أذكر أن الكاتب المغربي "محمد شكري" الذي تحول إلى نجم ثقافي عجيب بل إلى معلم من معالم مدينة طنجة، يأتي السوّاح من كل فج عميق إلى الشارع الذي يقطن به والأماكن التي يقضي فيها يومه فقط من أجل رؤيته والتقاط الصور معه والجلوس إلى المقاهي التي يجلس بها والمرور بأزقة طنجة القديمة التي قضى بها طفولته وشبابه والتي تحدث عنها في سيرته الذاتية "الخبز الحافي" وفي قصصه ورواياته...
وفي أحد تصريحاته الصحفية تحدث شكري عن كتاب غير حياته تمامًا وهو في السجن وسنه لم يتجاوز العشرين عامًا وجعل منه أسطورة أدبية في المغرب وفي العالم، هذا الكتاب هو "إرادة الحياة" للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي وتحديدًا بيتين من الشعر قلبا حياته رأسًا على عقب هما:
"إذا الشعب يومًا أراد الحياة **فلا بد أن يستجيب القدر"
"ولا بد لليل أن ينجلي ** ولا بد للقيد أن ينكسر"
وفي سيرته الذاتية الشهيرة "الخبز الحافي" وإلى جانب رحلته الخرافية مع التشرد والإجرام في ضواحي طنجة ودخوله السجن أكثر من مرة، ذكر "محمد شكري" أنه في إحدى المرات حدثه أحد نزلاء زنزانته عن الشابي وعن كتابة الشعر فبدأ الأمر بالنسبة إليه مبهرًا، فقرر دخول المدرسة ورفع الأمية بعد خروجه من السجن وتعلم الكتابة والقراءة والتحول إلى كاتب. فكان له ما أراد ودخل سنته الأولى بالمدرسة بعد العشرين من العمر.
إن نموذج الكاتب المغربي "محمد شكري" نجده في كل مكان من العالم وهذه لعمري مهمة الكتب والهدف من نشرها وهي أن تعيد ولادة قارئها فتؤثر فيه وفي مواقفه وقد تنتشله من قاع ما وترفعه إلى علو غير متوقع، فتأثير الكتب على الإنسان هو حدث حياتي يومي.
- كتاب "بذلة الغوص والفراشة" لجون دومينيك بوبي: درس عظيم للبشرية يعلّمنا أنه باللغة والأبجدية نطل على عالم فسيح ولو ضاقت بنا الأجساد
الكاتب والمترجم التونسي "شوقي برنوصي" يعتبر أن كتاب "بذلة الغوص والفراشة" للكاتب الفرنسي "جون دومنيك بوبي" هو الكتاب الذي أدهشه وفتنه إلى درجة أنه غيّر حياته إلى الأبد فهو يعتبره تجربة موغلة في التأثر بالآخر والتّأثير فيه.
شوقي البرنوصي (كاتب) لـ"الترا تونس": كتاب "بذلة الغوص والفراشة" لجون دومينيك بوبي منحني درسًا إنسانيًا عظيمًا وعلّمني أنّ اللغة والأبجدية تجعلنا نطل على عالم فسيح ولو ضاقت بنا الأجساد والأوطان
ويضيف برنوصي أن الكاتب "بوبي" لم يكتب أثره الخالد بخط يده بل كتبه بعينه اليسرى بعد أن عجز تمامًا عن الحركة والكلام... لقد كانت تتلى عليه الحروف والكلمات ويستوقف قارئها برمش واحد يعني "نعم"، لقد كوّن "بوبي" بهذه الطريقة مذكراته وهو يرقد بأحد المستشفيات الفرنسية.
ويضيف الكاتب "شوقي برنوصي" أن "بوبي" منحه درسًا إنسانيًا عظيمًا وعلّمه وعلّم البشرية أنّ اللغة والأبجدية تجعلنا نطل على عالم فسيح ولو ضاقت بنا الأجساد والأوطان وأن الروح بإمكانها أن تتسكع مثل فراشة.
يؤكد محدثنا أنه بعد قراءته هذا الكتاب واطلاعه على تجربة الكاتب أيقن أنّ الكتابة والفنّ يجعلان من المرء خالدًا وأن علينا أن نقتنص نصف الفرص التي يمكن أن تعترضنا في حياتنا وتحويلها إلى سماوات واسعة مليئة بالمطر.
