10-سبتمبر-2018

أكدت فوزية باشا أن المجتمع المدني قام بدوره في قطاع الطاقة من خلال حملة وينو البترول

لا يزال ملف الثروة النفطية الوطنية من الملفات التي أثارت جدلًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة بعد ظهور عدّة تحركات من المجتمع المدني مطالبة بالكشف عن عقود النفط والثروة الحقيقة للمحروقات في تونس، والخروقات الخطيرة المتعلقة بعملية المراقبة وضبط كميات الإنتاج. لكن بقيت مسألة الإفصاح عن العقود النفطية ونشرها للعموم من أكبر المسائل التي يشوبها الكثير من التعقيد وتلقى الرفض التام رغم التحركات والضغوطات الكثيرة التي يقودها المجتمع المدني.

اقرأ/ي أيضًا: في تونس.. حرب ضد الفساد أو حرب مصالح بوصلتها انتخابات 2019؟

وبعد تصريح رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين بخصوص الحصول على وثائق تتعلق باتفاقيات أبرمت عام 1955 وتتعلق باستغلال فرنسا لكل من النفط والملح والماء والفسفاط التونسي، وغيرها من الاتفاقيات التي لا تزال سارية المفعول وبشكل استعماري، عاد الموضوع ليكون مثار نقاشات عدة. وساهمت الضجة التي أثارها رئيس الحكومة بعد إعفاء وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة خالد قدور وخمسة مديرين بالوزارة بسبب وجود شبهة فساد في مزيد إذكائه، خاصة مع ما تقرر من تكوين لجنة خبراء لدى رئاسة الحكومة لإعادة هيكلة الوزارة ومراجعة حوكمة قطاع الطاقة في تونس، وتكليف كل من هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية، وهيئة الرقابة العامة للمالية بفتح تحقيق معمق في الوزارة.

وعن ملف المحروقات في تونس والجدل الحاصل اليوم، التقى "الترا تونس" أستاذة القانون والمختصة في العقود النفطية فوزية باشا العمدوني، والتي طالما تحدّثت عن التعتيم الذي يحوم حول كل ما يتعلّق بعقود وشركات النفط وعملها في تونس. وتكشف في هذا الحوار مع "الترا تونس" تفاصيل مهمة في هذا الملف.

 


 

أشارت فوزية باشا العمدوني في مستهلّ حديثها إلى أنّ القول إن اكتشاف ملف الفساد الأخير في قطاع الطاقة والذي أعلنت عنه الحكومة كان من باب الصدفة دليل على أنّ الحكومة لا تتابع ما يحدث في البلاد وما يفعله المجتمع المدني والقطب القضائي المالي حول هذه الملفات، مضيفة أنّهم نبهوا سابقًا رئيس الحكومة، وسبقوا لهم، كأطراف ناشطة في المجتمع المدني، أن رفعوا قضية ضد الوزير المقال خالد قدور لدى القطب القضائي.

فوزية باشا العمدوني لـ"الترا تونس": الشركة التونسية للأنشطة البترولية المشرفة على القطاع لا تقوم بدورها المحمول عليها في الرقابة لأنها شريك في الفعل

وأضافت محدّثتنا أنّ الفساد في ملف المحروقات هو حقيقة ثابتة، وهو ما أكده تقرير دائرة المحاسبات عدد 27 وعدد 30 و31، وأكدته أيضًا تقارير الهيئات الرقابية الثلاث، وهي هيئة الرقابة العامة لرئاسة الحكومة، هيئة الرقابة بوزارة أملاك الدولة وهيئة الرقابة بوزارة المالية، وقبلهم تقرير المرحوم عبد الفتاح عمر عندما عثر على الوثائق والصفقات والعمولات التي يتقاضاها بن علي من منح الرخص النفطية في قصر قرطاج وفي قصر سيدي الظريف..

اقرأ/ي أيضًا: حول سقوط الإعلام في "الفخاخ الاتصالية" للحكومة..

673 مليون دولار ديون الشركات الأجنبية النفطية في تونس!

على مستوى ديون الشركات الأجنبية في النفط، أفادت فوزية باشا العمدوني أنّ الشركات الأجنبية هي من تتحمل مصاريف البحث، مضيفة "مع الأسف الشديد، تشغيل 99 في المائة من شركات النفط وإن كان يتم بأياد تونسية إلا أنّه يتم تحت إشراف الشركات الأجنبية، أي الشركة المستثمرة وليس الشركة التونسية للأنـشطة البترولية".

