كان للسنة الدراسية الفائتة 2020 ــ 2021 الوقع السيئ على نفوس التونسيين بعد أن عصف بها وباء كورونا وبعثر أركانها فغابت القرارات الجريئة والمناسبة بل والشجاعة، التي من شأنها أن تنقذ العملية التربوية، وحضرت قرارات اللحظات الأخيرة فكان نظام الأفواج واللجوء إلى تخفيف البرامج والانقطاعات المتتالية التي أقرتها اللجنة العلمية الوطنية وغلق المطاعم والمبيتات المدرسية وإضرابات بعض القطاعات التربوية مثل إضراب القيمين الذي دام 83 يومًا وإضراب موظفي التربية الذي دام 30 يومًا... وغياب التعليم عن بعد والذهاب لإحداث قناة تلفزية تربوية لم تحقق نسب المشاهدة المرجوة ثم النجاح شبه الآلي لكل المستويات.
تبدو العودة المدرسية باهتة لا جدّة فيها سوى التخلي عن نظام التفويج والعودة لنفس المواد ونفس الكتب ونفس البرامج ونفس الزمن المدرسي ونفس المدارس المهترئة والعمل الإداري التربوي بنفس الأساليب القديمة
وهو ما أسفر عن تضخم في نسب النجاح وخاصة في الامتحانات الوطنية فمثلاً مناظرة شهادة الباكالوريا وصلت نسبة النجاح فيها هذه السنة 57.52 في المائة فيما كانت هذه النسبة السنة الفارطة 42.13 في المائة وهو ما أحدث بلبلة في عملية التوجيه الجامعي وكل الخدمات ذات العلاقة من سكن جامعي وأكل ونقل وغيرها.
اقرأ/ي أيضًا: "الدولة لا تبالي".. محيط مدارس تونسية يتحوّل إلى أسواق
كل ذاك الفشل لم يدفع وزارة التربية خلال العطلة الصيفية إلى التفكير بجدية في أخذ قرارات تتناسب مع المرحلة الجديدة، إذ تبدو العودة المدرسية 2021 ــ 2022، التي ستشمل أكثر من مليوني تلميذ نصفهم بالمرحلة الابتدائية، باهتة لا جدّة فيها سوى التخلي عن نظام التفويج والعودة لنفس المواد ونفس الكتب ونفس البرامج ونفس الزمن المدرسي ونفس المدارس المهترئة والعمل الإداري التربوي بنفس الأساليب القديمة ونفس الترسيم الإلكتروني الشكلي لأن الولي مطالب بتكملة رزمة من الوثائق للمدرسة حتى يصبح الترسيم تامًا.
كما دعت وزارة التربية ليوم وطني للنظافة يوم 12 سبتمبر/ أيلول 2021 قرأه البعض بأنه عجز عن قيام الوزارة بدورها في الاستعداد الجيد للعودة المدرسية فلجأت للمجتمع المدني وللمواطنين حتى يقوموا بإسنادها.
إن هذه العودة الباهتة تدفع المواطن التونسي قبل الفاعل التربوي لطرح عدة أسئلة حارقة حول مستقبل المدرسة التونسية والمنظومة التربوية برمّتها وتتعلق أساسًا بالتطوير والإصلاح الضروريين.
بخصوص العودة المدرسية والإصلاحات التربوية الأكيدة، خاض "الترا تونس" في كل تلك المواضيع التربوية الحينية وتفريعاتها مع الخبراء والنقابيين التربويين والمجتمع المدني المهتم بالشأن التربوي:
- رئيسة جمعية "كن صديقي": للمجتمع المدني دور إسنادي والأدوار الرئيسية من مشمولات وزارة التربية
أوضحت رئيسة جمعية "كن صديقي" كوثر القليبي بن أحمد، في بداية حديثها لـ"الترا تونس" أن جمعيتهم تستهدف الوسط المدرسي منذ تأسيسها سنة 2016 في عدة مستويات كالثقافة والتربية على وسائل الإعلام والعمل التطوعي والمساعدات الاجتماعية وذلك بالمناطق التي تعاني من الهشاشة الاجتماعية على غرار الضاحية الغربية للعاصمة، حيث تكثر الأحياء الشعبية وببعض قرى الشمال الغربي والوسط الغربي.