ويختم المترجم والروائي التونسي "شوقي برنوصي" بأنه بواسطة هذا الكتاب غير نظرته لمفهوم الإعاقة وتوضح لديه أكثر أن الاعاقة ليست مرتبطة بفقدان عضو من الجسد وإنما تتمثل في فقدان الإحاطة التي تيسر حياة المعاق المختلفة.
- كتاب "حدّث أبو هريرة قال" لمحمود المسعدي: يمكن أن يمنعنا من الانتحار..
الكاتب والشاعر التونسي عبد الرزاق المسعودي صاحب رواية "أجمل الذنوب" وعدة مجاميع شعرية منها "بل نزرع الياسمين" و"دعني أمتلئ بك"... يقول إنه في المرحلة الثانوية من دراسته بمدينة جلمة من محافظة سيدي بوزيد قرأ عدة كتب إبداعية كان يستعيرها من المكتبة العمومية ومن عند أصدقائه لكنه صادف كتاب "حدث أبو هريرة قال" للكاتب التونسي "محمود المسعدي" الذي يعتبره كتابًا خطيرًا غير حياته إلى الأبد لأنه وضعه أمام الأسئلة الوجودية الغائمة المبهمة التي كانت تعتمل في أعماقه دون القدرة على تشكيلها في جمل وفقرات.
عبد الرزاق المسعودي (شاعر) لـ"الترا تونس": كتاب "حدّث أبو هريرة قال" للمسعدي غيّر حياتي إلى الأبد لأنه وضعني أمام الأسئلة الوجودية الغائمة المبهمة التي كانت تعتمل في أعماقي دون القدرة على تشكيلها في جمل وفقرات
ويضيف عبد الرزاق المسعودي أن عقله اليافع في تلك الأزمنة البعيدة لم يستوعب أن تلك الأسئلة المفزعة حول الحياة والحب والموت، والتي تتجلى أمامه وهو يتأمل ريفه الفسيح ثمة من كتبها.
ووفق المسعودي فإن كتاب "حدث أبو هريرة قال" لم يكن كتابًا فلسفيًا تقنيًا وعقلانيًا صرفًا بل كان كتابًا آسرًا للروح وعلى عذوبة في اللغة تميل إلى الشعر وتخييله ومعانيه، وميسّرًا على قارئه فهم الوجود وأسبابه ويلخص رحلة الإنسان في الحياة.
الشاعر عبد الرزاق المسعودي يقول إنه حفظ هذا الكتاب عن ظهر قلب بل وحوّله إلى أسلوب حياة منعه من الانتحار.
- كتاب "نقطة زرقاء باهتة" لكارل ساجان: من هنا تتخرج متواضعًا
سيرين بن عبده أستاذة جامعية ومدربة في مجال رياضة الكاراتي وتميل إلى قراءة الكتب العلمية بحكم تدريسها لمادة التسويق، تحدثت ببهجة وإشراق عن كتاب اعتبرته من أهم الكتب التي يمكن أن تعترضنا وهو كتاب "نقطة زرقاء باهتة" للكاتب الأمريكي " كارل ساجان" وقد اقتنته من معرض تونس الدولي للكتاب من إحدى دور النشر الفرنسية.
سيرين بن عبده (أستاذة جامعية) لـ"الترا تونس": كتاب "نقطة زرقاء باهتة" لكارل ساجان يدفع القارئ إلى التفكير في المصير ومن ثمة الحيرة الوجودية.. وهو مدرسة تمنح شهائد للتواضع وهو ما ينقص الإنسان أحيانًا
وأوضحت سيرين بن عبده أن هذا الكتاب الذي ألّفه "ساجان" بداية التسعينات غير حياتها إلى الأبد وأفصحت أن الكاتب هو رجل فضاء أمريكي تحول إلى كاتب ومقدم برامج تلفزيّة بالولايات المتحدة الأمريكية ولعل أشهرها برنامج "كوسموس" وذلك بعد أن أنهى الخدمة مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" وبينت أن الكتاب يصف الكرة الأرضية من خارج الغلاف الجوي بأسلوب شعري آسر وهو ما يدفع القارئ إلى التفكير في المصير ومن ثمة الحيرة الوجودية. أما جوهر الكتاب ودرسه العالي فهو "التواضع" فهذا الكتاب مدرسة لا تمنح سوى شهائد التواضع وهو ما ينقص الإنسان أحيانًا.
- كتاب "تقرير إلى غريكو" لنيكوس كزانتزاكيس: صيدلية للروح ومنهج حياة للاستئناس
"كمال المليتي" هو أستاذ للغة والآداب العربية بالمعاهد الثانوية التونسية وقد تغيرت حياته بفضل مطالعته لكتاب "تقرير إلى غريكو" للكاتب اليوناني "نيكوس كزانتزاكيس" وتحدث المليتي عن هذا الكتاب الهام معتبرًا إياه من أهم كتب السيرة الذاتية في العالم وبين أن "كزانتزاكيس" قد كتبه في أواخر أربعينات القرن العشرين وترجمه إلى اللغة العربية الشاعر الراحل ممدوح عدوان.
كمال المليتي (أستاذ) لـ"الترا تونس": كتاب "تقرير إلى غريكو" لنيكوس كزانتزاكيس يمنح قارئه الحكمة والتأني وحب السفر والشجاعة والقدرة على الثبات أمام عواصف الحياة المتتالية
وأضاف "المليتي" أنه قرأ "تقرير إلى غريكو" في السنة الأخيرة بالجامعة أواسط تسعينات القرن الماضي واعتبر ذلك تخرجًا رمزيًا ومعنويًا من الكلية التي درس بها.
اقرأ/ي أيضًا: "خفّض الأسعار ليرتفع الإقبال".. الشعار السنوي غير الرسمي للمعرض الدولي للكتاب!
ويقول المليتي إن "الكتاب هو صيدلية للروح ومنهج حياة وخارطة للاستئناس بها أمام سبل الضياع المتعددة.. إنه يمنح قارئه الحكمة والتأني وحب السفر والشجاعة والقدرة على الثبات أمام عواصف الحياة المتتالية.. فعلًا لقد غيرني إلى الأبد".
يروي الأستاذ كمال المليتي أنه كان يحمل معه هذا الكتاب في حله وترحاله ويقرأ منه بعض الفقرات لأصدقائه بالمقهى، حتى أنه فكر في بعث ناد ثقافي في علاقة بهذا الكتاب المرجع... وكان يقتني النسخ من إحدى مكتبات العاصمة لتكون هديته لأصدقائه وأهله في كل المناسبات.
- كتاب "قواعد العشق الأربعون" لإليف شافاق: درس في التواضع والعشق والتقشف أمام الغيب
سارة الصديق شابة متخرجة حديثًا من مدرسة الفنون الجميلة بتونس أعارتها زميلتها كتابًا فتحت بابه ولم تخرج منه إلى التو، وفق قولها، هذا الكتاب هو "قواعد العشق الأربعون " للكاتبة التركية "إليف شافاق" وهو مترجم إلى اللغة العربية ومتوفر بالمكتبات التونسية.
سارة الصديق (طالبة متخرجة حديثًا) لـ"الترا تونس": كتاب "قواعد العشق الأربعون" لإليف شافاق درس عظيم في التواضع والعشق والتقشف أمام الغيب ووقفة أمام الذات والروح
تقول سارة الصدّيق إن الكتاب غير حياتها فهو يمنحك عالمًا روحيًا رحبًا لا تدركه ولا تغوص في جماله وثناياه إذا لم تتطلع على هذا الكتاب الممتع. وتضيف أن الكتاب يقدم التجربة الصوفية لمولانا جلال الدين الرومي وعلاقته بصديقه المتصوف شمس الدين التبريزي.
محدثتنا الشابة تعتبر أن هذا الكتاب درس عظيم في التواضع والعشق والتقشف أمام الغيب... إنه وقفة أمام الذات والروح. وتختم بأنها جراء هذا الكتاب سافرت إلى تركيا وزارت مدينة قونيا أين يرقد مولانا بحثًا عن لحظات ممتعة للروح.