19-نوفمبر-2021

شبه إجماع على ارتفاع أسعار الكتاب رغم التخفيضات (ياسين القايدي/ الأناضول)

 

لئن كان شعار "وخير جليس في الأنام كتاب"، هو الشعار المعلن من قبل إدارة معرض تونس الدولي للكتاب، في دورته الـ36، فإنّ لزوّار هذا المحفل السنويّ شعار آخر -غير معلن- يردّدونه وهم يجوبون أرجاء قصر المعارض بالكرم من 11 إلى 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

الشعار الرسمي لمعرض تونس الدولي للكتاب في دورته 36 هو "وخير جليس في الأنام كتاب"، لكنّ الشعار -غير الرسمي- الثاني الذي يتردّد في كلّ دورة من دورات المعرض، هو "خفّض الأسعار ليرتفع الإقبال"!

الشعار الرسمي الأوّل وفق بلاغ نشرته إدارة معرض الكتاب نقلًا عن مديره مبروك المناعي، وقع اقتباسه من عَجُز بيت من قصيد لأبي الطيب المتنبي "باعتباره أكبر ظاهرة قراءة في الشعر العربي وأبلغهم قولًا في نعت الكتاب شعرًا".. لكنّ الشعار -غير الرسمي- الثاني الذي يتردّد في كلّ دورة من دورات المعرض، هو "خفّض الأسعار ليرتفع الإقبال"!

وبتحوير بسيط للبيت الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي، يمكن القول إنه "إذا أصيب القوم في أموالهم، فإنهم يقيمون عليها مأتمًا وعويلًا".. هذه الأموال التي يشكو التونسي "عجزًا" في جلبها، و"شحًا" في توفرها، و"تقشفًا" في التصرّف فيها إن وجدت.. فهل يقدر ربّ الأسرة في هذه الحالة، على ضبط "ميزانية" كافية لشراء ما تيسّر من الكتب، دون حاجة إلى "ميزانية تكميلية تعديلية" لنفقاته، وبلا لجوء إلى "الاقتراض" من جهات "صديقة وشقيقة"؟

منى بكوش (وليّة) لـ"الترا تونس": أسعار الكتب مرتفعة عمومًا ولهذا ننتظر المعرض من أجل التخفيضات، وارتفاع أسعار جميع المواد هي التي تجعل الأولياء يضغطون على الفرامل باستمرار

تجيب الوليّة "منى بكوش"، في تصريحها لـ"الترا تونس" بقولها إنّ "أسعار الكتب مرتفعة بعض الشيء في العادة، لكن ما شجّعني في المعرض هو التخفيض المقدّر بـ20% في كلّ دور النشر العارضة تقريبًا، فأن أدفع 200 د في المعرض يبدو هذا سعرًا مقبولًا، لكن لا يمكنني أن أدفع كل شهر 200 د على طول العام" وفقها.

وإذ لاحظت "منى بكوش"، تعليقات البعض الذين ينتظرون المعرض لأجل ما سيتمتعون به من تخفيضات، فإنها صرّحت بكونها تلجأ في العادة إلى باعة الكتب القديمة، لمجاراة الارتفاع الكبير في الأسعار على جميع الأصعدة، وقالت: "الكتاب من ضروريات الحياة، ولو كان الأمر بيدي لاشتريت الكتب بشكل يوميّ، لكن ارتفاع أسعار جميع المواد هي التي تجعل الأولياء يضغطون على الفرامل باستمرار للتحكّم جيدًا في المصاريف اليومية.." على حد وصفها.

منى بكوش وليّة ومهتمة بالشأن الثقافي

الكاتب زياد بوشوشة، صرّح لـ"الترا تونس" من جهته تعليقًا على الموضوع، قائلًا: "لنتفق أن الرغبة في شراء الكتب تختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يقدر على بذل تضحيات في سبيل الكتب وهناك من لا يقدر.. لكن في كل الحالات الكتاب سعره باهظ في تونس، وأتحدث عن تجربة شخصية بعد زيارتي لمصر وعيشي في أوروبا لسنوات، فحتى بالتخفيض تعدّ أسعار الكتب مرتفعة نوعًا ما" وفق قوله.

زياد بوشوشة (كاتب) لـ"الترا تونس": الكتاب سعره باهظ في تونس مقارنة بالدول الأخرى، وليس من السهل على الموظف مثلًا أن يخصّص 200 د للكتب فما بالك بالطالب؟

وأوضح بوشوشة أنّه ربما يكون الكتاب التونسي أهون في سعره من تلك الكتب الصادرة عن دور نشر غير تونسية، وقال: "كتابان بعد التخفيض في المعرض بـ 80 د، أفكّر في الطالب الذي ربما هو غير قادر على توفير هذا المبلغ، واحتياجه إلى ميزانية أقوى من مصروفه، وعلى سبيل المثال، ليس من السهل على الموظف أن يخصّص 200 د للكتب، فما بالك بالطالب؟" على حد تعبيره.

