16-أكتوبر-2023
القضية الفلسطينية

"الترا تونس" يلتقي فلسطينيين مقيمين في تونس ويحاورهم حول متابعتهم لعملية "طوفان الأقصى" والعدوان على غزة (صورة أرشيفية/ ياسين القايدي/ الأناضول)

 

"أعتذر منك فليس لدينا كلمات تعبّر.. إذا كنت تقبلين أن نلتقي لنبكي فمرحبًا أمّا الكلمات فجلال الموت أخرسها" كانت هذه كلمات أحد الأصدقاء الفلسطينيين المقيمين في تونس عندما تواصلت معه بخصوص تقرير حول متابعته لما يحصل في قطاع غزة. 

كانت إجابة تغني عن مئات الكلمات. إجابة تجعلك تتساءل: "إذا كان الأهل في القطاع يبادون فكيف يكون إحساس البعيد المراقب للأحداث وهو لا يملك أيّ فرصة لمواساتهم أو حتى لملمة أشلائهم؟".

بعد عشرة أيام من انطلاق العمليّات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، أصبحت الأخبار اليومية تتلخص في تحيين أرقام الشهداء أو رصد المواقف الدوليّة أو إجراء قراءات ميدانية لما يحصل وما سيحصل. وبين هذا وذاك يشتدّ وطيس المعارك وتزداد بشاعة المشاهد وترتفع أصوات المنادين بالإغاثة، فهل من مجيب؟

سؤال يطرحه المئات من الفلسطينيين المتواجدين في تونس والذين يتابعون الأحداث من خلال الشاشات وقلوبهم معلّقة على أعتاب وطن يباد. "الترا تونس" تواصل مع عدد منهم، فكان التقرير التالي.

 

  • "لما أضع رأسي على الوسادة أشعر أنني خنت القضية"

"لا أستطيع النوم ولا الأكل وكلّما أضع رأسي على الوسادة أشعر أني خنت وطني وخنت القضية" بهذه الكلمات عبّر الشاب محمد أبو جبل عمّا يشعر به منذ انطلاق عمليّة طوفان الأقصى. 

محمد أبو جبل (طالب فلسطيني في تونس) لـ"الترا تونس": "لا أستطيع النوم ولا الأكل وكلّما أضع رأسي على الوسادة أشعر أني خنت وطني وخنت القضية"

اضطر محمد إلى مغادرة الأهل والديار في غزة والاستقرار في تونس بسبب الأوضاع الخانقة هناك. ومنذ سنتين انطلقت رحلته في معهد الصحافة وعلوم الإخبار في تونس لتحقيق حلمه بأن يصبح يومًا ما صحفيًا قادرًا على إيصال معاناة أهله وإيصال صوتهم للعالم. وتاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مفصليّ في حياة محمّد فقد انقلبت حياته رأسًا على عقب وجافاه النوم وانطفأ بريق عينيه لما تصله من مشاهد مفزعة من حيّه الذي ترعرع فيه.

 

صورة
محمد أبو جبل طالب فلسطيني بمعهد الصحافة في تونس 

 

تحدّث محمّد لـ"الترا تونس" عما يعيشه من ألم في هذه الأيام قائلًا: "طوفان الأقصى جاء بعد ما عشناه من غل وحصار خانق لأكثر من 17 سنة. تفاوضنا مع كل الحكومات السياسية وطلبنا منهم المساعدة، أخبرناهم بأننا نعيش بلا ماء ولا كهرباء وأننا محاصرون ولا مستقبل لنا في غزة.. شبابنا يهاجر والقدس تغتصب، لكنّهم فعلوا كل ما في وسعهم لاندثار القضية"، مضيفًا أنّ ما يحصل جريمة لم توصف حتى في كتب هتلر، وفقه.

ويؤكّد الطالب الفلسطيني أنّ إبادة جماعية تحصل في القطاع وذلك بتدمير المدن السياحية والمكاتب والجامعات والمدارس وبيوت العزّل الذين لا علاقة لهم بالحرب.

 

 

ويضيف أبو جبل بصوت خانق ومرتجف: "أهلي وجيراني هُجّروا، لأنهم متواجدون في شمال القطاع حيث تتركز القذائف المميتة على المدينة. لقد  فقدت يومًا ما أحد إخوتي حين استشهد في الحرب وأنا أخشى اليوم أن أفقد أهلي". 

محمد أبو جبل (طالب فلسطيني في تونس) لـ"الترا تونس": غزّة تباد جماعيًّا وأنا هنا أعيش حالة نفسية قاتلة بعيدًا عن أهلي لأنني لا أستطيع أن افعل شيئًا

وعن آخر المعلومات التي وصلته من أهله، يقول محدّثنا إنّ آخر الأخبار منهم تشير إلى أنّ جيش الاحتلال طمس الهويّة وقَبَر عديد العائلات من جيرانه ومحاهم من السجل المدني،  كما دمّر كلّ شيء واختفت مظاهر الحياة في حيّهم واندثرت ضحكات الأطفال في الشوارع والحارات.

أما عن حالته النفسية في هذه الفترة يقول: "غزّة تباد جماعيًّا وطُلب من متساكنيها التهجير القمعي وأنا هنا بعيد عنهم أعيش حالة نفسية قاتلة لأنني لا أستطيع أن افعل شيئًا. خرجت في المظاهرات وتحدّثت لوسائل الإعلام، لكن هناك شيء يقتلني من الداخل، فهناك أمي وأبي وأهلي وأخوتي وجيراني"، مؤكّدًا أنّ الكوابيس تلاحقه منذ أن شاهد فيديو استشهاد رفيق طفولته خلال هذه العمليّة.

