26-نوفمبر-2019

جمعية "Club Doggu'in" تطلق أول مكتبة عمومية في تونس تحت إشراف المجتمع المدني

 

أن يكون في محيطك مكتبة عمومية فإنك لا محالة ستنجذب إلى بساتين معرفتها وحدائق آدابها وفنونها، فتبني معك عقلًا متفتّحًا ومنفتحًا على الثّقافات والحضارات، وبنّاء ومعاونًا ومساهمًا في التغيير نحو الأفضل. وقد رافقت المكتبة العمومية في تونس ولأكثر من قرن من الزمن أجيالًا من التلاميذ والطلبة والباحثين وعموم المواطنين، وكانت فناء أحلامهم الصغيرة وسندهم خلال الدراسة والبحث وأوقات الفراغ فمنحتهم فضاءات التلاقي وما توفر من أرصدة الكتب الأدبية والمصنفات الدينية والتراجم والموسوعات والعناوين العلمية والصحف والمجلات المتنوعة.

رافقت المكتبة العمومية في تونس ولأكثر من قرن من الزمن أجيالًا من التلاميذ والطلبة والباحثين وعموم المواطنين، وكانت فناء أحلامهم الصغيرة وسندهم خلال الدراسة والبحث وأوقات الفراغ

اقرأ/ي أيضًا: "جرجيس تقرأ" و"شانطي المحطة".. شباب يزرع المكتبات من الجنوب إلى الشمال

وتنامى عدد المكتبات العمومية في تونس، على مر العقود، ليصل إلى 433 مكتبة عام 2018، ولكن يظل هذا الرقم شحيحًا إن بسطنا الخارطة الوطنية للمؤسسات الثقافية أمام متطلبات الجهات وحاجيات القرى البعيدة من مكتبات وغيرها. وهو نقص يستلزم تدخّل ملحًا من وزارة الشؤون الثقافية على اعتبار أن الحق في الثقافة من الحقوق الدستورية.

وبالرجوع لأرقام المعهد الوطني للإحصاء سنة 2018، بلغ عدد زوار المكتبات العمومية التونسية 3.7 مليون زائر 92 في المائة منهم من التلاميذ والطلبة والشباب عامة، وهو رقم يؤكد حجم الإقبال على المكتبات رغم نقص عددها. كما يبين أهميتها كمرفق عمومي ثقافي في المجتمع ييسّر التعايش السلمي، ويساهم في نشر القيم الحضارية المحلية والكونية، ويساعد على درء المخاطر والظواهر الطارئة منها العنف بكل تجلياته.

لم يرض شباب "دقة" بغياب مكتبة عمومية بمنطقته فأنشأ أول مكتبة عمومية في تونس يشرف عليها المجتمع المدني بدل الدولة

ورغم ذلك، لم تنل بعض الجهات في تونس نصيبها كاملا من المرافق العمومية الثقافيّة وظلت تابعة لمدن مجاورة مثل مدينة "دقّة" من ولاية باجة، شمال غربي تونس، التي بقيت تابعة لمدينة "تبرسق" التي تبعد عنها قرابة 10 كيلومترات، ليتكبّد شباب "دقّة" عناء التنقل للمكتبة العمومية بتبرسق مما يؤثر على نسق تلقي المعرفة.

لكن شباب مدينة دقة انتفض على الوضع السائد ولم يرض بغياب مكتبة عمومية بمنطقته بإنشاء أول مكتبة عمومية في تونس لا تشرف عليها الدولة بل يشرف عليها المجتمع المدني لتُبعث هذه المكتبة الفريدة من نوعها من أروقة نادي "دقي يين" (Club Doggu'in).

آخر الأعمال التحضيرية قبل افتتاح المكتبة العمومية 

 

وهو ناد ثقافي تأسس في المدينة سنة 2019 يهدف إلى نشر الثقافة البيئية والمواطنية وتكريس قيم الفنّ عبر بعث شبكة من النوادي المدرسية المتعددة الاختصاصات والمتلائمة مع أهداف التأسيس وذلك مع إنجاز تظاهرات ثقافية وفنية يستفيد منها أبناء الجهة. وفي هذا الجانب، حوّل أعضاء النادي الذي تترأس مكتبه الشابة إيمان وسلاتي الحلم إلى حقيقة بإنشاء مكتبة عمومية غير مدعومة من الجهات الرسمية.

