركة التي ليست منة من أحد بل هي نتيجة نضال الصحفيين التونسيين الذين من حقهم أن يكون لديهم اتفاقية تنظم عملهم. 

نقيب الصحفيين التونسيين: الأجور الضعيفة والعقود الهشة التي لا تضمن حق الصحافي من أكبر الإشكاليات التي يواجهها الصحفيون التونسيون في ظل غياب اتفاقيات تنظم عملهم

المؤسسات الإعلامية الخاصة تتعمد تشغيل الصحافيين بأدنى الأجور ونحن لا نقبل بهذه الممارسات وأي عقد عمل يجب أن يكون في إطار الاتفاقية التي تمثل عموم الصحفيين وتتضمن كل الحقوق والواجبات، بالنسبة لي لا يمكن الحديث عن وضعيات مهنية جيدة دون أن تنشر الاتفاقية ودورنا الضغط من أجل نشر الاتفاقية والمرور من أجل تطبيق أكثر ما يمكن من فصولها.

  • ماهي آخر التطورات في ملف وسائل الإعلام المصادرة؟

ملف الإعلام المصادر تطور خاصة فيما يتعلق بملف إذاعة "شمس أف أم" الذي تقدم لكن حدثت إشكاليات في عملية التفويت في حد ذاته، أما إذاعة الزيتونة فقد أصبحت تابعة للإعلام العمومي وبالنسبة لجريدة الصباح فوضعيتها مستقرة لكن الملف لم يتطور.

نقيب الصحفيين التونسيين: الدولة عاجزة عن إيجاد حلول لمؤسسات الإعلام المصادر بل هي من ساهمت في تخريبها بتعيين أشخاص عديمي الكفاءة واستغلال هذه المؤسسات لتصبح بوق دعاية لهم

الأخطر اليوم هو ملف شركة "كاكتوس" نعيش في مأساة إنسانية كبيرة، الصحافيون والعاملون لم يتقاضوا أجورهم لمدة 3 أشهر والدولة عاجزة عن إيجاد حلول لهذه المؤسسات بل هي من ساهمت في تفليس وتخريب الإعلام المصادر بتعيين أشخاص عديمي الكفاءة واستغلال هذه المؤسسات لتصبح بوق دعاية لهم كما أن أصحاب الشركات الخاصة استغلوا شركة "كاكتوس" وأسسوا على كاهلها مؤسسات إعلامية وتركوها غارقة في الديون والعقل.

كل هذا حدث بمباركة من الحكومات المتعاقبة وهذه الحكومة لم تجد أي حل لهذا الإشكال. لدي لقاء مع الحكومة في هذا الصدد يجب أن تقدم حلًا واضحًا ينهي هذه المأساة ويحول دون المرور بأزمات أخرى في الإعلام المصادر.

اقرأ/ي أيضًا: وسائل الإعلام المصادرة في تونس.. عقد من المعالجة والتوتر المتواصل

  • هل من تطورات في ملف إغلاق مكتب قناة الجزيرة بتونس؟

ملف مكتب الجزيرة فيه تطورات وتابعناه منذ البداية مع الزملاء في القناة ووفرنا لهم كل الفضاء والإمكانيات للعمل في مقر نقابة الصحفيين التونسيين كما تمكنوا من الحصول على بطاقات الاحتراف وترخيص التصوير.. لا أحبذ الحديث في ملفات فيها مفاوضات لكن الملف سيحل.

  • هل يوجد تواصل بين النقابة ومؤسسة الرئاسة؟

لا وجود لأي تواصل مع مؤسسة الرئاسة منذ 25 جويلية إلى اليوم لكن هناك تواصل مع الحكومة.

 مراسلة "الترا تونس" مع نقيب الصحفيين التونسيين

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإعلام في تونس بعد 25 جويلية: حرية مهددة ومخاوف من عودة سطوة السلطة عليه

حوار|هشام السنوسي: هناك مؤسسات إعلامية تعتمد التهريب وتهدد الأمن القومي للبلاد