تضج الساحة الثقافية، طيلة الأيام الأخيرة، بالأحداث على خلفية إلغاء عدد من العروض المسرحية والفنية، لعدة خلفيات وأسباب، لعلّ أبرزها "تدخل النقابات الأمنية ومحاولتها السيطرة على القطاع"، وفق ما أكده عدد من المتدخلين في الشأن الثقافي في تونس.
إلغاء عروض:
- الزيارة:
أعلنت إدارة إنتاج عرض "الزيارة"، الاثنين 8 أوت/أغسطس 2022، أنّه "تقرّر مبدئيًا إلغاء ما تبقّى من العروض إلى حين إشعار آخر"، وفقها.
إدارة إنتاج عرض "الزيارة": تقرّر مبدئيًا إلغاء ما تبقّى من العروض على خلفية تكرّر التجاوزات والمضايقات الأمنية منذ انطلاق الجولة الصيفية
وعللت إدارة الإنتاج، في بلاغ لها، هذا القرار بـ"الاعتداء على منتج عرض الزيارة محمد بوذينة، وتكرّر التجاوزات والمضايقات الأمنية منذ انطلاق الجولة الصيفية، وحرصًا منها على السلامة الجسدية لجميع المتدخلين في عرض الزيارة"، حسب ما جاء في البلاغ.
- عروض لطفي العبدلي:
أعلنت الشركة المنتجة للعرض المسرحي "في سن الخمسين أقولها كما أعنيها" للممثل لطفي العبدلي، الاثنين 8 أوت/أغسطس 2022، إلغاء بقية العروض المبرمجة للعرض إلى حين إشعار آخر.
شركة إنتاج أحد عروض لطفي العبدلي: إلغاء بقية العروض المبرمجة على خلفية "التصرفات الهمجية والاعتداءات الجسدية واللفظية" التي صدرت من بعض أعوان الأمن إبان عرض العبدلي بمهرجان صفاقس
وأوضحت، في بلاغ لها، أن هذا القرار يأتي ''خشية على حياة الفنان وحرصًا على السلامة الجسدية للفريق المرافق له''، وذلك على خلفية ما وصفتها بـ"التصرفات الهمجية والاعتداءات الجسدية واللفظية التي صدرت من بعض أعوان الأمن إبان عرض العبدلي بمهرجان صفاقس الدولي بتاريخ 7 أوت/أغسطس 2022"، وفق نص البلاغ.
- حفل رامي عياش بمهرجان بنزرت:
وفي الأثناء، أعلنت إدارة مهرجان بنزرت الدولي، الاثنين 8 أوت/أغسطس 2022، أنه "يتعذر عليها تنظيم عرض الفنان رامي عياش لأسباب خارجة عن نطاقها"، على حد قولها.
وتقدمت إدارة المهرجان، في بلاغ لها ، باعتذارها إلى جماهيرها على خلفية هذا الإجراء.
- حفل "نوردو" بمهرجان جمّال:
كما أعلنت هيئة مهرجان أم الزين الدولي بجمال، في بلاغ أصدرته في 2 أوت/أغسطس 2022، أن عرض نوردو الذي كان مبرمجًا بتاريخ 3 أوت/أغسطس 2022، وقع تأجيله إلى موعد لم يحدد بعد، وذلك على خلفية"حيلولة النقابات الأمنية دون السماح بطباعة وبيع تذاكر الحفل"، وفقها.
- عرض مقداد السهيلي بمهرجان المنستير:
وفي سياق ذي صلة، أصدرت الهيئة المديرة لجمعية مهرجان المنستير الدولي، السبت 6 أوت/ أغسطس 2022، بلاغًا أعلنت فيه إلغاء مسرحية مقداد السهيلي "حسين في بكين"، وتعويضها لاحقًا بعرض مسرحي آخر، وفقها.
وكان العرض المسرحي، مبرمجًا للأحد 7 أوت/ أغسطس 2022، ورأت هيئة المهرجان إلغاءه "تفاعلًا مع ما أبدته شرائح من أبناء المدينة ومن أحباء المهرجان من عزوف عن هذا العرض في علاقة بسابقة إعلامية وقع فيها المس من شخصية الزعيم الرئيس الحبيب بورقيبة". وأكد البلاغ "حرص إدارة المهرجان على تجنب كل ما يفهم منه التشجيع على المس من رموز المدينة من قريب أو بعيد" وفقها.
النقابات الأمنية "عامل مشترك"
ولعلّ أبرز نقطة مشتركة بين العروض التي وقع إلغاؤها هو دخول النقابات الأمنية على الخط وتدخلها في مضمون العروض وفي طريقة التسيير.
لعلّ أبرز نقطة مشتركة بين العروض التي وقع إلغاؤها هو دخول النقابات الأمنية على الخط وتدخلها في مضمون العروض وفي طريقة التسيير
ففي عرض لطفي العبدلي بمهرجان صفاقس الدولي، حاولت النقابات الأمنية إيقاف العرض، كما انسحبت من تأمينه.
وندد منتج عرض لطفي العبدلي في مهرجان صفاقس الدولي محمد بوذينة، الاثنين، بما حصل في العرض، مشيرًا إلى أنه كانت هناك نية مبيتة تتجه نحو "تصفية لطفي العبدلي جسديًا من طرف ميليشيات مسلحة مارقة عن القانون"، وفق ما جاء في تدوينة له على صفحته بفيسبوك.
وكانت قد ضجت صفحات التواصل الاجتماعي انطلاقًا من ليل الأحد 7 أوت/ أغسطس 2022، بفيديوهات مباشرة وتدوينات لنشطاء وفنانين وحقوقين، مندّدين بما قالوا إنها محاولة النقابات الأمنية إيقاف مسرحية الفنان لطفي العبدلي وهو على الركح، في مهرجان صفاقس الدولي.
ويعدّ ما حصل في عرض العبدلي مشابهًا إلى حد ما مع ما حصل مع حفل نوردو في مهرجان أم الزين بجمّال غير أن هذا الأخير لم يعرض أساسًا إذ تم إلغاؤه حينها، في انتظار التوصل إلى تحديد موعد جديد له.
وكانت هيئة مهرجان أم الزين بجمال قد أفادت، في بلاغ نشرته بتاريخ 2 أوت/أغسطس 2022، بأنها تتعرض إلى "ضغوط يومية وحملات تشويهية تمارسها النقابات الأمنية الجهوية والمحلية"، وفقها.
وذكرت، في هذا الصدد، أن مواصلة فقرات المهرجان باتت "مهددة" أمام هذا الوضع الذي وصفته بـ"الخطير"، وفق نص البيان.
تنديد واسع
تفاعل عديد النشطاء مع ما حصل في عرض الممثل التونسي لطفي العبدلي، ليل الأحد 7 أوت/أغسطس 2022، من تعمد أمنيين عدم تأمين عرضه المسرحي ومغادرتهم، وربطوا ذلك بالأحداث الأخيرة التي باتت تحصل على مستوى العروض الثقافية من تدخل في المضمون يصل حد إلغاء العروض، وهو ما وصفوه بـ"الخطير".
وفي هذا الإطار، قال أستاذ التاريخ المعاصر، والذي شغل سابقًا، خطة مدير الديوان الرئاسي، عدنان منصر، الاثنين 8 أوت/ أغسطس 2022، إنّ "الملاحظ منذ أشهر، وما يترسخ أكثر فأكثر اليوم، هو مجرد تطبيقات لتوجه واضح للسلطات: الاستفراد الكلي بالفضاء العام وتطهيره من كل مظاهر المعارضة والنقد، بالاعتماد فقط على الأجهزة الصلبة للدولة" وفقه.
عدنان منصر: ما يترسخ أكثر فأكثر اليوم، هو مجرد تطبيقات لتوجه واضح للسلطات: الاستفراد الكلي بالفضاء العام وتطهيره من كل مظاهر المعارضة والنقد بالاعتماد فقط على الأجهزة الصلبة للدولة
وأضاف، في تدوينة نشرها على حسابه بموقع فيسبوك، أن "التضييق بدأ يطال بعض الفنانين، ومن المتوقع أن يزيد هذا أيضًا في المدة القادمة، لأن تلك الأجهزة الصلبة ليست مجرد منفذ لقرارات سياسية كبرى، بل إنها تعتبر نفسها شريكًا له حقوق ومطالب وسطوة. لا يمكن ترسيخ نظام سلطوي دون تحالف حقيقي بين الحكم وأدواته" على حد وصفه.
