30-يناير-2020

توظيف الفن للتوعية بمخاطر الهجرة غير النظامية (يسرى الشيخاوي/ألترا تونس)

 

وضع اقتصادي متردّ، وبطالة متفشّية في صفوف الشباب ودولة عاجزة عن توفير فرص شغل لشباب ولّوا وجوههم شطر البحر، بعض من ملامح تونس في السنوات الأخيرة، ملامح رسمتها دموع المفقرين وأهالي شباب استجار بالهجرة غير النظامية من واقع يلفّه اليأس.

ومن بين الولايات التي اكتوى أهلها بنيران الهجرة غير النظامية صفاقس حيث رأى مشروع "موسم الهجرة إلى الفنون" النور، وهو مشروع يهدف إلى توعية المجتمع المحلي بتبعات الهجرة غير النظامية وخلق حيّز من التفاعل مع الجمهور.

اقرأ/ي أيضًا: مسرح الشارع.. فنّ خارج الستار الأحمر

مشروع فني حول الهجرة غير النظامية

في باخرة قديمة راسية بميناء صفاقس، تجلّت معالم المشروع التي تمتدّ في الثقافة والفنون، إذ يسهم في تنمية قدرات ومهارات أطفال وشباب مهتمين بقضايا الهجرة غير النظامية في مجال الفنون إلى جانب إشراك ضحايا رحلات هذه الهجرة في عروض فنية ومنحهم فرصة للتعبير عن هواجسهم.

يسهم المشروع الثقافي والإنساني في تنمية وعي الأطفال والشباب إناثًا وذكورًا بمخاطر الهجرة غير النظامية وسبل التوقّي من الوقوع في شراكها عبر تنظيم دورات تدريبية في الفنون 

و"موسم الهجرة إلى الفنون" هو من تنظيم جمعية "صفاقس المزيانة" بالشراكة مع الجمعية التونسية لمسرح الطفولة والشباب والمنظمة الدولية للهجرة وبدعم من برنامج "تفنن" لدعم القطاع الثقافي التونسي الذي يموله الاتحاد الأوروبي بشراكة مع "المعاهد الوطنية الثقافية للاتحاد الأوروبي" وينفذه المركز الثقافي البريطاني بتونس.

ويسهم المشروع الثقافي والإنساني في تنمية وعي الأطفال والشباب إناثًا وذكورًا بمخاطر الهجرة غير النظامية وسبل التوقّي من الوقوع في شراكها عبر تنظيم دورات تدريبية في الفنون في المناطق المستهدفة إلى جانب دورة تدريبية في العلاج بالفن لضحايا هذه الهجرة.

يسهم المشروع الثقافي في تنمية الوعي بمخاطر الهجرة غير النظامية (يسرى الشيخاوي/ألترا تونس)

 

ورشات "غرافيتي وبوب آرت"، و"سينما موبايل"، و"كاميشباي"، و"صندوق الدنيا" و"المسرح التفاعلي" تمتّع بها ستون طفلًا وشابا من الجنسين لمدّة شهرين، لتكون الإنتاجات انطلاقة عروض في كل معتمديات صفاقس وفي ولايات أخرى وحتّى خارج تونس.

اقرأ/ي أيضًا: "دريم سيتي".. المضادون للثقافة السائدة

ونتاج ورشة المسرح التفاعلي التي جمعت شبابًا من مختلف معتمديات محافظة صفاقس وأشرف عليها غسان بن بيّة كان عرضا مسرحيًا تفاعليًا في السوق الأسبوعية بحزڨ، عرض وظّفوا فيه الفن لتوعية الناس بخطورة الهجرة غير النظامية وانعكاساتها على محيط المهاجر، وفق حديث رئيس الجمعية التونسية لمسرح الطفولة والشباب سامي البحري لـ"ألترا تونس".

"موسم الهجرة إلى الفنون" هو سفر بين ثنايا الفنون بغية زعزعة الثقافة المجتمعية السائدة في المناطق التي تكثر فيها هذه الظاهرة حتّى باتت مصدّرة للشباب إلى عرض البحر وترسيخ انتماء الشباب والأطفال إلى وطنهم واعتماد الثقافة وسيلة إلى التغيير، حسب قول البحري.

