07-أبريل-2020

يتفق الجميع أن العالم سيتغير بعد الكورونا (Getty)

مقال رأي

 

الكورونا وهي لاتزال في موجتها الأولى ينبئنا قصفها ورعبها بأننا ازاء حدث عظيم وفارق. قلبت الحياة رأسًا على عقب، وفرضت نمط عيش جديد لا يشبهه شيء، أقرب الى المعتقلات والمحتشدات السيبيرية بدون أشغال شاقة، والقاتل المجهول وغير المرئي يمكن أن يضرب عنقك في اي وقت، حيث قائمة الإعدامات مفتوحة دوما وسخية. ولهذا لم يعد ممكنًا أن لا يتحدث الكثيرون عما قبل الكورونا وما بعدها.

تغيرات وتحولات سريعة وخاطفة تتحول فيها الصين من مركز الجائحة ومن غلق كامل لمحافظات إلى مصدر الخبرة ووفود المساعدة، و"الديبلوماسية الطبية"، والأن تصبح المصدر الأول للكمامات بحجم يصل تقريبًا الى 4 مليار كمامة. حتى أن المؤسسات الخاصة التي انتصبت فوضويًا أصبحت السلطات الصينية بالكاد قادرة على مراقبتها، ولولا الضغوط القوية من دول اشترت مواد فاسدة من بعضها لما قامت بإحداث إجراءات جديدة لمراقبة أي تصدير لمواد طبية من الصين.

الكورونا وهي لاتزال في موجتها الأولى ينبئنا قصفها ورعبها بأننا ازاء حدث عظيم وفارق

الولايات المتحدة أو تحديدًا دونالد ترامب أعلن بشكل واضح أنه سيتحصل على ما تضعه عليه يديه من مواد طبية لمواجهة الكورونا حتى أن البعض سمى هذه الممارسات بـ"القرصنة الحديثة"، إثر استيلاء واشنطن على أكثر من مائتي ألف كمامة كانت متوجهة إلى ألمانيا من مدرج أحد مطارات تايلندا. وهنا لم يعد من الواضح ماهو الحد بين التجارة والسرقة.

اقرأ/ي أيضًا: الكورونا.. الصحة مقابل الحرية

العالم يسير بخطى متضاربة يسائل مسلماته، وهو الأمر الذي التقطه هنري كيسنجر في مقال أخير في "وول ستريت جورنال"، حيث يقول: "أن الأجواء العبثية التي يشهدها العالم الآن بسبب الوباء، أعادت إلى ذهنه المشاعر التي انتابته عندما كان جنديًا في فرقة المشاة أثناء الحرب العالمية الثانية أواخر عام 1944. ومفاد هذه المشاعر أن ما كان يحصل بسبب تلك الحرب على غرار ما يحصل اليوم مع وباء كورونا أمر لا يطال هذا الشخص أو ذاك بل يستهدف الجميع بشكل عشوائي ومدمر".

ويستخلص أن يؤدي وباء كورونا إلى تغيير النظام العالمي للأبد مشيرًا إلى أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية الناجمة عن الوباء ستستمر لأجيال، داعيًا الادارة الأمريكية للاستعداد إلى نظام ما بعد كورونا.

في ملف صدر في نشرية "فورين بوليسي" الأمريكية في عدد خاص على موقعها يوم 20 مارس/آذار الماضي، عُرضت أراء عديدة لعدد من أبرز المختصين في العلاقات الدولية من مدارس فكرية متباينة حول ما بعد الكورونا وبعضهم يتفق مع رؤية كيسنجر، حول تغيرات كبرى لكن في اتجاهات مختلفة.

مثلا أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "هارفارد" ستيفين والت يعتبر أن "هذا الوباء سيقوي الدولة ويعزز القومية وستتبنى الحكومات بجميع أنواعها إجراءات طارئة لإدارة الأزمة، وسيكره الكثيرون التخلي عن هذه السلطات الجديدة عند انتهاء الأزمة".