وفي رسالة وجهها للمجتمع الدولي، يقول محمّد: "هذه الحرب مختلفة عن سابقاتها والتصريحات لوحدها غير كافية، فغزّة تنادي والعرب نيام. أيّ عروبة هذه. ويا لخذل وعار كلّ من طبّع وتواطأ وكان ضدّنا".

 

  • "طوفان الأقصى" فتح لنا باب الأمل على مصراعيه 

 

يتابع الدكتور سيف الدين فرحة، أصيل محافظة سلفيت بالضفة الغربية، لحظة بلحظة ما يدور من أحداث متسارعة النسق بفلسطين سواء عن طريق أهله بالضفّة أو أصدقائه بغزّة بالإضافة إلى ما تنقله الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي من أخبار. ورغم تواجده بتونس منذ 11 عامًا، إلّا أنّه يعيش الوضع وكأنّه في وطنه.

سيف الدين فرحة (دكتور فلسطيني مقيم بتونس): تونس هي الدولة العربيّة الوحيدة التي كان موقفها قويًّا وجريئًا في ظل الخضوع والتطبيع.. وبفضل ما رأيته من تضامن التونسيين لم أحسّ بالغربة

يؤكّد سيف الدين أنّ "هذه الحرب ليست كالحروب الماضية فقد فتحت باب الأمل لنصر قريب خاصّة وأنّ عمليّة "طوفان الأقصى"  أثبتت هشاشة وضعف العدو وأكدت أنه من السهل الانتصار عليه"، حسب تصوره.

ويشير محدّثنا إلى أنّه "رغم الأوضاع المخيفة فإنّه لا أحد في فلسطين يوجه أصابع اللوم إلى المقاومة لأنّ الشعب مُتأمّل في التحرر"، وفقه، مضيفًا أنّه "رغم التعب والإجهاد النفسي ورغم أخبار الاستشهاد اليومي للفلسطينيين فإنّ معنوياته عالية والكلّ على يقين أنّ ذلك فداء للقدس ولفلسطين".

 

صورة
الدكتور سيف الدين فرحة المقيم بتونس منذ 11 عامًا

 

وعن موقف الدولة التونسيّة، يشدّد الدكتور سيف الدين على أنّ "تونس هي الدولة العربيّة الوحيدة التي كان موقفها قويًّا وجريئًا في ظل الخضوع والتطبيع الذي يشاهده وفي ظلّ بعض المواقف العربية الفاشلة والخاضعة والذليلة"، وفق توصيفه، معتقدًا أنّ "تونس تفوقت بخطوات كبيرة في التفاعل مع القضية الفلسطينية".

كما يؤكّد أنّ مواقف زملائه وتفاعل الشارع التونسي لا يجعله يشعر بالغربة، مشدّدًا على فخره بكونه فلسطيني.

سيف الدين فرحة (دكتور فلسطيني مقيم بتونس): أدعو الشعب العربي ألّا يترك فلسطين بمفردها فقضيّتها هي قضيته.. وهذه الحرب طويلة وعواقبها ستغيّر خارطة الشرق الأوسط

ووجّه محدّثنا رسالة للشعب العربي الحر قائلًا: "لا تتركوا فلسطين بمفردها فقضيّتها هي قضيتكم، وعلى كلّ إنسان شريف سواء كان مسلمًا أو مسيحيًّا أو يهوديًا معتدلًا أن يساهم بالضغط بالكلمة والمواقف الرجولية والتبرعات. فهذه الحرب طويلة وعواقبها ستغيّر خارطة الشرق الأوسط. فلسطين قويّة بأهلها ومسانديها والنصر قريب.. فتحرّكوا".

 

 

  • "هو انتصار تاريخي لكن لا يمكن أن نتجاهل ما يحصل من عدوان"

أن تكون صحفيًّا ناقلًا للأخبار وفي نفس الوقت فلسطينيًّا فهذا يجعل متابعة ما يحصل من عدوان من قبل كيان الاحتلال أشدّ وطأة وألمًا، فأنت تعيش متوجّسًا وخائفًا من أن يكون الأهل أو الأصحاب خبرًا.

محمود بامية (صحفي فلسطيني بتونس): رغم ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان فهو صامد لوحده.. ومواقف الشعوب أعادت البوصلة لفلسطين بأنّ الموقف التونسي مشرّف شعبًا ورئاسة

وهذا ما يعيشه يوميًّا الصحفيّ ومراسل قناة "صوت فلسطين" بتونس محمود بامية حيث يؤكّد لـ"الترا تونس" أنّ مسؤوليّته مزدوجة وذلك بإيصال أخبار تونس للقناة وفي نفس الوقت تسهيل المهمّة للزملاء للتغطية الصحفية من الداخل الفلسطيني وهذا ما يجعله يعيش حالة من التوتّر والإرهاق والحزن، وفقه.

 

صورة
محمود بامية صحفي فلسطيني بتونس

 

وعن متابعته لعملية "طوفان الأقصى"، يقول بامية : "لقد فرحت كما الجميع بالعملية، لكنني كنت متوجّسًا من المستقبل وما سيأتي بعد هذه الفرحة. ورغم أنّه انتصار تاريخي للمقاومة، لكن لا يمكننا أن نتجاهل ما يحصل الآن من عدوان لم نشهده في الحروب السابقة"، مضيفًا أنّ مدنًا دُمّرت وعائلات بأكملها مُحيت من السجلّ المدني الفلسطيني ومع ذلك فإنّ الشعب الفلسطيني صامد لوحده"، على حدّ تعبيره. 

وشدّد محدّثنا على أنّ مواقف الشعوب أعادت البوصلة لفلسطين بأنّ الموقف التونسي مشرّف شعبًا ورئاسة، حيث أكّد تضامنه اللامشروط مع الشعب الفلسطيني وإقراره بحقّه في أرضه وإقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس.