07-يونيو-2020

آليات جديدة للصراع بوجوه مكشوفة وبلا قفازات (ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

مقال رأي

 

مرت ليلة برلمان تونس الطويلة وأبان صبحها عن مشهد شديد الإرباك، ليلة السكاكين الطويلة سيكون لها ما بعدها حتمًا، وستكشف عن آليات جديدة للصراع بوجوه مكشوفة وبلا قفازات. لم تمر لائحة الدستوري الحر لكنها استطاعت أن تجمع ما يزيد عن التسعين نائبًا بما في ذلك نواب حركة الشعب و"تحيا تونس"، ولم يكن يفصل اللائحة عن الأغلبية سوى أصوات قليلة وهو ما من شأنه أن يغير المعادلة لا فقط تحت قبة البرلمان وإنما بالخصوص داخل أسوار القصبة.

لن يتأخر الصدى بالوصول إلى الائتلاف الحكومي وهو ما سيجعل من حكومة الضرورة تتحول حتمًا إلى حكومة المستحيل. وما تأجيل الإمضاء على وثيقة التضامن الحكومي سوى مؤشر أوليّ لأزمة حكومية عميقة قد تعصف بالفريق الحكومي وتقطع شعرة معاوية التي راهن عليها الفخفاخ للملمة شتات الأحزاب.

لن يتأخر الصدى بالوصول إلى الائتلاف الحكومي وهو ما سيجعل من حكومة الضرورة تتحول حتمًا إلى حكومة المستحيل

" سجل يا تاريخ"، هكذا ختمت عبير موسي مداخلتها الطويلة في جلسة الحوار مع رئيس المجلس وقد يسجل التاريخ فعلًا أن تلك الليلة ستكون فارقة من جهة كونها أعادت خلط الأوراق السياسية في سياق العودة إلى الاستقطاب الحاد بين معسكرين متناقضين. وتؤكد آخر استطلاعات الرأي هذا التوجه (سبر أراء "سيغما كونساي": حركة النهضة 24.3 في المائة يليها الدستوري الحر 22.2 في المائة). ولعل الصورة التي نشرها النائب حسونة الناصفي بُعيد الجلسة العاصفة والتي ضمت نوابًا من كتلة الدستوري الحر وآخرين من كتلة "تحيا تونس" بالإضافة إلى الكتلة الوطنية تشي بشكل التحالف القادم خاصة وأن النائب المذكور ذيل الصورة بتعليق جاء فيه "فرقتنا الأحزاب وجمعنا الوطن.. وللحديث بقية".

اقرأ/ي أيضًا: سقوط لائحة الدستوري الحر.. عن الانتصارات التي تشبه الهزائم

ومهما يكن شكل التحالفات القادمة، لن يكون الائتلاف الحكومي القائم في منآى عن الزلازل والارتدادات وهو ما قد يدفع إلى مزيد من تأزيم الأوضاع وإرباك مشاريع الحكومة إن كتب لها أن تواصل لأشهر أخرى. ولقد أصبح من الجلي جدًا أن بعض قطع بازل (puzzle) المشهد السياسي موجودة خارج البلاد، وأن ما يطبخ في بعض عواصم الإقليم، وما يجري على الأرض خاصة في القطر الليبي الشقيق نجد له ارتدادات مباشرة في المشهد التونسي تمامًا كما كان الحال بُعيد انقلاب السيسي في أرض الكنانة صائفة 2013 إذ سرعان ما ذكى الرغبة في استنساخ التجربة في تونس، وأدى في النهاية خاصة بعد تكرر الاغتيالات السياسية إلى استقالة حكومة علي العريض (جانفي 2014) وتعيين حكومة تكنوقراط بقيادة المهدي جمعة.

ولا يلزمنا كبير عناء كي نتوصل إلى البت بأن ما وقع ويقع وما قد يقع مستقبلًا ليس سوى زاوية صغيرة من قطعة شطرنج كبيرة تمتد عبر أغلب عواصم المجال العربي، وأن الفاعلين الكبار فيها هم من يحدد شكل المعركة وامتدادها الزمني والجغرافي، وأن بعض من ارتفع صوتهم هذه الأيام لن يغادروا موقع الكومبارس في فلم هيتشكوكي تخرجه عقول هوليوودية محترفة.

لم تغادر تونس مربع الهامش ويكاد يفوتها قطار التسوية إن لم يجتهد الجميع بعقل بارد في اقتطاع التذكرة الأخيرة في الوقت بدل الضائع

وبالعودة إلى ليلة البرلمان الطويلة، ليس من الصدفة أن تكون نقطة الخلاف الوحيدة حول اللائحة المقترحة هي ذكر دول دون غيرها من الدول العديدة التي تتدخل اليوم مباشرة في الصراع الدائر في ليبيا و بشكل معلن لا لبس فيه. والطريف أن القادح الوحيد لماراطون الجلسة الصاخبة كان مجرد مكالمة هاتفية بين الغنوشي والسراج، والحال أن هذا النوع من المكالمات قد تكرر بشكل لافت في الساعات الأخيرة بين أغلب زعماء العالم وبين السراج خاصة بعد اكتساح جيشه لكامل مناطق الغرب الليبي والانهيارات المتتالية لحفتر.

وما دامت "السياسة استمرارًا للحرب بطرق أخرى" كما يقول كلاوزفيتش، فهل أن تطور الأوضاع على الأرض سيغير من مواقف بعض رجال السياسة في تونس في اتجاه مزيد من البراغماتية وجعل مصلحة البلاد بوصلتهم الوحيدة أم أن طوفان الأيديولوجيا سيعصف بما تبقى من مصالح تونس خاصة وأن ليبيا مقدمة على مشاريع إعادة إعمار كبرى وأن ترتيبات ما بعد حفتر جارية الآن على قدم وساق بين الفاعلين السياسيين الدوليين والإقليميين؟ في الأثناء، لم تغادر تونس مربع الهامش ويكاد يفوتها قطار التسوية إن لم يجتهد الجميع بعقل بارد في اقتطاع التذكرة الأخيرة في الوقت بدل الضائع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مطالبة فرنسا بالاعتذار.. حقّ واستحقاق

هل كان الحبيب بورقيبة عنصريًا؟