28-فبراير-2023
قضاء تونس

هيومن رايتس ووتش: ينبغي ألًا تُستخدم مكافحة الفساد لأغراض سياسية (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

الترا تونس - فريق التحرير

 

أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الاثنين 27 فيفري/شباط 2023، أنه "ينبغي للسلطات التونسية أن تعيد فورًا القضاة ووكلاء الجمهورية الذين عزلهم الرئيس قيس سعيّد تعسفًا في إطار حملة أعلن عنها ضد الفساد، وأن تلغي جميع الإجراءات المتخذة لسحق استقلال القضاء".

وذكّرت المنظمة، في بيان لها تحت عنوان "تونس: الرئيس يكثف هجماته ضد استقلال القضاء"، بأن وزارة العدل التونسية رفضت إعادة 49 قاضيًا ووكيلًا للجمهورية رغم صدور قرار بالقيام بذلك عن محكمة إدارية في 9 أوت/أغسطس 2022، وهو حكم لا يمكن للسلطات استئنافه، مستطردة أنه "بدلًا من ذلك، أعلنت وزيرة العدل المعيّنة من قبل سعيّد عن التحضير لقضايا جنائية ضد القضاة المعزولين.

"هيومن رايتس ووتش": ينبغي للسلطات التونسية أن تعيد فورًا القضاة الذين عزلهم قيس سعيّد تعسفًا في إطار حملة أعلن عنها ضد الفساد، وأن تلغي جميع الإجراءات المتخذة لسحق استقلال القضاء

واعتبرت مديرة شؤون تونس في "هيومن رايتس ووتش"، سلسبيل شلالي، إن "هذه الضربات لاستقلال القضاء تعكس تصميم الحكومة التونسية على إخضاع وكلاء الجمهورية والقضاة للسلطة التنفيذية، على حساب حق التونسيين في محاكمة عادلة أمام قضاة مستقلين ونزهاء"، مشددة على أنه "ينبغي ألًا تُستخدم مكافحة الفساد لأغراض سياسية وأن تتم في إطار الامتثال لسيادة القانون".

كما أكدت "هيومن رايتس ووتش" بأن "رفض إعادة القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين هو من بين الإجراءات الأخيرة ضد السلطة القضائية التي اتخذها سعيّد منذ إمساكه بالسلطة في 25 جويلية/يوليو 2021"، مذكرة بأنه "قال حينها إنه سيتولى الإشراف على النيابة العمومية. ثم حل في 12 فيفري/شباط 2022 من جانب واحد "المجلس الأعلى للقضاء"، كجزء من الحرب التي أعلن أنه يشنها على الفساد. واستبدله بـ "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء" حيث يُعيّن جميع الأعضاء البالغ عددهم 21، منهم تسعة معيَّنون من قبل الرئيس مباشرة. كما منح المرسوم ذاته الرئيس سلطة التدخل في تعيين القضاة ووكلاء الجمهورية، ومساراتهم الوظيفية، وعزلهم".

 

 

وتابعت: "في 1 جوان/يونيو 2022، منح سعيّد نفسه سلطة فصل القضاة والمدعين العامين من جانب واحد بموجب المرسوم الرئاسي عدد 35 لسنة 2022. وفي اليوم نفسه، أصدر أمرًا رئاسي يقضي بإقالة 57 قاضيًا ووكيلًا للجمهورية، متهمًا إياهم بالفساد المالي و"المعنوي"، وعرقلة التحقيقات"، مشيرة إلى أنه "في 12 فيفري/شباط، اعتقلت السلطات اثنين من هؤلاء القضاة ولم تُوجه إليهما تهمًا بعد، بحسب تقارير إعلامية".

مديرة شؤون تونس في "هيومن رايتس ووتش": الضربات لاستقلال القضاء تعكس التصميم على إخضاع القضاة للسلطة التنفيذية.. ينبغي ألًا تُستخدم مكافحة الفساد لأغراض سياسية وأن تتم في إطار الامتثال لسيادة القانون

وذكرت المنظمة أن كلًا من القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إنهم علموا بعزلهم في 1 جوان/يونيو بعد نشر أسمائهم في "الرائد الرسمي" (الجريدة الرسمية)، وإنه "على عكس الإجراءات المعمول بها عادة لتأديب القضاة، لم يُبلّغ أي منهم بأسباب العزل أو الأدلة ضدهم، ولم يمنح أي منهم جلسة استماع وحق الاستئناف، ما عدا فرصة تقديم التماس إلى المحكمة الإدارية بوقف تنفيذ العزل".

