23-نوفمبر-2021

عديد التساؤلات باتت تُطرح إثر اعتداء تلميذ على أستاذ بـ"ساطور" حول خلفيات الحادثة سوسيولوجيًا ونفسيًا (صورة توضيحية/ Getty)

 

لا يزال وقع حادثة اعتداء تلميذ على أستاذه داخل قاعة الدرس بـ"ساطور" كاد أن يرديه قتيلًا، مدوّيًا في تونس، لمدى وحشية الحادثة التي باتت على إثرها تُطرح عدة تساؤلات حول خلفياتها وخفاياها، سوسيولوجيًا ونفسيًا.

يتعلّق الأمر بحادثة الاعتداء على أستاذ التاريخ والجغرافيا الصحبي بن سلامة، بمعهد ابن رشيق بالزهراء/ مندوبية بن عروس، بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، "اعتداءً وحشيًا غير مسبوق بواسطة ساطور وسكين داخل الحرم المدرسي حوّله إلى غرفة الإنعاش في حالة صحيّة حرجة" ، وفق ما وصفته الجامعة العامة للتعليم الثانوي في بيان أصدرته على خلفية الحادثة آنذاك.

وسرعان ما أصدر حاكم التحقيق بالمحكمة الابتدائية ببن عروس، الثلاثاء 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بطاقة إيداع بإصلاحية المروج في حق التلميذ المعتدي بعد الاستماع إليه، وفق ما أكده الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية ببن عروس عمر حنين، في تصريح سابق لـ"الترا تونس".

وأوضح الناطق باسم ابتدائية بن عروس أنّه وقع إصدار إنابة قضائية لفائدة أعوان الفرقة المركزية لمكافحة الإجرام بالحرس الوطني ببن عروس لاستكمال الأبحاث في انتظار نتائج التساخير وإجراء البحث الاجتماعي.

صديق التلميذ المعتدي لـ"الترا تونس": "حمزة" لم يكن يتعاطى أي نوع من أنواع المخدرات ولا يدخن أساسًا وكان خجولًا لا يسمع له صوت وعرف بدماثة أخلاقه، كما أن كل أفراد عائلته أناس محترمون جدًا

حاولنا أن نتصل بأفراد عائلة التلميذ المعني مرارًا، لكن كل المحيطين بهم أكدوا لنا أن والدته تعاني انهيارًا عصبيًا وكذلك والده، والصدمة لا تزال تخيم على كل إخوته، وأنهم يرفضون الحديث لأنهم ليس لديهم ما يقولونه أمام ما فعله ذلك الطفل..

أما صديقه "م" والذي رفض نشر اسمه كاملًا فقد أكد لـ"الترا تونس" أن "حمزة" لم يكن يتعاطى أي نوع من أنواع المخدرات وأنه لا يدخن أساسًا وأنه كان يقصد الجامع للصلاة. كما أكد لنا أن حمزة كان خجولًا لا يسمع له صوت وعرف بدماثة أخلاقه وأن كل إخوته وأفراد عائلته أناس محترمون جدًا لا يسمع لهم صوت في "الحومة".

"الحادثة هزتنا جميعًا" يقول محدثنا، مضيفًا: "كل متساكني الحي في حالة صدمة.. لم نستطع تصديق ما جرى وكيف يمكن أن يصدر هذا الفعل عن ذلك الطفل البريء".

ونفى "م" فرضية أن يكون حمزة قد قام بفعلته تلك انصياعًا لمجموعات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مفندًا الرواية التي تم تداولها على منصات التواصل الاجتماعي بكونه نفذ فعلته في إطار لعبة تحدّ، حسب تقديره.

ولفت إلى أن "ما استطاع أن يعرفه هو أن حمزة راسب ويعيد عامه الدراسي، وهو يخشى الرسوب مرة أخرى وأراد أن يمكنّه الأستاذ من إعادة إجراء الامتحان، وهو ما رفضه الأستاذ"، مستدركًا القول: " عمومًا، مهما كانت أسباب حمزة، فلا مبرّر لما أقدم عليه.. فقد أجرم ناهيك عن كونه أضاع مستقبله".