ومن جانبه، علق النائب بالبرلمان المنحل ياسين العياري، في تدوينة نشرها على صفحته بفيسبوك الاثنين، قائلًا: "ألمْ تصادقوا على دستور يحدّ من كل شيء باسم الأخلاق العامة والأمن القومي؟"، متسائلًا عن سبب الاستغراب من تصريح الناطق الرسمي باسم النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي شكري حمادة، الذي قال فيه إن قوات الأمن "سترفض تأمين أي عرض يمس من الذوق العام"، وفقه.
وفي تعليقه على ما حصل، اعتبر الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، الاثنين 8 أوت/أغسطس 2022، أن ما حصل من إيقاف بعض الأمنيين للعرض المسرحي للطفي العبدلي المكلفين بتأمينه في مهرجان صفاقس الدولي يمثل "جريمة شديدة الخطورة تليق بمجموعات مارقة وميلشيات لعصور ما قبل دولة القانون حولت مهامها في تأمين عرض فني وحماية الجمهور الحاضر، إلى مهدد حقيقي لنشاط ثقافي وآلاف الحاضرين فيه في تعارض تام مع القوانين والأعراف"، وفق توصيفه.
الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة: إيقاف عرض العبدلي من قبل أمنيين يمثل جريمة شديدة الخطورة تليق بمجموعات مارقة وميلشيات تهدد نشاطًا ثقافيًا في تعارض تام مع القوانين والأعراف
وأكد، وفق ما ورد في بيان له، أن ما حدث في عرض العبدلي بمسرح قرطاج الدولي "يقضي على آخر أمل في إمكانية قيام أمن جمهوري ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام دولة البوليس ويشرع لدخول مرحلة من الفوضى والعنف غير مسبوقة قد تنسف كل ما تحقق بعد الثورة"، حسب تصوره.
وفي هذا الإطار، قال الائتلاف المدني إن "مجال التعاطي مع الفعل الفني والثقافي هو الفضاء العام بالنقاش والإثراء والنقد وفي أقصى الحالات القضاء"، مشددًا على أن "استغلال إمكانيات الدولة من قوى إنفاذ القانون وحمايته للعقاب الفوري للمبدعين والتنكيل بهم هو أمر مرفوض ومجرّم يجب التصدي له في الإبان وإلا تحول إلى أمر واقع يشرع للميليشياوية والبلطجة والإفلات من المحاسبة والعقاب"، حسب توصيفه.
الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة: استغلال إمكانيات الدولة من قوى إنفاذ القانون للتنكيل بالمبدعين هو أمر مرفوض يجب التصدي له قبل أن يتحول إلى أمر واقع يشرع للميليشياوية والإفلات من العقاب
كما حمّل وزير الداخلية المسؤولية الكاملة فيما حدث، معتبرًا أن ذلك "لم يكن إلا مواصلة لجرائم وممارسات وسياسات ترسخت في الأسابيع الأخيرة تنذر بتحول المؤسسة إلى غول يهدد التجربة الديمقراطية وينسف مكتسبات الثورة على غرار الاعتداء على متظاهرين سلميين وسحلهم وتلفيق قضايا ضدهم، والسكوت عن نشر محاضر بحث ومعطيات شخصية في شبكات التواصل الاجتماعي وتشويه شخصيات عامة، وتعيين موظفين في مناصب عليا متعلقة بهم شبهات قمع وتعذيب في النظام السابق وملاحقة قضائيًا في قضايا خطيرة"، على حد ما ورد في نص البيان.
كما دعا الائتلاف المدني من أجل الحرية والكرامة الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى تحمل مسؤوليته الكاملة فيما وصفه بـ"الانحراف الخطير والسريع للجهاز الأمني نحو التغول والإجرام"، وفق تعبيره.
وبين هذا وذاك، يتابع التونسيون ما يحصل من تطورات على الساحة الثقافية من إلغاء عروض غير مبرر، مُدينين وصفوه بـ"التغول الأمني" في محاولة تطويع المشهد الثقافي، ومنددين بما اعتبروه توجهًا نحو إفشال المهرجانات الصيفية لسنة 2022، التي تأتي بعد توقف دام لسنتين بسبب جائحة كورونا.