30-نوفمبر-2021

السياسات التقليدية في الترويج والتسويق للسياحة التونسية لم تعد ناجعة (ماهر جعيدان/الترا تونس)

 

في حيّنا عاطل عن العمل كان يشتغل نادلًا في أحد النزل الفخمة بمنتجع القنطاوي بمدينة سوسة، ويجلس اليوم أمام عربة الخضار والغلال ليعيل زوجته وأبناءه، وفي تلك القرية المجاورة ركنت عاملات في قطاع الخدمات السياحية إلى البطالة بعد أن سرّحهن مشغلهن إثر الأزمة التي خلفتها جائحة كورونا.

وهناك أمام مقر ولاية سوسة تجمع العاطلون في قطاع كان الأعلى تشغيلية على مستوى الجهة يطالبون السلط بالتدخل لخلاص رواتبهم والاستفادة من مساعدة الدولة ماديًا.

وأمام النزل والمطاعم دفع أرباب العمل ما تبقى من منظوريهم إلى الاحتجاج من أجل رفع الحظر الذي استمر لأشهر نتيجة انتشار كورونا وما تسببت فيه من جمود وخسارة، من أجل تدخل ممكن لدولة على شفا الإفلاس لدعم المالكين والمستثمرين بإسقاط الجباية وإجبار البنوك والممولين على إعادة جدولة الديون.

السياسات التقليدية في الترويج والتسويق للسياحة التونسية لم تعد ناجعة فالعالم بعد كورونا غيّر من أولوياته وصار يقدّس الصحة ويعتبرها محرارًا من أجل متعة السفر والترفيه

سنتان من المعاناة جراء كورونا أطاحت بمنظومة اقتصادية لا تزال تعاني من هشاشة الوضع الأمني الذي ذهب بها منذ عمليتي باردو وسوسة الإرهابيتين. كورونا  ضربت السياحة العالمية وأوصدت بوابات العالم وصنعت الرعب جراء انتشارها الواسع وآثارها الصحية الخطيرة.

وما إن وضعت الحرب أوزارها بعد عمليات التلقيح المكثفة في البلاد التونسية تشابكت أيادي المتداخلين في القطاع من أجل خلق حلول بديلة وذلك بعد أن أصاب جسم السياحة الوهَنُ.غير أن الخوف لا يزال مسيطرًا بعد أنباء عن المتحور "أوميكرون".

اقرأ/ي أيضًا: السياحة الأيكولوجية في تونس.. سياحة بديلة وصديقة للبيئة

السياسات التقليدية في الترويج والتسويق للسياحة التونسية لم تعد ناجعة فالعالم بعد كورونا غيّر من أولوياته وصار يقدّس الصحة ويعتبرها محرارًا من أجل متعة السفر والترفيه، كما أن أذواق المسافرين تتحد من أجل سفرة آمنة خالية من الأوبئة..

وبعد تفشي وباء كورونا غير العالم من سياساته "بهدف جذب السياح شديدي الحذر" حسب ما كشفت عنه منظمة "wellness tourism association" باعتبار أن "المسافر الجديد سيكون أكثر حذرًا في اختياره لوجهات السفر وأماكن الإقامة".

أسواق المدينة العتيقة بسوسة تتأثر جراء كورونا (ماهر جعيدان/الترا تونس)

وهنا نتساءل هل يمكن لتونس وجِهَة الساحل التونسي أن توفر بيئة آمنة وكسب ثقة المتوجهين إليها بعد نهاية الإغلاق وإعادة فتح الحدود؟ إن الإجابة تتوقف عن مدى احترام البروتوكولات الصحية داخل النزل والإقامات وخارجها كما أن التجربة والتقارير المرفوعة حول الوضع الوقائي سيكون له الأثر المباشر على الوفود التي ترغب في الاتجاه نحو النزل التونسية.

إن إمكانية التعافي من آثار كورونا ستجد صداها لدى المجتمع المحلي فالراغب في زيارة مدننا لابد أن يتأكد من بيئة نظيفة وصحية للسكان المحليين ومحيطهم البيئي ككلّ ويلتمس نتائج إيجابية للسياسات الجديدة للدولة، وهنا لا بدّ من التأكيد على أن مفتاح النجاح يكمن في سلامة المحيط الصحي والبيئي أولًا.

مراد البحري (مستشار ببلدية سوسة) لـ"الترا تونس": لا بدّ من إشراك السكان المحليين في سلامة المحيط السياحي وتمتيعهم بالعوائد المالية للسياحة حتى يكونوا ركنًا أساسيًا في النجاح

وفي هذا الإطار، أكد المستشار ببلدية سوسة مراد البحري، وهو أحد القاطنين بالمدينة العتيقة بسوسة، في تصريح لـ"الترا تونس"، "ضرورة التكثيف من إجراءات النظافة وتهيئة مسالك سياحية آمنة وذلك بتجنب مواطن الاكتظاظ والازدحام، وفي الوقت نفسه لا بدّ من إشراك السكان المحليين في سلامة المحيط السياحي وتمتيعهم بالعوائد المالية للسياحة حتى يكونوا ركنًا أساسيًا في النجاح"، حسب رأيه.

ويضيف البحري أنه "يجب أيضًا الالتزام بما أملته المنظمات الدولية المختصة في الترويج السياحي من أجل خلق مواقع جديدة بعيدة عن الازدحام وتهيئة مواطن سياحية تتميز بالجذب من حيث الموقع الطبيعي، وهنا يتم التوجه نحو تعزيز السياحة لدورها في حماية البيئة وبالتالي يتعزز الاستثمار وتخلق مواطن الرزق للعديد من العائلات في أماكن جديدة تضاف إلى الحاضنة الأساسية للشغل وهي الخدمات السياحية المباشرة في النزل والخدمات".

اقرأ/ي أيضًا: فيديو: الرحلات الجبلية في تونس.. استكشاف ورياضة

كما يؤكد البحري أن "السياحة الثقافية أساسية في هذه المرحلة فبعد أن تضررت مواطن الشغل في القطاع الثقافي بشكل كبير بسبب تفشي كورونا وسياسة الإغلاق لا بدّ من إشراك كافة القطاعات الثقافية بمختلف أنواعها في صياغة سياسة ترويجية سياحية وإقامة شراكات جديدة بين الثقافة والسياحة، وهذا يندرج ضمن المسؤولية الاجتماعية في تعزيز هوية الشعوب المحلية ".

ملامح الأصالة الثقافية من أجل سائح يبحث عن بدائل ثقافية مغايرة (ماهر جعيدان/الترا تونس)

من جهته، اعتبر الناشط بالجمعية التنموية المحلية بسوسة، شعيب حمدي أن "استغلال الوسائط التكنولوجية الحديثة في الترويج للوجهة السياحية يعتبر من البدائل المهمة، فباعتبار أن السائح لا يخاطر بصحته من أجل الوصول إلى الأماكن المزدحمة فإن البديل يكون بإنتاج وسائل حديثة تكون بمثابة الوسائط المعلوماتية تصل إلى السائح في بيئته الآمنة وتقدم له نبذة عن حضارة وتقاليد المجتمع، ومثال ذلك بث ملاحم تاريخية بطريقة ثلاثية الأبعاد في فضاء الرباط بسوسة وإعداد وثائقيات لتعرض في فضاءات بيئية أو تراثية مفتوحة، وبذلك تتحقق التحالفات الاستراتيجية بين السياحة والثقافة والتكنولوجيا الحديثة".

شعيب حمدي (ناشط بالجمعية التنموية المحلية بسوسة) لـ"الترا تونس": استغلال الوسائط التكنولوجية الحديثة في الترويج للوجهة السياحية يعتبر من البدائل المهمة التي تقدم للسائح نبذة عن حضارة وتقاليد المجتمع

محمد أنس سنان مدير عام بإحدى شركات الرحلات الدولية يقول في تصريح لـ"الترا تونس" إن "السياحة التونسية عرفت انخفاضًا كبيرًا بعد جائحة كوفيد إذ سجلنا نسبة  78% سلبية في عدد الوافدين لسنة 2020 وتواصل الانخفاض في سنة 2021 مع عدم وضوح الرؤية بالنسبة للأشهر القادمة"، مستطردًا أن "الوضع في أوروبا خطير نوعًا ما الآن، والدولة التونسية تتخذ قرارات تُعتبر مهمة في حماية مواطنين، لكن هذا لا يمنع أننا يجب أن نعمل على منتوج سياحي جديد يدفع السائح للعودة وليس المنتوج التقليدي الذي دأب عليه، فالسائح يبحث عن الحماية الأمنية والصحية"، حسب تقديره.

تثمين التراث اللامادي في منازل خاصة تساهم في إشراك الشعوب المحلية (ماهر جعيدان/الترا تونس)

وأكد سنان ضرورة التوجه إلى السياحة البديلة والمستديمة والاستثمار فيها بقوة، معقبًا: "كلما تأخرنا في ذلك نتأخر عن العالم، فالوقت حان لأخذ قرار سياسي شجاع للدفع نحو السياحة البديلة واعتبارها الطريق الصحيح الوحيد، فالسائح لم يعد يبحث عن أماكن مكتظة وأكلات جماعية، بل أضحى اليوم يبحث عن الأماكن غير المزدحمة والأكلة المحلية في محيطها الأصيل، وفي الآن ذاته يريد أن يرى البروتوكول الصحي الذي وجب التشدد في تطبيقه"، وفق تصوره.

ويضيف محمد أنس سنان أن "السياحة العالمية خسرت مليار سائح تقريبًا وفقدت بين 100 مليون و200 مليون موطن شغل على مستوى عالمي حسب المنظمة العالمية للسياحة التي اعتبرتها أكبر أزمة تعيشها السياحة ولا مثيل لها في التاريخ الحديث، إلا أن هذه الأرقام المفزعة لابد من تداركها فكلما استفحلت الأزمة ازدادت البطالة وتكرس المزيد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية"، على حد توقعاته.

اقرأ/ي أيضًا:  هل تنقذ السياحة الداخلية الموسم السياحي؟

ويقول الرئيس المدير العام لشركة دراسات تنمية سوسة الشمالية (حكومية) عبد القادر سلتان رئيس في تصريح لـ"الترا تونس": "نعمل، من خلال سلسلة من الندوات، على التفكير في مستقبل السياحة والمؤسسات المشرفة على مشاريع التهيئة وخلق البدائل من أجل سياحة ناجعة بعد كوفيد، فلا يجب أن نبقى منحسرين في السياحة الداخلية والإقامة في النزل بل وجب البحث عن سياحة بديلة ومسالك جديدة وسياحة ثقافية مثمرة"، حسب رأيه.

عبد القادر سلتان (ر.م.ع شركة دراسات تنمية سوسة الشمالية) لـ"الترا تونس": نعمل على خلق البدائل من أجل سياحة ناجعة بعد كوفيد، فلا يجب أن نبقى منحسرين في السياحة الداخلية والإقامة في النزل

ومن جانبه، اعتبر المندوب الجهوي للسياحة بسوسة توفيق القايد أن "تأثير جائحة كورونا كان كبيرًا على القطاع السياحي، فخلال السنتين الأخيرتين انكبت مختلف المصالح على طرح حلول بديلة لمزيد تثمين السياحة الثقافية وكل ما هو جاذب للسياح ويستجيب لنوعية من السياح الجدد وتوظيف السياحة البيئية والدفع نحو الاستثمار في هذا الإطار وخاصة على مستوى الإقامات الريفية التي تتميز بتواجدها على أراضٍ فلاحية شاسعة وتمثل توجهًا كبيرًا للحرفاء الذين يفضلون الدخول إلى أعماق الولاية واكتشافها"..

صورة لمدينة سوسة الساحلية (ماهر جعيدان/الترا تونس)

ويضيف القايد: "اليوم لدينا أكثر من 65 مشروع بين استضافة عائلية وإقامة ريفية تمثل ملجأ أيام كورونا، ونعلم أن الإقامة الريفية لا تتجاوز 30 سريرًا والاستضافة العائلية 15 شخصًا ويكون الحجز في شكل مجموعات صغيرة ويتم حجزها من عائلات".

توفيق القايد (مندوب السياحة بسوسة) لـ"الترا تونس": يجب التشجيع على السياحة المستدامة وإحداث مسالك سياحية جديدة في الجهة مثل منطقة 'بوفيشة'، وتثمين المواقع الأثرية بسيدي خليفة مرورًا بالنفيضة وإعادة تأهيل قرية 'تكرونة'

وتابع: "إلى جانب ذلك وجب التشجيع على السياحة الخضراء والسياحة المستدامة وإحداث مسالك سياحية جديدة في الجهة مثل جهة 'بوفيشة'، وتثمين المواقع الأثرية بسيدي خليفة مرورًا بالنفيضة وكل ما تحتويه من معالم وإعادة تأهيل قرية 'تكرونة' التي تشهد انهيارات جبلية للأسف".

كما أشار المندوب الجهوي للسياحة بسوسة إلى أنه يتم العمل على دعم السياحة الإيكولوجية في سبخة 'الفرادة' من أجل توظيفها كنقطة جلب لنوعية جديدة من السياح، مردفًا: "هنا تساهم السياحة في خلق مواطن الشغل داخل البلاد في القرى والمدن البعيدة عن الشريط الساحلي حتى يكون التوازن بين الجهات وخلق الثروات والسياحة المستدامة والتضامنية ويكون لكل مواطن نصيب، فالفلاح يمكن له أن  يستثمر في أرضه بمقتضى القانون عدد 21 لسنة 2018 والقانون عدد 191 الذي يخول له  إحداث الإقامات الريفية على الأراضي الفلاحية دون تغيير صبغتها الفلاحية ويعتبر ذلك طريقة جذب جديدة..".

 

اقرأ/ي أيضًا:

من بينها الحليب والزيت والحبوب: أزمات غذائية "قاعدية" تلوح في أفق تونس

الدقلة لا تزال في عراجينها وكساد في السوق.. تمور تونس ثروة منسية