وبيّنت أن "مصاريف التطوير ومصاريف الاستغلال من المفروض أن تتم رقابتها والتدقيق فيها، فعندما تقول مثلًا شركة أنّها أنفقت 10 مليار دينار في بئر أو مصاريف حفر، فالدولة مطالبة بالتثبت من أنّه تم فعلًا إنفاق تلك المصاريف، والصفحة 38 من تقرير الهيئات الرقابية الثلاثة يحدد هذا المبلغ في حدود 673 مليون دولار أمريكي وفي حدود 53 مليون دينار تونسي. وتقول الهيئات الرقابية إنّ هذه الديون مستحقة للدولة التونسية على الشركات الأجنبية وإلى تاريخ اليوم منذ سنة 1996 لم يقع استخلاصها. لذا قلنا دائمًا إنه يوجد مشكلة حوكمة وغياب للشفافية".

وأردفت بالقول "يوجد مشكلة هيكلية في القطاع، وهي أن الشركة التونسية للأنشطة البترولية المشرفة على القطاع لا تقوم بدورها المحمول عليها في الرقابة لسبب بسيط وهي أنّها في حدّ ذاتها شريكة في الفعل".

فوزية باشا العمدوني لـ"الترا تونس": تنقيحات مجلة المحروقات تمت على القياس وهي تعمق انعدام الشفافية والحوكمة الرشيدة في القطاع

مجلة المحروقات تفتح باب تصدير العملة دون رقابة

وفيما يتعلّق بمجلّة المحروقات والتنقيحات التي أدخلت عليها، أوضحت فوزية باشا أنه تمّ سن مجلة المحروقات سنة 1999 وثم تحيينها سنة 2000، وثم تنقيحها سنة 2004 وتم تنقيحها كذلك سنة 2008، أي في مدة وجيزة وتمت التنقيحات على المقاس، وفق تقديرها.

واعتبرت أنها تنقيحات تعمق انعدام الشفافية والحوكمة الرشيدة في القطاع خاصة فيما يهم منح امتيازات جبائية على غرار امتياز الفصل 129 من مجلة المحروقات في باب الصرف والتجارة الخارجية الذي ينص على أنّه يمكن للشركات النفطية ويمكن لشركات الخدمات النفطية أيضًا أن تصدر بكل حرية المتحصل لها من العملة الصعبة من بيع النفط التونسي، وهنا تفتح باب تصدير العملة الصعبة من تونس دون رقابة البنك المركزي، وفق تصريحاتها.

على صعيد آخر، أشارت محدّثتنا إلى رفض الدولة التونسية الانضمام إلى المنظمة الدولية للاستطلاعات الاستخراجية، لأنّه ليس لها سلطة فعلية على الحقول النفطية، قائلة "إذا تحدّثنا عن الشفافية فإننا نقول شفافية في منح العقود، وشفافية في مراقبة المصاريف وشفافية في مراقبة وتصدير الإنتاج، وشفافية في التوريد أيضًا. وهي كلها منعدمة في تونس".

 هرسلة الناشطين في قطاع محاربة الفساد..

وأكدت أستاذة القانون والخبيرة في العقود النفطية من جهة أخرى خلال حديثها لـ"الترا تونس" أنّه يوجد تقصير من الحكومة والجهات السياسية لأنّ المجتمع المدني قام بدوره وبلغ الأمر إلى حد هرسلة الناشطين في قطاع محاربة الفساد في الطاقة، وهرسلة موظفين شرفاء في القطاع النفطي، وإحالتهم على القضاء بتهم الثلب، أي ثلب مديريهم الذين تمّت إقالة أغلبهم حاليًا.

وأضافت محدثتنا أنّ المجتمع المدني قام بواجبه من خلال حملة "وينو البترول" الأولى، إلى درجة أنّه تم اتهام من شارك فيها بالتسبب في حالة فوضى نتجت عنها عمليات إرهابية وبذلك تم وأد هذه التجربة، وفق تعبيرها. وشددت فوزية باشا العمدوني على أن المجتمع المدني لن ينقطع عن العمل في كشف الفساد في المجال الطاقي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إياد الدهماني يكشف ملابسات إعفاء وزير الطاقة ومسؤولين بالوزارة من مهامهم

اتحاد الشغل بتطاوين: ما أقدم عليه الشاهد شبيه بسياسة الأرض المحروقة