12-يونيو-2020

أشكال التوتر في البرلمان هي وقود إضافي لمشاريع الخراب (ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

مقال رأي



ما من شك أن انتخابات 2019 أرست على خارطة برلمانية شديدة التشتت والتعقيد لكن ذلك لم يكن حدثًا جديدًا بما أن كل برلمانات ما بعد الثورة قد طغى عليها طابع التشتت، وقد كان ذلك عين المقصد من القانون الانتخابي الذي نسجته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي أو ما اصطلح عليها بـ"هيئة بن عاشور".

لكن الجديد في برلمان 2019 هو توسّع هامش الاختلاف بين مكوناته بدخول مكونين قُصوَوِيّينِ متناقضين هما ائتلاف الكرامة من جهة والحزب الدستوري الحر من جهة أخرى، وهو ما فاقم من هامش الخلاف والتباعد وعدم الانسجام بين الكتل النيابية.

شروخ البرلمان توازيها شروخ في عمق المجتمع التونسي ذاته

غير أن أي تحليل يردّ كل ما وقع إلى أنه ظاهرة برلمانية صِرفة، يبقى بعيدًا عن الوجاهة، إذ لا يخفى أن نواب الشعب إنما أتى بهم الشعب ذاته بإرادة حرة لا يرتقي إليها شك، وهو ما يشي إلى أن شروخ البرلمان توازيها شروخ في عمق المجتمع التونسي ذاته. ولعل إطلالة قصيرة على أحاديث الناس في مقاهي البلاد تؤكد هذا المنحى.

لكن ما سبق لا يبعد المسؤولية عن نواب الشعب، فهم لا شك من النخب التي تضطلع لا فقط بمهمة تمثيل العامة إنما بالخصوص في توجيهها وقيادتها. فما وقع تحت قبة البرلمان إبان مناقشة اللائحتين لا يمكن إلا أن يصنف ضمن مربع الانفلات بدون مبالغة، فسلوك النواب وخطابهم، وكذلك مواقف الكتل لم ترق إلى انتظارات الناخبين ناهيك عن انزياحها عن معالجة القضايا الملحة وتعطيلها للأدوار الأساسية للبرلمان.

اقرأ/ي أيضًا: الحكومة بين الصراع الليبي والاعتذار الفرنسي

فلئن كان الفصل 141 للنظام الداخلي قد شرع اعتماد اللوائح بعد المصادقة عليها في الجلسة العامة، فإن هذه اللوائح لا تكتسي طابع الإلزام، وبالتالي فإن مجرد الإسراف في اعتماد اللوائح يعتبر إلهاءً وتعطيلًا لأعمال المجلس الأصلية. ولا نكاد نتصور أن خمس سنوات كاملة ستمر على نفس الوتيرة إذ سيكون أكبر من طاقة احتمال الشعب بنخبه وعامته على حد سواء.

و من المهم الإشارة إلى أن إرادات الكتل تختلف بل هي تتناقض فيما هي تصِرّ على مثل هذا الأداء لكنها في المحصلة تلتقي في خانة ترذيل العمل النيابي وفي النزول به تحت سقف الحدود الدنيا التي تسمح للمتابع بمشاهدة البث المباشر دون أن تنتابه حالة الشد العصبي والغثيان. ذلك أن مشهد الفيراج (خطابًا وهيئةً) الذي أصبحنا نتابعه تحت قبة باردو ليس في وسعه إلا أن يرسل رسائل قاتمة للشعب، والأخطر أنه يقدم خدمة جليلة إلى كل من أراد بالبلاد شرًا وفي طليعتهم أولئك الذين يخططون لهدم المعبد على من فيه، ومن هو بصدد التخطيط لقلب منوال الحكم والعودة إلى هيمنة القصر سيئة الذكر والذكرى.

لا يمكن أن تكون حرب اللوائح الأخيرة إلا هدايا ثمينة لمن يستهدف التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس

وعند هذا المستوى، تجدر بنا استعارة الاستفهام البوليسي الشهير "من المستفيد من الجريمة؟". إن حرب اللوائح الأخيرة لا يمكن إلا أن تكون هدايا ثمينة لمن يستهدف التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس، فكل شكل من أشكال التوتر والإرباك سواء كان تحت قبة البرلمان ذاتها أو بين أقطاب الحكم الثلاثة لا يمكن إلا أن تكون وقودًا إضافيًا لمشاريع الخراب التي لم تتوقف عن حبكها الغرف المظلمة الإقليمية والمحلية.

والطريف أن الحل الجذري لكل ما يجري في الجلسات العامة بسيط ولا يتطلب كبير عناء، إذ يكفي التوصل إلى قرار واحد لتَتَغيّر الصورة فتنتفي المناكفات وتصبح الأشغال أكثر سلاسة، فقط قرار جريء بإلغاء البث التلفزي المباشر فينزع الفتيل من تحت قبة البرلمان، وقد تجدنا سريعًا في بر الأمان. 

 

اقر/ي أيضًا:

ليلة البرلمان الطويلة.. هل أصبحت حكومة المستحيل؟

مطالبة فرنسا بالاعتذار.. حقّ واستحقاق