في ملف صدر في نشرية "فورين بوليسي" الأمريكية في عدد خاص، عُرضت أراء عديدة لعدد من أبرز المختصين في العلاقات الدولية من مدارس فكرية متباينة حول ما بعد الكورونا 

يضيف والت: "سوف تسرع الكورونا أيضًا من تحول السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق. وقد ردت كوريا الجنوبية وسنغافورة الفعل بشكل أفضل، وكان رد فعل الصين جيدًا بعد أخطاءها المبكرة. كانت الاستجابة في أوروبا وأمريكا بطيئة وعشوائية بالمقارنة، مما زاد من تشويه هالة "العلامة التجارية" الغربية." لينتهي بخلاصة متشائمة للغاية بالنسبة للنموذج الليبيرالي مع نقد حاد خاصة للإدارة الامريكية. يقول: "باختصار، ستخلق الكورونا عالمًا أقل انفتاحًا وأقل ازدهارًا وأقل حرية. لم يكن الأمر كذلك بهذه الطريقة، لكن الجمع بين فيروس قاتل وتخطيط غير ملائم وقيادة غير كفؤة وضع البشرية على مسار جديد ومثير للقلق".

اقرأ/ي أيضًا: الإنسان والمجال المكورن

الصحفية الفائزة بجائزة "بوليتزر" لوري غارات بسبب مقالاتها حول الأيبولا وعضوة "مجلس العلاقات الخارجية" ركزت على الأثر الاقتصادي واستخلصت أن: "الصدمة الأساسية للنظام المالي والاقتصادي في العالم هي الاعتراف بأن مسالك التوريد وشبكات التوزيع العالمية معرضة بشدة للخلل. وبالتالي، لن يكون لوباء الكورونا آثار اقتصادية طويلة الأمد فحسب، بل سيؤدي إلى تغيير أكثر جوهرية".

وتضيف: "بالنظر إلى حجم الخسائر في السوق المالية التي عانى منها العالم منذ فيفري/شباط، فمن المرجح أن تتمرد الشركات على النموذج الذي تم إنتاجه في الوقت المناسب والإنتاج المنتشر عالميًا. يمكن أن تكون النتيجة مرحلة جديدة دراماتيكية في الرأسمالية العالمية، حيث يتم تقريب مسالك التوريد من المنزل للحماية من الاضطراب في المستقبل. قد يقلل ذلك من أرباح الشركات على المدى القريب ولكنه يجعل النظام بأكمله أكثر مرونة".

تعكس التوقعات المتباينة بل المتضادة أن الرؤية لاتزال غامضة الآن وضبابية، وأننا لن نستطيع التفكير بسهولة وسط غيوم وأعاصير الفيروس

تم إدراج أراء مختصين غير أمريكيين منهم كيشور محبوباني ممثل سنغافورة لفترة طويلة في الأمم المتحدة وعميد الجامعة الوطنية لسنغافورة والذي ركز على تصاعد التأثير الصيني حيث كتب: "لن تغير جائحة الكورونا بشكل أساسي الاتجاهات الاقتصادية العالمية سوف تسرع فقط من التغيير الذي بدأ بالفعل: الانتقال من العولمة التي تتمحور حول الولايات المتحدة إلى العولمة التي تتمحور حول الصين".

روبين نيبلت مدير المؤسسة البحثية العريقة البريطانية شاتوم هاوس يذهب إلى أن "العولمة كما نعرفها انتهت"، مضيفًا: "يبدو من غير المحتمل إلى حد كبير في هذا السياق أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة للطرفين التي حددت أوائل القرن الحادي والعشرين. وبدون حافز لحماية المكاسب المشتركة من التكامل الاقتصادي العالمي، فإن بنية الحوكمة الاقتصادية العالمية التي تم إنشاؤها في القرن العشرين ستتدهور بسرعة. وسيتطلب الأمر عندئذٍ انضباطًا هائلاً للقادة السياسيين للحفاظ على التعاون الدولي وعدم التراجع إلى المنافسة الجيوسياسية العلنية".

الجميع يتفق أن العالم سيتغير بعد الكورونا، لكن الاضطراب الكبير الذي أحدثته الكورونا لم يغير في نهاية الأمر من الأسس الفكرية والسياسية لاستكشاف المستقبل. إذ تعكس التوقعات المتباينة بل المتضادة أن الرؤية لاتزال غامضة الآن وضبابية، وأننا لن نستطيع التفكير بسهولة وسط غيوم وأعاصير الفيروس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة "كورونا" ومستقبل الصحافة والميديا التونسية

قد تغيّرنا "كورونا" إلى الأبد..