20-أغسطس-2022
النقابات الأمنية في تونس

رمضان بن عمر: دافعت النقابات الأمنية عن المذنبين من الأمنيين في ملف شهداء وجرحى الثورة وشجّعت على عدم المثول أمام المحكمة (الشاذلي بن إبراهيم/ NURPHOTO)

 

​​أعادت حادثة امتناع أمنيين عن تأمين العرض الفني للممثل لطفي العبدلي بـمهرجان صفاقس الدولي ودعم نقابات أمنية لهم، وما لحقها من ارتدادات في الوسط الفني وردود فعل من الشارع التونسي الجدل حول النقابات الأمنية في تونس، وقد تصاعد مع دعوة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى توحيد النقابات الأمنية في هيكل نقابي واحد تحت مسمى "الاتحاد العام التونسي لقوات الأمن الداخلي".

والنقابات الأمنية في تونس، منذ نشأتها عقب الثورة، كانت مثيرة للجدل، بين رافض لوجودها ومدافع عنها ومطالب بأن يُحصر دورها في الجانب الاجتماعي لا غير. فكيف تقبلت النقابات الأمنية في تونس دعوة التوحيد من الرئيس قيس سعيّد؟

 

 

  • مسار التوحيد يجب أن يكون نابعًا من إرادة ذاتية

في تصريح لـ"الترا تونس"، قال أنيس السعدي، الناطق الرسمي باسم النقابة العامة للحرس الوطني، "نحن نعمل في إطار جبهة النقابات الأمنية التي تتكوّن من أكثر من 8 نقابات، تفاعلنا بشكل إيجابي مع دعوة الرئيس قيس سعيّد لتوحيد النقابات الأمنية، وجودنا اليوم في جبهة تضم هذا العدد تبيّن جدية مضيّنا قدمًا في مسار التوحيد، فقط نحن نريد أن يكون مسار التوحيد نابعًا من إرادة ذاتية لا مسقطًا من فوق".

الناطق الرسمي باسم النقابة العامة للحرس الوطني لـ"الترا تونس": "ما لم يعجبنا أن الرئيس تحدّث عن هيكل وأعطاه اسمًا، في حين من المفترض أن يكون هذا نابع من النقابات في حد ذاتها ومن إرادة الناخبين"

وأضاف أنيس السعدي، "نريد أن تعبّر هذه النقابة عن إرادة القواعد، نُقدّر أن رئيس الجمهورية يمكن أن يلعب دورًا في هذا الصدد دون التدخل في الشأن النقابي لأن ذلك يمس من استقلالية الهيكلة النقابية وإذا ما مُسّت الاستقلالية تفقد مشروعيتها، أغلب النقابات الموجودة اليوم نقابات مهيكلة ومنتخبة تعبّر على مواقف الأمنيين، ونريد أن يتواصل هذا، كما نُقدّر أن الأمنيين يسعون لاختيار الهيكل الذي يمثّلهم، دون أن يفرض عليهم أحد ذلك".

وبيّن الناطق الرسمي باسم النقابة العامة للحرس الوطني، "ما لم يعجبنا أنه تحدّث عن هيكل وأعطاه اسمًا، في حين من المفترض أن يكون هذا نابع من النقابات في حد ذاتها ومن إرادة الناخبين، كما أن الرئيس أراد حصر العمل النقابي في الجانب الاجتماعي، نحن بطبيعة الحال نختلف معه في الرأي، لأن النقابات الأمنية كان لها دور كبير في كثير من الجوانب غير الاجتماعية، النقابات الأمنية أول من تحدث عن الإرهاب ولفتت نظر الرأي العام لما يوجد في الشعانبي وفرضت على وزارة الداخلية، أن تمكّن الزملاء من التجهيزات اللازمة للتصدي للإرهاب وحذرت من عديد التنظيمات الإرهابية على غرار أنصار الشريعة".

الناطق الرسمي باسم النقابة العامة للحرس الوطني لـ"الترا تونس": الرئيس أراد حصر العمل النقابي في الجانب الاجتماعي، نحن بطبيعة الحال نختلف معه لأن النقابات الأمنية كان لها دور كبير في كثير من الجوانب الأخرى

ومضى النقابي الأمني في حديثه لـ"الترا تونس" "لا نعتقد أن هناك توجهًا لإلغاء وجود النقابات الأمنية باعتبار أن الدستور الجديد فيه تأكيد على الحق النقابي داخل المؤسسة الأمنية، لكن من المرجّح أن هناك توجه لتحجيم دورها، الخوف كل الخوف أن سلطة الإشراف تتفصّى من المسؤولية في الجوانب الاجتماعية تجاه منظوريها لتترك الأمر للنقابات الأمنية، مرت سنة كاملة دور أن نرى أي إضافة جديدة للحياة الاجتماعية من طرف السلطة القائمة، النقابات الأمنية تقدم خدمات اجتماعية لأكثر من 60 ألف منتفع، لكن دورنا أيضاً مهني لحماية زملائنا من تصلّب السلطة سواء في الترقيات المهنية أو التعيينات أو الاختراقات التي تطال وزارة الداخلية".

في ذات السياق شدد السعدي، "نحن لسنا سلطة داخل السلطة، نحن شريك حقيقي وقوة اقتراح داخل وزارة الداخلية ونريد مواصلة القيام بدورنا، الأمنيون يرون أن نقابتهم الجهة الوحيدة القادرة على ضمان حقوقهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية وحقهم في قوانين تتماشى مع التطور الذي نشهده اليوم، وتضمن حمايتهم من خارج المؤسسة الأمنية ومن داخلها، وضع الإطار القانوني مهم لكن يمكن أن يكون في إطار تشاركي وحوار تشارك فيه كل الأطراف بما فيها المجتمع المدني، نرجو أن تفتح السلطة القائمة حوارًا حقيقيًا مع النقابات الأمنية وتعتبرنا شريكًا، النقابات الأمنية فيها كفاءات حقيقية في كافة المجالات، لا سبب يدعو لتحجيم دورها".

وحول البلاغ الأخير الصادر عن وزارة الداخلية الذي أعلنت من خلاله اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد بعض الأعوان المنتسبين للنقابات الأمنية والمخالفين للقانون وتتبعهم تأديبيًا وجزائيًا، وفق نص البلاغ، قال السعدي "استغربت بيان وزارة الداخلية وتعاملها مع زملائنا النقابيين إداريًا وجزائيًا، في حين أن النقابيين إذا ما قدّموا تصريحات في إطار مهمتهم الأمنية فالإدارة لا دخل لها، يقع التشكي لدى القضاء وهو من يفصل على اعتبار أن العقوبة الإدارية تشمل الجانب المهني لا الجانب النقابي، لا سلطة على النقابة إلا القانون من خلال القضاء".

وأكد الناطق الرسمي باسم النقابة العامة للحرس الوطني في حديثه "انطلقنا في الجبهة الوطنية للنقابات الأمنية في تحركات في اتجاه عقد اجتماع عام مع قواعدنا وهياكلنا لبلورة موقف عام بخصوص دعوة الرئيس قيس سعيّد وتحويلها لفرصة حقيقية للتوحيد أو على الأقل في اتجاه خلق نقابتي أمن تتنافسان على خدمة المنخرطين وتكرسان تعددية مفيدة وتقطعان مع التشتت النقابي".

 

 

  • العمل النقابي لا يحتاج لوصاية

من جهة أخرى، أكد نسيم الرويسي، الكاتب العام المساعد بنقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل والناطق الرسمي بأسمها، في حديثه لـ"الترا تونس"، "نحن لسنا ضد مبدأ التوحيد للحيلولة دون تشرذم العمل النقابي ولبّينا النداء في عديد المرات، لكن لا يمكن أن نفرض على الناس الانضواء تحت راية واحدة، لأن التعددية فيها فائدة للمنخرط".

نسيم الرويسي، الكاتب العام المساعد بنقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل لـ"الترا تونس": "مهما كان الذي في السلطة عليه أن لا يضع يده على العمل النقابي، لأن العمل النقابي لا يحتاج إلى وصاية"

ولفت الرويسي "مهما كان الذي في السلطة عليه أن لا يضع يده على العمل النقابي، لأن العمل النقابي لا يحتاج إلى وصاية، إذا ما أراد المنخرطون التوحّد فمن المؤكد أننا سنصل إلى تلك النتيجة، المشكل الوحيد بالنسبة لنا في حصر الجانب النقابي في المهمة الاجتماعية".

وقال الناطق الرسمي باسم نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل، "لا ديمقراطية دون تشاركية مع الأمن وأن يكون له رؤية إصلاحية مثله مثل باقي القطاعات، في القوانين ذات الصلة بالعمل الأمني وفي الجانب المادي من خلال تحسين أجور الأمنيين، إذا ما كان العمل النقابي تحت سيطرة الإدارة فإنه انتهى ودُجن".

نسيم الرويسي، الكاتب العام المساعد بنقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل لـ"الترا تونس":  بلاغ وزارة الداخلية الأخير والمتعلق بتتبع المخالفين "عار على المؤسسة"

واعتبر الرويسي أن بلاغ وزارة الداخلية الأخير والمتعلق بتتبع المخالفين "عار على المؤسسة"، الوزارة لها هياكلها ولها أن تتّخذ الإجراءات اللازمة في أي من منظوريها دون شوشرة أو تشهير، موضحًا "لم نتدخل في محتوى أي عمل فني ولم تكن لنا رقابة لا قبلية ولا بعدية على العروض الفنية، في الدول الديمقراطية الأمني لا يتواجد في قاعة العرض، نحن لسنا أوصياء على الشعب التونسي لكن ما قام به الفنان لطفي العبدلي هبوط فني حاد كان من الأجدى أن لا يتعرض لنا ونحن بصدد تأمينه، نحن لم نرفض تأمين أي كان، لكن أعلننا أننا مستعدون لتتبّع كل من يعتدي على أعوان الأمن بالسب والشتم"، وفقه.

 

 

  • من المرجح أن تلعب النقابات الأمنية دورًا خطرًا

المجتمع المدني التونسي وخاصة الجمعيات والمنظمات ذات الصلة بالعمل الحقوقي، كانت دائمًا من بين الرافضين لطريقة عمل النقابات الأمنية، حيث اعتبر الناطق الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر لدى اتصال مع "الترا تونس"، أن "النقابات الأمنية التي جاءت بعد 2011 كان الهدف منها الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمنظوريها، لكن هذه النقابات بدأت شيئًا فشيئاً تحيد عن دورها، خاصة في علاقة بقضايا شهداء الثورة وجرحاها ودفاعها عن كل المذنبين على الرغم من أن المسار القضائي مازال قائمًا، وشجّعت المتهمين على عدم المثول أمام المحكمة"، مضيفًا "رأينا ماذا فعلت في عديد الأحداث التي شابتها شبهات تعذيب في مراكز الإيقاف، وفي الاعتداءات الأمنية أثناء الاحتجاجات الاجتماعية، كان دورها دائمًا معطل لإنفاذ القانون وتشجع نظرائها على عدم الالتزام بالقانون وتكريس سياسة الإفلات من العقاب التي صارت قاعدة".

رمضان بن عمر (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية) لـ"الترا تونس":  كان دور النقابات الأمنية في تونس معطلًا لإنفاذ القانون مشجعة الأمنيين على عدم الالتزام بالقانون وتكريس سياسة الإفلات من العقاب

وتابع بن عمر "أكثر واقعة لعبت فيها النقابات الأمنية دورًا سلبيًا، عندما واجهت النشطاء في شهري جانفي/يناير وفيفري/شباط الماضيين ميدانيًا وافتراضيًا وشجعت على الاعتداء عليهم مما عرض حياتهم للخطر من خلال نشرياتهم على صفحاتهم الاجتماعية وعوضت حتى وزارة الداخلية في إبلاغ الموقف الرسمي في التعامل القمعي مع الاحتجاجات الاجتماعية.

رمضان بن عمر (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية) لـ"الترا تونس": على المكلف العام بنزاعات الدولة أن يقوم برفع قضايا ضد النقابات الأمنية لحلها نظرًا لخروجها عن المهام الموكولة لها وإذا ما تواصلت سياسة المهادنة تجاهها فمن المرجح أن تلعب دورًا أخطر

وشدد بن عمر "لا بد من عدم تكريس سياسة الإفلات من العقاب خاصة في القضايا التي يكون الأمنيون أحد أطرافها، منظمات المجتمع المدني رفعت عديد القضايا ضد هذه النقابات لكن للأسف لم ينظر فيها القضاء، المطلوب بالنسبة لنا تطبيق القانون على الجميع وعلى المكلف العام بنزاعات الدولة أن يقوم برفع قضايا ضد هذه النقابات لحلها نظرًا لخروجها عن المهام الموكولة لها وإذا ما تواصلت سياسة المهادنة تجاه هذه النقابات فمن المرجح أن تلعب دورًا أخطر".