11-فبراير-2019

الأخبار الزائفة تؤثر بشكل فاعل في توجهات الرأي العام (Getty)

 

الإشاعات والمعلومات المغلوطة لطالما كانت موجودة لكنها ومنذ فترة اجتاحت المشهد الإعلامي فلا يمرّ يوم إلا ونصطدم بخبر أو صورة أو فيديو مركب.


تعيش تونس على وقع انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة مرتقبة في خريف 2019، والكل على أهبة الاستعداد لإنجاح هذا الحدث. وككل فترة تسبق مواعيد الحسم في النتائج، تعود على الساحة معركة الاصطفافات الحزبيّة وتكثر حملات التشويه وتنتشر الأخبار الكاذبة. وهو خطر يهدّد كل التجارب الديمقراطية في العالم وتونس ليست بمنأى عن هذا الخطر.

أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي قناة رئيسية لنشر الأخبار الزائفة بمناسبة كل موسم انتخابي

ومواقع التواصل الاجتماعيّ هي الحاضنة الأساسيّة لهذا "الوباء" فقد أصبح قناة رئيسية لنشر الأخبار المزيفة. كيف تختلف هذه الأخبار عن الأشكال الأخرى من المعلومات الخاطئة التي لطالما انتشرت على الأنترنت؟ لماذا يشارك الناس هذه المعلومات؟ وكيف نحارب هذه الظاهرة؟ أسئلة يحاول "الترا تونس" الإجابة عنها في هذا العرض.

"حقبة ما بعد الحقيقة"

 "Fake News" هي معلومات خاطئة تصدر عن عمد لغرض خداع القارئ أو المتتبّع للأخبار، وأصبح من السهل التقاطها من قبل وسائل الإعلام دون التثبّت أو التدقيق فيها. يكون مصدرها غالبًا وسائل الإعلام غير المؤسسيّة كالمدونات أو الشبكات الاجتماعية، أو من خلال بعض وسائل الإعلام التقليدية، أو رجالات الدولة والحكومة.

"حقبة ما بعد الحقيقة" (Ere de la post-vérité) تتعثّر فيها الديمقراطيات بما في ذلك الأكثر رسوخًا حيث أخذت بعدًا إعلاميًا خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في الولايات المتحدة وكذا الشأن في الانتخابات البرازيلية الأخيرة التي أصعدت بولسونارو دون نسيان فنزويلا مادورو وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وذلك عدا الأكاذيب التي نطق بها بعض المرشحين في الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

اقرأ/ي أيضًا: المحتوى الإعلامي الموجّه للأطفال.. ماهي الخطوط الحمراء؟

كيف تدار الانتخابات وسط شبكات التواصل الاجتماعي؟

محمد أمين (اسم مستعار) "أدمين" لأكثر من 60 صفحة فيسبوك، أنشأها منذ أواخر 2008، مختلفة المحتوى بين ما هو سياسي ورياضي وفنّي وجهوي.

تحدّث لـ"ألترا تونس" عن تجربته إذ أكد أنه في انتخابات 2014 تلقى عديد العروض من أحزاب ومترشحين للانتخابات الرئاسيّة وعمل لتسويق صورة ثلاثة مترشحين متنافسين. وفسّر أن عديد "الأدمينات" (أصحاب صفحات الفيسبوك) يعمدون إلى تشويه الخصوم وتقزيم المنافس من خلال نشر الإشاعة وتركيب الفيديوهات.

محمد أمين (صاحب صفحات فيسبوك): عملت في انتخابات 2014 لتسويق صورة 3 مترشحين ويتراوح المقابل بين 3 و10 آلاف دينار والمقابل الأكبر للإشاعات أو تشويه شخص

وعن المقابل المادي لهذا العمل، يقول محمد أمين: "يتراوح المقابل بين 3 و10 آلاف دينار ويكون النصيب الأكبر للعمليات التي تستوجب نشر إشاعات أو تشويه صورة شخص ما".

وأضاف محدّثنا أنّه يصنع الأخبار الكاذبة وينشرها ولكنّه عادة ما يلتزم بألا تمس شرف أناس آخرين وألا تضرّ الجانب الأمني للبلاد. ويعمد محمد أمين لنشرها على أكثر من 20 صفحة، ذات عدد كبير من المتابعين، مما يخلق الجدل حول هذه الإشاعة بين موافق ومعارض ومن هناك يأخذ الخبر الصدى الذي يبحث عنه وغالبًا ما تتعلّق هذه اللأخبار بالجرائم وفضائح الفنّانين أو الرياضيين.

كيف يتعامل الصحفي التونسي مع المعلومة؟

يؤكد الصحفي بسام حمدي لـ"ألترا تونس"، من جهته في هذا الإطار، أن كثيرًا من المؤسسات الاعلامية تقع في فخّ الأخبار الكاذبة لأنها اختارت التسرّع في نقل الخبر والرغبة في سرعة نقله حتى يظهر أنه حصري قبل التأكد من دقّته ومصداقيّته.

وأضاف أن الأخطاء في الأخبار في تونس لا يتحمل مسؤوليتها فقط الصحفي بل المؤسسات أو الإدارات التي تحرم الصحفي من حقه في المعلومة، إلى جانب امتناع بعض الجهات الرسمية عن تقديم توضيحات بخصوص الأخبار العاجلة.

ويشير إلى أن هذه النوعيّة من الأخبار غالبًا ما تكون مثيرة وتجلب الانتباه رغم أنها لا تحمل تفاصيل في طياتها ولا تظهر كل تفاصيل الحدث لكنّ خفّة المعلومة بغضّ النظر عن مصداقيتها من عدمه تجعل المواطن يتداولها بسرعة، موضحًا أن هذا الأمر مردّه أن المتلقي في تونس يريد الأخبار القصيرة ليقوم بنشرها أو توزيعها على شبكة أصدقائه.

بسام حمدي (صحفي): الأخطاء في الأخبار لا يتحمل مسؤوليتها فقط الصحفي بل المؤسسات التي تحرم الصحفي من حقه في المعلومة

ويؤكّد محدثنا أن الأخبار اليوم أصبحت على قارعة الطريق، والصحفي هو المسؤول بدرجة أولى عن الخبر الذي ينشره أكثر من المؤسسة أو مدير التحرير لذلك عليه أن يتحرى من دقّة المعلومة وتقديم تفاصيل ومعطيات عنها بعيدًا عن منطق الإثارة ونقل الخبر دون التثبّت فيه لأنه يتحمّل مسؤوليّة تأثيراته على الوضع سواء الأمني أو الاقتصادي أو السياسي، حسب تعبيره.

هذه النوعيّة من الأخبار تنشر لعدّة أسباب إما لمغالطة القارئ أو للتأثير على رأيه في موضوع معيّن، في حين يتمّ اختلاق أخبار أخرى يخلو مضمونها من أي محتوى مع عنوان جذاب لزيادة عدد الزوار إلى الموقع.

اقرأ/ي أيضًا: جدل التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية.. الإشهار السياسي هو الغاية؟

ويتحدث الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار الصادق الحمامي عن هذه الظاهرة لـ"ألترا تونس" قائلًا": "إنّ الصحفي التونسي لا يتحرّى من المعلومات التي ينقلها، وهو يستقيها من مواقع الشبكات الاجتماعية دون استخدام تقاطع المصادر وذلك إما لأنه لا يملك الوقت الكافي للتحرّي بسبب الضّغوط التي يتعرض لها في غرف الأخبار أو بسبب انتماءات إيديولوجيّة تجعله ينشر أخبارًا تخدم التيار الذي ينتمي إليه، وهذا ما يسمّى بـ" التماهي الإيديولوجي".

ويضيف الحمّامي أن شح المصادر والثقة الضعيفة في بعض الجهات المعنيّة يؤدي إلى محدوديّة قدرة الصحفيين على التحرّي، مؤكدًا أن أهم مشكل في الصحافة التونسية هو أن الصحفي لا يملك شبكة مصادر واسعة ولا تتوفر لديه الشروط والإمكانيات لمقارنة المصادر.
 
لماذا تنتشر الأخبار الكاذبة بسرعة؟

ظاهرة الأخبار الكاذبة لها ثلاثة خصائص تميّزها عن الأشكال السابقة للمعلومات المضلّلة عبر الانترنت، وقع تفصليها في مقال نشر عبر موقع "viepublique.fr". وأول هذه الميزات هو الاستخدام المتكرر للأخبار المزيفة لأغراض الدعاية السياسية.

أما السمة الثانية للأخبار المزيفة فهي "التصنيع" لنمط إنتاجها، الذي يعتمد على النموذج الاقتصادي للشبكات الاجتماعية. في بعض الحالات، يكون النشر الواسع لهذه الأخبار الكاذبة لغرض وحيد هو توليد إيرادات إعلانية.

يهدف أحيانًا النشر الواسع للأخبار الكاذبة لتحقيق غرض وحيد هو توليد إيرادات إعلانية (Getty)

وبالتالي، تشكل الأخبار المزيفة منتجات معلومات تنافسية بشكل خاص في سوق المعلومات الذي تمثله اليوم الشبكات الاجتماعية، لأنها تولد "المشاركة" التي تساهم في النمو الاقتصادي للمنصات.

والعنصر الثالث المميز لظاهرة الأخبار المزيفة، والذي هو عنصر سياقي أكثر ولكنه يفسر إلى حد كبير نسب الجدل حول هذه القضية، هو الدور الذي تلعبه الشبكات الاجتماعية في سوق المعلومات اليوم.

