21-أبريل-2020

في الحاجة إلى توزيع العبء الاجتماعي لأزمة كورونا (الشاذلي بن ابراهيم/جيتي)

مقال رأي

 

من بين أهم معالم الجدال العام الطارئ بسبب أزمة كورونا هو علاقة الدولة والقطاع الخاص وأيهما أكثر نجاعة. ولعل أحد مؤشرات هذا الجدال الأساسية هو ماذا قدم أصحاب الثروات لمواجهة الأزمة مقابل ما تقدمه الدولة، الأمر الذي أثار الكثير من السخط قياسًا بحجم الأموال التي قدمها رجال أعمال مغاربة مثلًا. ومن ثمة، يُطرح سؤال: هل تحتاج الدولة لإقامة ضريبة استثنائية على الثروة؟

في الحوار الأخير لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، لفت نظر الكثيرين تكراره الحديث عن أننا الآن في مرحلة التضامن والتطوع لكن سنذهب عاجلًا أو آجلًا في سياق مرحلة استعادة النمو والبناء إلى مرحلة التضحيات. وكان من غير الواضح كيف ستكون هذه التضحيات.

من بين المسائل المطروحة للنقاش هو توزيع العبء الاجتماعي ليكون متوازنًا ولما لا طرح ضريبة استثنائية على الثروة

دعني أقول إن من بين المسائل المطروحة للنقاش هو توزيع العبء الاجتماعي ليكون متوازنًا ولما لا طرح ضريبة استثنائية على الثروة. إذ للتذكير، سبق إن تحدث الفخفاخ، ذي الخلفية الاجتماعية والذي شغل منصب وزير المالية، عن ضرورة تحقيق عدالة جبائية، وأن الموظفين يدفعون النسبة الأكبر من مجموع الجباية في تونس.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا.. امتحان جماعي في ديمقراطية ناشئة

الآن لما تلقى هذه الفكرة قلقًا من بعض رجال الأعمال؟ لما يهدد بعضهم ومنهم خالد السلامي عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الأعراف بأنه سيعمل على غلق المصانع والمؤسسات وإيقاف الإنتاج إن تم إحداث ضريبة على الثروة؟

أهم الحجج المعارضة للضريبة على الثروة هي التالية:

  • لا توجد دولة تحترم نفسها تفرض ضريبة على الثروة.
  • الضريبة على الثروة تؤدي إلى هروب رؤوس الأموال.
  • الضريبة على الثروة لن تقدم أموالًا ذات قيمة.

أولًا، فكرة الضريبة على الثروة أو الضريبة التصاعدية تاريخها طويل وعريق، ونجد آثارها واضحة في أعرق الدول الرأسمالية وليس الدول الشيوعية. توجد مثلًا أربع دول أوروبية بعضها مهد الرأسمالية التجارية أقرت وتستعمل منذ عشرات السنين ضريبة على الثروة وهي أسبانيا وبلجيكا وسويسرا والنرويج.

في سياق الكورونا، أصبحت الفكرة أكثر إلحاحًا كضريبة استثنائية في أكثر من بلد. مثلًا في جنوب افريقيا، يجري هذه الأيام تحديدًا مناقشة إمكانية إحداثها، ونقلت تقارير صحفية جنوب إفريقية أن: "مثل هذه الضريبة يمكن أن تساعد الاقتصاد الأكثر تصنيعًا في إفريقيا كي ينتعش بعد موجة الكورونا وحجر شامل دام لمدة خمسة أسابيع من المقرر رفعه في 30 أفريل/نيسان".

فكرة الضريبة على الثروة أو الضريبة التصاعدية تاريخها طويل وعريق، ونجد آثارها واضحة في أعرق الدول الرأسمالية وليس الدول الشيوعية

كذلك رفض وزير الاقتصاد الارجنتيني مارتين غوزمان مثلًا مقترح خطوات تقشفية ودعا أيضًا لضريبة على الثروة في الأيام الأخيرة. ذات الشيء أيضًا في نيوزيلندا حيث يجري الإعداد لضريبة على الثروة فوق مستوى معين من الدخل السنوي. وفي إيطاليا، طرح نواب من الحزب الديمقراطي اليساري المشارك في الحكم منذ أسبوعين أيضًا ضريبة تصاعدية على الثروة.

اقرأ/ي أيضًا: "خلق لينتهز".. مبدأ تجاري أم منوال اقتصادي؟

 في دول أخرى، تدعو المعارضة إلى ذات الإجراء وهو ما يدعو إليه مثلًا عدد من قيادات حزب العمال البريطاني مؤخًرا. في الهند كذلك، توجد دعوات لفرض ضريبة على الثروة بنسبة 4 في المائة على أكثر من تسعمائة من أكبر أثرياء البلاد بما يمكن من توفير ما يقرب 1 في المائة من مجمل ناتجها الخام. في الولايات المتحدة، الدعوات في أوساط الحزب الديمقراطي تصاعدت ليس فقط في محيط اليزابيث وارن وبيرني ساندرز بل أيضًا لدى آخرين.

اعتبرت افتتاحية موقع "الهافينغتون بوست" آخر شهر مارس/آذار، أن زمن الكورونا هو أهم دليل على أننا نحتاج ضريبة على الثروة. في دراسة أخيرة صدرت في سبتمبر/أيلول الماضي من مؤسسة "بوركينغز"، يتم تعداد حجم المداخيل الضخمة التي يمكن حصرها حال إقرار ضريبة تصاعدية على الثروة على أثرى أثرياء الولايات المتحدة.

ثانيًا، سأطرح السؤال بطريقة أخرى: هل يتم الحفاظ على أموال الأرباح أساسًا في تونس وليس لدينا في العشريات الأخيرة تهريبًا للأموال إلى الخارج حتى نخاف من تهريبها بسبب ضريبة على الثروة؟ بمعنى آخر، هل ستتسبب ضريبة على الثروة بظاهرة جديدة تتمثل في هروب أو تهريب الأموال؟ لا ببساطة.

أرقام دراسة لمعهد "امهيرست" في نيويورك سنة 2012 تتحدث أن مجموع تهريب الأموال في تونس في الفترة بين 1960 و2010 يقترب من 39 مليار دولار وأن حوالي 33 مليار دولار منها تم تهريبها في عهد بن علي. في تقرير لمؤسسة "Global Financial Integrity" سنة 2013، تصل تقديرات تهريب الأموال في تلك السنة إلى أكثر من 2 مليار دولار. إذ يبدو أن أحد خصائص تراكم الثروة في تونس هو تهريبها.

 يبدو أن أحد خصائص تراكم الثروة في تونس هو تهريبها

ثالثًا، بمعزل عن المردود الفعلي والذي لا يمكن إلا لأجهزة الدولة أن تقيّمه، يتوفر داع سياسي واضح لمثل هذا الإجراء، وهو ضمان انطباع عام بأن الجميع يساهم خاصة في هذه الظروف الصعبة. والجميع يعلم أن السنوات العشر الأخيرة رغم أنها مثلت فترة تراجعت فيها القدرة الشرائية للتونسيين خاصة الطبقات الضعيفة والوسطى، كانت، في المقابل، فترة أرباح كبيرة لدى فئة من رجال الأعمال منهم مثلًا الشركات التي تتحكم في البنوك الخاصة والتي تقرض الدولة وتنتظر أن تقبض منها، إذ بلغت قيمة فوائد هذا العام حوالي 1900 مليار، والأمر ينطبق أيضًا على أصحاب المصحات الخاصة. لم تكن الثورة مشكلًا اقتصادًيا للجميع.

أقول للسيد السلامي الذي يهددنا بإيقاف الإنتاج إن تم إقرار ضريبة على الثروة، ليس فقط أن التهديد يؤدي إلى العكس وحالة احتقان إضافية لدى عموم الناس خاصة أن خطاب عدد من ممثلي منظمة الأعراف لم يكن عقلانيًا وساده التوتر في الفترة الأخيرة وعكس كثيرًا من الغرور لا يتناسب مع الجهد التطوعي لرجال أعمال آخرين قدم بعضهم قسمًا كاملًا مجهزًا لمواجهة الكورونا، أقول أيضًا إنه يوجد سياق عالمي وتونس لن تكون معزولة عنه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما بعد الكورونا؟ توقعات متضادة

أزمة "كورونا" ومستقبل الصحافة والميديا التونسية