وعبّر العارض بمعرض تونس الدولي للكتاب وليد النميلي، صاحب دار النشر الرقمية "بوك سبايس"، من جانبه، عن أنّ جيوب الزوّار هي من تتحكّم في اقتناءاتهم، مضيفًا: "فقط 20% تقريبًا من المشترين لا يعيرون أهميّة لسعر الكتاب، المهم عندهم أن يحصلوا على هذا العنوان أو ذاك، مهما كان ثمنه، لكن أغلب الفئات الأخرى تفكّر مليًا قبل الإقدام على خطوة الشراء" وفقه.

وليد النميلي (ناشر) لـ"الترا تونس": قد يصل سعر إحدى الكتب غير التونسية إلى حوالي 10% من أجرة عامل ما.. وفقط 20% تقريبًا من المشترين لا يعيرون أهميّة لسعر الكتاب

وتحدّث النميلي عن أسعار بعض الكتب غير التونسية التي يصل إحداها إلى حوالي 10% من أجرة عامل ما، ملاحظًا أنّ أغلب الزائرين إنّما ينتظرون فرصة المعرض السنوية، لتلبية حاجتهم من الكتب، وذاك دأبهم كل سنة، وقال: "هناك من لا يشتري الكتب إلاّ من معرض الكتاب مرة كل سنة، بسبب التخفيض في الأسعار، ومع هذا يظلّ الكتاب التونسي أقلّ سعرًا من الكتب في دور النشر الأخرى عمومًا" وفق تقديره.

العارض وليد النميلي في جناح "بوك سبايس" بمعرض الكتاب

وعن رأي طالبة الماجستير بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس (9 أفريل)، مريم فريجة، فقد صرّحت في حديثها لـ"الترا تونس"، بأنّها قرّرت هذه السنة أن تزور معرض الكتاب لا كزائرة فقط، بل كمساعدة وقتية لإحدى دور النشر، وذلك في سبيل أن تحظى ببعض الأموال الإضافية التي قد تساعدها في شراء مراجع تحتاجها في دراستها، تقول: "ومع هذا، لم أتمكّن بعد أسبوع من العمل من شراء هذه المراجع لغلاء أسعارها.. دون أن نتحدّث هنا عن الروايات التي يهمّني أيضًا اقتناؤها".

مريم فريجة (طالبة ماجستير) لـ"الترا تونس": اخترتُ العمل في المعرض كمساعدة وقتية لإحدى دور النشر وذلك في سبيل أن أحظى ببعض الأموال لشراء مراجع أحتاجها في دراستي، ومع ذلك غلاء الأسعار حرمني اقتناءها

وأبرزت فريجة أنّ بعض دور النشر تظلّ أسعارها مرتفعة مهما بلغ حجم التخفيض، مشددة في الوقت نفسه على أنّ هذا الحال لا ينطبق على كلّ هذه الدور، إذ يمكن للمتجولين بعد حسن انتقاء منهم، أن يغنموا بعض الكتب الجيّدة والتي تكون أسعارها في المتناول وفقها.

اقرأ/ي أيضًا: المعرض الوطني للكتاب التونسي: هل يقرأ التونسي لكتّاب بلده؟

ويُظهر سبر آراء نشرته "إمرود كونسيلتينغ"، بتاريخ 9 أفريل/نيسان 2021، أنّ نسبة التونسيين الذين اشتروا كتابًا خلال الـ 12 شهرًا الفارطة تبلغ 14%، فيما بلغت نسبة المقتنين للكتب في سنة 2019، 10%، وفي سنة 2018 كانت 9%، ما يعني أنّ هناك تحسّنًا ولو بنسبة ضئيلة، وفق تأكيد مدير عام المؤسسة نبيل بالعم، الذي لاحظ أنّ الكتاب عمومًا أصبح باهظ الثمن، قائلًا: "امتلاك الكتاب في بعض المناطق في العاصمة أعلى من مناطق أخرى في الجنوب أو الشمال الغربي مثلاً".

ويعزو مدير مؤسسة سبر الآراء قلّة نسبة امتلاك الكتاب إلى عدة عوامل، اقتصاديّة بالأساس لكنّها سياسية أيضًا، إذ لا أحد في المنابر يتحدّث عن هذه المعضلة، وفق وصفه. ورغم "تعطّش" الكثيرين لهذه الدورة 36 من معرض تونس الدولي للكتاب بعد تأجيله أكثر من مرّة بسبب جائحة كورونا، فإنّ يبقى "للجيب وما يريد"، و"للمصاريف أحكام".

 

اقرأ/ي أيضًا: