14-أغسطس-2019

تعتبر ولاية باجة المنتج الأول لعباد الشمس في تونس (صورة تقريبية/ إريك كابانيس/ أ ف ب)

 

مرّت أكثر من خمس سنوات على بداية أزمتها، حتى خلنا أنّها لن تباع في الأكشاك مجددًا، وأنّها لن توشح أراضي ولاية باجة باللون الأصفر مرّة أخرى. تلك الزهرة التي كانت تزيّن مئات الهكتارات من الأراضي الفلاحية في عدّة ولايات بالشمال.

هي زهرة "عباد الشمس" أو كما تسمى أيضًا "دوار الشمس"، التي تتميّز بلونها الأصفر، وهي تتبّع بوجهها وجهة الشمس أينما تحوّلت على مدى اليوم، لتنكمش على حباتها السوداء بحلول الليل. وتزرع عادة في أواخر فصل الربيع على أن يتم جمعها بعد ثلاثة أشهر من زراعتها.

حسب وزارة الفلاحة، تراجعت المساحات المزروعة من عباد الشمس من 9.740 هكتارًا سنة 2013 إلى 3.585 هكتارًا في حدود سنة 2016

بدأت أزمة زراعة عباد الشمس ومعها معاناة الفلاحين منذ سنة 2013 بعد السماح بتوريد "البذور البيضاء التركية"، أو كما تسمى "بقلوب تركيا" بطريقة قانونية أو عشوائية، مما أدّى إلى تقهقر مساحات غراسة عباد الشمس السوداء، وركود الإنتاج المحلّي وإلى خسائر كبيرة للفلاحين، وفقدان آلاف مواطن الشغل خاصة في باجة وجندوبة وبنزرت، والتي كانت أكثر الولايات إنتاجًا لهذه النبتة. وبحسب وزارة الفلاحة فقد تراجعت المساحات المزروعة من9.740 هكتارًا سنة 2013 إلى 3.585 هكتارًا في حدود سنة 2016.

اقرأ/ي أيضًا: صابة الحبوب في سليانة.. فرحة الإنتاج الوفير نغصتها مشاكل النقل والتخزين

 

بدأت أزمة زراعة عباد الشمس ومعها معاناة الفلاحين في هذا القطاع منذ سنة 2013 (مريم الناصري/ ألترا تونس)

 

بشير الوشتاتي (41 سنة)، أحد الفلاحين بولاية باجة، وكان من بين أكثر الفلاحين زراعة لهذه النبتة. يقول لـ"ألترا تونس" إنّه انقطع عن زراعتها منذ سنة 2015 إثر تكبده خسائر كبيرة بسبب عدم قدرته على ترويج محصوله في السوق المحلّية، بعد أن غزت "قلوب تركيا" الأسواق والأكشاك التونسية. وقد أتلف جميع محصوله في المخازن بعد أن ظلت أكثر من سنة دون ترويج. وأشار إلى أنّ بعض الفلاحين بالجهة هجروا زراعة عباد الشمس ذي البذور السوداء إلى أخرى التركية البيضاء لكن بكميات قليلة جدًا.

لم يكن بشير الوشتاتي الفلاح الوحيد الذي تكبد خسائر على مدى السنوات الماضية بعد الفشل في ترويج المنتوج في الأسواق المحلّية، وذلك بسبب تفعيل البند الثاني من اتفاقية التبادل الحر بين تونس وتركيا، الموقعة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، والذى ينص على بعث منطقة للتبادل الحر في ظرف أقصاه 9 سنوات، إلى جانب مصادقة المجلس الوطني التأسيسي على القانون عدد 26 لسنة 2013 المتعلق بالمصادقة على معاهدة الصداقة والتعاون بين البلدين.

بدأت أزمة زراعة عباد الشمس ومعها معاناة الفلاحين منذ سنة 2013 بعد السماح بتوريد "البذور البيضاء التركية"

وقد وجهت انتقادات كثيرة إلى حكومة الترويكا بفتح باب التوريد من تركيا لعدة مواد ليست ضرورية ومن شأنها أن تهدر العملة الصعبة رغم عدم حاجة المستهلك التونسي إليها. وعلى الرغم من التوضيحات الصادرة في هذا الشأن من الحكومة، والتي أكدت أن هذه الاتفاقية قديمة وتعود إلى سنة 2004 وتنص على فتح منطقة للتبادل الحر في ظرف 9 سنوات، إلا أن منتجي عباد الشمس نفذوا عدة وقفات احتجاجية لإلغاء الاتفاقية التي أضرّت كثيرًا بمحاصيلهم، وفق تصريحاتهم.

وتشتهر تونس منذ سنوات بزراعة دوّار الشمس. وتستخرج منه الزيوت التي تستعمل للطهي وحتى بعض الزيوت التي باتت تستعمل في بعض مواد التجميل. وتوفر هذه الزراعة آلاف مواطن الشغل الموسمي الذي يبدأ منذ شهر ماي/ أيار إلى شهر أوت/ آب. إذ ينطلق الموسم بزراعتها ثمّ الاهتمام بها وحراستها من العصافير، ثمّ قطافها وانتزاع الزهرة الصفراء وعرضها لأشعة الشمس لتجفّ، ليقع في مرحلة أخيرة انتزاع البذور السوداء بسهولة عن طريق ضرب الزهرة بعصي صغيرة من الخشب، قبل أن يتم جمعها وتخزينها في أكياس كبيرة. وتشغّل تلك الزراعة أياد عاملة مختلفة من نساء ورجال وحتى أطفال، ولذا تمثّل موطن شغل موسمي هام.

وقد بدأت زراعتها بالتراجع نتيجة استيراد بعض زيوت عباد الشمس وترويجها بأسعار أقل من أسعار المنتوج التونسي، فيما تراجعت زراعة النبتة أكثر بعد استيراد "قلوب تركيا".

اقرأ/ي أيضًا: إنتاج فلاحي وفير.. الفلاح متضرر والمستهلك غير مستفيد

تعتبر ولاية باجة المنتج الأول لعباد الشمس في تونس (مريم الناصري/ ألترا تونس)

 

وتعتبر ولاية باجة المنتج الأول لعباد الشمس في تونس، إذ توفر 80 في المائة من كمية المنتوج الجملي. كما يبلغ عدد منتجيها حوالي 350 مزارع، أغلبهم من صغار الفلاحين أو أولئك الذين يستغلون أراضيهم العائلية الصغيرة. ورغم قصر مدّة زراعتها والعمل فيها حوالي ثلاثة أشهر فقط إلاّ أنّها توفر مواطن شغل هامة، إذ أنّ الهكتار الواحد يوفر ما بين 35 و40 يوم عمل، لذا تستقطب يدًا عاملة كبيرة بالجهة. كما تنتج ولاية جندوبة كميات بسيطة من هذه النبتة.

في هذا السياق، أكد رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين بباجة خليفة الشابي لـ"ألترا تونس" أن ولاية ولاية باجة تُعتبر من أكثر الولايات المنتجة لعباد الشمس منذ سنوات، موضحًا أنها كانت تنتج قرابة تسعة آلاف هكتار سابقًا إلا أن الإنتاج تراجع إلى 2500 هكتار فقط، لافتًا إلى أن زراعة عباد الشمس كانت توفر الشغل لمئات العمال إلا أن قدرتها التشغيلية تراجعت بشكل كبير وفقد بذلك المئات فرصة هامة لعمل موسمي.

وبيّن الشابي أنه رغم هذا التراجع إلا أن عشرات الفلاحين حافظوا على زراعتها ولو بكميات قليلة، مبرزًا أنها مازالت توزّع في السوق وتباع لمصانع صناعة الزيوت النباتية التي تستعمل في إعداد الطعام. وأفاد أن مساحات زراعة هذه النبتة بدأت ترتفع تدريجيًا بعد أن باتت تباع بكميات كبيرة لمصانع الزيوت متوقعًا أن ترتفع الصابة إلى أكثر من 3 آلاف طن هذه السنة.

رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين بباجة: حافظ بعض الفلاحين على زراعة عباد الشمس ولو بكميات قليلة وقد عادت مساحات زراعة هذه النبتة للارتفاع تدريجيًا مؤخرًا

ويقع توجيه نسبة بسيطة من المنتوج إلى محلات بيع المكسرات والأسواق، فيما تروج النسبة الأكبر إلى مصانع صنع الزيت، في المقابل تفتقر الجهة التي تعدّ المنتج الأول لهذه النبتة إلى مصنع لتحويلها لزيت نباتي.

ومن بين الفلاحين الذي عادوا إلى نبتة عباد الشمس، عبد الكريم الصالحي الذي انقطع عن زراعتها لمدة ثلاث سنوات، لكنّه عاد إليها هذا العام في باجة الشمالية، مشغلًا حوالي 150 شخصًا بين الزراعة والجمع والتخزين. وبيّن الصالحي في حديثه لـ"ألترا تونس" أنّه انطلق في جمع محصوله منذ بداية شهر أوت/ آب الجاري ليوزع الكمية على مصانع تحويلها إلى زيت نباتي، مبرزًا أنه لم يزرع مساحات كبيرة مخافة عدم القدرة على ترويجها.

يذكر أنّ سمير الطيب وزير الفلاحة أعلن في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 أنّه سيقع إيقاف توريد "القلوب البيضاء" (بذور عباد الشمس التركية) من تركيا بسبب الأضرار التي ألحقتها بالفلاحين التونسيين المتخصصين في زراعة عبّاد الشمس بباجة، مشيرًا إلى أنّه تم الاتفاق مع الطرف التركي بشأن هذا القرار.

وفي انتظار وضع خطة استراتيجية شاملة للنهوض بهذه الزراعة التي من شأنها توفير مواطن الشغل ومداخيل للدولة، تبقى نبتة عباد الشمس السوداء مهددة بالانقراض أمام تراجع الفلاحين عن زراعتها رغم تسجيل عودة البعض منهم إليها في الآونة الأخيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صابة الحبوب.. ما سلم من الحرائق قد يُتلف لعدم التخزين!

الجمعيات المالية.. حلول اجتماعية لدعم القدرة الشرائية في تونس