20-سبتمبر-2022
البرلمان التونسي

بسام معطر: "المجلس سيكون في الأغلب ضعيفًا ولن يتحقق من خلاله التوازن بين السلط وهذا سيخدم منظومة الحكم الرئاسية" (فتحي بلعيد/أ ف ب)

 

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المنتظرة يوم 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسومًا يتعلق بتنقيح القانون الانتخابي تم بمقتضاه تغيير نظام الاقتراع وكشف عن مشروع سعيّد وتصوراته للمرحلة المقبلة.

 

 

تنقيحات جوهرية جوبهت بموجة انتقادات واسعة من قبل معظم الأحزاب السياسية كما  أثارت جملة من المخاوف من تقليص دور الأحزاب في البرلمان وفتح المجال أمام المال السياسي في الاستحقاق الانتخابي المقبل.

التخلي عن التمويل العمومي في تنقيحات القانون الانتخابي يصب في مصالح رؤوس الأموال الذين سيحتكرون البرلمان القادم

ومن أبرز النقاط التي أثارت الجدل، نذكر التخلي عن التمويل العمومي للحملة الانتخابية وقد نص المرسوم المنقح لقانون الانتخابات في فصله 75 جديد على أنه "يتم تمويل الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء بالتمويل الذاتي والتمويل الخاص دون سواهما وفق ما يضبط هذا القانون".

ويعد الحرمان من التمويل العمومي إقصاء غير مباشر للأشخاص الراغبين في المشاركة في الاستحقاق الانتخابي المقبل غير القادرين على تمويل حملاتهم الانتخابية بصفة ذاتية كما يصب هذا الشرط في مصالح رؤوس الأموال الذين سيحتكرون البرلمان في غياب تمثيلية الأقليات.

ولئن يحجر الفصل 61 من الدستور التونسي على النائب ممارسة أي نشاط بمقابل أو بدونه أي وجوبية تفرغ أعضاء مجلس النواب فقط للعمل البرلماني فإن ذلك من شأنه أن يثني الكفاءات التونسية كالأطباء والمهندسين والمحامين وغيرهم على الترشح لعضوية البرلمان لتتضح بذلك صورة المجلس النيابي المقبل الذي قد يحكمه المال السياسي في غياب الكفاءات.

وجوبية تفرغ أعضاء مجلس النواب فقط للعمل البرلماني من شأنه أن يثني الكفاءات التونسية على الترشح لعضوية مجلس نواب الشعب

  • "ضرب لتكافئ الفرص وتغييب للكفاءات"

يرى رئيس جمعية عتيد بسام معطر أن منع التمويل العمومي ضرب لتكافئ الفرص على اعتبار أنه كان طريقة لتمويل الحملات الانتخابية للأطراف المشاركة في الانتخابات والتي ليس لديها القدرة المالية الكافية لتحمل مصاريف الحملات الانتخابية، مضيفًا أن منع التمويل العمومي من شأنه أن ينسف نظرية وشعار فتح المجال لتمثيلية شعبية لأنه لا يخدم بتاتاً كل مواطن ليس له إمكانيات مالية ويريد الترشح للعمل النيابي.

رئيس جمعية عتيد بسام معطر لـ"الترا تونس": منع التمويل العمومي للحملة الانتخابية ضرب لتكافئ الفرص ومن شأنه أن ينسف شعار فتح المجال لتمثيلية أوسع

كما اعتبر معطر، في حديثه لـ"الترا تونس" أن ذلك يعتبر نوعًا من الإقصاء لطيف كبير من التونسيين غير القادرين على تحمل مصاريف حملة انتخابية بالتكافؤ مع أطراف أخرى تكون لديهم قدرة مالية وتنظيمية تخول لهم التفوق على البقية أثناء الحملة الانتخابية.