رحمة السياري (المكلف بالإعلام في نادي "Club Doggu'in"):  فكرة إنشاء المكتبة انطلقت من ضيم وألم يشعر به أبناء المدينة منذ عقود بحرمانهم من مكتبة عمومية تليق بهم رغم التوسع الجغرافي بالجهة

تقول رحمة السياري عضو " نادي دقي يين"، المكلفة بالإعلام والاتصال في الجمعية لـ"ألترا تونس"، إن فكرة إنشاء المكتبة انطلقت من ضيم وألم يشعر به أبناء المدينة منذ عقود بحرمانهم من مكتبة عمومية تليق بهم وذلك رغم توسّع النسيج الديمغرافي بالجهة. وأضافت أن التنقل لمكتبة مدينة تبرسق هو "مزعج وشاق خاصة في فصل الشتاء لعدم توفر نقل حضري منتظم وهو ما يجعل الأولياء لا يوفدون أبنائهم للمكتبة المجاورة مما ينعكس سلبًا على أدائهم الدراسي وتنمية مهاراتهم الثقافية".

رحمة السياري المكلفة بالإعلام والاتصال خلال نشاط للجمعية

 

شاهد/ي أيضًا: فيديو: بيت البناني.. مكتبة تراثية من عبق التاريخ

وبينت محدثتنا أنّ فكرة بعث المكتبة لاقت رواجًا كبيرًا في وقت قياسي لدى كافة المواطنين في مدينة خاصة وخاصة في صفوف الطلبة والتلاميذ ومربي الجهة، ومثلت المبادرة "نوعًا من الهبّة الشعبية والشبابية ساهم في إذكائها الترويج الذي قام به الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك" وفق تأكيدها.

وأكدت المكلفة بالإعلام والاتصال في نادي "دقي يين" أن النادي تلقّى العديد من الوعود الجادة لدعم مشروع المكتبة العمومية خاصّة من أبناء دقة المقيمين بالخارج، مشيرة إلى أن أغلب التبرعات والهبات التي وصلت حتى الآن هي من الكتب العلمية والأدبية وكتب الأطفال ورسائل ختم الدروس الجامعية.

من التبرعات والهبات لإثراء المكتبة العمومية الجديدة

 

وذكرت، في ذات السياق، أن التبرعات شملت أيضًا مقرّ "المكتبة الحلم" مضيفة أن النادي شكّل فريق عمل لقيادة المشروع وإنجاز كافة مراحله بكل عناية ليكون الافتتاح الرسمي لأول مكتبة عمومية تونسية غير مدعومة من الجهات الرسمية يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.

وختمت رحمة السياري حديثها لـ"ألترا تونس" أن "نادي دقي يين" إلى جانب أنشطته الدورية مثل حملات التنظيف والورشات التوعوية سيخصّص مشروعه القادم لتثمين الحنفية العمومية وتغييرها إلى نافورة لتزيين المدينة، إضافة للعناية بالحدائق والفضاءات الخضراء.

لا تزال تنتظر مدينة "دقة" تثمين الموقع الأثري بالمدينة الذي صنفته اليونسكو كتراث إنساني منذ سنة 1997 وبقي بلا عناية وبلا اهتمام اقتصادي يعود بالنفع العام على المدينة ومواطنيها

إن مدينة "دقة"، التي تقف في شموخ بكامل زينتها على المدخل الشرقي للشمال الغربي، والتي انبرى شبابها وأهلها لبعث مكتبة عمومية تعود بالنفع الثقافي على الأجيال القادمة، مازالت أمامها مهمات ثقافية صعبة لعل أهمها تثمين الموقع الأثري بالمدينة الذي صنفته اليونسكو كتراث إنساني منذ سنة 1997، وبقي بلا عناية وبلا اهتمام اقتصادي يعود بالنفع العام على المدينة ومواطنيها.

ولازال ينتظر مواطنو "دقة" أيضًا إعادة الحياة للمسرح الأثري الذي وقف على خشبته كبار المسرحيين التونسيين والعرب مثل علي بن عياد ودريد لحام، وكذلك الدفاع عن موقع دقة ضمن المسالك السياحية في ظل الإمعان في إقصاء أغلب المواقع والمعالم بالشمال الغربي ضمن سياسات احتكار للسياح يقوم بها أباطرة السياحة في تونس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دكاكين الكتب القديمة في "الدباغين".. أرشيف لحفظ الذاكرة

كنوز ورقية.. عن حكايات "كتب الفريب" القادمة من وراء البحار