12-أبريل-2023
علي العريض

طالبت هيومن رايتس ووتش بإطلاق سراح رئيس الحكومة السابق الذي اعتبرت أنه "محتجز تعسفيًا" (الشاذلي بن إبراهيم/ NurPhoto)

الترا تونس - فريق التحرير

 

أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الثلاثاء 11 أفريل/نيسان 2023، أنّ على السلطات التونسيّة الإفراج عن رئيس الحكومة الأسبق ونائب رئيس حزب حركة النهضة، علي العريّض، "المحتجز منذ 19 ديسمبر/كانون الأول 2022 دون أن يُعرض على قاض".

وذكرت المنظمة الدولية، في تقرير لها، أنه "استنادًا إلى بطاقة الإيداع الصادرة بشأنه،  يواجه العريّض تهمة التقاعس عن مواجهة انتشار السلفيّة خلال عمله في الحكومة"، لافتة إلى أن البطاقة تشير إلى أنّه "ملاحق بسبب قراراته وسياساته لما كان في الحكومة، وليس بسبب أعمال جنائية محدّدة"، وفقها.

هيومن رايتس ووتش: استنادًا لبطاقة الإيداع الصادرة في حق علي العريّض فإنه ملاحق بسبب قراراته وسياساته لمّا كان في الحكومة وليس بسبب أعمال جنائية محدّدة وهو محتجز منذ 19 ديسمبر دون أن يُعرض على قاضٍ

مع العلم أن علي العريّض كان قد شغل منصب وزير الداخليّة من ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى فيفري/شباط 2013 ثم منصب رئيس الحكومة من مارس/آذار 2013 إلى جانفي/يناير 2014، في عهد حكومة "الترويكا" المتكونة من حزب النهضة وحزبي "التكتل" و"المؤتمر من أجل الجمهورية".

وقالت مديرة تونس في منظمة "هيومن رايتس ووتش" سلسبيل شلالي: "استنادًا إلى المعلومات المتاحة، يبدو أنّ محاكمة العريّض هي مثال آخر على محاولة سلطات الرئيس قيس سعيّد إسكات قادة حزب النهضة وغيرهم من المعارضين من خلال وصمهم بالإرهاب"، مؤكدة أنه "يتعيّن على السلطات الإفراج فورًا عن العريّض وغيره من الشخصيات السياسية والمنتقدين المحتجزين في غياب أدلّة موثوقة على ارتكابهم جرائم".

وأضافت: "توجّه السلطات تُهمًا ملفقّة تتعلق بالإرهاب أمام سلطة قضائية خانعة لتشويه سمعة المعارضين والمنتقدين ووضعهم خلف القضبان"، حسب تقديرها.

مديرة هيومن رايتس ووتش بتونس: يبدو أنّ محاكمة العريّض هي مثال آخر على محاولة سلطات الرئيس قيس سعيّد إسكات قادة حزب النهضة وغيرهم من المعارضين من خلال وصمهم بالإرهاب

وأشارت المنظمة الدولية إلى أن احتجاز علي العريّض يعدّ "جزءًا من تحقيق واسع للشرطة حول كيفية تمكّن آلاف التونسيين من مغادرة البلاد والالتحاق بـ"داعش" وجماعات إسلاميّة مسلّحة أخرى في سوريا والعراق وليبيا بعد 2011"، لافتة إلى أنه تم استدعاء رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وقادة آخرين من الحزب للاستجواب من قبل الشرطة حول ما يُسمى بملف "التسفير إلى بؤر التوتر".

واعتبرت أن إيقافه جاء "في خضمّ تصعيد للإجراءات القمعيّة والمحاكمات ضدّ معارضي الرئيس قيس سعيّد منذ استيلائه على السلطة في جويلية/يوليو 2021 وما تلاه من إخضاع للقضاء"، مؤكدة أن "قادة النهضة كانوا هدفًا رئيسيًا للسلطات منذ أن منح سعيّد لنفسه سلطات استثنائية، وتعرّض العديد منهم للاعتقال وحظر السفر بشكل تعسّفي"، وفق تقديرها.