اقرأ/ي أيضًا: الاعتداء على أستاذ بسكين وساطور يخلّف استياءً واسعًا على مواقع التواصل

حادثة الاعتداء على الأستاذ، وإن تم ربطها برفض إعادة الامتحان للتلميذ المعتدي، ظلت تحوم حولها عديد التساؤلات، خاصة على البعدين النفسي والاجتماعي للتلميذ عمومًا في علاقته بالمؤسسة التربوية. وفي هذا الإطار كان لنا حديث مع الأستاذ في علم الاجتماع أمين السديري المتشبث بالمضي قدمًا في حلمه المتمثل في تأطير الأطفال والمراهقين والاقتراب منهم والاستماع إليهم، وهو ما جسده في بعث ناد رياضي بالزهراء لتعليم "الكيك بوكسينغ" محاولًا من خلاله تغيير سلوكياتهم. 

أمين السديري (أستاذ في علم الاجتماع) لـ"الترا تونس": العنف لم يعد ظاهرة بل تحول إلى ثقافة.. ويجب الحذر من تحوّل التلميذ "العنيف" و"الباربو" إلى "مصدر إلهام" داخل المعهد أو المدرسة

ولم يخف السديري صدمته مما حدث في معهد الزهراء وأكد لـ"الترا تونس" أن تجربته وجلوسه مع الأطفال والشباب كشفت له أن العنف لم يعد ظاهرة بل إنه تحول إلى ثقافة، حسب رأيه.

"ما لا تفهمه الدولة التونسية بكل مكوناتها بما فيها المجتمع هو أن العنف أصبح لدى الأطفال والشباب ثقافة لإثبات الوجود، ولم يعد أمرًا مكروهًا بل إنه أضحى بمثابة وسيلة لإثبات الذات، وصار التلميذ "العنيف" و"الباربو" بمثابة "مصدر إلهام" داخل المعهد أو المدرسة، وفق تصوره.

ويواصل محدثنا: "لقد أصبح التلميذ النجيب المنضبط المحترم، في كثير الأحيان، أضحوكة داخل القسم ولم يعد القدوة. فيما تحول الراسب المشاغب الذي يغش في الامتحان ويضرب عرض الحائط بقوانين المدرسة نموذجًا تروى عنه القصص في صفوف التلاميذ ويتحول إلى بطل، وهذا ما لا يدركه كثيرون".

كما يرى الأستاذ في علم الاجتماع أن "التغطية الصحفية الكثيفة والكبيرة لحادثة الاعتداء على الأستاذ تعتبر خطأ لأنها ستكون سببًا في تكرر حوادث أخرى، فلدى الناشئة أصبح ذلك الطفل نجمًا وبطلًا وهو ما يجعلهم يقلدونه"، على حد تقديره.

ويضيف السديري: "كلنا مسؤولون عما حدث وعما سيحدث لأن الواقع يكشف أننا لا نستفيد من الحوادث حتى لا يتكرر غيرها، وأن المؤسسة التربوية مدعومة بشكل أساسي إن توفر بها أخصائيون في علم الاجتماع لفهم هذه المجموعات داخل التلاميذ واستباق ما يمكن أن يحدث".

السديري لـ"الترا تونس": المقاربة الحقيقية لفهم هذا الجيل هي الاعتماد على أساليب متطورة فلا يعقل أن تحافظ النوادي كالرسم والمسرح والموسيقى على معدات تقليدية فيما تطورت التقنيات دون أن تسايرها المؤسسات الثقافية

كما أدان فتح أغلب المقاهي في مدينة الزهراء أمام المعاهد، والأخطر برأيه أن "هذه المقاهي تسمح للقصر بالدخول والجلوس فيها وتناول القهوة والسجائر والممنوعات"...

واعتبر محدث "الترا تونس" أن المقاربة الحقيقية لفهم هذا الجيل هي الاعتماد على أساليب متطورة فلا يعقل، برأيه، أن تحافظ النوادي كالرسم والمسرح والموسيقى على معدات تقليدية فيما تطورت التقنيات ولم تواكبها هذه النوادي ولم تسايرها ديار المؤسسات الثقافية إن وجدت، على حد تعبيره.

وبين السديري أن تجربته التي كانت حلمًا وتحقق، المتمثلة في تأطير الأطفال في نادٍ لـ"الكيك بوكسينغ"، هي طريقة لإعادة قولبة العنف والشغب لدى بعض الأطفال والتلاميذ من خلال الإحاطة بهم، موضحًا أنه  يبحث أساسًا عن العنيفين داخل الأحياء ويحاول أن يهذّب سلوكهم ويدربهم  ليجعل منهم أبطالًا في رياضة "الكيك بوكسينغ"، وفقه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"مؤسسة المدرسة" في تونس.. من ينقذها؟

عمليات سطو واعتداءات أمام المدارس والمعاهد.. أين الحماية والحراسة؟