حينما تتحوّل السوق الأسبوعية إلى مسرح

قرقنة، وسيدي منصور، والعامرة، وعقارب وحزڨ مناطق من ولاية صفاقس شملها المشروع وكانت الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية ممر الهجرة إلى الفنون، وكان روّاد السوق الأسبوعية بحزڨ على موعد مع عرض مسرحي تفاعلي غايته لفت النظر إلى أسباب الهجرة غير النظامية.

وعن هذه التجربة، يقول سامي البحري إنّها مغامرة تشهدها المنطقة الريفية حزڨ للمرة الأولى وفيها تتحوّل السوق الأسبوعية إلى مسرح والباعة إلى ممثلين يشاركون تلاميذ الورشة في العرض المسرحي الذي ينطلق من قصّة عائلة تعاني الفقر ولا تقوى على مجابهة الظروف الاقتصادية الصعبة.

سامي البحري (رئيس الجمعية التونسية لمسرح الطفولة والشباب) لـ"ألترا تونس": مغامرة تشهدها المنطقة الريفية حزڨ تتحوّل فيها السوق الأسبوعية إلى مسرح والباعة إلى ممثلين

وفيما يعرض الباعة سلعهم على الحرفاء الذين يتوافدون على السوق أسبوعيًا للتزود بما ينقصهم من موادّ، تطلّ عليهم عائلة تشبه الكثير من العائلات في المنطقة على وجه الخصوص وفي تونس عمومًا، وفي خطاب الأب في البداية تتعرى الظروف الاقتصادية الهشة، وفق حديثه.

وفي السوق الأسبوعية، "يبيع" المسرح التفاعلي حلولًا للأهالي الذي ذاقوا لوعة الهجرة غير النظامية لأسباب عدّة منها الفقر والبطالة والتهميش، ومن خلال تذمّر الأب من غلاء الأسعار تتجلّى الأسباب الأولى التي تدفع بالشباب إلى السير في سبيل غامضة.

صراع بين أب مستهتر لا هم له سوى إشباع جوعه وابنه وابنته اللذين يطالبانه بأن يولي بعض من اهتمامه بنفسه للاهتمام بدراستهما ولكنّه لا يستجيب فيتدخل الباعة وروّاد السوق ويحاولون نهره عن صنيعه ويتحوّل الكل إلى ممثلين ينصاعون إلى سيناريو وليد اللحظة، وفق حديث رئيس جمعية شباب المستقبل بحزڨ محمد بن سالم.

 تتحوّل السوق الأسبوعية في "حزق" إلى مسرح والباعة إلى ممثلين (يسرى الشيخاوي/ألترا تونس)

 

وعن هذا العرض التفاعلي وتلقي الجمهور له، يقول بن سالم لـ"ألترا تونس" إنّها المرة الأولى التي يشاهد فيها عرضًا مسرحيًا بحزڨ، واختلط نص المسرحية بصراخ الباعة وصراع العائلة وانقطع رواد السوق عن التسوق ولم يصدقوا للوهلة الأولى أنهم أمام مسرحية.

ولم يخف إعجابه بالعرض وبأداء الشباب الذي شاركوا في ورشة المسرح التفاعلي ضمن مشروع "موسم الهجرة إلى الفنون"، مشيرًا إلى تفاعل الجمهور وإلى رغبتهم في تحويل منحى الأحداث نحو إيجاد حلول لمشاكل العائلة التي تشبه عائلات أخرى كثيرة في تونس.

وفي صفاقس، يعوذ نشطاء بالفنون من سطوة الواقع الذي تنخره آفات كثيرة من البطالة إلى التهميش إلى الهجرة غير النظامية التي كانت سببا في لوعة عائلات كثيرة فكان "موسم الهجرة إلى الفنون" صرخة في وجه هذه الآفة ومحاولة لتغيير الواقع عبر الفنون.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الموهبة حسام خالد: خلقني الله رسامًا من وراء "البلايك"

فضاء الفنون بالكاف: فلسفة أخرى للفضاءات الثقافية