ولفتت المنظمة إلى أن "القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين استأنفوا قرار عزلهم أمام المحكمة الإدارية بتونس والتي حكمت لصالح 49 منهم. إلا أنه، وفي ضربة أخرى لاستقلال القضاء، تجاهلت حكومة سعيّد أمر المحكمة بإعادة تعيينهم"، مشيرة إلى أن "المحكمة قالت إن عزلهم ينطوي على انتهاك للحق في محاكمة عادلة، وانتهاكات خطيرة لحقوق المثول أمام المحكمة، وافتراض البراءة، والحصول على الدفاع". 

وأردفت أن "الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بموجب "القانون الإداري المحلي" نهائي ونافذ فورًا، إلا أنه رغم مرور ستة أشهر، لم يعد أي من القضاة أو وكلاء الجمهورية إلى منصبه أو يستعد رواتبه ومزاياه، بما في ذلك التغطية الصحية".

كما أشارت إلى أن "وزارة العدل التونسية أعلنت في بيان صدر في 14 أوت/أغسطس 2022 أن القضاة ووكلاء الجمهورية المعزولين في 1 جوان/يونيو يخضعون لإجراءات جنائية. وقالت الوزارة بعد ستة أيام إن النيابة العامة تدرس 109 ملفات وفتحت تحقيقات تتعلق بجرائم مالية، واقتصادية، وإرهابية، وغيرها".

"هيومن رايتس ووتش": القضاة المعزولون ليسوا التونسيين الوحيدين الذين يواجهون تهمًا تتعلق بتحركات السلطات لتقويض استقلال القضاء، إذ يواجه العياشي الهمامي نفسه اتهامات بسبب تعليقاته التي تنتقد معاملة القضاة

في المقابل، قال المحامي المنسق لـ "هيئة الدفاع عن استقلالية القضاء والقضاة المعفيين" العياشي الهمامي إنه "لم يكن أي من القضاة ووكلاء الجمهورية الـ 49 في وقت عزلهم يواجه اتهامات جنائية أو الإدانة". وأضاف أن التحقيقات الجنائية لم تبدأ إلا بعد صدور حكم المحكمة.

وقال الرئيس السابق لـ "المجلس الأعلى للقضاء" يوسف بوزاخر لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات "تفتح تحقيقات ضد القضاة المفصولين كذريعة لتجنب تطبيق قرار المحكمة الإدارية".

وأشار الهمامي إلى أن "قضاة التحقيق قدموا طلبًا إلى مجلس الأعلى المؤقت للقضاء لرفع الحصانة، التي تحمي من المسؤولية المدنية والجنائية، عن 13 قاضيًا معزولًا يخضعون للتحقيق بتهم الإرهاب"، متوقعًا أن "تبت الهيئة القضائية المؤقتة في الأمر في ماي/أيار، لكن حتى الآن، ما زال جميع القضاة الـ 49 يتمتعون بالحصانة"، وفق تقديره.

 

 

وقال الهمامي إن 37 قاضيًا قدموا شكاوى فردية في 23 جانفي/يناير 2023 ضد وزيرة العدل بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة لعدم امتثالها لأمر المحكمة الإدارية، بناء على الفصل 315 من المجلة الجزائية والمادة 2 من قانون مكافحة الفساد لعام 2017.

مديرة شؤون تونس في "هيومن رايتس ووتش": ينبغي للسلطات أن توقف فورًا هجماتها على القضاء واستهداف القضاة من خلال الملاحقة القضائية والترهيب. وينبغي لها إعادة القضاة الذين تم عزلهم تعسفًا

وأشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "القضاة المعزولين ليسوا التونسيين الوحيدين الذين يواجهون تهمًا تتعلق بتحركات السلطات لتقويض استقلال القضاء. إذ يواجه الهمامي نفسه اتهامات بسبب تعليقاته التي تنتقد معاملة القضاة ووكلاء الجمهورية، والتي قد يواجه بسببها عقوبة السَّجن عشر سنوات في حالة إدانته".

كما نقلت المنظمة عن المحامي والوزير السابق لزهر العكرمي (قبل أن يقع إيقافه بتاريخ 13 فيفري/شباط 2023)، تصريحه بأنه "يواجه أيضًا تهمًا بناء على شكوى قدمتها وزيرة العدل لانتقاده العزل التعسفي للقضاة على خلفية فيديو نشره على "فيسبوك".

وتابعت المنظمة: في 13 فيفري/شباط، اعتقلت السلطات العكرمي، بالإضافة إلى شخصيات سياسية وإعلامية أخرى. لم تُوجَّه أي اتهامات ضده حتى الآن، لكن تشير مذكرة بحث منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الاشتباه في "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".

قالت شلالي: "ينبغي للسلطات أن توقف فورًا هجماتها على القضاء واستهداف القضاة من خلال الملاحقة القضائية والترهيب. وينبغي لها إعادة القضاة الذين تم عزلهم تعسفًا، وضمان تمتعهم الكامل بحقوقهم في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع".