أعلنت عدة قوى سياسية في تونس، معارضة لتوجهات الرئيس قيس سعيّد، خلال الفترة الأخيرة توجهها للتظاهر يوم 14 جانفي/ يناير 2022، في الذكرى 11 للثورة التونسية، وانطلق بعضها في عقد سلسلة احتجاجات وإضراب جوع حتى قبل موعد 14 جانفي، في محاولة للضغط والتعبير عن رفضها لسياسات سعيّد.
اعتبرت المعارضة أن قرارات الحظر والمنع هي توظيف للجائحة الصحية سياسيًا، مستندة لاستثناء عدة مؤسسات كالمدارس والمعاهد والجامعات ووسائل النقل وأماكن العبادة والأسواق وغيرها من هذه القرارات رغم حجم التجمعات
اقرأ/ي أيضًا: تونس: سعيّد يتجنب كشف أوراقه والمعارضة تتجهز لشهر من الضغط والاحتجاجات
لكن مساء الأربعاء 12 جانفي/يناير الجاري جلب الجديد في هذا الموضوع، إذ فرضت السلطات التونسية حظر تجوال ليلي ومنعت التجمعات انطلاقًا من 13 جانفي/يناير الجاري لمدة أسبوعين، وهي الفترة التي تتميز عادة ولسنوات منذ 2011 بتصاعد الاحتجاجات في مختلف جهات البلاد، على اختلاف طرقها وأهدافها، وبعدد من الاحتفالات بمناسبة ذكرى الثورة.
وهو ما طرح انتقادات حادة من المعارضة التي اعتبرت القرارات الأخيرة توظيفًا للجائحة الصحية سياسيًا وأنها لا تتنزل من باب حماية صحة التونسيين، مستندة لاستثناء عدة مؤسسات كالمدارس والمعاهد والجامعات ووسائل النقل وأماكن العبادة والأسواق وغيرها من المؤسسات من القرارات الحكومية رغم حجم التجمعات داخلها، ومذكرة بحوادث سابقة، خاصة في فترة حكومة هشام المشيشي، كان توجه الرئيس سعيّد فيها مغايرًا تمامًا لما تفرضه سياساته الآن رغم تشابه الوضع الوبائي.
فيديو يدعو فيه الرئيس سعيّد رئيس الحكومة السابق إلى مراجعة قرار حظر التجول وقرارات أخرى اتخذت في قلب الموجة الثانية في تونس ويعتبرها "قرارات سياسية"
يُشار إلى أن الوضع الصحي في البلاد يعرف ارتفاعًا لافتًا في عدد الإصابات بكوفيد 19 بسبب مزيد انتشار المتحور أوميكرون إضافة إلى ارتفاع في عدد الوفيات. وكمثال نذكر أن أرقام يوم 11 جانفي/ يناير 2022 الرسمية سجلت 6323 إصابة بفيروس كورونا في يوم واحد و24 حالة وفاة جديدة.
وكانت اللجنة العلمية المكلفة بمتابعة الوضع الوبائي في تونس (تتبع وزارة الصحة) قد اقترحت إجراءات مشابهة لما أعلنته الحكومة لما اعتبرته تطورًا خطيرًا وبائيًا في البلاد، لكن من اللافت أيضًا أن ذات اللجنة العلمية كانت قد أوصت، الثلاثاء 11 جانفي/يناير 2022، بمواصلة الدروس في المؤسسات التربوية وعدم تغيير رزنامة العطل المدرسية لهذه السنة، وهو ما اعتبره البعض تناقضًا قد يخفي تطويعًا سياسياً لقرارات اللجنة الصحية.
اقرأ/ي أيضًا: مواصلة الدروس والإبقاء على رزنامة العطل.. من أبرز توصيات اللجنة العلمية
المعارضة: رفض التوظيف السياسي للوضع الصحي وتمسك بحق التظاهر
- حركة النهضة
في تحد للإجراءات المعلنة، جدّدت حركة النهضة، في بيان ليل الأربعاء 12 جانفي/يناير الجاري، الدعوة للنزول لشارع الحبيب بورقيبة "للاحتفال بذكرى الثورة وتكريسًا لمكاسب الشعب من الحقوق والحريات الأساسية، وأهمها حرية التظاهر والتعبير عن الرأي، وتصدّيًا للدكتاتورية الناشئة التي ما فتئت تكرّس الانفراد بالحكم والسلط وتسعى لضرب القضاء الحر، وتحتكر الرمزيات الوطنية، وتتجاهل الأولويات المعيشية للمواطنين (غلاء الأسعار، فقدان بعض المواد الأساسية، التشغيل...)" وفق بيانها.
وشددت، في ذات البيان، أنها و"إذ تقدّر أهمية حماية صحة التونسيين وحياتهم، فإنها ترفض التوظيف السياسي للوضع الصحي ومخاطر انتشار جائحة كورونا، لضرب ما تبقى من هوامش الحريات"
النهضة: نرفض التوظيف السياسي للوضع الصحي ومخاطر انتشار جائحة كورونا، لضرب ما تبقى من هوامش الحريات
واستغربت استثناء عدة مجالات وفضاءات للتجمُّعات من القرارات الحكومة الأخيرة واقتصارها على التظاهرات بكل أشكالها، فيما اعتبرته "بقصد ثابت لاستهداف التحركات المناهضة لمنظومة الانقلاب".
اقرأ/ي أيضًا: قيادي بحركة النهضة: سنمضي قدمًا في احتجاجات يوم الجمعة
- التيار الديمقراطي
في ذات السياق، أكد الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، الأربعاء أيضًا، أنه "مهما كانت قرارات السلطة القائمة بخصوص منع التجمعات، فإن الأحزاب الاجتماعية والديمقراطية ستتظاهر يوم 14 جانفي/يناير 2022 للاحتفال بالذكرى الـ11 للثورة التونسية وللتعبير عن رفض الحكم الفردي وللدفاع عن الديمقراطية".
واعتبر الشواشي، في تصريح إعلامي على هامش ندوة صحفية عقدها التيار الديمقراطي أن "منع التظاهر بتعلة الوضع الصحي هو منع سياسي لغايات سياسية من أجل حرمان التونسيين من حقهم في التظاهر وفي الاحتجاج"، متسائلًا: "كيف يتم منع التجمعات على مستوى التظاهر، لكن يُسمح بتواصل تجمع التلاميذ في المدارس بشكل عادي؟"، وفق تعبيره.
غازي الشواشي: "كيف يتم منع التجمعات على مستوى التظاهر، لكن يُسمح بتواصل تجمع التلاميذ في المدارس بشكل عادي؟"
- الحزب الجمهوري
من جانب آخر، اعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، الأربعاء، أن توصيات اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا تثير أكثر من سؤال وتضع أكثر من نقطة استفهام".
وأضاف الشابي، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، أن "كل الخشية أن تضع سلطة 25 جويلية يدها على اللجنة العلمية، كما وضعتها على أغلب الهيئات والمؤسسات لخدمة أجندتها السياسية والتضييق على الحريات أكثر فأكثر".
وأردف: "في العالم الحر أين تسجل الإصابات بمئات الآلاف يوميًا لم يغلق الفضاء العام في وجه حرية التظاهر والتعبير، ولا هو أغلق في وجه جماهير كرة القدم الإفريقية بل كل ما في الأمر أنه تم تعزيز الإجراءات الوقائية دون إغلاق جديد للفضاء العام".
عصام الشابي: "كل الخشية أن تضع سلطة 25 جويلية يدها على اللجنة العلمية، كما وضعتها على أغلب الهيئات والمؤسسات لخدمة أجندتها السياسية والتضييق على الحريات أكثر فأكثر"
واستطرد قائلًا: "أما في تونس، فإن السلطة التي تستمد شرعيتها من مظاهرات خرجت يوم 25 جويلية/يوليو 2021 في أوج الموجة الوبائية، تتجه الآن إلى منع التجمعات والتظاهرات رغم الإبقاء على المدارس مفتوحة في وجه مئات الآلاف من الطلبة والتلاميذ، فقط للتوقي من موجة غضب شعبي لم تجد لمواجهتها سوى التعلل بالأوضاع الصحية". وختم بالقول: "مع ذلك لن نتازل عن حقنا في النزول إلى الشارع في ذكرى ثورتنا المجيدة".
- حزب العمال
ولم يختلف موقف حزب العمال (يساري) عن بقية وجوه المعارضة التونسية الحالية لسياسات الرئيس التونسي، إذ أصدر بيانًا، ليل الأربعاء، اعتبر فيه أن "التوقيت الذي تم فيه إعلان الإجراءات هو توقيت سياسي لم تمله الظروف الصحية على خطورتها، وإنما هو قرار سياسي مقنّع أملته رغبة قيس سعيّد وحكومته في منع التظاهرات السياسية المناهضة لانقلابه المبرمجة ليوم 14 جانفي، ذكرى سقوط الدكتاتورية (عيد الثورة) التي ألغاها قيس سعيّد وعوّضها، بقرار انفرادي، بيوم 17 ديسمبر، ذكرى انطلاق الثورة من سيدي بوزيد".
وعبر الحزب عن "رفضه الانصياع إلى القرار المقنّع لسعيّد وحكومته بمنع التظاهر يوم 14 جانفي"، مجددًا دعوته إلى تحرك يوم 14 جانفي انطلاقاً من الساعة الثانية بعد الظهر بساحة "الباساج" بالعاصمة ومنها باتجاه البنك المركزي".
حزب العمال: "التوقيت الذي تم فيه إعلان الإجراءات هو توقيت سياسي لم تمله الظروف الصحية على خطورتها"
- حركة أمل وعمل
واعتبرت حركة أمل وعمل، في بيان، أن "منع التجمعات المقرر ليس خوفًا على صحة التونسيين، بقدر ماهو خوف من تجمهر المُعارضين لرئيس الجمهورية المُنقلب"، مذكرة بـ"تقصير وتهاون رئيس دولة الأمر الواقع (كما تصفه) في جلب التلاقيح قبل 25 جويلية/يوليو 2021 وبزياراته الشُعبوية لشارع الثورة ولسيدي بوزيد واجتماع الناس حوله دون أدنى احترام للإجراءات الصحية الوقائية".
أمل وعمل: "نذكر بتقصير وتهاون الرئيس في جلب التلاقيح قبل 25 جويلية وبزياراته الشُعبوية لشارع الثورة ولسيدي بوزيد واجتماع الناس حوله دون أدنى احترام للإجراءات"
- مواطنون ضد الانقلاب
في سياق متصل، أكدت حملة "مواطنون ضد الانقلاب" تمسكها بالاحتجاج انطلاقًا من الثانية ظهرًا يوم 14 جانفي/يناير 2022 "إحياء لذكرى الثورة المجيدة وفضحًا للانقلاب".
استياء من التداخل بين ممثل الدولة في الولاية والولاء السياسي
كانت عديد الأطراف قد دعت للتظاهر الجمعة 14 جانفي/يناير 2022 أساسًا في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية وهذه المنطقة تتبع ولاية تونس، التي يشرف عليها وال جديد انطلاقًا من 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي وهو كمال الفقي، الذي عينه الرئيس قيس سعيّد وأقال الوالي السابق دون أي توضيح لأسباب هذه الإقالة.
ويُذكر أن الفقي من المعروفين بمساندتهم وانخراطهم في ما صار يٌعرف بمشروع الرئيس "النظام القاعدي"، لكن دعمه للرئيس في حملته الانتخابية سابقًا لم يكن يتوقع التونسيون أن يؤثر في خياراته واليًا للعاصمة التونسية.
تفاجأ التونسيون بتصريحات والي تونس الذي أكد مساندته للرئيس وتوجهه لمنع أي مظاهرات وهو ما أثار استياء واسعًا من غياب حياد الدولة ومؤسساتها والتداخل بين ممثل الدولة في الولايات والولاء السياسي
لكنهم تفاجؤوا بتصريحات الأخير في إذاعة محلية، الأربعاء، حيث أكد أنه "من مساندي الرئيس"، مشددًا "هذا حقي"، فيما أثار استياء واسعًا من غياب حياد الدولة ومؤسساتها والتداخل بين ممثل الدولة في الولايات والولاء السياسي.
وكان والي تونس كمال الفقي قد أكد أيضًا، الاثنين 10 جانفي/يناير 2022، أنه سيمنع تنظيم أي مظاهرات وتحركات يوم 14 جانفي/يناير 2022، في المناطق التابعة لمرجع نظره.
وينتظر التونسيون ما ستؤول إليه الأوضاع بعد إصرار عدة أحزاب وائتلافات نشطاء على التظاهر الجمعة وتشديد الداخلية التونسية، ليل الأربعاء، على ضرورة الالتزام بقرارات المنع، مما يوحي بتصادم ممكن يخاف التونسيون أن تكون عواقبه سلبية في وضع متأزم إلى أبعد الحدود.
اقرأ/ي أيضًا:
تونس: أحزاب وشخصيات ومكونات سياسية تدعو للتظاهر في 14 جانفي ضد سياسات الرئيس
تنسيقية الأحزاب الديمقراطية: منع التجمعات قرار سياسي ونتمسك بحقنا في التظاهر