30-أبريل-2022
خرجة العيد

سلاطين بني حفص هم من رسّخوا هذه العادة منذ أن أسس أبو زكريا الحفصي الدولة الحفصية في تونس (ياسين القايدي/الأناضول)

 
"الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".. على وقع هذه الكلمات تُصنع صباحاتنا في أعياد تونس، أصوات شيوخ وكهول وأطفال تجوب أزقّة الحي متضرّعة إلى الله تكبيرًا وتهليلًا، معلنة انطلاق الاحتفالات بالعيد.

ولأن إظهار الفرح والسرور والتجمّل للعيد من السنن النبوية، فإنّ المشاركين في هذه التجمّعات يلبسون أحلى ما عندهم ويتعطّرون ويولّون وجوههم للمساجد لإقامة صلاة العيد.

تعتبر "خرجة العيد" من العادات والتقاليد التونسية التي ظلّت راسخة على امتداد عقود

وتعتبر "خرجة العيد" من العادات والتقاليد التونسية التي ظلّت راسخة على امتداد عقود، لم يحل بينها وبين المصلّين سواء قرار الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي كان قد منعها على امتداد سنوات حكمه.

ولئن حال انتشار وباء كورونا في السنتين الماضيتين عن القيام بها، فإنّ استعدادات عيد فطر هذا العام حثيثة لإقامة الاحتفالات في جل ولايات تونس. فماذا تعرف عن "خرجة العيد"؟ تجيبك "ألترا تونس" في هذا التقرير.

  • من بطحاء باب سويقة لجامع صاحب الطابع.. أجواء احتفالية بعيد الفطر

تبدأ الاستعدادات لخرجة العيد في باب سويقة والحلفاوين قبيل يومين من الإعلان عن انتهاء شهر رمضان واستقبال شهر شوّال. ويقع الإعلان عنها في المساجد وذلك لتحديد مسارها انطلاقاً ووصولاً، وكشف المكان الذي ستقام فيه صلاة العيد.

تبدأ الاستعدادات لخرجة العيد في باب سويقة والحلفاوين قبيل يومين من الإعلان عن انتهاء رمضان ويقع الإعلان عنها في المساجد وذلك لتحديد مسارها وكشف المكان الذي ستقام فيه صلاة العيد

يتحدّث الفنان الشاب عبد الرحمان البوخاري لـ"ألترا تونس" عن هذه العادة قائلاً: "يكون التجمع للخرجة قبيل ساعتين من موعد صلاة العيد وذلك في بطحاء باب الخضراء، من ثمّ نمر بالحفير وسوق الحلفاوين وباب سويقة وباب الأقواس وسيدي العلوي، لنصل لجامع صاحب الطابع أين تقام الصلاة".

 

خرجة العيد

البوخاري لـ"الترا تونس": الصف الأوّل يضم المشائخ و"كبارات الحومة" وبعض الأطفال ويتزين الجميع بالملابس التقليدية التونسية (ياسين القايدي/الأناضول)

 

تضمّ الخرجة" رجالاً ونساءً وأطفالاً يقومون بالتهليل والتكبير والتسبيح على امتداد مسار "الخرجة" ويتفاعل معهم المارون وسكان هذه الأحياء سواء بالزغرطة او التقاط الصور أو الالتحاق بالركب طمعا في الثواب.

ويؤكّد البوخاري، أن هذه العادة هي عبارة عن تجميع للناس من أزقة "المدينة العربي" وضواحيها، مضيفًا أنّ الصفّ الأوّل يضم المشائخ و"كبارات الحومة" وبعض الأطفال ويتزين الجميع بالملابس التقليدية التونسية.

تضمّ الخرجة" رجالاً ونساءً وأطفالاً يقومون بالتهليل والتكبير والتسبيح على امتداد مسار "الخرجة" ويتفاعل معهم المارون وسكان هذه الأحياء سواء بالزغرطة او التقاط الصور أو الالتحاق بالركب

ويشير البوخاري إلى أن "مهبة العيد" هي من الركائز الأساسية للاحتفالات بعيد الفطر ولا تقتصر فقط على الأطفال بل أن العشريني والثلاثيني يطالب بنصيبه من النقود ضمن المحتفلين.

