22-يناير-2022

القانون التونسي حاليًا يمنع العزباء من القيام بمثل هذه العمليات (Getty)

 

اختارت سمية (اسم مستعار) مسارًا دراسيًّا طويلًا جعلها تمضي جزء مهمًّا من حياتها في مطاردة حلم الطفولة بأن تمتهن الطب يومًا ما.

حقّقت الدكتورة حلمها، وتخرّجت من كبرى الجامعات الفرنسيّة وأصبحت أخصائية في طب النساء والتوليد. وصولها لهدفها لم يثنها عن رغبتها كذلك في أن تعيش مشاعر الأمومة. فقرّرت أن تقوم بتجميد بويضاتها في انتظار أن تجد الشخص المناسب الذي تتشارك معه هذا الحلم. ورغم تواجدها في ذلك الوقت في فرنسا، إلا أنّ القوانين الفرنسية كانت تمتع القيام بمثل هذه العمليات.

وسمية لا تختلف عن غيرها من النساء اللاتي وجدن الوقت عدوًّا يسلبهنّ حلم الأمومة بالإضافة إلى قوانين المنع سواء في الدول للعربية أو في بعض الدول الغربية التي رغم مناخ الحرية السائد فيها إلّا أن مثل هذه القوانين مازلت محلّ جدل سواء لخلفيات دينية أو أخلاقية.

الدكتور خليل بن شريفية: يتمّ نفخ البويضات بمواد معينة إلى أن يصل حجمها من 17 إلى 20 مم. يقع هذا النفخ كل 4 أيام من ثمّ نحقن المرأة بدواء لاقتلاع البويضات من جدار البويضة ونستخرجها بعد مضي 38 ساعة على حدّ أقصى

فكيف يتم الأمر في تونس؟ وفيما تتمثّل عملية تجميد البويضات؟ وهل يسمح للمرأة التونسية بالقيام بمثل هذه العمليّات؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس" في هذا التقرير. 

اقرأ/ي أيضًا: طفل الأنبوب ... السّعي وراء حلم الأمومة

  • تجميد البويضات ليس متاحًا لكل النساء

إن "عملية تجميد البويضات مشابهة لطفل الأنبوب، إذ يتمّ نفخ البويضات بمواد معينة إلى أن يصل حجمها من 17 إلى 20 مم. يقع هذا النفخ كل أربعة أيام من ثمّ نحقن المرأة بدواء لاقتلاع البويضات من جدار البويضة ونستخرجها بعد مضي 38 ساعة على حدّ أقصى"، هكذا بسّط أخصائي أمراض النساء والتوليد، خليل بن شريفيّة لـ"ألترا تونس" عملية تجميد البويضات، مؤكدًا أنّ أحجامها تختلف داخل الرحم ويستخرج ما بين 12 و15 بويضة. 

وتتعدّد مراحل هذه العملية، حسب محدثنا، فبعد الاستخراج يقع تقديم هذه البويضات للطبيب البيولوجي المختص في الإنجاب، فيحللها وينظّفها من ثم يجمّدها في سائل الآزوت في درجة 178 تحت الصفر. 

ويقول الدكتور بن شريفيّة أن تكلفة هذه العملية قد تصل إلى 4500 دينار تونسي ويمكن أن تتم منذ بلوغ الفتاة وصولًا إلى سن اليأس، ولكن الأمر يصبح أقل نجاحًا كلّما تقدمت المرأة في السن، وفقه. 

وعن مدى نجاعة مثل هذه التقنيات، يؤكد الطبيب المختصّ، أنه فيما يخص إعادة استعمال البويضات المجمدة فإن نصف الكميّة تتعرّض للتلف عادة، مشيرًا إلى أنّ تجميد الأجنة أنجع من تجميد البويضات لأنّ نسبة الحصول على طفل تكون أرفع، حسب قوله. 

أخصائي أمراض النساء والتوليد عادل بلحسن فتوحي: في تونس يمر الأمر بلجنة متكوّنة من أطباء وشيوخ ومسؤولين من وزارة الصحة، تمضي إثرها المرأة على عقد بعد استظهارها بوثيقة الزواج

ومن جهة أخرى، يفسّر أخصائي أمراض النساء والتوليد، الدكتور عادل بلحسن فتوحي لـ"ألترا تونس"، أن عملية تجميد البويضات ليست متاحة لجميع النساء في تونس بل موجّهة فقط للمرأة التي تعاني من الأمراض السرطانية ومعرّضة سواء للعلاج الكيميائي أو الأشعة وذلك خوفًا على سلامة بويضاتها وأيضًا نقص مخزونها مع التقدم في السن، مضيفًا أنّه يمنع عليه كطبيب إجراء هذا النوع من العمليات دون استكمال الشروط.

ويؤكد الدكتور فتوحي أن اختيار المترشّحة يمر بلجنة متكوّنة من أطباء وشيوخ ومسؤولين من وزارة الصحة، تمضي إثرها المرأة على عقد بعد استظهارها بوثيقة الزواج.  

ويشدّد محدّثنا أن القانون التونسي محدّد في هذا السياق ويمنع العزباء من القيام بمثل هذه العمليات، على عكس عدد من دول العالم التي أنشأت بنوكًا للبويضات يقع فيها التجميد أو حتّى تبادل البويضات.

اقرأ/ي أيضًا: إنجاب سنة أولى زواج.. أمومة لإرضاء المجتمع أحيانًا

  • ناشطات نسويات: "قانون المنع رجعي ويحتاج المراجعة"

ينص القانون عدد 93 المؤرّخ في 7 أوت/أغسطس 2001 المتعلّق بالطب الإنجابي، في فصله الحادي عشر على منع إجراء تجميد الأمشاج أو الأجنة. ويستثني في فصله السادس الشخص المتزوج والذي يخضع لعلاج أو الذي يستعد للخضوع إلى عمل طبّي من شأنه أن يؤثر على قدرته على الإنجاب اللجوء إلى تجميد أمشاجه قصد استعمالها لاحقًا في إطار رابطة زواج شرعي وفي نطاق الطب الإنجابي وطبقًا للقواعد والشروط الواردة بالقانون. 

المحامية والعضوة في جمعية النساء الديمقراطيات هالة بن سالم: ضرورة تطوير القوانين في تونس والقيام بحملات مناصرة تحترم مشيئة المرأة في القيام بتجميد بويضاتها مهما كان سنها أو وضعيتها الاجتماعية

وهذا ما أكدته المحامية والعضوة في جمعية النساء الديمقراطيات هالة بن سالم لـ"ألترا تونس" قائلة إن عمليّة تجميد البويضات ممنوعة في تونس إلا في حالات استثنائية مرضية مثل المتزوجات المصابات بأمراض سرطانية مثلًا، ولا يمكن للمرأة التونسية القيام بهذه العملية بصفة آلية في تونس ولكن يمكنها اللجوء لدول أخرى تشرّع لهذه المسائل.

وشدّدت محدثتنا على ضرورة تطوير مثل هذه القوانين بما يتماشى مع مكاسب الحريات الفردية للمرأة، داعية إلى القيام بحملات مناصرة تحترم مشيئة المرأة في القيام بتجميد بويضاتها مهما كان سنها أو وضعيتها الاجتماعية. 

في ذات السياق، ندّدت الناشطة النسوية والصحافية هندة الشناوي بهذا القانون، واعتبرته قانونًا رجعيًّا يمارس الوصاية على خيارات النساء وأجسادهن، مشدّدة على ضرورة تخلي الدولة عن وصايتها على المرأة وتجديد مفهومها للعائلة. 

وأكدت هندة الشناوي لـ"ألترا تونس" على إيمانها بحق كل امرأة في اختيار مصيرها وحقها في تجميد بويضاتها واستعمالهاا متى أرادت ذلك سواء كانت متزوّجة أو عزباء ومهما كان سنّها، مضيفة أنه طالما يسمح العلم بذلك فمن المفروض أن يصبح حقًّا للجميع دون استثناء. 

الصحافية هندة الشناوي: القانون في تونس رجعي ويمارس الوصاية على خيارات النساء وأجسادهن ومن الضروري تخلي الدولة عن وصايتها على المرأة وتجديد مفهومها للعائلة

اقرأ/ي أيضًا:  الأمومة أو العمل؟.. صراع مؤجّل الحسم

  • دكتور في العقيدة والفلسفة: الدين الإسلامي يحرّم تجميد البويضات 

لا يزال موضوع تجميد البويضات محلّ جدل داخل المجتمعات العربية خاصّة مع تأكيد أغلب علماء الدين على تحريم هذا النوع من العمليات، وفقهم.

وهذا ما فسره الدكتور في العقيدة والفلسفة بلقاسم القاسمي لـ"ألترا تونس" قائلاً إنّ فقهاء الإسلام حرموا عملية تجميد البويضات والأجنّة لأنها تؤدي إلى اختلاط الأنساب وهي مخالفة للفطرة السليمة التي فطر اللّه الناس عليها"، وفقه.

الدكتور في العقيدة والفلسفة بلقاسم القاسمي: فقهاء الإسلام حرموا عملية تجميد البويضات والأجنّة لأنها تؤدي إلى اختلاط الأنساب وهي مخالفة للفطرة السليمة التي فطر اللّه الناس عليها

وقد أجازت دار الإفتاء المصرية عملية تجميد البويضات، مشيرة إلى عدم وجود "محظور شرعي إذا ما تمت وفق ضوابط معينة". وتتمثّل بعض هذه الضوابط في أن تحفظ البويضة المخصبة بشكل آمن يمنع اختلاطها عمدًا أو خطأ. وأن تتم عملية التخصيب بين زوجين، بدخول البويضة المخصبة في المرأة وهي لا تزال زوجة له وألاّ يتم وضع البويضة المخصبة في غير رحم صاحبة البويضة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مونولوج الإجهاض: "لن أحمل مجددًا لأني لم أكبر بعد"

عن الاإنجابية:لم يعد على هذه الأرض ما يستحق الحياة