التقدّم، التراجع، الريادة، القمة، القاع، الأوّل، الأخير... هذه المفردات وغيرها تنتمي إلى معجم الترتيب، وتحضر بكثافة في الخطابات التي تنحو منحى المناظرة والمقارنة. ومن بين المراجع والسندات التي تحفل بأسلوب المفاضلة، تقاريرُ المنظمات الحقوقية والجامعات الرياضية والمؤسسات الاقتصادية والعلمية، وهي تقارير غالبًا ما تصدر في مطلع كلّ شهر أو كلّ سنة، فيكون لها أثر بيّن في وسائل الإعلام ولدى جلّ المتابعين، يتشكّل ذلك الأثر دهشة أو سخرية أو تنابزًا أو مفاخرة، في هذا المقام يندرج حديثنا عن المراتب الأولى التي تحتلّها تونس عربيًا أو إفريقيًا أو عالميًا.
استنادًا إلى مصادر رسمية موثقة، يمكن الاهتداء إلى أكثر من عشرة اختصاصات ومجالات وميادين تحتل فيها تونس المرتبة الأولى.
- بنات الثورة
أثمر المسار الثوري منذ 2011 مكاسب عديدة وفضائل كثيرة صلتها وثيقة بالحريّات، فقد أقرّت العديد من المنظمات العالميّة ذات الإشعاع والمصداقيّة بتفوّق تونس إفريقيًا وعربيًا في أربعة مستويات يمكن نعتها "بنات الثورة".
المستوى الأوّل يتّصل بالهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، فهي أفضل هيئة ناشطة في مجال الديمقراطية سنة 2019، وذلك بشهادة المنظمة العالمية للحوكمة المحليّة، وقد أكّد نبيل بفون رئيس الهيئة في تصريح أدلى به يوم 1 مارس/ آذار 2020 أنّ " الإيزي" ستتسلّم يوم 24 مارس/ آذار 2020 جائزة تقديرية من هذه المنظمة التي تعمل بالشراكة مع الأمم المتحدة شأنها شأن العديد من المنظمات والجمعيات.المستوى الثاني من "بنات الثورة " يرتبط بالشأن السياسي، إذ تحتل تونس المرتبة الأولى عربيًّا في مؤشّر الديمقراطية لسنة 2019، هذا التقييم صدر عن مؤسسة " ذي ايكونوميست أنتجلينس البريطانية".
شهدت أصوات عديدة منها منظمة "مراسلون بلا حدود" أن تونس قد تصدرت العالم العربي سنة 2019 في ترتيب التصنيف العالمي لحرية الصحافة
المستويان الثالث والرابع المتعلقان بمخرجات الثورة هما بلا شكّ الحريات العامة وحرية الصحافة، فتونس مرتبتها الأولى عربيًّا في سلّم الحريات، وذلك بشهادة منظمة فريدوم هاوس في تقريرها السنوي حول الحريات، إذ دخلت تونس نادي 86 دولة حرة من 209 شملتها هذه المتابعة، أمّا البقية، فهي مصنفة ضمن الأقطار الحرة جزئيًا أو التي ترزح تحت وطأة الاستبداد.
استفادت الصحافة من مناخ الحريات الذي ينعم فيه التونسيون منذ تسع سنوات، وساهمت في ترسيخه، فاستحقت التشريف والثناء، فقد شهدت أصوات عديدة منها منظمة "مراسلون بلا حدود" أن تونس قد تصدرت العالم العربي سنة 2019 في ترتيب التصنيف العالمي لحرية الصحافة، ولئن حافظت تونس على الريادة عربيًا فقد تقدمت عالميًا في هذا "الرهان الإعلامي" 25 مرتبة (من 97 سنة 2018 إلى 72 سنة 2019).
- عالمية التمر والزيتون
في المجال الفلاحي، ظلّ الزيتون والتمر هبة الاقتصاد ومصدر خير وبركة وافتخار، إذ بلغت تونس المرتبة الأولى عالميًا في المساحات المخصصة لغراسة الزيتون البيولوجي، وهو ما كشفت عنه دراسة أصدرها معهد البحوث للفلاحة البيولوجية بسويسرا والفدرالية العالمية للفلاحة البيولوجية، إذ بلغت مساحة الزياتين البيولوجية بتونس 255 ألف هكتارًا متقدمة على إيطاليا (235 ألف هكتارًا) وإسبانيا (195 ألف هكتارًا).
احتلت تونس سنة 2019 المرتبة الأولى عالميًا في تصدير التمور
من جهة أخرى، ساهمت الأرض التونسية الطيبة الغنية في منتوج فلاحي ذي قيمة تنافسية عالية جدًّا، فقد احتلت تونس سنة 2019 المرتبة الأولى عالميًا في تصدير التمور، وبمناسبة الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للتمور والنخيل بتوزر في نوفمبر/ تشرين الثاني الفارط، أقرّ سليم الغرياني الوزير الأسبق للصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، أنّ إنتاج التمور قد بلغ 340 ألف طن خلال السنة المنقضية. وقد وصلت عائدات الصادرات من التمور 870 مليون دينار.
- المرأة وثالوث العلم والحرية والجمال
حصدت المرأة التونسية سنة 2019 وخلال السنوات المنقضية ثلاثة ألقاب، أولها حصولها على المرتبة الأولى عربيًا في مسابقة الجمال، فقد أعلن موقع "رانكر" أنها الأجمل عربيًا. ثاني الألقاب يتصل بالتكافؤ بين الجنسين فقد أكد المنتدى الاقتصادي العالمي أنّ المرأة التونسية تتفوق على سائر نساء العرب في تقلص الفجوة بينها وبين الرجل في الأجور وفرص التشغيل.
حافظ الترجي الرياضي التونسي على نفوذه الكروي عربيًا وإفريقيًا
ثالث المكاسب التي نحتتها المرأة التونسية ترتبط بالمجال العلمي، إذ احتلت المرتبة الأولى عربيًا والثانية عالميًا في نسبة خريجات الجامعات العلمية، اللافت أنّ التونسيات قد تفوقن في هذا الرهان التعليمي على الإيطاليات والفرنسيات وغيرهن من الطالبات في أوروبا وغيرها من القارات.
- الرياضة التونسية والريادة العربية
رغم ما تعانيه الرياضة التونسية من أزمات تشريعية وتسييرية ومادية، فقد حافظت على ريادتها العربية، تقوم شاهدًا على ذلك عدة إحصائيات وشهادات، فتونس تحتل الصدارة عربيًا في ترتيب المنتخبات وفق آخر تقرير صادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفري/ شباط 2020)، هذه الريادة تحققت في رياضات أخرى مثل الكرة الطائرة، كما تأكدت مع الأندية فقد حافظ الترجي الرياضي التونسي على نفوذه الكروي عربيًا وإفريقيًا محتلًا المرتبة الأولى وفق تصنيف الأندية عالميًا الصادر في 21 جانفي/ كانون الثاني 2020 عن المعهد الدولي لكرة القدم للتاريخ والإحصاء.
واضح من خلال هذا العرض أنّ مصدر التفوق والخصوبة في تونس راجع في الغالب إلى ثلاثة عناصر، الأرض والثورة والمرأة. هذه الروافد الثلاثة كانت وما تزال مصدر خير وحق وجمال واقتدار وافتقار، غير ذلك لا ينبغي أن يجلنا نغفل عن مجالات أخرى انحدرت فيها تونس إلى أسفل السافلين بيئيًّا واقتصاديًا وقيميًا.
اقرأ/ي أيضًا: