15-أكتوبر-2019

يعدّ مسرح الشارع وسيلة ثقافية للتعبير (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

"المسرح" كلمة ربّما تقودنا إلى الركح والخشبة، أو إلى ذلك الستار الأحمر الذي يفصلنا عن بداية عرض قصة وسيناريو في مكان مغلق وأضواء غامضة، لكنّ يبدو أنّ المسرح عاد عند بعض الشباب إلى تشكلاته الأولى قبل أن يستقرّ على الخشبة، ليمارسوا عملهم الدرامي ويقدموا عروضهم المسرحية في الشوارع. إذ لم تكن بداية المسرح داخل دور العرض أو على خشبات المسرح، بل كانت في الساحات العامة ثمّ المقاهي حيث أكبر عدد من الجمهور.

وعاد الانعطاف الكبير اليوم في تونس إلى تقديم العروض مباشرة في الساحات وفي الشوارع العامة، وانتشرت هذه العروض بشكل كبير في عدّة مناطق خاصة بعد الثورة. وهو الأمر الذي يطرح تساؤلات عن هذه الظاهرة وانتشارها. إذ لم يكن مسرح الشارع منتشرًا قبل الثورة، فكيف له ذلك خاصة وأن العروض في دور العرض تخضع إلى ترخيص مسبق؟

 أصبحت ظاهرة "مسرح الشارع" تتشكل في عدّة مناطق في تونس بعد الثورة منذ سنة 2011 وباتت تنتظم لها عدّة مهرجانات خاصّة

وحتى وإن وُجدت تجارب قبل الثورة لفنّ الشارع، فقد كانت محدودة وخاضعة للرقابة على غرار أي عمل فني آخر. وكان المسرح أو مسرح الشارع، غالبًا، يتبع أساسًا الأنشطة الرسمية للمؤسسات الثقافية، بل واندرج حتى ضمن آليات الدعاية للنظام السابق، بمنع الخوض في القضايا السياسية والمجتمعية الحساسة.

لكن بعد الثورة خرجت كلّ الطاقات الحبيسة، وبدأت بعض الشوارع تشهد انتشار ما يعرف بموسيقى الشارع، وحل عازفو الشارع أو فنانو "الغرافيتي"، فيما أصبحت ظاهرة "مسرح الشارع" تتشكل في عدّة مناطق منذ سنة 2011، بل وباتت تنتظم لها عدّة مهرجانات خاصّة.

اقرأ/ي أيضًا: علي بن عياد.. أسطورة المسرح التونسي

رقية ضيف الله (عارضة في مسرح الشارع): أداء وعرض أكثر منه مسرح 

التقى "ألترا تونس" رقية ضيف الله (27 سنة)، شاركت في عروض مسرح الشارع في عدّة جهات، وهي تنتمي إلى أحد نوادي المسرح بالعاصمة. تعتبر مسرح الشارع "أداء وعرض أكثر منه مسرح بالمعنى التقليدي للكلمة" مبينة أن الأداء يغلب عليه الارتجال أحيانًا، بطرح أفكار وتجليًات خارج سيناريو مكتوب مسبقًا بدقة وبجمل محفوظة. تقول هنا "تكفي الفكرة والرسالة التي يجب أن تصل إلى الناس بطرق مختلفة" مبينة أن العرض الواحد قد يختلف باختلاف الزمان والمكان وحسب طبيعة الجمهور المتقبل.

الأداء في "مسرح الشارع" يغلب عليه الارتجال أحيانًا (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

وتضيف محدّثتنا أنّ مسرح الشارع "لا يعني التهريج أو مجرّد عرض اعتباطي بل أغلب العروض في مسرح الشارع تحمل رسالة عبر الكلمة والحركات أو الحركات والألوان فقط"، وتؤكد أن الحركات وحدها أحيانًا دون أي كلمة تكفي لإيصال رسالة. "قد يبدو أن الأمر صعب ولا يجد جمهورًا مهتمًا ولكن أغلب عروضنًا تلقى تفاعلًا كبيرًا من قبل الجمهور"، هكذا حدثتنا رقية.

وللجمهور دور أحيانًا في مسرح الشارع

وشكّل مسرح الشارع خارج الخشبة تحولًا هامًا خلال السنوات الأخيرة بتقديم مضامين ورسائل اجتماعية وسياسية دون قيد أو رقابة أو ترخيص مسبق، وذلك في فضاءات بعيدة عن الأضواء والستائر أو الخطوط الحمراء أو البهرج الكبير.

رقية ضيف الله (عارضة في مسرح الشارع): تكفي في "مسرح الشارع" الفكرة والرسالة التي يجب أن تصل إلى الناس بطرق مختلفة

اقرأ/ي أيضًا: الدّورة الأولى لأيّام قرطاج لفنون العرائس.. انتصار آخر لأحلام الآباء المؤسّسين

يكفي أثاث أو ديكور بسيط للخروج بأفكار بعض الهواة وحتى المحترفين إلى أكبر عدد من الجمهور، وذلك لبسط وعرض رسالة أو فكرة تكون في الغالب محدّدة مسبقًا، تحمل مضامين ورسائل ذات صلة بقضايا وانشغالات وهموم الجمهور. وتجمع هذه العروض بين السيناريو والارتجال، بل وتتضمّن أحيانًا إشراكًا للجمهور لتقريبه من المسرح وتبسيط الفكرة المقدّمة في العرض، وضمان أكثر تفاعل من جمهور يتفاجأ بالعرض في أحد الشوارع المقدّم مباشرة بلا سابق تخطيط.

سيف الدين الجلاصي (فنّي رغمًا عنّي): مسرح الشارع هو وسيلة ثقافية للتغيير

سيف الدين الجلاصي، رئيس جمعية "فني رغمًا عنّي"، يعدّ من أكثر الشباب الذي نشر عروض مسرح الشارع في عدّة جهات منذ تأسيس الجمعية عام 2013، وهو يقول لـ"ألترا تونس" إنّ مسرح الشارع اقترن بالأساس بالثورة لأنّه حتى وإن قدّمت بعض العروض في الشارع قبل الثورة إلا أنّ السلطة كانت تتعامل مع الشارع كفضاء عمومي توظفه لغايات دعائية بالأساس، وفق تأكيده.

 ساهمت الثورة في كسر الحواجز وإخراج الفن والعروض المسرحية إلى الشارع (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

وأكد أن مسرح الشارع كان يحمل فقط وقتها رسائل تستعرض فيها السلطة سطوتها أو أجنداتها وأفكارها بعيدًا عن أي إبداع أو تفكير أو خلق أو نقد، محتكرة الشارع بصفته فضاء عموميًا مشتركًا بتوظيفه لغايات سياسية.

ولكن بيّن أن الوضع تغيّر بعد الثورة وبات مسرح الشارع وسيلة للتعبير على حد تعبيره قائلًا "ارتأينا في الجمعية اعتماد مسرح الشارع في عدّة جهات على مدى السنوات الماضية للتعبير عن جملة من القضايا الاجتماعية والسياسية ومشاغل الناس بالأساس". وأضاف، في هذا الجانب، أنّ أعضاء الجمعية تعرضوا كثيرًا للتضييقات سواء داخل المقر أو خلال تقديم العروض عبر المطالبة بتراخيص مسبقة لإقامة بعض العروض.

سيف الدين الجلاصي (فني رغمًا عنّي): يعدّ مسرح الشارع وسيلة ثقافية للتعبير عن جملة من القضايا بطرق مختلفة وبعروض فرجوية هادفة

واعتبر سيف الدين الجلاصي مسرح الشارع "وسيلة ثقافية للتعبير عن جملة من القضايا بطرق مختلفة وبعروض فرجوية هادفة" مشددًا على حرص جمعية "فني رغمًا عني" على التنقل إلى الجهات الداخلية وخصوصًا المناطق التي تشهد تمركز بعض الإرهابيين في الجبال للتصدي للإرهاب عبر تقديم عروض هادفة لمحاربة الفكر المتطرف.

وأكد محدثنا أن الثورة ساهمت في كسر الحواجز وإخراج الفن والعروض المسرحية إلى الشارع حيث يلتقي الهواة والفنانون بجمهور لا ينتظر الطوابير الطويلة للدخول، ولا الستائر الحمراء لتُرفع، ولا يعلم مسبقًا أحيانًا بتلك العروض التي ما إن تنطلق في الشارع حتى يصطف لها المواطنون بين من يدفعه الفضول وبين مغرم بهذا النوع من المسرح. وأضاف أن "مسرح الشارع" بدأ يتموقع في الساحة الثقافية ووجد اعترافًا مجتمعيًا عبر جمهور واسع يتفاعل مع هذا النوع من المسرح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"بين حياة وموت".. عندما يضع المسرح إصبعه على جرح العدالة الانتقالية

مسرحية "ذاكرة قصيرة".. حينما يكون الإنساني رهين السياسي