وبخصوص التهم الموجهة للعريض، ذكرت "هيومن رايتس ووتش" أن في بطاقة الإيداع الصادرة عن أحد قضاة التحقيق في "وحدة مكافحة الإرهاب" بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، يُواجه العريّض تهمة "عدم التعاطي مع الظاهرة السلفيّة" -رغم أن السلفيّة ليست محظورة في تونس- و"تحديدًا تنظيم أنصار الشريعة والتصدي به بالكيفية اللازمة، حتى توسع نشاطه، وهو ما تسبب في تنامي ظاهرة تحوّل الشباب نحو بؤر التوتر بدعوى للجهاد"، حسب تأكيدها.

 

 

كما يتهم القاضي العريّض بأن "تعاطيه وتعامله مع تنظيم أنصار الشريعة لم يكن بوصفه تنظيمًا إرهابيًا"، رغم أن حكومته هي التي صنفتها تنظيمًا إرهابيًا في أوت/أغسطس 2013، وبالسماح بـ"دخول العديد من الدعاة من بينهم من كان موضوع إجراء حدودي، وآخرين عُرفوا بخطابهم الديني المتشدد"، وفق المنظمة الدولية.

مديرة هيومن رايتس ووتش بتونس: يتعيّن على السلطات الإفراج فورًا عن العريّض وغيره من الشخصيات السياسية والمنتقدين المحتجزين في غياب أدلّة موثوقة على ارتكابهم جرائم

وأضافت هيومن رايتس ووتش أن المذكّرة تشير إلى تعيين العريّض لرجلين في مناصب عليا في أجهزة الأمن الوطني "تورطا لاحقًا" في اغتيال سياسي سنة 2013، مستدركة أنه قد تمّت تبرئة هذين الرجلين من جملة التهم الموجهة إليهما في هذه القضيّة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بحسب ما نقلته عن أمين بوكر، أحد محاميي العريض. 

كما تشير المذكّرة أيضًا إلى أنّ العريّض عيّن في مناصب حكومية رجلين آخرين ثبت ارتباطهما بـ "قيادات من النهضة، ويدل بصفة صريحة على ضلوعهما في تسهيل دخول ومغادرة العناصر المشبوهة من التراب التونسي"، وفق المنظمة.

ويخضع علي العريّض، الموقوف على ذمّة المحاكمة في "سجن المرناقية"، للتحقيق بموجب عدّة فصول من "قانون مكافحة الإرهاب"، والفصل 32 من "المجلة الجزائية" بتهم تصل عقوباتها القصوى إلى السجن المؤبد مثل "تمجيد الإرهاب"، و"الانتماء إلى تنظيم إرهابي"، و"استعمال تراب الجمهورية أو تراب دولة أجنبيّة لانتداب أو تدريب شخص أو مجموعة من الأشخاص بقصد ارتكاب احدى الجرائم الإرهابية" و"تسهيل هروبهم" و"والدخول أو الخروج بشكل قانوني أو غير قانوني من التراب التونسي"، وغسيل الأموال.

هيومن رايتس ووتش: بموجب القانون الدولي يجب إبلاغ المتهم بالتهم الجنائية المحدّدة الموجهة إليه بشكل سريع أي في غضون أيام من اعتقاله

وأكد أحد محاميي العريّض لـ هيومن رايتس ووتش أنّ موكله لم يتم استجوابه منذ اعتقاله، لكنّه كان استُجوب من قبل وحدة مكافحة الإرهاب في 20 سبتمبر/أيلول 2022 ومن قبل أحد قضاة التحقيق في 19 ديسمبر/كانون الأول. قال محاموه إنّه استُجوب بشأن إدارته وطريقة اتخاذ القرار في منصبه بشأن الأصوليّة الدينية، وليس بشأن سفر التونسيين وانضمامهم إلى الجماعات المسلّحة. 

ورفع محامو العريّض، في 30 جانفي/ يناير 2023، دعوى اتهموا فيها أعوان الشرطة في وحدة مكافحة الإرهاب بتزوير وثائق أساسيّة في ملف القضيّة، وفق المنظمة، مشيرة إلى أن "الدعوى ما تزال معروضة على مكتب النيابة العمومية في المحكمة الابتدائية بتونس"، ولافتة إلى أن محاميي العريّض أكدوا أيضًا أنّ الشرطة أزالت بشكل متعمّد أدلّة البراءة التي قدّمتها السلطات المختصّة من الملف.

 

 

كما نقلت المنظمة عن المحامين أن "ملف العريّض يشتمل على تقارير أجهزة المخابرات، وأقوال لشهود مجهولين، ومقالات إخبارية على الإنترنت تعود إلى 2012 و2013، وكلّها قدّمت كأدلّة"، وفقها.

وقدّم محامو العريّض طلبيْن للإفراج عنه مؤقتًا، لكن دون جدوى، وفق المنظمة ناقلة عن أحد المحامين قوله إنّ محكمة الاستئناف في تونس رفضت التماسًا آخر يوم 2 مارس/آذار "دون أيّ مبرّر". 

وأشارت المنظمة في هذا الصدد إلى أنه "بموجب القانون الدولي، يجب إبلاغ المتهم بالتهم الجنائية المحدّدة الموجهة إليه بشكل سريع، أي في غضون أيام من اعتقاله، ويجب احتجاز المشتبه به على ذمة المحاكمة فقط في ظروف استثنائية عندما توجد أسباب قاهرة وفرديّة للاحتجاز، ويجب تقديم المتهم إلى المحاكمة في غضون فترة زمنيّة معقولة، وله الحق في المثول أمام قاض للحصول على حكم بشأن مشروعية وضرورة احتجازه. كما لفتت إلى أنه لا يُفرض الإيقاف التحفظي إلا كـ"استثناء" بموجب الفصل 84 من "مجلة الإجراءات الجزائية" التونسية.

هيومن رايتس ووتش: 

وذكّرت "هيومن رايتس ووتش" بأنه منذ اعتقال العريّض، سجنت السلطات التونسية أكثر من 20 شخصًا آخر، منهم معارضون، ونشطاء، ومحامون، وصحفي، بتهم بعضها يتعلق بالإرهاب، على صلة بأنشطتهم السياسية أو نشاطهم وتصريحاتهم العامة. تسعة منهم على الأقل أعضاء (أو كانوا أعضاء سابقين) في النهضة، مثل نور الدين البحيري وعبد الحميد الجلاصي.

وشددت المنظمة في هذا السياق على أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، وتونس طرف فيه، يكفل الحق في حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، مؤكدة أن "تونس ملزمة أيضًا بموجب العهد الدولي والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب باحترام الحق في المحاكمة العادلة.

 

 

يذكر أن حركة النهضة كانت قد أعلنت، في ساعة متأخرة من يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2022، أنه تم إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق نائب رئيسها ورئيس الحكومة السابق علي العريض فيما يُعرف بقضية "التسفير إلى بؤر التوتر".

جدير بالذكر أن  قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب سبق أن حقق خلال الأشهر الأخيرة مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي والوزير السابق نور الدين الخادمي والقيادي بالنهضة الحبيب اللوز (الموقوف منذ 2 مارس/آذار 2023 والصادرة في حقه بطاقة إيداع بالسجن منذ 10 مارس/آذار 2023) وغيرهم، فيما يعرف بقضية "التسفير إلى بؤر التوتر".

كما انطلقت السلطات في تونس في 11 فيفري/ شباط الماضي في موجة اعتقالات استهدفت بدرجة أولى معارضين للرئيس قيس سعيّد. ومن الموقوفين، سياسيون وصحفيون ونشطاء وقضاة ورجال أعمال، ويتهمهم الرئيس التونسي بـ"التآمر ضد أمن الدولة والوقوف وراء ارتفاع الأسعار واحتكار السلع"، وفقه.

في المقابل، أثارت موجة الاعتقالات والمداهمات تنديدًا واسعًا وانتقادات داخليًا وخارجيًا، لإخلالات في الإجراءات ولما أكده محامون من غياب للأدلة.