12-يوليو-2023
صفاقس الهجرة مهاجرون العنصرية

حور مع الباحثة صلب هيومن رايتس ووتش لورين سيبرت المختصة في قضايا المهاجرين وطالبي اللجوء في إفريقيا (صورة توضيحية/ حسام الزواري/ أ.ف.ب)

الترا تونس - فريق التحرير
 

لا يزال ملف المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء مسيطرًا على النقاشات في الفضاء العام في تونس لا سيما بعد الاضطرابات التي شهدتها ولاية صفاقس على خلفية نشوب مناوشات بين عدد من متساكنيها وعدد من المهاجرين.

وشهدت الأيام الأخيرة أحداثًا متواترة بعد نقل مجموعات من المهاجرين إلى الحدود التونسية الليبية، تدخلت على إثرها منظمة "هيومن رايتس ووتش" لمناشدة السلطات التونسية من أجل وقف عمليات "الطرد والترحيل" التي تطال المهاجرين الأفارقة بشكل جماعي، وفق بيان أصدرته سلطت فيه الضوء على تسجيل وفيات واعتداءات على مهاجرين، وهو ما أنكرته منظمة الهلال الأحمر التونسي بشكل قاطع، وقالت المتحدثة الرسمية باسمها في تصريح إذاعي إنه "لا توجد أي آثار عنف في صفوف هؤلاء المهاجرين ما عدا آثار المشي لمسافات طويلة وتداعيات الإرهاق والتعب".

 

 

"الترا تونس" كان له لقاء مع الباحثة صلب منظمة "هيومن رايتس ووتش" لورين سيبرت، وهي مختصة في قضايا المهاجرين وطالبي اللجوء في إفريقيا وانطلقت منذ بضعة أشهر في إجراء بحث حول مختلف الانتهاكات لحقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء من الأفارقة جنوب الصحراء في تونس، تجدون تفاصيله في هذا الحوار: 

 

صورة
الباحثة بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" لورين سيبرت

 

  • كيف تابعتم كمنظمة عمليات نقل مهاجرين غير نظاميين من صفاقس إلى الحدود التونسية الليبية؟

يوم الأحد 2 جويلية/يوليو، وصلتني معلومات تقول إن هناك مجموعة تضمّ عشرين فردًا من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء يحملون جنسيات مختلفة (كوت ديفوار والكاميرون ومالي وتشاد والسنغال وغيرهم) قد تم نقلهم إلى منطقة عسكرية حدودية ليبية تبعد حوالي 35 كيلومترًا عن مدينة بن قردان وذلك من قبل الحرس الوطني وعناصر من الجيش.

لورين سيبرت: وردتنا مطلع جويلية معلومات تفيد بأن مجموعة من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء تم نقلهم إلى منطقة عسكرية حدودية ليبية بعد اعتقالهم في صفاقس خلال مداهمات لمنازل وأماكن عامة

تم اعتقال جميع هؤلاء الأشخاص في بلدة صفاقس وبعض المناطق المحيطة بها وذلك خلال مداهمات للمنازل ولأماكن عامة أخرى كمحطة السكك الحديدية.

 

  • كيف تم إعلامكم بهذه العمليات؟

تواصل معي مهاجر من كوت ديفوار كان ضمن المجموعة الأولى التي وقع نقلها وأخبرني أنه تم اعتقاله في بلدة ليست بعيدة عن صفاقس وأن البعض من المجموعة تعرضوا للاعتداء بالضرب ووقع تهشيم هواتفهم من قبل عناصر الحرس الوطني عندما حاولوا عبور الحدود إلى ليبيا لشراء الطعام.

ظللت على اتصال به طوال أسبوع وكان يبلغني يوميًا بالتطورات وقد حاول عبور الحدود الليبية، ثم تراجع لوجود الكثير من المخاطر في الضفة الأخرى. ولحسن الحظ وجد مسجداً مهجوراً تمكن فيه من شحن هاتف خلوي صغير كان قد أخفاه ليستطيع التواصل معي.

 

صورة
تعمد تحطيم هواتف المهاجرين الذين تم نقلهم للحدود (هيومن رايتس ووتش)

 

وقد حاولت دعمهم من خلال إبلاغ وكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني والأشخاص الذين يملكون سلطة ونفوذًا ليكونوا قادرين على تبادل الحوار مع الحكومة التونسية والهلال الأحمر. كما شاركت يوميًا المعلومات التي تلقيتها عبر منصات التواصل الاجتماعي وقد كانت هناك معلومات حساسة لم أتمكن من نشرها على تويتر.

  • ما هي التجاوزات التي وقع رصدها؟

المشكلة الأساسية هي أنه وقع تركهم في منطقة نائية دون مأكل أو مشرب ومن بينهم أطفال ونساء حوامل، لذلك كان الأمر معقدًا ومقلقًا للغاية. وبلغني أنّ الأطفال أجبروا على شرب مياه البحر وكان الأمر مروعًا حقًا. 

