12-يونيو-2023
 سعيّد والوفد الأوروبي

منظمة: "زيارات هؤلاء المسؤولين الأوروبيين، تأتي بعناوين تبدو جذابة لكنها تخفي ابتزازًا ومساومة"

 

لم تقدم زيارة الوفد الأوروبي إلى تونس، الأحد 11 جوان/ يونيو 2023، إجابات واضحة وشافية عن ملفات الدعم المالي لتونس ومدى ارتباطه بسياسة محددة على مستوى التعاطي مع المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء والذي تمثل تونس وجهتهم قبل الانتقال منها إلى القارة الأوروبية.

لم تقدم زيارة الوفد الأوروبي إلى تونس إجابات واضحة وشافية عن ملفات الدعم المالي لتونس ومدى ارتباطه بسياسة محددة على مستوى التعاطي مع المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء

لم تتضح مآلات قرض صندوق النقد الدولي ولا تبيّنت بشفافية تفاصيل الاتفاق الجديد الذي يربط بين معالجة ملف الهجرة غير النظامية والدعم الاقتصادي والمالي الأوروبي لتونس، ولم تتشكل صورة جلية عن الدور التونسي في كل هذا ومدى حقيقة تحوّل تونس إلى منصة لاستقبال وقبول المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء مقابل دعم مادي أوروبي.

  • ضبابية الخطاب واختلاف التأويل

حافظ الخطاب الرسمي التونسي على ضبابية عقدت التأويل والتحليل المنطقي وأجلته غالبًا لموعد توقيع مذكرة تفاهم حول ما سُمي بـ"حزمة الشراكة الشاملة"، والتي من المنتظر أن يتم اعتمادها من قبل تونس والاتحاد الأوروبي قبل موفى جوان/يونيو 2023.

فبينما ورد في بيان للرئاسة التونسية، إبان لقاء الرئيس التونسي قيس سعيّد مع أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، وجورجيا ميلوني، رئيسة مجلس الوزراء الإيطالية، ومارك روته، الوزير الأول الهولندي في قصر قرطاج يوم الأحد، أن "الحلّ الذي يدعو إليه البعض في الخفاء إلى توطين المهاجرين في تونس مقابل مبالغ مالية حل لا هو إنساني ولا هو مقبول"، فإن بيانًا آخر صدر في ذات اليوم وعُنون أنه مشترك مع الاتحاد الأوروبي، تضمن "مكافحة الهجرة غير النظامية من وإلى تونس وتفادي الخسائر البشرية في البحر هي أولويتنا المشتركة، بما في ذلك مكافحة المهربين والمتاجرين بالبشر وتعزيز التصرف في الحدود والتسجيل وإعادة القبول في كنف الاحترام الكامل لحقوق الإنسان".

في ذات اليوم أصدرت الرئاسة التونسية بيانًا ورد فيه أن "توطين المهاجرين في تونس مقابل مبالغ مالية حل لا هو إنساني ولا هو مقبول" وبيانًا آخر مشتركًا مع الاتحاد الأوروبي تضمن "التسجيل وإعادة قبول المهاجرين" 

وتم تأويل عبارة "التسجيل وإعادة القبول" على أساس توجه تونس لقبول ترحيل المهاجرين غير النظاميين إليها أو توطينهم خاصة وقد تضمن ذات البيان/الإعلان المشترك، حديثًا عن دعم مادي مشروط لتونس، جزء منه (100 مليون يورو) موجه "لإدارة الحدود وعمليات البحث والإنقاذ ومكافحة التهريب وقضايا الهجرة"، وفق ما أعلنت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية الأحد، إضافة إلى دراسة مساعدة مالية كبيرة موجهة لتونس تصل إلى حدود 900 مليون يورو وما يصل إلى 150 مليون يورو لدعم ميزانيتها، إثر التوصل لاتفاق وهو ما لم يحدد في كلامها غير أنه غالبًا يخص اتفاق  قرض صندوق النقد الدولي.

 

 

يُذكر أن الحكومة التونسية قد توصلت لاتفاق مبدئي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار لدعم إجراء بعض "الإصلاحات" كما سمتها الحكومة نفسها سابقًا، والتي تشمل خفض الدعم وتقليص أجور موظفي القطاع العام وإعادة هيكلة الشركات الحكومية.

بقي هذا الاتفاق المبدئي معلقًا وسط تأكيدات وزراء تونسيين أن تفعيله وشيك إلى أن ثبتت بعد فترة معارضة الرئيس التونسي الشديدة له، وفق تصريحات وبيانات قدمها، وقد وصف "شروط/إصلاحات" الصندوق بـ"الإملاءات المرفوضة"، مما أثار مزيد الغموض حول مآلات القرض.

