30-ديسمبر-2019

منع الساتر الترابي على الحدود التونسية الليبية فلاحين جنوبي تونس من استغلال أراضيهم (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

بينما يواجه فلّاحون في مختلف ربوع تونس صعوبات في جني الصابة القياسيّة لزيت الزيتون هذا الموسم، وبالخصوص في ترويجه بسبب تدني سعر البيع بما لا يخدم مصالحهم، حُرم عديد الفلاحين، في الجنوب التونسي، من الوصول إلى أراضيهم لجمع محاصيلهم تحديدًا في المناطق المجاورة للساتر الترابي بين تونس وليبيا الذي عزل أصحاب عديد الأراضي منذ سنوات عن أرزاقهم.

يشكو فلاحون في الذهيبة وبنقردان، جنوبي تونس، من منعهم من التنقل إلى أراضيهم لجني المحاصيل منذ إنشاء الساتر الترابي الحدودي

إذ لازال هذا المشكل غير المستجدّ، منذ إنشاء الساتر الحدودي في السنوات الأخيرة، يتجدّد كل عام ويحرم الفلاحين من جني محاصيلهم من الزيتون بسبب تحوّل مناطقهم أو أراضيهم إلى مناطق عسكرية، فهم إما ممنوعون من التنقل إلى الأرض، أو يخضعون إلى تراخيص مسبقة للعبور إلى أراضي تحوي محاصيل من الزيتون، والتين وأشجار مثمرة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: شجرة الزيتونة.. عن عادات تونسية أصيلة من الجني إلى "بيت العولة"

أراض منسية في بن قردان

ترك عشرات الفلاحين في منطقة بن قردان، جنوبي شرق تونس، أراضيهم قرب الساتر الترابي بسبب صعوبة الوصول إليها والخضوع إلى تراخيص أمنية مسبقة للتنقل لأرضهم سواء للزراعة أو الحصاد أو جني المحاصيل أو غيرها من الأعمال الفلاحية الأخرى. إذ أدى تقييد عدد من الفلاحين بضرورة الحصول على تراخيص مسبقة من الجهات الأمنية للتنقل إلى أراضيهم إلى هجرة الفلاحة وممارسة أعمال أخرى، وقد باتت أراضيهم نسيًا منسيًا منذ أكثر من ثلاث سنوات.

بشير الكريمي (فلاح من بنقردان): العديد من الفلاحين في الجهة اضطروا إلى ترك أراضيهم والتوجه إلى التجارة

يشير بشير الكريمي، أحد أصحاب الأراضي الفلاحية ببنقردان لـ"ألترا تونس"، إلى أنّه ترك أرضه وما فيها بسبب صعوبة التنقل إليها أو الخضوع إلى تراخيص مسبقة لجمع محاصيله من زيتون أو القيام بالزراعة أو رعي أغنامه، مبينًا أنّ العديد من الفلاحين في الجهة يواجهون نفس الإشكال مما دفعهم إلى ترك أراضيهم والتوجه إلى التجارة أو بعض الأعمال الحرّة الأخرى.   

من جهته، أكد عبد المجيد نبيغ، رئيس اللجنة المحلية للفلاحة في بن قردان لـ"الترا تونس"، تضرر عديد الفلاحين من جراء الساتر الترابي الناشئ على أراضي فلاحية، مبينًا أنه قسم العديد من المراعي التي كانت تُستغل في تربية الأغنام، إضافة إلى إضراره بأراضي كانت تستغل في الزراعات ما أدى إلى إهمال العديد من الأشجار المثمرة. وقال محدثنا إن السلطات لم تراعي هذا الأمر ولم تأخذ بعين الاعتبار مصلحة بعض الفلاحين بالجهة.

أشجار مثمرة دون جني في الذهيبة

نفس المشكل يعانيه أيضًا أصحاب الأراضي في منطقة الذهيبة بتطاوين، أقصى جنوبي تونس، بل اضطر بعضهم إلى هجر منازلهم بعد تشييد الساتر الترابي وفق تأكيدات العديد من سكان المنطقة لـ"ألترا تونس".

ويحدثنا رئيس جمعية التشغيل بالذهيبة على العابدي عن وجود أراضي زيتون وتين تضمّ منازل وآبار حُرم منها أصحابها مشيرًا بالخصوص إلى الأراضي الواقعة بعد الساتر الترابي الحدودي، وذلك بعد منع الدخول إليها وممارسة الأنشطة الفلاحية فيها.

علي العابدي (رئيس جمعية التشغيل بالذهبية): نحن لسنا ضد الساتر الترابي ولا ضد حماية بلادنا ولكن كان من الأفضل إنشاء الساتر على الحدود الرسمية وفق التقسيم الرسمي للحدود

يقول العابدي لـ"ألترا تونس: "نحن لسنا ضد الساتر الترابي ولا ضد حماية بلادنا ولكن كان من الأفضل إنشاء الساتر على الحدود الرسمية وفق التقسيم الرسمي للحدود، وليس إنشاء ساتر يشق أراضي الناس ويحرمها من ممارسة نشاطها الفلاحي سواء جني الزيتون ونحن في موسم جني الزيتون، أو يحرم البعض من رعي الأغنام والإبل".

ويؤكد محدثنا أن هذه الأراضي بات لا يدخلها أصحابها سواء للزراعة أو الحصاد أو جني أشجارهم المثمرة حتى أصبحت أراضي مهملة مضيفًا بالقول "تمّ الحكم علينا كأننا مهربون أو ارهابيين حتى باتت الذهيبة كأرض محتلة أو أرض مغتصبة" وفق تعبيره.

وقفة احتجاجية لفلاحين أمام معتمدية الذهيبة لتسهيل التنقل إلى أراضيهم (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

كما أشار إلى واقعة حصلت بالمنطقة تمثلت في عبور سيارة محملة بالزيتون لوحقت من قبل سيارة الحرس الوطني إلى حد وصول صاحبها إلى بيته الذي تعرض إلى العنف والاعتداء بالضرب أمام منزله، معلقًا "وصل الانتهاك إلى بيوتنا وانتهاك حرمات الناس، ويعتقدون أننا مغفلون أو من وراء –البلايك-".

على صعيد آخر، أشار رئيس جمعية التشغيل بالذهيبة إلى معاناة شباب المنطقة من البطالة بسبب غياب المصانع أو المؤسسات لينضاف إليهم حتى حرمانهم من ممارسة الأنشطة الفلاحية، وفق تعبيره.

وقال، في هذا الجانب، إنه يوجد مثلًا في بن قردان توجد سوق تجارية كبيرة تستقطب العاطلين عن العمل، ولكن لا يوجد في الذهيبة أي نشاط قد يحدّ من مشكل البطالة.  

وأعلمنا علي العبيدي أنه راسل نواب من عدّة أطياف سياسية مختلفة لإيجاد حلّ للفلاحين في الذهيبة حتى يتسنى لهم جني الزيتون من أراضيهم قبل فوات الأوان ولكن "لا حياة لمن تنادي"، وفق قوله.

اتحاد الفلاحين في الذهيبة: فلاحون ممنوعون من أراضيهم رغم التراخيص

مصطفى قويدر، رئيس الاتحاد المحلي للفلاحين بالذهيبة، أكد بدوره لـ"ألترا تونس" أنّ المنطقة أصبحت تحت السلطة العسكرية وباتت مقسمة ومجزأة، بوجود دوريات عسكرية متمركزة في كل منطقة أو حيّ إضافة للدوريات المتنقلة.

وأشار إلى إخضاع بعض الفلاحين إلى تراخيص مسبقة للتنقل إلى أرضيهم، ولكنه حدثنا أن أن بعض الدوريات لا تعترف بهذه التراخيص وتمنع بعض الفلاحين من المرور إلى أراضيهم معلقًا "هي تصرفات فردية تخلق مشاكل نواجهها يوميًا، ونحن كاتحاد فلاحين نتلقى تشكيات عدّة من الفلاحين".

مصطفى قويدر (رئيس الاتحاد المحلي للفلاحين بالذهيبة): المنطقة أصبحت تحت السلطة العسكرية وبعض الدوريات لا تعترف بالتراخيص

اقرأ/ي أيضًا: من "الشتيوي" إلى "البركة".. فلاح عصامي يقود معركة حماية البذور التونسية

على صعيد آخر، قال محدثنا إن "الليبيين يعتبرون الساتر الترابي حدودًا إقليمية رغم أنّ العديد من الأراضي الفلاحية التي توجد بعد الساتر هي على ملك تونسيين، وتوجد حتى بيوت هجرها أصحابها بعد تشييد الساتر".

يطالب الفلاحون في الذهيبة بتسهيل التنقل إلى أراضيهم (مريم الناصري/ألترا تونس)

 

وأوضح أن عدّة مراعي ومساكن وغراسات أصبحت مهملة بسبب صعوبات التنقل أو تقييد حرية التنقل بتراخيص عسكرية مشيرًا إلى وجود غراسات وأشجار مثمرة في أراضي بعد الساتر الترابي بقيت دون جني ثمارها منذ السنة الماضية. وتحدث أيضًا عن منع بعض أصحاب الأغنام أو الإبل من الرّعي في بعض المناطق، أو إشعال النار ليلًا خلال الرعي.

وقال رئيس الاتحاد المحلي للفلاحين بالذهيبة إن بعض المسؤولين الجهويين على غرار المعتمد أو الوالي يحترزون كثيرًا كلما كانت توجد مشكلة للفلاحين مع الجيش أو أي دوريات أمنية يحترزون كثيرا، فلا نجد أيّ باب للتحاور، وفق تعبيره. وأعلمنا إنه راسل أحد نواب دائرة تطاوين في البرلمان لكن دون إيجاد أي حل.

معتمد الذهيبة لـ"ألترا تونس": لا مشاكل كبرى

حمل "ألترا تونس" مشاكل الفلاحين في الذهيبة إلى معتمد الجهة راشد الحداد الذي أكد أنه يتم حلّ أغلبها بتوفير رخص لبعض الفلاحين لتسهيل تنقلهم إلى أراضيهم مفندًا وجود مشاكل كبرى وفق تعبيره، ومؤكدًا على ضرورة احترام الترتيبات الأمنية.

ولكن أشار إلى وجود ما وصفها بإشكاليات معزولة تتعلق ببعض الفلاحين الذين تقع أراضيهم قرب الحدّ مبينًا أنه يجري حلّها حالة بحالة عبر منح تراخيص فلاحية. وقال إن السلطات تدخلت لفتح منفذ عبر الساتر الترابي لتمكين بعض الفلاحين من العبور إلى أراضيهم.

راشد الحداد (معتمد الذهيبة): تدخلت السلطات لفتح منفذ عبر الساتر الترابي لتمكين بعض الفلاحين من العبور إلى أراضيهم

وبين أنه يوجد اشكال آخر يتعلّق ببعض المناطق الرعوية التي يُمنع الرعاة من الوصول إليها، مبينًا أنه يُسمح لهم فقط بالتنقل إلى أراضيهم لجني الزيتون لكن دون الرعي بعد الساتر.

كما أشار معتمد الجهة، في حديثه لـ"ألترا تونس" إلى بعض مخاوف الفلاحين من اعتماد دولة الجوار، ليبيا، الساتر الترابي كحد اقليمي خاصة بعد استغلال بعض هذه الأراضي من الجانب الليبي، مؤكدًا أنها "تبقى مجرّد مخاوف على اعتبار أنّ الحدود محدّدة وفق الأمم المتحدة" وفق تأكيده.

ختامًا يذكر أنّه منذ إعلان رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد بتاريخ 7 جوان/يونيو 2015 عن الشروع في بناء ساتر ترابي على طول الحدود مع ليبيا لمنع تسلل الإرهابيين ومهربي السلاح، رفضت المنظمات الوطنية، الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، تشديد هذا الساتر لما يمكن أن يسببه من تعطّل تجارة تجار المناطق الحدودية ويحدّ من تحركاتهم. وأشارت المنظمات، في بيان مشترك لفروعها في بنقردان، أنّ اللجوء إلى طريقة الجدار العازل يمثّل "عنوان فشل في مقاومة الإرهاب ودليل ضعف في صفوف المؤسسات المعنية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مدن الحدود الجنوبيّة لتونس: الإقصاء والعقاب (1/2)

مدن الحدود الجنوبيّة لتونس: الإقصاء والعقاب (2/2)