ويضيف المتحدث أن شرط التفرغ الذي جاء به الدستور يمنع العمل الثاني ويقر التفرغ التام للعمل النيابي وهذا من شأنه أن يقصي شريحة هامة جدًا خاصة وأن المنح التي تقدم للعمل النيابي ليست منحًا كبيرة بل متوسطة وبالتالي يعزف العديد من التونسيين على دخول البرلمان لأسباب اقتصادية ومالية، مشيرًا إلى أن شرط التفرغ في السابق كان يسحب فقط على من يشتغل في الوظيفة العمومية لكن الخواص لهم حرية مزاولة نشاطهم بالتوازي مع النشاط النيابي مقرًا بوجود نوع من الإقصاء الضمني الذي لا يخدم شريحة من التونسيين الذين لديهم الكفاءة والمعرفة وتجربة العمل التشاركي.

من جهته، يرى الوزير السابق ومدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس مهدي المبروك أن رئيس الجمهورية يقدم المرسوم الرئاسي المنقح للقانون الانتخابي على أنه "تنقيح لا غير"، في حين أنه قانون انتخابي جديد يقطع مع روح القانون القديم الذي صاغته الهيئة العليا للإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي والتي كان عضوًا فيها والذي كان ينهض على خلفية جديدة تتمثل في توسيع المشاركة السياسية وإتاحة الفرصة للأحزاب لأنه لا ديمقراطية دون أحزاب، وفقه.

مهدي مبروك لـ"الترا تونس": الانتخاب على الأفراد وليس على القائمات يؤكد مرة أخرى أن الرئيس يجسد ويجسم أهدافه ومشروعه السياسي وهو تبديد المنظومة الحزبية والقضاء عليها تدريجيًا

ويستنكر المبروك، خلال حديثه لـ"ألترا تونس"، طبيعة صياغة المرسوم المنقح للقانون الانتخابي الذي تمت بشكل انفرادي وفي دوائر مغلقة إن لم يكن صيغ من قبل الرئيس بشكل أحادي، معتبرًا أن الصبغة الأحادية والانفرادية أهم مطعن في هذا المرسوم كما أشار إلى أن الانتخاب على الأفراد وليس على القائمات يؤكد مرة أخرى أن الرئيس يجسد ويجسم أهدافه ومشروعه السياسي وهو تبديد المنظومة الحزبية والقضاء عليها تدريجيًا بالتالي نجد أنفسنا أمام قانون يقصي الأحزاب نهائيًا والحال أن الديمقراطية كما عرفتها المجتمعات البشرية تقوم على التمثيلية الحزبية وعلى الحضور الحزبي.

ويقول مهدي المبروك إنه بخصوص "التنصيص على تفرغ المنتخبين يرجح أن يكون مرده خلفية الرئيس الذي يعتبر أن عدم التفرغ يمكن أن يقود النائب إلى الولاء لمهنته ولطائفته المهنية أكثر من ولائه للبرلمان وربما كذلك قضية حضور وتراجع مردوديته لكن لا يمكن إصلاح ما بان من أخطاء وعيوب في التجارب البرلمانية السابقة في تونس وغيرها بهذا الشكل، على حد تعبيره.

مهدي مبروك لـ"الترا تونس": نتفهم أسباب منع التمويل الأجنبي والمشبوه لكن التمويل العمومي هو الذي يتيح فرصًا متكافئة للجميع

كما انتقد مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس مسألة منع التمويل العمومي قائلاً "لإن نتفهم أسباب منع التمويل الأجنبي والمشبوه لكن التمويل العمومي هو الذي يتيح فرصًا متكافئة للجميع.. الرئيس قال ستصدر تباعًا بعض القوانين المتعلقة بتمويل الحملة الانتخابية لكن لا أعرف كيف سيعالج هذه المسألة.. ربما يكون الهدف من هذه الممارسات نبيل لكن النتيجة حتمًا ستكون وخيمة وسنعود لشراء الذمم بشكل آخر.. كما يقال الأهداف النبيلة قد لا تحيل دون تسرب الشياطين".

 

 

  • مخاوف بالجملة

انتقد سياسيون ومراقبون محليون التحويرات التي طرأت على القانون الانتخابي وقد أعلنت عديد الأحزاب التونسية مقاطعتها للاستحقاق الانتخابي المقبل. كما مثل  تهميش تمثيلية المرأة محور اهتمام العديد من الجمعيات التي تنادي بالتناصف وبتشريك المرأة في الحياة السياسية.

رئيس جمعية عتيد لـ"الترا تونس": سيكون المجلس المرتقب ذكوريًا ومشتتًا

وتحدث رئيس جمعية عتيد لـ"الترا تونس" عن إقصاء المرأة على مستوى القانون الانتخابي وغياب أي إجراء أو سعي في هذا الاتجاه على الرغم من تنصيص الدستور على ضمان التناصف في المجالس المنتخبة، مرجحًا أن يكون المجلس المرتقب ذكوريًا ومشتتًا بالنظر للتركيبة المجتمعية لتونس وخاصة مع التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية لأن الفكرة برمتها قائمة على أن يكون "نائب لمعتمدية أو مجموعة من المعتمديات وهذا سيعطي بعد انتمائي لمعتمديات وليس انتماءً جهويًا أو وطنيًا".

وقال المتحدث "البرامج التي سنراها خلال الحملة الانتخابية ستكون برامج في أغلبها ذات اهتمام محلي وهذا لا يخدم الصلاحية الأولى للبرلمان المتمثلة في المصادقة على قوانين تهم المنظومة الوطنية بصفة عامة وليس المنظومات الجهوية..".

وانتقد معطر طريقة الاقتراع على الأفراد التي سيكون لها تبعات هامة تتمثل في بروز أشخاص لا وجود لنسبة من التوافق والعمل التشاركي السابق  بينهم، قائلاً "في السابق كنا نشكو من التشتت في البرلمان الذي منعه من أن يكون ناجعًا وسريعاً في أعماله ربما الصورة ستزداد قتامة لأن النواب الجدد قادمون بطريقة فردية ولا وجود لأي أرضية سابقة للتفاهم والعمل بينهم".

رئيس جمعية عتيد لـ"الترا تونس": "في السابق كنا نشكو من التشتت في البرلمان، ربما الصورة ستزداد قتامة لأن النواب الجدد قادمون بطريقة فردية ولا وجود لأي أرضية سابقة للتفاهم والعمل بينهم"

كما ختم بالتأكيد أن منظومة سحب الوكالة من النواب ستكون بمثابة السيف المسلط على رقابهم وبجمع كل هذه المعطيات، أقر بسام معطر بأن "المجلس سيكون في الأغلب ضعيفًا ولن يتحقق من خلاله التوازن بين السلط وهذا سيخدم منظومة الحكم الرئاسية"، على حد تعبيره.

بدوره أعرب الوزير السابق مهدي مبروك، خلال حديثه لـ"الترا تونس"، عن مخاوف حقيقة من غياب التناصف الذي سيجعلنا أمام برلمان ذكوري تغيب فيه النساء وتغلب فيه الممارسات التي تقوم على الزبونية والولاء للعروش وللحمية العصبية والقبلية، مشيرًا إلى أنه رغم محاولة الرئيس قيس سعيّد غلق الباب أمام الاقتصاد المهمش لكن "الكناترية" سيتحكمون بشكل أو بآخر في التزكيات وفي الترشحات في البرلمان القادم.

مهدي مبروك لـ"الترا تونس": مخاوف حقيقة من برلمان تغلب فيه الممارسات التي تقوم على الزبونية والولاء للعروش وللحمية العصبية والقبلية

وتعقيبًا على الانتقادات التي طالت القانون الانتخابي المنقح، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال إشرافه على مجلس الوزراء أن الاقتراع على الأفراد لا يشكل إقصاء للأحزاب السياسية وأن ما يروج حول الإقصاء لا أساس له من الصحة، وفقه.