08-أغسطس-2022
مقداد السهيلي ولطفي العبدلي

نددوا بما اعتبروه توجهًا نحو "الاستفراد الكلي بالفضاء العام"

الترا تونس - فريق التحرير

 

تفاعل عديد النشطاء مع ما حصل في عرض الممثل التونسي لطفي العبدلي، ليل الأحد 7 أوت/أغسطس 2022، من تعمد أمنيين عدم تأمين عرضه المسرحي ومغادرتهم، وربطوا ذلك بالأحداث الأخيرة التي باتت تحصل على مستوى العروض الثقافية من تدخل في المضمون يصل حد إلغاء العروض، وهو ما وصفوه بـ"الخطير".

وفي هذا الإطار، قال أستاذ التاريخ المعاصر، والذي شغل سابقًا، خطة مدير الديوان الرئاسي، عدنان منصر، الاثنين 8 أوت/ أغسطس 2022، إنّ "الملاحظ منذ أشهر، وما يترسخ أكثر فأكثر اليوم، هو مجرد تطبيقات لتوجه واضح للسلطات: الاستفراد الكلي بالفضاء العام وتطهيره من كل مظاهر المعارضة والنقد، بالاعتماد فقط على الأجهزة الصلبة للدولة" وفقه.

عدنان منصر: ما يترسخ أكثر فأكثر اليوم، هو مجرد تطبيقات لتوجه واضح للسلطات: الاستفراد الكلي بالفضاء العام وتطهيره من كل مظاهر المعارضة والنقد بالاعتماد فقط على الأجهزة الصلبة للدولة

وأضاف، في تدوينة نشرها على حسابه بموقع فيسبوك، أن "التضييق بدأ يطال بعض الفنانين، ومن المتوقع أن يزيد هذا أيضًا في المدة القادمة، لأن تلك الأجهزة الصلبة ليست مجرد منفذ لقرارات سياسية كبرى، بل إنها تعتبر نفسها شريكًا له حقوق ومطالب وسطوة. لا يمكن ترسيخ نظام سلطوي دون تحالف حقيقي بين الحكم وأدواته" على حد وصفه.

وتوجّه عدنان منصر بخطابه إلى بعض الفنانين، قائلًا: "لا يجب أن تكونوا ديمقراطيين، ولا حقوقيين، ولا حتى فنانين، حتى تدافع عنكم الديمقراطية".

وتابع منصر: "يمكن أن تكونوا قد ركبتم موجة هائجة كونه من الممكن أن تربحوا من ذلك تسهيلات ومحاباة وعروض وأموال.. هذا طبعًا دليل على أنكم بعيدون جدًا على صفة الفنانين، يمكن أن تصوتوا بنعم على دستور تعرفون أنه لا يضمن الحريات، وربما نسيتم أن حرياتكم الشخصية هي جزء من تلك الحريات التي قبلتم بطعنها منذ اليوم الأول، من الممكن أن تنسوا أصلًا أنه لديكم حقوق، لكن الحقوق والديمقراطية، تعتبركم أهلًا للتمتع بها".

وأشار منصر متوجهًا إلى بعض الفناني بقوله: "أنتم مجرد خسائر جانبية لعملية قتل الديمقراطية التي شاركتم فيها. الله غالب.. سيكون لكم درسًا لعل تحتاجونه في المستقبل: حقوق الإنسان هي حقوقكم أنتم أيضًا، لا تنسوا هذا!" وفق قوله.

 

ومن جانبه، علق النائب بالبرلمان المنحل ياسين العياري، في تدوينة نشرها على صفحته بفيسبوك الاثنين، قائلًا: "ألمْ تصادقوا على دستور يحدّ من كل شيء باسم الأخلاق العامة والأمن القومي؟"، متسائلًا عن سبب الاستغراب من تصريح الناطق الرسمي باسم النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي شكري حمادة، الذي قال فيه إن قوات الأمن "سترفض تأمين أي عرض يمس من الذوق العام"، وفقه.

ياسين العياري: ألمْ تصادقوا على دستور يحدّ من كل شيء باسم الأخلاق العامة والأمن القومي؟ لماذا تستغربون إذًا تصريح الناطق باسم قوات الأمن الذي لوح بعدم تأمين أي عرض "خادش للحياء"؟

وكان شكري حمادة قد قال، في تصريح للإذاعة الوطنية الاثنين، إن "الفصل 226 من المجلة الجزائية يجرّم الخدش بالحياء"،  مضيفًا: "من هنا فصاعدًا لن نقبل أن نكون طرفًا في جريمة أخلاقية"، ملوحًا بانسحاب قوات الأمن "من أي عرض يمس بالذوق العام"، وفقه تعبيره.

 

وفي تعليقه على ما حصل، اعتبر الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، الاثنين 8 أوت/أغسطس 2022، أن ما حصل من إيقاف بعض الأمنيين للعرض المسرحي للطفي العبدلي المكلفين بتأمينه في مهرجان صفاقس الدولي يمثل "جريمة شديدة الخطورة تليق بمجموعات مارقة وميلشيات لعصور ما قبل دولة القانون حولت مهامها في تأمين عرض فني وحماية الجمهور الحاضر، إلى مهدد حقيقي لنشاط ثقافي وآلاف الحاضرين فيه في تعارض تام مع القوانين والأعراف"، وفق توصيفه.

الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة: إيقاف عرض العبدلي من قبل أمنيين  يمثل جريمة شديدة الخطورة تليق بمجموعات مارقة وميلشيات تهدد نشاطًا ثقافيًا في تعارض تام مع القوانين والأعراف

وأكد، وفق ما ورد في بيان نشره نائب رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان -وهي أحد مكونات الائتلاف- بسام الطريفي، أن ما حدث في عرض العبدلي بمسرح قرطاج الدولي "يقضي على آخر أمل في إمكانية قيام أمن جمهوري ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام دولة البوليس ويشرع لدخول مرحلة من الفوضى والعنف غير مسبوقة قد تنسف كل ما تحقق بعد الثورة"، حسب تصوره.

وفي هذا الإطار، قال الائتلاف المدني إن "مجال التعاطي مع الفعل الفني والثقافي هو الفضاء العام بالنقاش والإثراء والنقد وفي أقصى الحالات القضاء"، مشددًا على أن "استغلال إمكانيات الدولة من قوى إنفاذ القانون وحمايته للعقاب الفوري للمبدعين والتنكيل بهم هو أمر مرفوض ومجرّم يجب التصدي له في الإبان وإلا تحول إلى أمر واقع يشرع للميليشياوية والبلطجة والإفلات من المحاسبة والعقاب"، حسب توصيفه.

الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة: استغلال إمكانيات الدولة من قوى إنفاذ القانون للتنكيل بالمبدعين هو أمر مرفوض يجب التصدي له قبل أن يتحول إلى أمر واقع يشرع للميليشياوية والإفلات من العقاب

كما حمّل وزير الداخلية المسؤولية الكاملة فيما حدث، معتبرًا أن ذلك "لم يكن إلا مواصلة لجرائم وممارسات وسياسات ترسخت في الأسابيع الأخيرة تنذر بتحول المؤسسة إلى غول يهدد التجربة الديمقراطية وينسف مكتسبات الثورة على غرار الاعتداء على متظاهرين سلميين وسحلهم وتلفيق قضايا ضدهم، والسكوت عن نشر محاضر بحث ومعطيات شخصية في شبكات التواصل الاجتماعي وتشويه شخصيات عامة، وتعيين موظفين في مناصب عليا متعلقة بهم شبهات قمع وتعذيب في النظام السابق وملاحقة قضائيًا في قضايا خطيرة"، على حد ما ورد في نص البيان.

كما دعا الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى تحمل مسؤوليته الكاملة فيما وصفه بـ"الانحراف الخطير والسريع للجهاز الأمني نحو التغول والإجرام، واستعمال الصلاحيات المطلقة التي يحتكرها لطمأنة الرأي العام واتخاذ إجراءات المحاسبة الإدارية والسياسية والأخلاقية التي تتطلبه المرحلة"، حسب تقديره.

وأكد، في ذات الصدد، "ضرورة تحمل كل القوى المدنية بتونس لمسؤولياتها الكاملة وفي كنف الاستعجالية والصرامة واليقظة للعب دورها الوطني والضروري للتصدي لمحاولات التلاعب بأمن المواطنين وحقوقهم وحرياتهم، واستغلال صعوبة الأوضاع ببلادنا للتشريع لتغول الأجهزة واحتكارها الحياة العامة"، وفق البيان ذاته.

 

وكانت قد ضجت صفحات التواصل الاجتماعي انطلاقًا من ليل الأحد 7 أوت/ أغسطس 2022، بفيديوهات مباشرة وتدوينات لنشطاء وفنانين وحقوقين، مندّدين بما قالوا إنها محاولة النقابات الأمنية إيقاف مسرحية الفنان لطفي العبدلي وهو على الركح، في مهرجان صفاقس الدولي.

ونشر لطفي العبدلي نفسه على حسابه الرسمي على فيسبوك، التالي: "التوصيف القانوني لما تعرض له محمد بوذينة منتج المسرحية، اسمه: الشروع في القتل! حالته استوجبت نقله لقسم الاستعجالي.." وفق قوله.

وفي سياق ذي صلة، سبق أن أصدرت الهيئة المديرة لجمعية مهرجان المنستير الدولي، السبت 6 أوت/ أغسطس 2022، بلاغًا أعلنت فيه إلغاء مسرحية مقداد السهيلي "حسين في بكين"، وتعويضها لاحقًا بعرض مسرحي آخر، وفقها.

وكان العرض المسرحي، مبرمجًا للأحد 7 أوت/ أغسطس 2022، ورأت هيئة المهرجان إلغاءه "تفاعلًا مع ما أبدته شرائح من أبناء المدينة ومن أحباء المهرجان من عزوف عن هذا العرض في علاقة بسابقة إعلامية وقع فيها المس من شخصية الزعيم الرئيس الحبيب بورقيبة". وأكد البلاغ "حرص إدارة المهرجان على تجنب كل ما يفهم منه التشجيع على المس من رموز المدينة من قريب أو بعيد" وفقها.