04-نوفمبر-2018

من أقدم المعالم التاريخية في ولاية المهدية

للمدن العتيقة سحرها الذي لا ينجلي ولأسوارها الشاهقة أمن لساكنيها، ومن ميزة المدن الساحلية تلك الأسوار الحصينة الشاهقة وأبراجها الحامية من كل غزو وبواباتها العالية. وجميل أن تكتشف المهدية من خلال باب زويلة أو باب الفتوح، المعروف بـ"السقيفة الكحلاء"، وهو من أهم الأبواب في تاريخ المنطقة سواء من الناحية الحضارية أو العمرانية، ويشهد للمهدية بعراقتها وبهائها.

يعود تاريخ "السقيفة الكحلاء" إلى الفترة الممتدة من 916 و921 ميلادي (303 و308 هجري) وتمثل البرج الرئيسي للسور البري لمدينة المهدية ومدخلها الوحيد. وتتكون من برج علوه 18.5 مترًا، وعرضه 12 مترًا مع عمق 12.70 مترًا، وكذا من ممر مغطى يؤدي إلى أسواق المدينة العتيقة طوله 33 مترًا وعرضه 5 أمتار و به 6 أبواب حديدية.

[[{"fid":"102121","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":366,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

بُنيت "السقيفة الكحلاء" في القرن العاشر ميلادي

ويذكر المؤرخون وخبراء التراث أن هذا الممر سمي بـ"السقيفة الكحلاء" لشدة ظلمته وقد شهد عديد التحويرات بعد هدم الأسبان للأسوار في سنة 1555 وتعود آخر هذه التحويرات إلى سنة 1893 ميلادي.

والمهدية هي ثاني عواصم الخلافة بإفريقية، فتنوعت الآثار فيها مما يدل على استقرار إنساني منذ الفترة البونية. كانت عاصمة للفاطميين سنة 920 ميلادي (308 هجري) حيث اتخذها الخليفة الأول عبيد الله الفاطمي عاصمة فكانت حصنًا منيعًا من الغزاة ومركزًا تجاريًا ضخمًا بحوض البحر الأبيض المتوسط.

ولعل ما جعل من "باب زويلة " أحد أهم الأبواب التاريخية خصائصه العمرانية المتميزة، وصلابته رغم الحروب القاسية التي كانت سببًا في تدمير معظم المدينة. فقد ذكر أنه "من الميسور أن يمشي ثلاثة فرسان بخيلهم على سطحه الأعلى وهذا ما لا نعرفه في مدائن إفريقية أو المغرب العربي إذ يقرب ارتفاعه في الهواء من 11 إلى 12 مترًا وعرض بناء السور كان لا يقل عن 6 أمتار".

يعود تاريخ "السقيفة الكحلاء" إلى الفترة الممتدة من 916 و921 ميلادي (303 و308 هجري) وتمثل البرج الرئيسي للسور البري لمدينة المهدية ومدخلها الوحيد

وكُتب في وصف البرج الرئيسي الذي يضم باب زويلة: "وقد جعل في ناحية البر جدار يتقدمه مدخل شاهق على شكل برج منيع ما زال على حالته الأولى. وهو مدخل المدينة الرئيس من جهة الغرب، وهو عبارة عن حصن منيع مدمج بالسور بقي على حالته الأصلية إلى أيام الأتراك في القرن 11 هجري حينما أدخلوا عليه تحويرًا من أجل نظام المدفعية الجديد".

ويضيف المؤرخون أنه بُنيت في الطابقين الذين فوق الدهليز "غرف ومخازن للسلاح والذخيرة والرجال. أما الدهليز فقد جعلت على جانب منه مصطبة لجلوس الحرس المكلفين بحماية الحصن وقد كان يمر أمام هذا الحصن خندق يجتازه الناس بواسطة جسر متحرك، وقد ردم هذا الخندق منذ أمد غير بعيد".

اقرأ/ي أيضًا: آثار تونس.. معالم تختزل التاريخ وتعاني التهميش

ويشهد لمدينة المهدية أنها كانت مركز الحضارة والصناعة والتقدم مما رشحها كي تكون عاصمة متقدمة في العالم الإسلامي فاعتلت الأسوار، وبنيت المراسي وشيدت "دار الصناعة" وحُفرت الأهراء ومُلئت الجباب بالماء وتوسعت المدينة على البحر فردم جزء منها لتتوسع.

ولما بحثنا عن سر تسمية "باب الفتوح" بـ"باب زويلة"، ذكر لنا حسن حسني عبد الوهاب في كتابه "خلاصة تاريخ تونس" أن عبيد الله المهدي "ابتنى لسائر الناس مدينة أخرى تسمى زويلة وهي إحدى المهديتين.. وجعل الأسواق والفنادق فيها وأدار بها خندق متسعة تجتمع بها الأمطار فكانت كالربض لمدينة المهدية. وكان بخارجها الحمى المعروفة بحمى زويلة، وكان كله جنات وبساتين وبسائر الثمار وأنواع الفاكهة".

[[{"fid":"102123","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":331,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

المهدية ثاني عواصم الخلافة في إفريقية

ويتبيّن من هذه الشهادة التاريخية أن الممر الرئيسي بين إحدى المهديتين إلى الأخرى سمي بـ"باب زويلة" والمعلوم أن من طبيعة الأسوار وأبوابها غلق البوابات حماية للمدينة من الغزو، ويُلاحظ حسب عدة روايات تاريخية أن العبيديين كانوا يخشون غارات البر أكثر من خشيتهم غارات البحر لذلك كانت أسوار البر أعلى وأكثر سمكًا.

اقرأ/ي أيضًا: مدفع رمضان.. موروث تاريخي في المدن التونسية

ومن أهم الشهادات التاريخية حول أسوار المهدية ما وصفه لويس دل مارمول كرفاخال (1520-1600)، وهو عسكري ومؤرخ أسباني عاش سنوات عديدة بين المورسكيين وفي شمال إفريقيا، إذ كتب: "كانت تحيط بها (المهدية) أسوار من الجهة المتصلة بالبر، وكان في هذه الجهة حصن مبني في جدارها وهو سميك الى حد الشريط الناتئ الذي تحيط في أعلاه ستة أبراج متباعدة بعضها عن بعض وهي سميكة هي أيضًا، بارزة خارج السور بأربعين قدمًا الى حد مرمى السهام من الجزء المقوس.. وكانت الأبراج الأربعة في الوسط مربعة الشكل وكان البرجان المواليان للبحر مستديرين عاليين .. وفي البرج المربع الثاني من جهة المشرق كان يوجد الباب الرئيسي، ولا يوجد غيره قط باب من جهة البر، وكانت تعلو هذا الباب قبة معتمة تقع تحت البرج.. وثمة جدار آخر أقل علوًا كان بمثابة نطاق زائد سمكه 12 قدمًا وفيه تسعة أبراج مصممة بدقة كبيرة بحيث تماثل كل ثلاثة منها اثنين من أبراج الحصن، وفي أوسطها باب جانبي ينظر الى جهة المشرق".

وفي وصفه لمدينة زويلة إحدى المهديتين، روى الإدريسي في "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق " قائلًا: "وبمدينة زويلة الأسواق الجميلة والمباني الحسنة والشوارع الواسعة والأزقة الفسيحة وأهلها تجار مياسير نبلاء ذوو أذهان ثاقبة وأفهام ذكية وجل لباسهم البياض ولهم همم في أنفسهم وملابسهم وفيهم الجمال ولهم معرفة زائدة في التجارات وطريقتهم حميدة في المعاملات. ولهذه المدينة أسوار عالية حصينة جداً تطيف بها من سائر جهاتها ونواحيها البرية والبحرية وجميعها مبني بالحجر وفيها فنادق كثيرة وحمامات جمة. ولهذه المدينة من جهة البر خندق كبير تستقر به مياه السماء وبخارجها من جهة غربيها حمى كان قبل دخول العرب أرض إفريقية وإفسادهم لها فيه جنات وبساتين بسائر الثمار العجيبة والفواكه الطيبة".

بقدر ما كانت عليه المهدية من ازدهار ورقي وتقدم إلا أن الحروب التي تتالت عليها أجهزت على معالمها الحضارية وما بقي الا القليل

وبقدر ما كانت عليه المهدية من ازدهار ورقي وتقدم إلا أن الحروب أجهزت على معالمها الحضارية التي كنا نذكرها وما بقي الا القليل. فبعد خروج المعز لدين الله الفاطمي الخليفة الفاطمي نحو مصر سنة 970 ميلادي (360 هجري) حكم الصنهاجيون إفريقية وتألبوا على الفاطميين "فانتقم هؤلاء وأرسلوا إليهم القبائل الهلالية التي ساهمت في نشر قدر كبير من الفوضى ومنذ ذلك التاريخ توالت الحملات ضد المدينة من الأساطيل الأوروبية حيث تراوحت حال المدينة بين السقوط والاسترداد وقد انتهى كل ذلك بتدميرها وحرقها من طرف الأسبان سنة 1955 ميلادي" حسب ما رواه الادريسي.

وبالعودة اليوم إلى "باب زويلة"، يلاحظ آثار الترميمات على مر العقود الماضية، وقد تكاتفت المجهودات للحفاظ على هذا المعلم الأثري الذي يشرف عليه المعهد الوطني للتراث الراجع بالنظر لوزارة الثقافة.

وقد أفاد الخبير رضا بوصفارة، في تصريحات صحفية سابقة، أن معلم باب زويلة يحتوي على كميات هامة من الاسمنت التي أثرت سلبًا على خصائص المعلم ويعود ذلك إلى الفترة الاستعمارية الفرنسية حيث كان يعتمد الإسمنت في الترميم رفقة الجير الأبيض وهو ما تسبب في العديد من الأضرار للعديد من المعالم التونسية".

وباتصال "الترا تونس" بالمندوب الجهوي للثقافة بالمهدية عبد الحفيظ بن حسن أكد على القيمة التاريخية والحضارية لـ"باب زويلة" أو "السقيفة الكحلاء" مشيرًا إلى أن المندوبية الجهوية للثقافة بالاشتراك مع المجتمع المدني تثمن هذا التراث المادي وتساهم في التعريف به من خلال تكثيف التظاهرات الثقافية بالسقيفة وتنظيم معارض للصناعات التقليدية التي تبرز خصائص الجهة التراثية والحضارية.

[[{"fid":"102122","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":600,"width":450,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

سعي لتثمين التراث المادي في المهدية

اقرأ/ي أيضًا:

جولة في المعالم الأثرية للقيروان.. ذاكرة الحضارة الإسلامية

جولة في "الجلاز".. ذاكرة الوطن للنسيان