ويوضّح الصادق الحمامي لـ"ألترا تونس" أن الميديا الاجتماعية ساهمت كثيرًا في انتشار الأخبار الكاذبة لأنّها قائمة على مفهوم "الوبائيّة" أو "viralité". 

اقرأ/ي أيضًا: مواقع التواصل الاجتماعي.. الفضاء البديل تونسيًا

كيف نقلّص من هذه الظاهرة؟

يشهد المشهد الإعلامي العالمي جدلًا واسعًا بخصوص التشريعات والقوانين المتعلّقة بالأخبار الكاذبة، إذ أن هناك العديد من الانتقادات من قبل التنظيمات المهنية الصحفية التي عارضت هذه التشريعات لأنها تُتهم بتقييد حرية التعبير.

وفي تونس، رُفعت عديد القضايا بسبب الأخبار الكاذبة وصدرت أحكام في بعضها على غرار حكم بالسجن لمدة ستّة أشهر لمن نشر خبر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي عبر صفحة وهميّة لـ"فرانس 24".

ويأتي، في هذا السياق أيضًا، الجدل حول قضيّة المدوّن وصاحب موقع "تونس اليوم" أديب الجبالي الذي نفى لـ"ألترا تونس" أن تكون قضيته متعلّقة بالأخبار الكاذبة حسب ما يروّج حوله. إذ يقول الجبالي إنه وُجّهت إليه تهمة "الإساءة لرئيس الوزراء وتأليب الرأي العام على حكومته" بسبب تدوينات عبر صفحته الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي قال إنه انتقد فيها سياسته الاقتصادية. فيما يؤكد، في المقابل، أنّ أطرافًا موالية للحكومة هي المسؤولة عن نشر الأخبار الكاذبة في البلاد.

الصادق الحمامي (أستاذ في كلية الصحافة): إذا فرّط الصحفي في الحقيقة والسعي وراءها فعلى الدنيا السلام

"إذا فرّط الصحفي في الحقيقة والسعي وراءها فعلى الدنيا السلام"، هكذا يعبّر الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار الصادق الحمامي لـ"ألترا تونس" عن أهميّة تمسّك الصحفي بالمبادئ الاساسيّة لمهنته وعدم التفريط فيها كحلّ أول للحدّ من ظاهرة الأخبار الكاذبة قائلًا إنه على الصحافة أن تقوم بدورها نظرًا لكونها مؤتمنة على الحقيقة.

ويؤكد الحمامي أن دور الصحفي هو كشف الحقيقة التحري في المعلومات والتثبت من المعلومات وبذلك تصبح الصحافة بديلاً للفيسبوك.

أما الحل الثاني فيتمثل وفق محدثنا في مفهوم "التربية على الميديا"، مبينًا أنه على "مدارسنا أن تعلّم الأطفال التعامل مع الميديا الاجتماعية بطريقة عقلانية وعلينا ترسيخ نظام تعليمي قائم على التفكير النقدي".

وللتقليص من هذه الظاهرة، عمدت عديد المؤسسات الإعلاميّة العالميّة إلى تطوير نوع جديد من الصحافة اسمه "تدقيق الحقائق" (fact checking) للتحرّي من الوقائع وذلك عن طريق إنشاء غرف أخبار ومجموعات تحريرية دورها فقط التحري في الأخبار المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي.

الصحفية أميرة مقني: الخبر الزائف يُتداول أكثر 6 مرات من الخبر الحقيقي وعديد وسائل الإعلام وبعض الصحفيين انخرطوا في هذا التيار

ولكن تبقى الوسائل الإعلامية التي تعتمد هذا النوع الجديد من الصحافة قليلة. وفي هذا الإطار، تقول الصحفيّة أميرة مقني لـ"ألترا تونس" إن "الخبر الزائف يتداول أكثر 6 مرات من الخبر الحقيقي وعديد وسائل الإعلام وبعض الصحفيين انخرطوا في هذا التيار للأسف. والأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر بسهولة لذلك أصبحت أدقق في كل معلومة تعترضني، وأوظفها في فقرة اسمها "الصحيح مالغالط" أبيّن من خلالها حقيقة الأخبار التي تمس المواطن والتي تخيفه أو تثير رهبته وعادة ما تكون غير صحيحة".

وعن الصعوبات التي تواجهها للتأكّد من الأخبار الزائفة، توضح مقني أنها تجد أجد الصعوبات والعراقيل خاصّة عند تواصلها مع المسؤولين لكن يبقى المصدر هو الحل لكشف الحقائق، وفق تصريحها.

ثمانية أشهر تفصلنا عن موعد انتخابات 2019، مدّة زمنية كافية لتلتزم الأطراف والهياكل المشرفة على القطاع الإعلامي للبحث عن حلول لحماية هذا المسار الانتقالي من خطر الأخبار الكاذبة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إنترنت تونس زمن بن علي.. بوليسية إلكترونية أيضًا

زهير اليحياوي.. شهيد الإنترنت التونسي