لم تنته الرحلة هنا، بل اعتاد عدد من الحضور، حسب محدّثنا، الذهاب لمقهى "سيدي عمارة" لاحتساء أولى رشفات السمراء الصباحية بعد انقطاع خلال شهر الصيام، من ثمّ ينطلق كلّ لحال سبيله ليستكمل يوم الاحتفال مع عائلته وأصدقائه.

 

 

  • "خرجة العيد" عادة رسّخت منذ تأسيس الدولة الحفصية

يؤكد فؤاد الزرلي، المختص في العادات والتقاليد التونسية، لـ"الترا تونس" أنّه من المتعارف عليه أنّ "خرجة العيد" سنة حميدة من زمن الرسول محمد واستحبت في صلاة العيدين (العيد الكبير والصغير) في فضاء مفتوح وخارج المسجد حتى  يحضرها أكبر عدد ممكن من الناس مع ما يرمز إليه ذلك من تحابب وتضامن وتواد بين المسلمين.

فؤاد الزرلي، مختص في العادات التونسية لـ"الترا تونس": "جرت عادة قديمة ترجع إلى أوائل العهد الحفصي أن تسبق صلاة العيد ما يعبر عنه (بالخرجة) وهو تجمّع لأبناء الأحياء في مكان معين وينطلقون منه إلى المصلى مرددين بعض الأناشيد الدينية أو مصلين على رسول الله"

ويحدثنا عن الخصوصية التونسية قائلاً "جرت عادة قديمة ترجع إلى أوائل العهد الحفصي ( القرن الثالث عشر ميلادي) أن تسبق صلاة العيد ما يعبر عنه (بالخرجة) وهو تجمّع لأبناء الأحياء في مكان معين وينطلقون منه إلى المصلى مرددين بعض الأناشيد الدينية أو مصلين على رسول الله أو غيرها من الأوراد والمأثورات وكان سلاطين بني حفص (الدولة الحفصية دامت أكثر من ثلاثة قرون من 1229 إلى 1574 ميلادي) هم من رسّخوا هذه العادة منذ أن أسس أبو زكريا الحفصي الدولة الحفصية في تونس".

ويخرج أبو زكرياء الحفصي يوم العيد، حسب محدثنا، "من باب الصبة الشرقي ويسلك في أبهته مع جمع غفير من العساكر وفرسان الموحدين ووجهاء الدولة في موكب كبير ينطلق من نهج المرّ الحالي متجهين إلى مصلّى العيدين الذي أحدثه  الحفصي خارج باب الجديد قرب القرجاني".

فؤاد الزرلي، مختص في العادات التونسية لـ"الترا تونس": يخرج أبو زكرياء الحفصي يوم العيد من باب الصبة الشرقي ويسلك في أبهته مع جمع غفير من العساكر وفرسان الموحدين ووجهاء الدولة في موكب كبير ينطلق من نهج المرّ الحالي متجهين إلى مصلّى العيدين

ولقد وجدت عديد المصليات الأخرى في مدينة تونس، لكنها اندثرت على مرّ العصور، لكن مصلّى العيدين في القرجاني بقي راسخًا في ذاكرة التاريخ. ومع بداية القرن التاسع عشر ميلادي بنى عليه مصطفى باي قشلة الخيالة وغيّر مكن التجمع للعيد، حسب ما رواه المختص في العادات والتقاليد لـ"الترا تونس".

ويضيف الزرلي أن "هذه العادة ظلت متبعة في جميع مدن تونس وقراها الكبيرة إلى حدود الخمسينيات من القرن الماضي وقد ألغتها السلط بعد الاستقلال لكنها بقيت في الذاكرة الشعبية خصوصًا عند بعض شيوخ الدين الذين قاموا بإحيائها إثر ثورة 14 جانفي"، على حدّ تعبيره.

 

خرجة العيد

البوخاري لـ"ألترا تونس": "يكون التجمع للخرجة قبيل ساعتين من موعد صلاة العيد (الشاذلي بن إبراهيم/Nurphoto)