كما أخبرتني  فتاة كاميرونية تبلغ من العمر 16 عامًا أنها تعرضت لاعتداء جنسي ولقد بكت كثيرًا وكان من الصعب سماعها.

 

 

 

بالإضافة إلى أن المجموعة تضم 6  أو 7 طالبي لجوء مسجلين لدى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ولم يكن كل المهاجرين غير نظاميين كما صرح بعض المسؤولين في الدولة التونسية، هي معلومات غير صحيحة ولكنها غالبًا ما تستخدم لتبرير إيقافات المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء.

لورين سيبرت: المشكلة الأساسية هي أنه وقع ترك المهاجرين في منطقة نائية دون مأكل أو مشرب ومن بينهم أطفال ونساء حوامل.. كان الأمر معقدًا ومقلقًا للغاية خاصة وأنه كان من بينهم من يتمتعون بوضع قانوني

ولا أعرف لماذا قامت السلطات بطردهم دون إجراءات تنظيمية ولم تقم بالتحقق من الوضع القانوني لكل شخص لمعرفة ما إذا كان متواجدًا في البلاد بشكل قانوني أم لا. 

ووفقًا للمقابلات التي أجريتها معهم، هناك ضمن المجموعات من يتمتع بوضع قانوني، ومع ذلك وقع إلقاء القبض عليه.

وقد تم أيضًا ترحيل ثلاث مجموعات أخرى في نفس الأسبوع تضم ما بين 600 و700 شخص بما في ذلك طالبو لجوء مسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنهم أيضًا طالبان يحملان بطاقتيهما القنصلية.

 

صورة
صور توثق بعض الاعتداءات التي تعرض لها مهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء (هيومن رايتس ووتش)

 

  • ما هو موقف المنظمة من هذه الانتهاكات؟

نحن نعتبر أن ما حصل مع هؤلاء الأشخاص الذين تم اعتقالهم وترحيلهم بشكل عشوائي وغير قانوني هو استبعاد جماعي، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي للإقصاء الجماعي، إذ أن من واجب السلطات وضع هؤلاء الأشخاص بأماكن آمنة، ومن الضروري ضمان احتياجاتهم بما في ذلك الغذاء والماء وإجراء تقييمات فردية لحالتهم القانونية.

من الجيد أن السلطات التونسية سمحت بنقل عدد قليل من الأشخاص إلى مراكز في تونس، لكن هناك مخاوف بشأن المتابعة.

لورين سيبرت: ما حصل مع هؤلاء الأشخاص الذين تم اعتقالهم وترحيلهم بشكل عشوائي وغير قانوني هو استبعاد جماعي وهو ما يتعارض مع القانون الدولي 

والسؤال المطروح هو هل أنه سيتم إجبارهم على قبول العودة إلى بلدانهم؟ لا يزال هناك خطر الترحيل القسري لبعض الأشخاص وخاصة منهم طالبو اللجوء، وأيضًا بالنسبة لآخرين لم يتم تسجيلهم بعد كطالبي لجوء ولديهم مخاوف من العودة القسرية، فالعودة يجب أن تكون بشكل طوعي.

 

https://youtube.com/shorts/lC0-_bGaGaE?feature=share

 

  • تحدثتم في البيان الأخير عن تأخر الإمدادات والمساعدة، كيف تفسرون ذلك؟

لسوء الحظ، لم تسمح السلطات التونسية للمنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة بالوصول إلى هؤلاء الاشخاص الذين كانوا بحاجة ملحة للعون ووقع تركهم في الصحراء على امتداد أسبوع و لم يتمكن أحد من الوصول إليهم سوى في الثامن من  جويلية/يوليو، حيث تحصل الهلال الأحمر على إذن لإحضار الطعام والماء وتقديم بعض الرعاية الطبية. 

 

  • نفت منظمة الهلال الأحمر في تصريحات إعلامية وجود أي انتهاكات في علاقة بحقوق المهاجرين. ما ردكم على ذلك؟

إن المشكلة الحقيقية حقًا هي أنّ السلطات التونسية تنكر حصول انتهاكات لحقوق الإنسان رغم وجود الكثير من الأدلّة. ولستُ الوحيدة التي اكتشفت الأمر بل كان هناك العديد من الصحفيين الذين تمكنوا حتى من الوصول إلى الحدود ووثقوا شهادات تحدث فيها أصحابها عن الإساءة وعن الجوع وأظهروا حال الأطفال والرضع هناك، ومن المستحيل إنكار كل الشهادات الموثقة بصور ومقاطع فيديو.

لورين سيبرت: المشكلة الحقيقية هي أنّ السلطات التونسية تنكر حصول انتهاكات لحقوق الإنسان رغم وجود الكثير من الأدلّة.. من المستحيل إنكار كل الشهادات الموثقة بصور ومقاطع فيديو

وصلتني أيضًا معلومات بأن عددًا من المهاجرين ماتوا سواء بسبب التعنيف أو حتى رميًا بالرصاص عندما حاولوا العودة إلى تونس. وكان من المعقد التحقق من ذلك وتأكيده، لكن الأمر خطير للغاية، لذلك من المهم إجراء تحقيقات للتثبت والبحث عن هويّات الأشخاص الذين قتلوا أو ماتوا.

 

صورة
صور توثق بعض الاعتداءات التي تعرض لها مهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء (هيومن رايتس ووتش)

 

  • كيف كان من المفترض التعامل مع الأمر؟

لضمان الوضع القانوني لكل شخص، يجب إجراء تقييم فردي وفقًا للقانون، لكن وفقًا للشهادات التي لديّ، فإنّ الوحدات الأمنية والعسكرية لم تقم بهذا الإجراء وحتى الأشخاص الذين أظهروا وثائقهم لمحاولة إثبات أنهم في وضع قانوني في البلاد، لسوء الحظ قالوا إن السلطات لم تهتمّ للأمر. لقد كانت الاعتقالات عشوائية حقًا.

لورين سيبرت: وصلتني معلومات بأن عددًا من المهاجرين ماتوا سواء بسبب التعنيف أو حتى رميًا بالرصاص عندما حاولوا العودة إلى تونس وكان من المعقد التحقق من مدى صحة ذلك لذلك من المهم إجراء تحقيقات

يجب ألّا نقوم بالتنميط حسب لون البشرة، فإن الأفعال التي تظهر التمييز تعدّ عنصرية وتتعارض مع القانون الدولي واتفاقية مكافحة التمييز والعنصرية على أساس العرق التي صادقت عليها تونس.
 

  • آخر المعطيات التي لديكم في علاقة بأوضاع المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس؟

فيما يتعلق بالحالة الراهنة، ووفقًا لآخر المعلومات التي تلقيتها، تم نقل جميع الأشخاص الذين تتراوح أعدادهم بين 600 و 700 شخص على الحدود الليبية  في 10 جويلية/يوليو من قبل سلطات الأمنية، وكذلك نشطاء بالهلال الأحمر. من المرجح أنه تم نقلهم إلى مراكز أخرى في ثلاث مدن محددة: بن قردان، مدنين وتطاوين.

وهم الآن أكثر أمانًا وحماية من الصحراء خاصة بالنسبة للأطفال والنساء الحوامل، لكن هناك القليل ممن أخبروني بأنه ليس لديهم ما يكفي من الماء والطعام، لذلك آمل أن يتم تسوية ذلك قريبًا.

 

 

  • هناك بعض المعلومات التي تروج حول تواجد مجموعات من المهاجرين على الحدود الجزائرية. هل تواصلتم معهم؟

نعم لدينا مخاوف بشأن مئات الأشخاص الآخرين، الذي يرجح أنه وقع نقلهم على مستوى الحدود الجزائرية. وليس لدينا الكثير من المعلومات لأن البحث مستمر ويقوم زميلي بالتثبت في الأمر. 

تحدثنا مع بعض الأشخاص الذين تم نقلهم، في الرابع والسابع من جويلية/يوليو بعد أن تم القبض عليهم في صفاقس مثل الآخرين، في حافلات إلى نقاط مختلفة على الحدود الجزائرية التونسية.

لورين سيبرت: كان نقل أكثر من 600 من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء من الحدود التونسية الليبية إلى بر الأمان موضع ترحيب لكن أزمة الطرد لم تنته بعد وقد علمنا أن المزيد من الأشخاص ما زالوا عالقين في الصحراء

نقوم حاليًا بمراقبة الوضع ونحاول العثور على شهادات، لكن وفق الأشخاص الذين تمكنا من الاتصال بهم، فإنهم على الحدود الجزائرية يتحدثون أيضًا عن نقص الطعام والماء وعن وجود عدد من الأطفال والنساء الحوامل من بينهم في الصحراء، وأنهم أجبروا على المشي في الصحراء تحت درجات حرارة مرتفعة وتم إبعادهم عن الجانب التونسي إلى الجانب الجزائري.

 

  • كلمة الختام لهذا اللقاء؟

كان نقل أكثر من 600 من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، من الحدود التونسية الليبية إلى بر الأمان موضع ترحيب، لكن أزمة الطرد لم تنته بعد. وقد علمنا أن المزيد من الأشخاص ما زالوا عالقين في الصحراء على الحدود الليبية، وقد تستمر عمليات الطرد.