تأسرك بعظمتها الأخاذة وشكلها الدائري الممتد والشاسع جدًا، فتقف مدهوشًا في حضرة فسقية الأغالبة الواقعة في مدينة القيروان، وهي تمثل معلمًا تاريخيًا يمتدّ على نحو 12 هكتارًا، وبني خلال النصف الثاني من القرن التاسع.
فسقية الأغالبة الواقعة في مدينة القيروان هي معلم تاريخي يمتدّ على نحو 12 هكتارًا، وبني خلال النصف الثاني من القرن التاسع
-
فسقية الأغالبة.. أهم معلم هيدروليكي في التاريخ الإسلامي
تعدّ فسقية الأغالبة البركة الوحيدة المتبقية من بين 15 بركة كانت تقع خارج أسوار القيروان وتزوّد المدينة بالماء، وتعتبر هذه الفسقية أهم معلم هيدروليكي في تاريخ العالم الإسلامي.
شيّد هذه البرك الشهيرة في عاصمة الأغالبة، الأمير الأغلبي أبو إبراهيم أحمد بين سنوات 246 و248 هجري، أي 860 و862 ميلادي، وهي عبارة عن أحواض دائرية مضلعة مبنية بالصخر ثم تم إكساء الفسقيات بطلاء سميك ومقبّب في الأعلى.
وتُعتبر فسقية الأغالبة من أهم وأشهر المنشآت في العالم الإسلامي، وهي تضم 3 عناصر أساسية تتمثل في بركة كبيرة وأخرى صغيرة ومواجل لتخزين المياه.
فسقية الأغالبة تعد من أهم وأشهر المنشآت في العالم الإسلامي، وهي تضم 3 عناصر أساسية تتمثل في بركة كبيرة وأخرى صغيرة ومواجل لتخزين المياه
أدهشت عظمة هذه المنشآت المائية الأخّاذة كلّ المؤرخين، إذ أن قطر البركة الصغيرة يبلغ 37 مترًا، فيما يبلغ قطر البركة الكبيرة 128 مترًا، أما مواجل تخزين الماء فهي تتكون من خزّانين متوازيين يتصلان بالبركة الكبرى اتصالاً متعامدًا وتتجاوز سعة كلّ خزّان 1000 متر مكعب.
وتبلغ سعة البركة الصغيرة 4 آلاف متر مكعب، ويحيط بها جدار متعدّد الأضلاع يتكون من سبعة عشر دعامة داخلية وستة وعشرين خارجية، تراوح فيما بينها والهدف من ورائها هو تدعيم المبنى حتى يقاوم ضغط المياه إذ تتمثل وظيفة هذه البركة التي تستقبل المياه في تنقيتها ممّا تجرفه معها من فضلات وبقايا، وتنساب المياه بعد ذلك صافية نحو البركة الكبيرة التي تبلغ طاقة استيعابها 57 ألف متر مكعب، وتتوسطها دعامةٌ متعدّدة الأركان كانت تعلوها في الماضي قبّة تُستغلّ كجناح للترفيه.
وتُوظّف البركة الكبرى لخزن المياه الضرورية لحاجات الحياة اليومية، كما تسمح عملية الخزن هذه تسمح بتصفية أجود للمياه، فيُستعمل النصيب الأكثر صفاء منها للشرب ويُصبّ في مواجل خاصة بسحب الماء.
تعد هذه الأحواض المائية الشّاسعة وليدة الحاجة في زمن الأغالبة، إلا أنها صمدت إلى اليوم لتصوّر نموذجًا معماريًا فريدًا من نوعه، يتميز بصلابته وتناسق أحجامه
-
معلم تاريخي في وجه شح وندرة الماء
وكانت هذه البرك تُزوّد بالماء عن طريق انسياب مياه الأمطار وكذلك انسياب بعض فروع واد مرق الليل التي تصب في المنخفضات المحيطة، ويصل الماء إلى الحوض الأول الصغير فتنكسر حدته وتترسب منه الأتربة والأوساخ ليتدفق الزائد عليه، مصفىً عبر منفذ مرتفع يصب في الحوض الكبير، وكان الماء يصلها من مصادر مختلفة بعضه من جبل الشريشيرة الذي يقع على بعد 36 كيلومترًا جنوبي القيروان.
وتعد هذه الأحواض المائية الشّاسعة وليدة الحاجة في زمن الأغالبة، إلا أنها صمدت إلى اليوم لتصوّر نموذجًا معماريًا فريدًا من نوعه، يتميز بصلابته وتناسق أحجامه وهي تعبر عن معركة مدينة الأغالبة في مواجهة شح وندرة الماء.
وعلى ضخامتها وأهميتها، انتزعت فسقية الأغالبة إعجاب كل من يزور مدينة القيروان، التي عرفت أيضًا باسم مدينة الخزانات أو الفسقيات.
انتزعت فسقية الأغالبة بفضل عظمتها إعجاب كل من يزور مدينة القيروان، التي عرفت أيضًا باسم مدينة الخزانات أو الفسقيات
ويشار إلى أن فسقية الأغالبة في القيروان كانت قد أثارت الجدل في تونس، إثر طلاء جدارها الخارجي بمادة الجير، في إطار الاستعداد للاحتفال بالمولد النبوي الشريف عام 2022، واعتبر البعض أن ذلك يمثل اعتداءً على هذا المعلم التاريخي.
ليوضّح معهد التراث، إبان الجدل الحاصل أن "فسقية الأغالبة كانت منذ العهود الأولى تطلى بمادة الجير وهي مادة طبيعية ليس لها أي تأثير سلبي على سلامة المعلم ومحبذة لكونها مقاومة للحشرات التي كثيرًا ما توجد في المياه الراكدة (الزغدان)، وكانت تستعمل باستمرار في طلاء المباني العامة والخاصة والمنشآت المائية بمختلف أنحاء البلاد وخصوصًا في القيروان. وشاهد على ذلك عديد الصور التاريخية وكذلك رواسب الجير التي تمت معاينتها على جدران الفسقية".
ومؤخرًا، أدى الرئيس التونسي قيس سعيّد زيارة إلى فسقية الأغالبة في ولاية القيروان، وعبّر عن استيائه من تواصل تعطل مشروع ترميم فسقية الأغالبة منذ سنة 2017، معتبرًا أن ما يحدث غير مقبول ويمثل مظهرًا "للعبث وإهدار المال العام والفساد"، وفق قوله.
وأكد الرئيس التونسي أن مشروع ترميم فسقية الأغالبة سيوضع تحت إشراف الهندسة العسكرية، معتبرًا أن تونس لها من الكفاءات والخبراء ما يكفي لإنجاز هذا المشروع عوضًا عن دعوة خبراء من الخارج لإنجاز الدراسات.