فاجأت "طوفان الأقصى" أشد المتابعين للشأن الفلسطيني وتطوراته لكن المواقف التونسية، شعبيًا ورسميًا، من العملية "الحدث" خلال الأيام الأخيرة، لم تكن مفاجئة وكرّست ذات التضامن والدعم للقضية الفلسطينية.
- الموقف الرسمي.. استحسان واسع رغم الخلافات الداخلية
أعلنت الرئاسة التونسية، ليل السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن تونس تعبر عن وقوفها الكامل وغير المشروط إلى جانب الشعب الفلسطيني، مذكرة بأن "ما يُوصف بغلاف غزة هو أرض فلسطينية ترزح تحت الاحتلال الصهيوني منذ عقود ومن حق الشعب الفلسطيني أن يستعيدها وأن يستعيد كل أرض فلسطين، ومن حقه أيضًا أن يقيم دولته المستقلة عليها وعاصمتها القدس الشريف".
لاقى بيان الرئاسة التونسية حول عملية "طوفان الأقصى" تفاعلًا إيجابيًا على منصات التواصل الاجتماعي وحتى في صفوف المعارضة ورافقته دعوات لتفعيله عبر قانون يجرّم التطبيع
ودعت تونس، في ذات البيان، "كل الضمائر الحية في العالم إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وأن تتذكر المذابح التي قام بها العدو الصهيوني في حق شعبنا العربي في فلسطين بل وفي حق الأمة كلها".
وتابعت "على العالم كله ألا يتناسى مذابح العدوّ في الدوايمة وبلدة الشيخ ودير ياسين وكفر قاسم وخان يونس والمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي وغيرها، وعليه ألا يتناسى أيضًا مئات الآلاف من الذين هُجّروا من ديارهم وسُلبت منهم أراضيهم، عليهم أن يتذكروا هذه التواريخ وعليهم أن يعترفوا بحق المقاومة المشروعة للاحتلال ولا يعتبرون هذه المقاومة اعتداء وتصعيدًا".
ودعت، في سياق متصل، "المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته التاريخية لوضع حد للاحتلال الغاشم لكل فلسطين ولإمعان قوات الاحتلال الصهيوني في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني في تحد كامل لكل الشرائع الدينية والقيم الإنسانية".
ولاقى البيان الرسمي تفاعلًا إيجابيًا على منصات التواصل الاجتماعي وحتى في صفوف المعارضة لسياسات الرئيس قيس سعيّد.
- تحيين مساء الاثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023:
أعلنت الرئاسة التونسية، مساء الاثنين، عن عقد الرئيس التونسي اجتماعًا للتباحث "في سبل دعم الشعب الفلسطيني في المستوى الدبلوماسي وعلى المجال الصحي لا سيّما من خلال توفير ما يحتاجه شعبنا العربي في فلسطين من أدوية وأدوات جراحة والتبرع بالدم، بالإضافة إلى توجيه مولدات كهربائية ميدانية خاصة بعد قطع التيار الكهربائي على جزء كبير من قطاع غزة".
الرئاسة التونسية: التباحث حول إمكانية نقل عدد من الجرحى الفلسطينيين إلى تونس، علاوة على إمكانية توجيه إطارات تونسية طبية وشبه طبية مختصة إلى فلسطين
وورد في بيان الرئاسة، أن الاجتماع ضم أيضًا رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني ووزير الدفاع الوطني عماد مميش ووزير الخارجية التونسية نبيل عمار ووزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي ووزير الصحة علي مرابط والوزير المستشار لدى رئيس الجمهورية مصطفى الفرجاني ورئيس منظمة الهلال الأحمر التونسي عبد الطيف شابو.
وقد جرت اتصالات بين الهلال الأحمر التونسي والهلال الأحمر الفلسطيني لتحديد ما يحتاجه الفلسطينيون، وفق ذات البيان، كما تم "التعرض إلى إمكانية نقل عدد من الجرحى الفلسطينيين إلى تونس، علاوة على إمكانية توجيه إطارات تونسية طبية وشبه طبية مختصة إلى فلسطين".
- مظاهرات شعبية وحزبية للدعم والتضامن
تعددت التحركات التضامنية في تونس، بين مساء السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي يوم انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، ويوم الأحد الثامن من ذات الشهر، إذ اجتمع العشرات أمام المسرح البلدي في تونس العاصمة، الأحد، بدعوة من تنسيقية القوى الديمقراطية التقدمية وهو ائتلاف حزبي معارض في تونس، يضم أحزاب التيار الديمقراطي وحزب العمال والتكتل وحزب القطب.
ورفع الحضور شعارات من بينها "شادين شادين في تحرير فلسطين"، "فرنسيس وأمريكان شركاء في العدوان"، "غزّة غزّة رمز العزّة"، "المجد للمقاومة لا صلح ولا مساومة"، "جرّم جرّم التطبيع يا حكومة التجويع".. وغيرها من الشعارات.
تضمنت التحركات التضامنية في تونس دعوات للسلطات لسن قانون يجرّم التطبيع مع إسرائيل مع التشديد على الحق الفلسطيني والمطالبة بإعادة فتح اللجنة التي سبق تكوينها للتقصي في من قام باغتيال محمد الزواري
وتضمن التحرك كلمات لعدد من السياسيين من بينهم حمة الهمامي، أمين عام حزب العمال ووسام الصغيّر، الناطق باسم الحزب الجمهوري، وأجمعت الكلمات على دعوة السلطات التونسية إلى سن قانون يجرّم التطبيع مع إسرائيل، معتبرين أنه أقل ما يمكن تقديمه كمساندة للنضال الفلسطيني وأن الشعارات والبيانات الرسمية غير كافية، ومشددين على الحق الفلسطيني في المقاومة واسترجاع أراضيه المحتلة.
كما تعرض البعض في مداخلاته للجنة التي سبق تكوينها منذ سنوات للتقصي والبحث في من قام باغتيال الشهيد محمد الزواري، مطالبين بإعادة فتحها ومتابعة أعمالها خاصة أن الاتهامات لم توجه للجهة التي قامت باغتياله في تونس منذ سنوات.
وكانت قد انطلقت التحركات التضامنية منذ مساء السبت، إذ انتظمت في العاصمة التونسية وقفات تضامنية، دعمًا ومساندة للشعب الفلسطيني. ومن ذلك تنظيم جبهة الخلاص الوطني (ائتلاف أحزاب وشخصيات معارضة في تونس)، وقفة تضامنية أمام مقرّ الحزب الجمهوري بساحة ميّة الجريبي "تفاعلًا مع الملاحم التي تسطّرها المقاومة الفلسطينيّة البطلة على الأرض الفلسطينيّة المحتلّة"، وفق ما نصّت عليه في بلاغ الدعوة للوقفة.
اعتبر نشطاء تونسيون أن عملية "طوفان الأقصى" لم تكن موجهة فقط نحو الاحتلال بل أيضًا نحو كل مشاريع التطبيع والخيانة في المنطقة"
ورُفعت خلال هذه الوقفة التضامنية الراية الفلسطينية وشعارات تدعم المقاومة وتنادي بتحرير فلسطين. ومن المداخلات خلال الوقفة، ما قاله المحامي والناشط السياسي سمير ديلو، الذي اعتبر أن "العملية التي انطلقت من غزة برًا وبحرًا وجوًا لم تكن موجهة نحو الاحتلال فقط بل أيضًا نحو كل مشاريع التطبيع والخيانة في المنطقة"، وفقه.
وبالتوازي مع الوقفة التي نظمتها جبهة الخلاص الوطني، نظمت "الشبكة التونسية للتصدي لمنظومة التطبيع"، مسيرة جابت شارع الحبيب بورقيبة، ووقفة تضامنية أمام المسرح البلدي بتونس العاصمة، مساء السبت أيضًا، أين رُفعت شعارات من بينها: "الشعب يريد تجريم التطبيع"، "يا مطبّع يا جبان فلسطين لا تهان"، "التحرّر والحرّية بالمدفع والبندقية"، "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين"، وغيرها من الشعارات.
- الأحزاب والمجتمع المدني التونسي.. بيانات وتحركات و"السقف عال"
انطلاقًا من ظهر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تتالت البيانات والتفاعلات من الأحزاب والائتلافات الحزبية والجمعيات والمنظمات التونسية تجاه عملية "طوفان الأقصى" ولم يتردد تقريبًا أي طرف فاعل في المشهد التونسي الحالي في إبداء رأيه ودعمه ما عدا قلة قليلة.
ومن الأحزاب التي أصدرت بيانات دعم وتضامن، نذكر: تنسيقية القوى الديمقراطية التقدّمية (التيار الديمقراطي والتكتل من أجل العمل والحريات والقطب وحزب العمال)، حركة الشعب، حركة النهضة، الحزب الجمهوري.. الخ. ومن الجمعيات والمنظمات التونسية، نذكر: الاتحاد العام التونسي للشغل، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمعية القضاة التونسيين، الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، الجمعية الوطنية لغرف عدول الإشهاد وغيرها.
أجمعت بيانات الأحزاب والجمعيات التونسية على اعتبار العملية ردًا شرعيًا على عدوان الاحتلال مذكرين بالانتهاكات الإسرائيلية لعقود والتي تضاعفت خلال الفترة الأخيرة
وأجمعت مختلف البيانات على اعتبار العملية "ردًا شرعيًا على عدوان الاحتلال وردًا مبررًا للمقاومة" مذكرين بالانتهاكات الإسرائيلية لعقود والتي تضاعفت خلال الفترة الأخيرة. كما تضمنت معظم البيانات "دعوة للتونسيين للخروج للشوارع لدعم معركة "طوفان الأقصى" والاستعداد لتصعيد هذه المساندة وتطويرها". وتم التعرض من جديد لضرورة فرض قانون يجرّم كل أشكال التطبيع وعدم الاكتفاء بالخطب والشعارات والذهاب نحو أفعالٍ ملموسة.
جدير بالذكر أن فجر السبت قد شهد إعلان انطلاق ما أُطلق عليه معركة "طوفان الأقصى" ووُجهت آلاف الصواريخ نحو مستوطنات غلاف غزة وعسقلان وتل أبيب والقدس ومناطق أخرى داخل الخط الأخضر ودخل مقاتلون من "كتائب القسام" لمستوطنات الغلاف ومواقع عسكرية، ووصفت العملية بالمفاجئة وبكونها أكبر هجوم على إسرائيل منذ عقود.