 

 

وحتى زيارة الوفد الأوروبي الأخيرة إلى تونس واصلت في تعميق الغموض حول هذا القرض إذ ورد في البيان التونسي في ذات اليوم "الحلول لا يمكن أن تكون في شكل إملاءات والحلول التقليدية لن تؤدي إلا إلى مزيد تأزيم الأوضاع الاجتماعية وستعود بالضرر على تونس وعلى المنطقة كلها". كما ورد أيضاً أن "على صندوق النقد مراجعة وصفاته وبعدها يمكن التوصّل إلى حلّ.. العالم كلّه دخل مرحلة جديدة في التاريخ، الجذب إلى الوراء أو إسناد قرض لا يتجاوز مبلغًا تحصل عليه أحد اللاعبين المحترفين إلا بقليل لن يبني مستقبلًا".

تواصل الغموض وما يبدو تضاربًا بين لاءات سعيّد في وجه قرض الصندوق وغياب اتفاق بمعطيات جديدة في مقابل حديث أوروبي عن التقدم في تفعيل "حزمة شراكة شاملة" وهي مشروطة باتفاق

أمام تواصل الغموض وما يبدو تضاربًا بين لاءات سعيّد في وجه قرض الصندوق بصيغته الحالية وغياب اتفاق بمعطيات جديدة في مقابل حديث أوروبي عن التقدم في تفعيل "حزمة شراكة شاملة" وهي مشروطة باتفاق قرض الصندوق وباتفاق على مستوى الهجرة غير النظامية، لا يفصح عن محتواه تونسيًا ويصر الرئيس أنه لا يتضمن توطينًا لمهاجرين ولا يؤدي لحراسة الحدود الأوروبية، يبقى الجزم غير ممكن والصورة ضبابية جدًا.

لكن تتالي الزيارات الأوروبية إلى تونس وما يبدو من توافق كبير بين سعيّد وميلوني ومحتوى البيان المشترك الأخير ذهب بالبعض إلى "اعتقاد توجه السلطات التونسية للقبول بترحيل المهاجرين إلى تونس باعتبارها دولة آمنة على أن تتولى الدولة التونسية ترحيلهم من جديد لاحقًا إلى بلدانهم الأصلية في إفريقيا جنوب الصحراء"، وهو ما يذهب إليه مثلًا النائب السابق عن إيطاليا مجدي الكرباعي في تصريحاته للإعلام المحلي وعلى مواقع التواصل.

 

 

وهذا التوجه يلاقي رفضًا واسعًا داخليًا في تونس خاصة من المنظمات الحقوقية ومنها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي كان قد اعتبر أنّ "تواتر زيارات المسؤولين الأوروبيين وتصريحاتهم جزء من مسار قديم متجدد لابتزاز تونس وانتهاز الهشاشة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية وذلك لمزيد التعاون في سياسات تصدير الحدود".

منظمة تونسية: "زيارات هؤلاء المسؤولين الأوروبيين، تأتي بعناوين تبدو جذابة حول التعاون الاقتصادي والطاقات المتجددة والتعاون العلمي والهجرة ومساعدة تونس في أزمتها لكنها تخفي ابتزازًا ومساومة"

وقال في بيان، الأحد، إن "زيارات هؤلاء المسؤولين الأوروبيين، تأتي بعناوين تبدو جذابة حول التعاون الاقتصادي والطاقات المتجددة والتعاون العلمي والهجرة ومساعدة تونس في أزمتها لكنها تخفي ابتزازًا ومساومة: الأموال والمساعدات مقابل دور شرطي الحدود والتعاون لمزيد الترحيل للمهاجرين غير النظاميين التونسيين وإعادة القبول لكل من مرّ عبر الأراضي التونسية".

وأكد أن هذه الزيارات والاتفاقيات "ستعزز انتهاك حرية التنقل وتدعم الآليات القمعية على الحدود البحرية والبرية وتنتهك حقوق وكرامة المهاجرين التونسيين والمهاجرين في تونس ولن تكون حدثًا لإعادة تصحيح التعاون نحو تبادل الحرّيات واحترام حقوق وكرامة التونسيين"، وفقه.

لكن ما حقيقة هذا التوجه الأوروبي وهل من اتفاق ينص على ترحيل المهاجرين غير النظاميين إلى دول ثالثة وهل تونس من ضمنها؟

  • الأوروبيون يدرسون اتفاقًا حول تقاسم المسؤولية عن المهاجرين واللاجئين.. أي دور لتونس؟

وفق ما نقلته وكالة رويترز، في 9 جوان/يونيو الجاري، اتفق وزراء بالاتحاد الأوروبي على "كيفية تقاسم المسؤولية عن الاعتناء بالمهاجرين واللاجئين، بعد مفاوضات استمرت 12 ساعة نجحت في دفع إيطاليا واليونان للانضمام إلى اتفاق استعصى على التكتل لما يقرب من عشر سنوات"، وفق ذات الوكالة.