رئيسة جمعية "كن صديقي": المدارس تعاني من تهرّم بنيتها التحتية التي لا تخضع للصيانة الدورية كما أن الأقسام أغلبها بطاولات مكسرة وسبورات بائسة وجدران بلا صور..
وأكدت رئيسة الجمعية أنها "لا تتوانى في مد يد المساعدة للمدرسة اعتقادًا من "كن صديقي" بأن المدرسة هي قارب نجاة المجتمع من كل المخاطر التي يمكن أن تتهدده"، وأضافت أنها "لبت الدعوة الوزارية الأخيرة ليوم 12 سبتمبر/ أيلول الجاري وأسهم أبناء الجمعية في حملة النظافة ولاحظت أن المدارس تعاني من تهرّم بنيتها التحتية التي لا تخضع للصيانة الدورية فهي لا تطلى إلا في المناسبات كما أن الأقسام أغلبها بطاولات مكسرة وسبورات بائسة وجدران بلا صور، أما الأجنحة الصحية فهي غير لائقة تمامًا والحدائق المدرسية مهجورة وبلا أزهار ولا تشذيب ولا سقي".
وأضافت "وكل ذلك يعود للنقص في إطار العملة والعملة المختصين، بعض المؤسسات التربوية لا يوجد بها حارس ليلى مما يعرضها للسرقة والخلع والعبث بوثائق التلاميذ..". وأكدت القليبي أنه بات من الضروري التفكير في كل تلك النقائص وأنهم كمجتمع مدني سيسهمون قدر الإمكان وأن دورهم هو إسنادي لا غير وأن الأدوار الرئيسية هي من مشمولات وزارة التربية".
اقرأ/ي أيضًا: لباس معلمين في مدارس تونسية يثير جدل التطرّف والمدنية من جديد
- نقابة التعليم الثانوي: "جذوة الحماس انطفأت بعد أن حصدت كورونا أرواح مئات المربين"
قبل خوضه في شأن العودة المدرسية الحالية، يقول الأستاذ رشيد القنوني، كاتب عام نقابة الثانوي بمنطقة الزهور بتونس العاصمة، لـ"الترا تونس"، مذكرًا بالألم الكبير الذي خلّفته السنة الدراسية الفارطة في الجسد التربوي والمتمثّل في العدد الكبير من المربين من كل الأسلاك الذين فارقوا الحياة جرّاء جائحة كورونا "وكيف أن وزارة التربية دفعت بهم إلى المحرقة في ظل غياب التلاقيح والوقاية اللازمة والارتجال في أخذ القرارات"، وفق تعبيره، مضيفًا أن "سلطة الإشراف كانت شديدة البرودة في تعاملها مع ملف شهداء التربية جراء الجائحة فهي لم تكلف نفسها تعزية أهالي اللذين رحلوا أو الإحاطة بعائلاتهم"، وفقه.
وأشار القنوني إلى أن "ذلك أطفأ جذوة الحماس المعهود لدى المربين وخصوصًا لدى الأساتذة وهو ما لمسه لدى منظوريه خلال عودة هذه السنة"، وأوضح النقابي أن التعليم العمومي في تونس طعنته السياسة في الخلف فكل الأحزاب وكل الحكام تخلّوا عنه وتآمروا عليه، فهو لم يكن أولوية بالنسبة إليهم وخصوصًا طيلة السنوات الأخيرة مما دفع بعامة الناس إلى التوجه إلى التعليم الخاص الذي بات يستنزف جيوبهم الخاوية".
رشيد القنوني، كاتب عام نقابة الثانوي بالزهور: "أينما وليّت وجهك داخل المدرسة ترى النقائص وذلك يعود إلى ضعف الميزانيات المرصودة ونقص التجهيزات وسوء التصرف في الموارد البشرية وضعف التسيير وتقادم القوانين والانتدابات غير المدروسة.."
وعن العودة المدرسية الحالية، ذكر الأستاذ القنوني أنه "أينما وليّت وجهك داخل المدرسة ترى النقائص وذلك يعود إلى ضعف الميزانيات المرصودة ونقص التجهيزات وسوء التصرف في الموارد البشرية وضعف التسيير وتقادم القوانين والانتدابات غير المدروسة.."، وتحدث القنوني بألم عن الأذان الصماء لوزارة التربية، مشيرًا إلى أن "الشركاء الاجتماعيين بما فيهم نقابة الثانوي ما انفكوا يقترحون الحلول والاستراتيجيات الضرورية إصلاح تربوي شامل "لكن السلطة لا تسمع"، وهو حسب رأيه، "سيؤدي إلى عواقب سيئة ستزيد من ضرب صورة المدرسة العمومية وربما إلى زوالها تمامًا وفتح الطريق الآمنة أمام التعليم الخاص كليًا".
وختم نقيب أساتذة جهة الزهور بتونس العاصمة حديثه، لـ"الترا تونس" بأن العودة المدرسة الحالية تبدو بلا تصوّر وبلا منهجية ولا تخطيط وذلك بالرغم مما مازلت تشكله جائحة كورونا من أخطار على المدرسة خاصة مع غياب القرارات اللازمة فيما يتعلق بتلقيح التلاميذ.
اقرأ/ي أيضًا: جدل حول "منع ارتداء السراويل الممزقة والحلاقة غير العادية" بأحد المعاهد
- نقابة التعليم الأساسي: "هددنا بمقاطعة العودة المدرسية لأن الوزارة لم تف بتعهداتها تجاه المعلمين"
الأسعد العبيدي، هو أستاذ في التعليم الأساسي وعضو النقابة الأساسية بسيدي حسين بالعاصمة تونس، وقد تحدث لـ"الترا تونس"، عن "تنكر وزارة التربية لكل الاتفاقيات السابقة التي أبرمت منذ 2018 إلى اليوم"، وفقه، مبينًا أن جزءًا منها يهم المطالبة بإصلاحات بيداغوجية وتحسين البنية التحتية للمدرسة العمومية باعتبارها مكسبًا من مكاسب الشعب التونسي يحميه الدستور، ومجموعة قيّمة من التشريعات التي راكمتها الأجيال منذ الاستقلال إلى اليوم.
الأسعد العبيدي، أستاذ في التعليم الأساسي: ديوان الخدمات المدرسية مطالب خلال هذه السنة بتحسين آدائه في المدارس الابتدائية وخاصة الريفية منها كأن يجتهد في تقديم أكلات لائقة لأبناء الفقراء مع إمكانية بعثه لمبيتات جديدة ببعض المدارس النائية
واعتبر العبيدي ذلك مدعاة من المعلمين لمقاطعة العودة المدرسية للسنة الدراسية 2021 ـ 2022 ما لم تذهب وزارة التربية إلى تحقيق المطالب التي من شأنها أن تدفع نحو تحسين وتجويد العملية التربوية بالتعليم الأساسي.
وأبرز محدثنا أن "المدارس الابتدائية والتي يصل عددها إلى 4585 مدرسة يعاني نصفها أو أزيد من التهرّم وتتطلب تدخلات عاجلة في مرافقها الصحية وفصولها وأسوارها والطرق المؤدية إليها كما يعاني بعضها من شح المياه... وكل هذا يؤثر على عملية التقبل المعرفي لدى التلميذ كما يعمق الهوة بين الجهات فتنعدم فكرة تكافؤ الفرص وتصبح لا معنى لها".