اتفاق أولي بين 27 دولة أوروبية: "كل دولة مسؤولة عن عدد محدد من المهاجرين، ولكن لن يكون عليها بالضرورة أن تستقبلهم بل يمكن مساعدة الدول المستضيفة بالمال، بتقديم نحو 20 ألف يورو عن كل شخص أو بالمعدات أو الأفراد"

وأوضحت أن وزراء الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة قد اتفقوا، الخميس 8 جوان/يونيو الجاري، أن "كل دولة مسؤولة عن عدد محدد من الأشخاص/المهاجرين، ولكن لن يكون عليها بالضرورة أن تستقبلهم". وستتمكن، وفق الاتفاق، البلدان التي لا تريد استقبال المهاجرين غير النظاميين واللاجئين الذين يصلون إلى الاتحاد الأوروبي من مساعدة الدول المستضيفة بالمال، بتقديم نحو 20 ألف يورو عن كل شخص، أو بالمعدات أو الأفراد، وفق ما نقلت رويترز.

وبموجب الاتفاق، الذي من المقرر وضع اللمسات الأخيرة عليه قبل انتخابات الاتحاد الأوروبي في عام 2024، سيتضمن إجراء حدوديًا معجلاً جديداً لمن يُعتقد أنهم لن ينالوا الحق في اللجوء على الأرجح، وذلك لمنعهم من البقاء داخل الكتلة لسنوات.

رويترز: الاتفاق بين الدول الأوروبية سيتضمن إجراء حدوديًا معجلاً جديداً لمن يُعتقد أنهم لن ينالوا الحق في اللجوء على الأرجح، وذلك لمنعهم من البقاء داخل الكتلة لسنوات

وأشادت الوزيرة الألمانية نانسي فيزر بالاتفاق ووصفته بأنه "تاريخي". وقالت مفوضة الشؤون الداخلية بالتكتل إيلفا جوهانسون "هذا إنجاز عظيم، يُظهر أنه من الممكن أن نعمل معاً في مجال الهجرة. إننا نكون أقوى بكثير عندما نعمل معًا". بينما نقلت ذات الوكالة أن انتقادات عدة أوروبية وُجهت للاتفاق الذي لم يمض بعد.

مع العلم أن ملف إدارة الهجرة غير النظامية كان من أكثر المواضيع الخلافية بين دول الاتحاد الأوروبي خاصة منذ سنة 2015 عندما وصل أكثر من مليون شخص، معظمهم قد فروا من الحرب في سوريا، إلى الاتحاد الأوروبي عبر البحر الأبيض المتوسط.

وتمحورت الخلافات حول كيفية تقاسم المسؤولية، فيما دعت دول في الاتحاد إلى خفض عدد الوافدين. وتطالب الدول الواقعة على الحافة الجنوبية للاتحاد الأوروبي ومنها إيطاليا واليونان، بمزيد من المساعدة حتى تستطيع التعامل مع من يصلون إلى شواطئها، بينما تصر دول أخرى كبولندا والمجر، في شرق الاتحاد، على رفض استضافة مهاجرين خاصة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة.

ملف إدارة الهجرة غير النظامية كان من أكثر المواضيع الخلافية بين دول الاتحاد الأوروبي خاصة منذ سنة 2015 عندما وصل أكثر من مليون شخص، معظمهم قد فروا من الحرب في سوريا، إلى الاتحاد الأوروبي

ويتجدد هذا الخطاب المناهض للهجرة والعنصري مع صعود لافت للأحزاب اليمينية والشعبوية في أوروبا. لكن وكالة رويترز لم تحدد أسماء الدول المعنية بإعادة ترحيل المهاجرين غير النظاميين نحوها.

جدير بالذكر أنه قد وصل، في عام 2022، 32 ألف شخص من تونس إلى السواحل الإيطالية، أي بارتفاع بنسبة 60 في المائة مقارنة بالعام السابق، وفق أرقام إيطالية. بينما تجاوز عدد الوافدين في الأشهر الأولى من العالم الحالي، 12 ألف مهاجر غير نظامي معظمهم من إفريقيا جنوب الصحراء، مما يجعل من تونس بشكل متزايد بلد عبور رئيسي نحو أوروبا.

وينتظر أن تتضح الصورة أكثر حول مآلات هذه الاتفاقات وخاصة ما يخص الجانب التونسي تحديدًا مع توقيع مذكرة التفاهم حول حزمة الشراكة الشاملة، كما سُميت، والتي تم تكليف وزير الخارجية التونسي والمفوض الأوروبي للجوار والتوسع بإعدادها واعتمادها من قبل تونس والاتحاد الأوروبي قبل موفى جوان/يونيو 2023.