وأكد العبيدي أن "ديوان الخدمات المدرسية مطالب خلال السنة الدراسية الحالية بتحسين آدائه في المدارس الابتدائية وخاصة الريفية منها كأن يجتهد في تقديم أكلات لائقة لأبناء الفقراء وكذلك إمكانية بعثه لمبيتات جديدة ببعض المدارس النائية وتقديم مساعدات مدرسية لأبناء العائلات المعوزة مثل اللباس والأدوات المدرسية".
كما لم يفت نقابي التعليم الأساسي التطرق لمسألة الانتداب التي لم تلتزم فيها الوزارة بالشغورات العديدة وخاصة في المدارس الريفية وتأكيد ترك الأولوية لحاملي الشهادة الوطنية لعلوم التربية عند فتح مناظرات الانتداب، مشيرًا إلى التعامل السيء مع المعلمين النواب كأن تتأخر أجورهم لأشهر طويلة إضافة إلى قمعهم خلال الوقفات الاحتجاجية التي يقومون بها للمطالبة بالترسيم وتسوية الوضعية الهشة.
وختم العبيدي بأن "السنة الدراسية الحالية لا تبشر بالجديد ما لم تذهب وزارة التربية إلى الإصلاح الهيكلي الذي من شأنه أن يزيل كل العوائق ويجعل من المدرسة التونسية مدرسة عصرية ومتطورة".
الأسعد العبيدي، أستاذ في التعليم الأساسي: الوزارة لم تلتزم بسد بالشغورات العديدة وخاصة في المدارس الريفية مع ضرورة ترك الأولوية لحاملي الشهادة الوطنية لعلوم التربية عند فتح مناظرات الانتداب
اقرأ/ي أيضًا: نقابتا التعليم بسوسة: لا عودة مدرسية دون تطعيم الإطار التربوي والتلاميذ
- نقابة القيمين والقيمين العامين: "لا بد من فتح مناظرات للانتداب"
من جانبه ، تحدث عماد العباسي، وهو حاصل على الماجستير في علوم التربية وعضو النقابة الجهوية للقيمين والقيمين العامين بجهة تونس العاصمة، لـ"الترا تونس" عن النقص الحاصل في عدد القيمين الذي لا يتجاوز عددهم 12 ألف قيم مقابل مليون تلميذ، مطالبًا وزارة التربية بفتح باب المناظرات لانتداب قيمين من حملة الشهائد الجامعية في علم الاجتماع وعلم النفس وعلوم التربية".
واعتبر العباسي أن "القيّم ينهض بأدوار تربوية هامة داخل فضاء المدرسة فهو يسند الدرس بالتأطير والإرشاد والتوجيه والتثقيف وتعليم التلميذ مهارات التواصل والإشراف على النوادي الثقافية والمكتبة".
عماد العباسي، عضو نقابة القيمين والقيمين العامين بتونس العاصمة: نقص في عدد القيمين الذي لا يتجاوز عددهم 12 ألف قيم مقابل مليون تلميذ ومن الضروري فتح باب الانتداب
أما عن العودة المدرسية الحالية، فبيّن عضو النقابة الجهوية للقيمين والقيمين العامين أن قطاعهم وبعد أن أتم عملية التلقيح على استعداد لاستقبال أبناء المدرسة العمومية من أجل مرافقتهم ومساعدتهم على نحت كيانهم، وفق تعبيره.
إن العودة المدرسية 2021 ــ 2022 وحسب المؤشرات والقرارات الرسمية وأيضًا وفق بيانات وتصريحات نقابات مختلف قطاعات التربية، لم تأت بالجديد بل تأتي ضمن غموض سياسي يخيّم على البلاد وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة وتحت غيمة جائحة كورونا التي لا تزال تزدحم بها سماؤنا.. وهي كلها علامات تشي بالفشل.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف يمكن تدارك الخلل في المسار التربوي منذ بداية انتشار كورونا؟
مدرّسات واجهن كورونا بمفردهن.. عندما تختلط مشاعر اليأس والتنكّر والخذلان